الملخص التنفيذي لتقرير عين على الأقصى السابع عشر 2023
مدينة القدس
ما زال ميدان المسجد الأقصى مفتوحًا على مواجهات ضارية وغير متكافئة بين احتلال يمتلك فائض قوة هائلة، وشعب فلسطيني قليل العُدَّة، تسنده شعوب عربية وإسلامية مثقلة بالجراح وبالهموم. وطوى العام المنصرم صفحة من صفحات هذه المعركة من دون أنْ تُذيَّلَ بانتصارٍ ساحقٍ لأيِّ طرفٍ، ولكنَّ عدم قدرة الاحتلال على حسم معركة الأقصى مع كل ما يمتلكه من إمكانيات وقوة هو بحدِّ ذاته خسارة للاحتلال.
وجدت منظمات المعبد المتطرفة نفسها في ظروف سانحة بصورة غير مسبوقة؛ لفرض وقائع جوهرية لمصلحة اليهود في الأقصى، ووجدت ضالتها في وزراء متطرفين من طراز إيتمار بن جفير وسموتريتش وغيرهما؛ فوضعت مطالبها العشرة أمام طاولة بن جفير وزير الأمن الداخلي الذي أرخى آذانه باهتمام وتجاوب لمطالب منظمات المعبد، ومضى يضغط على الشرطة الإسرائيلية لإحداث تغييرات في سلوكها بما يوسع هامش الوجود اليهودي في المسجد الأقصى، وهامش السلوك اليهودي فيه على طريق إسقاط كل القيود التي يرى متطرفو منظمات المعبد أنها تكبل اليهود وتمنعهم من حرية عبادتهم داخل الأقصى.
إذًا، وقف الأقصى وجهًا لوجهٍ أمام أعتى حكومةٍ إسرائيلية تسلَّمَ نصفَ حقائبها وزراءُ داعمون لمنظمات المعبد، ووضعت هذه الحكومة ومعها أنصارها من جماعات المعبد كل ثقلهم لدفع مخططات تهويد الأقصى قُدمًا، وتكثيف الوجود اليهودي فيه، وكسر كثير من القيود التي كانت مفروضة على اليهود في الأقصى، وتمكين اليهود من أداء كامل طقوسهم داخله، وصولًا إلى محاولات تشريع قانون لتقسيم الأقصى مكانيَّا، ومساعي إيجاد "البقرة الحمراء" التي يعولون عليها لتحقيق شرط الطهارة ثم تحطيم كل قيود مفروضة على اليهود لدخول الأقصى والصلاة فيه. ويمكننا القول إن ذكرى "خراب المعبد" التي حلَّت في 27/7/2023 ستكون محور حديث الباحثين في قادم السنوات بوصف ما جرى فيها من اقتحامات وتجاوزات وصلوات وطقوس يهودية غير مسبوق.
وعلى صعيد تهديد بنيان الأقصى ورمزيته، ضربت ماكينة الحفر والتجريف والمصادرة والبناء في الجهات الأربع المحيطة بالأقصى، ونجم عن ذلك تهديد مباشر لمبانيه، وكان من علامات ذلك تساقط حجارة في غير مرة من مصلى الأقصى القديم، ومصلى قبة الصخرة. والاحتلال في قضية بنيان الأقصى يحاصره بفكي كمّاشة، أحدهما الحفريات والأنفاق والمباني التهويدية، وثانيهما منع الأوقاف الإسلامية من ترميم المسجد وصيانته، والنتيجة الحتمية لهذه السياسة هي أن يُترك الأقصى ليلقى مصيره من التشققات والانهيارات والتلف.
بكلمة موجزة، واصل الاحتلال في العام الماضي سياسة الإحلال الديني في المسجد الأقصى، وقطع شوطًا لا بأس به فيها.
في مقابل هذه الجرائم الإسرائيلية بحق الأقصى، وثق التقرير مزيدًا من تصليب جبهة الصمود والمقاومة؛ فقد خاض الفلسطينيون معركة الاعتكاف في رمضان، وفرضوا على الاحتلال التراجع، وأحيوا مبادرة "الفجر العظيم"، وأطلقوا مبادرة "قناديل الرحمة" لعمارة مصلى باب الرحمة بالمصلين وحمايته من مخططات الاحتلال التي تستهدفه، وواصلوا شد الرحال إلى المسجد، وخاضوا المواجهات مع جنوده، وأفلحوا في تنفيذ عمليات نوعية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وكان رأس فعلهم المقاوم المؤثر فتح أكثر من جبهة لإطلاق الصواريخ على الاحتلال، وكان ذلك تطورًا بارزًا بنى على مكاسب "سيف القدس"؛ فقد أطلق مقاومو غزة الصواريخ على الاحتلال الذي تمادي في اعتداءاته على المسجد الأقصى في رمضان، وفاجأت جبهة لبنان الاحتلال برشقة من عشرات الصواريخ دفاعًا عن المسجد الأقصى، ولحقتها جبهة الجولان السوري المحتل، إضافة إلى جبهة الضفة الغربية والقدس التي لم تهدأ طوال العام الماضي، وكل ذلك أربك حسابات الاحتلال الذي لم يشفَ وعيُه من الكيِّ الذي أحدثه التحام غيرُ جبهة في قتل الاحتلال واستنزافه في معركة "سيف القدس" عام 2021.
وبين خطَّي المواجهة، برز خطُّ بعض الأنظمة العربية والإسلامية وجنح نحو الاحتلال راغبًا في تعميق التطبيع معه، بل إنَّ أنظمة التطبيع اختارت تبني رواية الاحتلال، وسعت إلى توفير خدمات له ومدِّ حبل الأمن له؛ عبر مساعدته في إخماد غليان الفلسطينيين الذي كان يتوقع الاحتلال انفجاره في وجهه في شهر رمضان الذي تزامن مع عيد الفصح العبري، وفي سبيل ذلك عقدت هذه الأنظمة مع الاحتلال قمة العقبة في 26/2/2023، وقمة شرم الشيخ في 19/3/2023.
لقد سلط تقرير عين على الأقصى السابع عشر الضوء على مجمل التطورات والأحداث والمواقف والفعاليات والمشاريع المتعلقة بالأقصى، وأشار إلى مكامن التقدم الإسرائيلي، ومكامن التراجع، والفرص المتاحة، ولا سيما مع استمرار الأزمة الداخلية الإسرائيلية، وقدَّم توصيات للجهات المختلفة عسى أنْ تستفيد منها، وتترجمها إلى برامج عملية تسهم في قلب الموازين ضد الاحتلال، واغتنام الفرص لتحقيق مزيد من المكاسب عليه، وصولًا إلى كفِّ يده عن المسجد الأقصى.
هشام يعقوب
رئيس قسم الأبحاث والمعلومات
مدينة القدس
ما زال ميدان المسجد الأقصى مفتوحًا على مواجهات ضارية وغير متكافئة بين احتلال يمتلك فائض قوة هائلة، وشعب فلسطيني قليل العُدَّة، تسنده شعوب عربية وإسلامية مثقلة بالجراح وبالهموم. وطوى العام المنصرم صفحة من صفحات هذه المعركة من دون أنْ تُذيَّلَ بانتصارٍ ساحقٍ لأيِّ طرفٍ، ولكنَّ عدم قدرة الاحتلال على حسم معركة الأقصى مع كل ما يمتلكه من إمكانيات وقوة هو بحدِّ ذاته خسارة للاحتلال.
وجدت منظمات المعبد المتطرفة نفسها في ظروف سانحة بصورة غير مسبوقة؛ لفرض وقائع جوهرية لمصلحة اليهود في الأقصى، ووجدت ضالتها في وزراء متطرفين من طراز إيتمار بن جفير وسموتريتش وغيرهما؛ فوضعت مطالبها العشرة أمام طاولة بن جفير وزير الأمن الداخلي الذي أرخى آذانه باهتمام وتجاوب لمطالب منظمات المعبد، ومضى يضغط على الشرطة الإسرائيلية لإحداث تغييرات في سلوكها بما يوسع هامش الوجود اليهودي في المسجد الأقصى، وهامش السلوك اليهودي فيه على طريق إسقاط كل القيود التي يرى متطرفو منظمات المعبد أنها تكبل اليهود وتمنعهم من حرية عبادتهم داخل الأقصى.
إذًا، وقف الأقصى وجهًا لوجهٍ أمام أعتى حكومةٍ إسرائيلية تسلَّمَ نصفَ حقائبها وزراءُ داعمون لمنظمات المعبد، ووضعت هذه الحكومة ومعها أنصارها من جماعات المعبد كل ثقلهم لدفع مخططات تهويد الأقصى قُدمًا، وتكثيف الوجود اليهودي فيه، وكسر كثير من القيود التي كانت مفروضة على اليهود في الأقصى، وتمكين اليهود من أداء كامل طقوسهم داخله، وصولًا إلى محاولات تشريع قانون لتقسيم الأقصى مكانيَّا، ومساعي إيجاد "البقرة الحمراء" التي يعولون عليها لتحقيق شرط الطهارة ثم تحطيم كل قيود مفروضة على اليهود لدخول الأقصى والصلاة فيه. ويمكننا القول إن ذكرى "خراب المعبد" التي حلَّت في 27/7/2023 ستكون محور حديث الباحثين في قادم السنوات بوصف ما جرى فيها من اقتحامات وتجاوزات وصلوات وطقوس يهودية غير مسبوق.
وعلى صعيد تهديد بنيان الأقصى ورمزيته، ضربت ماكينة الحفر والتجريف والمصادرة والبناء في الجهات الأربع المحيطة بالأقصى، ونجم عن ذلك تهديد مباشر لمبانيه، وكان من علامات ذلك تساقط حجارة في غير مرة من مصلى الأقصى القديم، ومصلى قبة الصخرة. والاحتلال في قضية بنيان الأقصى يحاصره بفكي كمّاشة، أحدهما الحفريات والأنفاق والمباني التهويدية، وثانيهما منع الأوقاف الإسلامية من ترميم المسجد وصيانته، والنتيجة الحتمية لهذه السياسة هي أن يُترك الأقصى ليلقى مصيره من التشققات والانهيارات والتلف.
بكلمة موجزة، واصل الاحتلال في العام الماضي سياسة الإحلال الديني في المسجد الأقصى، وقطع شوطًا لا بأس به فيها.
في مقابل هذه الجرائم الإسرائيلية بحق الأقصى، وثق التقرير مزيدًا من تصليب جبهة الصمود والمقاومة؛ فقد خاض الفلسطينيون معركة الاعتكاف في رمضان، وفرضوا على الاحتلال التراجع، وأحيوا مبادرة "الفجر العظيم"، وأطلقوا مبادرة "قناديل الرحمة" لعمارة مصلى باب الرحمة بالمصلين وحمايته من مخططات الاحتلال التي تستهدفه، وواصلوا شد الرحال إلى المسجد، وخاضوا المواجهات مع جنوده، وأفلحوا في تنفيذ عمليات نوعية ضد جنود الاحتلال ومستوطنيه، وكان رأس فعلهم المقاوم المؤثر فتح أكثر من جبهة لإطلاق الصواريخ على الاحتلال، وكان ذلك تطورًا بارزًا بنى على مكاسب "سيف القدس"؛ فقد أطلق مقاومو غزة الصواريخ على الاحتلال الذي تمادي في اعتداءاته على المسجد الأقصى في رمضان، وفاجأت جبهة لبنان الاحتلال برشقة من عشرات الصواريخ دفاعًا عن المسجد الأقصى، ولحقتها جبهة الجولان السوري المحتل، إضافة إلى جبهة الضفة الغربية والقدس التي لم تهدأ طوال العام الماضي، وكل ذلك أربك حسابات الاحتلال الذي لم يشفَ وعيُه من الكيِّ الذي أحدثه التحام غيرُ جبهة في قتل الاحتلال واستنزافه في معركة "سيف القدس" عام 2021.
وبين خطَّي المواجهة، برز خطُّ بعض الأنظمة العربية والإسلامية وجنح نحو الاحتلال راغبًا في تعميق التطبيع معه، بل إنَّ أنظمة التطبيع اختارت تبني رواية الاحتلال، وسعت إلى توفير خدمات له ومدِّ حبل الأمن له؛ عبر مساعدته في إخماد غليان الفلسطينيين الذي كان يتوقع الاحتلال انفجاره في وجهه في شهر رمضان الذي تزامن مع عيد الفصح العبري، وفي سبيل ذلك عقدت هذه الأنظمة مع الاحتلال قمة العقبة في 26/2/2023، وقمة شرم الشيخ في 19/3/2023.
لقد سلط تقرير عين على الأقصى السابع عشر الضوء على مجمل التطورات والأحداث والمواقف والفعاليات والمشاريع المتعلقة بالأقصى، وأشار إلى مكامن التقدم الإسرائيلي، ومكامن التراجع، والفرص المتاحة، ولا سيما مع استمرار الأزمة الداخلية الإسرائيلية، وقدَّم توصيات للجهات المختلفة عسى أنْ تستفيد منها، وتترجمها إلى برامج عملية تسهم في قلب الموازين ضد الاحتلال، واغتنام الفرص لتحقيق مزيد من المكاسب عليه، وصولًا إلى كفِّ يده عن المسجد الأقصى.
هشام يعقوب
رئيس قسم الأبحاث والمعلومات