بعد رمضان قاس.. الأقصى يواجه تحدي قرابين الفصح اليهودي!
د. عبد الله معروف
بعد انقضاء رمضان، نجد أنفسنا أمام سؤال منطقي يتبادر إلى ذهن كل مهتم بشؤون المسجد الأقصى المبارك، وهو: ما الذي حدث هناك هذا العام خلال شهر الصيام؟
فترتيبات الاحتلال كانت مختلفة إلى حد ما عن السنوات الماضية، وشهد رمضان إجراءات اختلفت في طبيعتها وصورتها عما كان معتادًا، أو حتى متوقعًا من إسرائيل؛ تبعًا لخطورة الأحداث الجارية حاليًا في الحرب ضد غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما سينعكس بالضرورة على قراءة الأحداث المتوقّعة بعد أن انتهى الشهر.
إن كان هناك جديد، فهو كما يبدو دخول العنصر الأميركي في معادلة العمل داخل المسجد الأقصى، إذ لا تنفكّ التقارير والمشاهدات تتواتر من داخل المسجد حول دخول عناصر أمنية وسياسية أميركية غير معلنة أكثر من مرة قِبل وخلال شهر رمضان، لكنّ أيًا من التقارير التي أوردت هذه الأنباء لم تذكر أسبابَ وطبيعة هذه العناصر وطريقة عملها فعليًا، وهو ما يجعل من المنطق القول؛ إنها كانت جزءًا من الدعم الأميركي اللامحدود لحكومة نتنياهو؛ لمساعدته على ضبط الوضع في القدس في هذا الوقت الحساس.
وإن صحت التقارير التي تكلمت عن وجود هذه العناصر، فإنه يبدو أن الأميركيين كان لهم يد في مساعدة حكومة نتنياهو على تجاوز عقبة رمضان بأقل قدر ممكن من المواجهات والأضرار. ويبدو أن هذه التقارير كانت على درجة من الصحة، فقد رأينا هذا العام استخدام وسائل غير معهودة من الإسرائيليين في المسجد الأقصى، فعلى سبيل المثال: نشرت قوات الاحتلال كاميرات تستعمل الذكاء الاصطناعي؛ للتعرف على وجوه المصلين مهما كانت أعدادهم، وبموجب ذلك شنّت حملات اعتقالات بحقّ كل شخص ثبت لديها من خلال المراقبة أنه ضالع في الحراك الشعبي المقدسي، أو الوقفات الاحتجاجية داخل المسجد الأقصى، وخاصة تلك التي نادت بنداءاتٍ لأجل قطاع غزة.
كما رأينا سلطات الاحتلال تهاجم الوقفات الاحتجاجية داخل المسجد الأقصى، لا بأفراد الشرطة والجنود هذه المرّة – كما كانت تفعل طوال أكثر من خمسة وخمسين عامًا- وإنما من خلال إلقاء القنابل الدخانية والمسيلة للدموع، بواسطة طائرات مسيرة، وهذا أمر غير مسبوق يبدو أن الهدف منه هو عدم السماح بالتقاط أية صورةٍ لجندي يقتحم المسجد الأقصى في ليالي العشر الأواخر من رمضان، منتهكا حرمته وحرمة الشهر الفضيل، بما يزيد الاحتقان العالمي ضد إسرائيل.
لا يمكن تحليل هذه التغييرات في التكتيك الإسرائيلي بمعزل عن المساعدة الأميركية له، وذلك يشبه إلى حد ما أحداث إطلاق وأسلوب الحرب البرية في غزة، حيث اتبعت الأسلوب الأميركي لا الإسرائيلي كما يقول محللون كُثر.
إسرائيل حاولت قبل وطوال شهر رمضان أن تتعامل مع التحدي الكبير الذي يشكله لها هذا الشهر بالمزاوجة بين رغبات إيتمار بن غفير المتطرفة بتطبيق سياسة “صفر فلسطينيين” بالقوة المفرطة من ناحية، وتحذيرات أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية بضرورة تخفيف القبضة الأمنية على المدينة المقدسة؛ خوفًا من انفجارها مع الضفة الغربية، من ناحية أخرى.
ويبدو أنّ النصيحة الأميركية أثبتت نجاعتها في النهاية، حيث لجأت حكومة نتنياهو إلى الوقوف بين الفريقين من خلال سياسة العصا والجزرة؛ فأعلنت “السماح” للفلسطينيين من الضفة الغربية بالوصول إلى المسجد الأقصى، بشروط معقدة، تتمحور حول الأمن والتأكد من ألا يكون الشخص خطرًا أمنيًا على الاحتلال، أو عنصرًا يمكنه تأجيج الأوضاع في المسجد، خلال شهر رمضان، بما يضمن تحويل إسرائيل إلى المرجع السيادي في موضوع دخول المسجد الأقصى.
وفي نفس الوقت، عمدت إلى تحديد عدد من سمحت بدخولهم في صلاة التراويح إلى ما لا يزيد على 50 ألف مصلٍّ، و120 ألفًا في صلاة الجمعة، وهي أعداد تعتبر قليلةً جدًا في مثل هذا الموسم. ولذلك فإن محاولة تصوير هذه الأعداد على أنها انتصار للشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، ليست من الصواب في شيء، في نظري؛ لأن الاحتلال ضغط بكل قوته لعدم زيادة الأعداد عما يريده هو. ومن الواضح أنّ هذه الإجراءات المختلفة هذا العام، تمت بإشراف أميركي كامل بحيث يمر الشهر نظريًا بهدوء.
إن كان لهذا الأمر تبعات في المستقبل القريب، فإنها ستكون أقرب مما يتخيل الكثيرون، إذ إن إسرائيل تعتبر أنها نجحت نسبيًا في تجاوز عقبة شهر رمضان المبارك دون الدخول في مواجهة عارمةٍ في المنطقة، بالرغم من أن كافة عناصر إطلاق هذه المواجهة، ما زالت متوفرةً في المناخ الفلسطيني والإقليمي الشعبي العام.
ولذلك، فإن إسرائيل ستحاول الاستفادة من هذا النجاح النسبي في المستقبل القريب بأسرع وقت ممكن؛ خوفًا من ضياع هذه الفرصة. وأولى الفرص المتاحة لليمين الحاكم اليوم في إسرائيل، تتمثل في عيد الفِصْح العبري الذي يبدأ يوم الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان الجاري، ويستمر لثمانية أيام.
فهذا الموسم يعتبر أهم موسم في السنة لاقتحامات المسجد الأقصى المبارك، وأداء أحد أهم الطقوس الدينية فيه، بل الطقس الديني الوحيد الذي لم تتمكن جماعات الصهيونية الدينية المتطرفة من تنفيذه حتى الآن في المسجد الأقصى، وهو عملية ذبح القرابين الحيوانية داخل المسجد.
هذه العملية تختلف تمامًا عن موضوع البقرة الحمراء الذي يعتبر طقسًا وحيدًا يرتبط بالتطهر من نجاسة الموتى، والسماح لليهود بالدخول إلى المسجد الأقصى، والذي يواجه حاليًا ضغوطًا داخلية وخارجية كبيرة؛ لمنع تنفيذه هذا العام في موعده المحدد دينيًا لدى هذه الجماعات.
وإنما نتحدث هنا عن عمليةٍ سنويةٍ لذبح قربان عيد الفصح العبري، فيما تعتبره هذه الجماعات “جبل المعبد”، حيث يفترض النص الديني لديها ضرورة إدخال ماعز صغير على الأقل إلى هذا المكان المقدس، وذبحه؛ تقربًا إلى الله في عيد الفصح العبري كل عام، وتفترض الرواية التوراتية أن كل من يستطيع تقديم القرابين في المعبد يجب عليه ذلك.
ولهذا، فإن جماعات المعبد المتطرفة دأبت خلال السنوات العشر الماضية على محاولة إدخال قربان الفصح (ماعز صغير)، إلى المسجد الأقصى خلال أيام عيد الفصح باستمرار، وحرصت هذا العام- كما في الأعوام الماضية – على تقديم طلبٍ رسمي لشرطة الاحتلال للسماح لها بتقديم قربان الفصح داخل المسجد، بل وصل بها الأمر – على مدار السنوات الخمس الماضية – إلى الإعلان عن جوائز وصلت إلى عشرة آلاف شيكل (حوالي ثلاثة آلاف دولار) لمن ينجح في تهريب ماعز إلى داخل المسجد الأقصى وذبحه فيه، وذلك لتحريض أفرادها على محاولة إقامة هذا الطقس الديني بأية طريقة.
وتهدف هذه الجماعات من هذا العمل كله إلى تحقيق كافة الطقوس الدينية داخل المسجد الأقصى؛ بما يضمن أن تكون قد أقامت المعبد معنويًا من خلال إقامة جميع عباداته وطقوسه فعليًا، قبل أن تقدِم على إقامته ماديًا في المستقبل القريب، حسب رؤيتها.
هذا الأمر لا يكاد يختلف عليه اثنان في اليمين الإسرائيلي اليوم، إذ بينما تحاول جماعات ما يسمى “إدارة جبل المعبد” التابعة لاتحاد منظمات المعبد، التي نصَّبت نفسها “إدارةً” للمسجد الأقصى، إقناعَ شرطة الاحتلال بضرورة السماح للمتدينين المتطرفين بالقيام بهذه العملية، نرى جماعةً متطرفةً معارضةً لتلك الأولى في خطها العام مثل منظمة “بيدينو”، التي يرأسها المتطرف تومي نيساني، تقيم مؤتمرًا حاشدًا؛ لدراسة كيفية تطبيق رؤيتها حول عيد الفصح العبري، وإقامة طقوسه داخل المسجد الأقصى، بمشاركة شخصيات مهمة وأكاديمية، مثل؛ الأكاديمي المتطرف “موردخاي كيدار” الأستاذ بجامعة بار إيلان، والذي خصص كلمته للحديث عن “العقبات الإسلامية” في وجه إقامة الطقوس الدينية للجماعات المتطرفة في المسجد الأقصى.
المتطرفون لدى الاحتلال يعرفون أن المعركة لا بد أن تحسم في القدس، والجديد هذا العام أن هناك فئات أخرى وقوى دولية باتت تساند إسرائيل في هذه المعادلة، وتحاول حسم الأمور لصالحها في القدس، وفي الحقيقة فإن حسم الأمور لصالح إسرائيل في المسجد الأقصى، يعد هدفًا إستراتيجيًا لا تكتيكيًا فقط، لأنه لو حدث كما تتمنى إسرائيل، فسيكون رسالةً إلى الجانب الفلسطيني تحاول إقناعه بأن عملية “طوفان الأقصى” كانت معركةً عبثية، وأن كافة مخرجاتها التي أرادتها فصائل المقاومة الفلسطينية كانت هباءً فقط.
د. عبد الله معروف
بعد انقضاء رمضان، نجد أنفسنا أمام سؤال منطقي يتبادر إلى ذهن كل مهتم بشؤون المسجد الأقصى المبارك، وهو: ما الذي حدث هناك هذا العام خلال شهر الصيام؟
فترتيبات الاحتلال كانت مختلفة إلى حد ما عن السنوات الماضية، وشهد رمضان إجراءات اختلفت في طبيعتها وصورتها عما كان معتادًا، أو حتى متوقعًا من إسرائيل؛ تبعًا لخطورة الأحداث الجارية حاليًا في الحرب ضد غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو ما سينعكس بالضرورة على قراءة الأحداث المتوقّعة بعد أن انتهى الشهر.
إن كان هناك جديد، فهو كما يبدو دخول العنصر الأميركي في معادلة العمل داخل المسجد الأقصى، إذ لا تنفكّ التقارير والمشاهدات تتواتر من داخل المسجد حول دخول عناصر أمنية وسياسية أميركية غير معلنة أكثر من مرة قِبل وخلال شهر رمضان، لكنّ أيًا من التقارير التي أوردت هذه الأنباء لم تذكر أسبابَ وطبيعة هذه العناصر وطريقة عملها فعليًا، وهو ما يجعل من المنطق القول؛ إنها كانت جزءًا من الدعم الأميركي اللامحدود لحكومة نتنياهو؛ لمساعدته على ضبط الوضع في القدس في هذا الوقت الحساس.
وإن صحت التقارير التي تكلمت عن وجود هذه العناصر، فإنه يبدو أن الأميركيين كان لهم يد في مساعدة حكومة نتنياهو على تجاوز عقبة رمضان بأقل قدر ممكن من المواجهات والأضرار. ويبدو أن هذه التقارير كانت على درجة من الصحة، فقد رأينا هذا العام استخدام وسائل غير معهودة من الإسرائيليين في المسجد الأقصى، فعلى سبيل المثال: نشرت قوات الاحتلال كاميرات تستعمل الذكاء الاصطناعي؛ للتعرف على وجوه المصلين مهما كانت أعدادهم، وبموجب ذلك شنّت حملات اعتقالات بحقّ كل شخص ثبت لديها من خلال المراقبة أنه ضالع في الحراك الشعبي المقدسي، أو الوقفات الاحتجاجية داخل المسجد الأقصى، وخاصة تلك التي نادت بنداءاتٍ لأجل قطاع غزة.
كما رأينا سلطات الاحتلال تهاجم الوقفات الاحتجاجية داخل المسجد الأقصى، لا بأفراد الشرطة والجنود هذه المرّة – كما كانت تفعل طوال أكثر من خمسة وخمسين عامًا- وإنما من خلال إلقاء القنابل الدخانية والمسيلة للدموع، بواسطة طائرات مسيرة، وهذا أمر غير مسبوق يبدو أن الهدف منه هو عدم السماح بالتقاط أية صورةٍ لجندي يقتحم المسجد الأقصى في ليالي العشر الأواخر من رمضان، منتهكا حرمته وحرمة الشهر الفضيل، بما يزيد الاحتقان العالمي ضد إسرائيل.
لا يمكن تحليل هذه التغييرات في التكتيك الإسرائيلي بمعزل عن المساعدة الأميركية له، وذلك يشبه إلى حد ما أحداث إطلاق وأسلوب الحرب البرية في غزة، حيث اتبعت الأسلوب الأميركي لا الإسرائيلي كما يقول محللون كُثر.
إسرائيل حاولت قبل وطوال شهر رمضان أن تتعامل مع التحدي الكبير الذي يشكله لها هذا الشهر بالمزاوجة بين رغبات إيتمار بن غفير المتطرفة بتطبيق سياسة “صفر فلسطينيين” بالقوة المفرطة من ناحية، وتحذيرات أجهزة الاستخبارات والأجهزة الأمنية بضرورة تخفيف القبضة الأمنية على المدينة المقدسة؛ خوفًا من انفجارها مع الضفة الغربية، من ناحية أخرى.
ويبدو أنّ النصيحة الأميركية أثبتت نجاعتها في النهاية، حيث لجأت حكومة نتنياهو إلى الوقوف بين الفريقين من خلال سياسة العصا والجزرة؛ فأعلنت “السماح” للفلسطينيين من الضفة الغربية بالوصول إلى المسجد الأقصى، بشروط معقدة، تتمحور حول الأمن والتأكد من ألا يكون الشخص خطرًا أمنيًا على الاحتلال، أو عنصرًا يمكنه تأجيج الأوضاع في المسجد، خلال شهر رمضان، بما يضمن تحويل إسرائيل إلى المرجع السيادي في موضوع دخول المسجد الأقصى.
وفي نفس الوقت، عمدت إلى تحديد عدد من سمحت بدخولهم في صلاة التراويح إلى ما لا يزيد على 50 ألف مصلٍّ، و120 ألفًا في صلاة الجمعة، وهي أعداد تعتبر قليلةً جدًا في مثل هذا الموسم. ولذلك فإن محاولة تصوير هذه الأعداد على أنها انتصار للشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال، ليست من الصواب في شيء، في نظري؛ لأن الاحتلال ضغط بكل قوته لعدم زيادة الأعداد عما يريده هو. ومن الواضح أنّ هذه الإجراءات المختلفة هذا العام، تمت بإشراف أميركي كامل بحيث يمر الشهر نظريًا بهدوء.
إن كان لهذا الأمر تبعات في المستقبل القريب، فإنها ستكون أقرب مما يتخيل الكثيرون، إذ إن إسرائيل تعتبر أنها نجحت نسبيًا في تجاوز عقبة شهر رمضان المبارك دون الدخول في مواجهة عارمةٍ في المنطقة، بالرغم من أن كافة عناصر إطلاق هذه المواجهة، ما زالت متوفرةً في المناخ الفلسطيني والإقليمي الشعبي العام.
ولذلك، فإن إسرائيل ستحاول الاستفادة من هذا النجاح النسبي في المستقبل القريب بأسرع وقت ممكن؛ خوفًا من ضياع هذه الفرصة. وأولى الفرص المتاحة لليمين الحاكم اليوم في إسرائيل، تتمثل في عيد الفِصْح العبري الذي يبدأ يوم الثالث والعشرين من أبريل/ نيسان الجاري، ويستمر لثمانية أيام.
فهذا الموسم يعتبر أهم موسم في السنة لاقتحامات المسجد الأقصى المبارك، وأداء أحد أهم الطقوس الدينية فيه، بل الطقس الديني الوحيد الذي لم تتمكن جماعات الصهيونية الدينية المتطرفة من تنفيذه حتى الآن في المسجد الأقصى، وهو عملية ذبح القرابين الحيوانية داخل المسجد.
هذه العملية تختلف تمامًا عن موضوع البقرة الحمراء الذي يعتبر طقسًا وحيدًا يرتبط بالتطهر من نجاسة الموتى، والسماح لليهود بالدخول إلى المسجد الأقصى، والذي يواجه حاليًا ضغوطًا داخلية وخارجية كبيرة؛ لمنع تنفيذه هذا العام في موعده المحدد دينيًا لدى هذه الجماعات.
وإنما نتحدث هنا عن عمليةٍ سنويةٍ لذبح قربان عيد الفصح العبري، فيما تعتبره هذه الجماعات “جبل المعبد”، حيث يفترض النص الديني لديها ضرورة إدخال ماعز صغير على الأقل إلى هذا المكان المقدس، وذبحه؛ تقربًا إلى الله في عيد الفصح العبري كل عام، وتفترض الرواية التوراتية أن كل من يستطيع تقديم القرابين في المعبد يجب عليه ذلك.
ولهذا، فإن جماعات المعبد المتطرفة دأبت خلال السنوات العشر الماضية على محاولة إدخال قربان الفصح (ماعز صغير)، إلى المسجد الأقصى خلال أيام عيد الفصح باستمرار، وحرصت هذا العام- كما في الأعوام الماضية – على تقديم طلبٍ رسمي لشرطة الاحتلال للسماح لها بتقديم قربان الفصح داخل المسجد، بل وصل بها الأمر – على مدار السنوات الخمس الماضية – إلى الإعلان عن جوائز وصلت إلى عشرة آلاف شيكل (حوالي ثلاثة آلاف دولار) لمن ينجح في تهريب ماعز إلى داخل المسجد الأقصى وذبحه فيه، وذلك لتحريض أفرادها على محاولة إقامة هذا الطقس الديني بأية طريقة.
وتهدف هذه الجماعات من هذا العمل كله إلى تحقيق كافة الطقوس الدينية داخل المسجد الأقصى؛ بما يضمن أن تكون قد أقامت المعبد معنويًا من خلال إقامة جميع عباداته وطقوسه فعليًا، قبل أن تقدِم على إقامته ماديًا في المستقبل القريب، حسب رؤيتها.
هذا الأمر لا يكاد يختلف عليه اثنان في اليمين الإسرائيلي اليوم، إذ بينما تحاول جماعات ما يسمى “إدارة جبل المعبد” التابعة لاتحاد منظمات المعبد، التي نصَّبت نفسها “إدارةً” للمسجد الأقصى، إقناعَ شرطة الاحتلال بضرورة السماح للمتدينين المتطرفين بالقيام بهذه العملية، نرى جماعةً متطرفةً معارضةً لتلك الأولى في خطها العام مثل منظمة “بيدينو”، التي يرأسها المتطرف تومي نيساني، تقيم مؤتمرًا حاشدًا؛ لدراسة كيفية تطبيق رؤيتها حول عيد الفصح العبري، وإقامة طقوسه داخل المسجد الأقصى، بمشاركة شخصيات مهمة وأكاديمية، مثل؛ الأكاديمي المتطرف “موردخاي كيدار” الأستاذ بجامعة بار إيلان، والذي خصص كلمته للحديث عن “العقبات الإسلامية” في وجه إقامة الطقوس الدينية للجماعات المتطرفة في المسجد الأقصى.
المتطرفون لدى الاحتلال يعرفون أن المعركة لا بد أن تحسم في القدس، والجديد هذا العام أن هناك فئات أخرى وقوى دولية باتت تساند إسرائيل في هذه المعادلة، وتحاول حسم الأمور لصالحها في القدس، وفي الحقيقة فإن حسم الأمور لصالح إسرائيل في المسجد الأقصى، يعد هدفًا إستراتيجيًا لا تكتيكيًا فقط، لأنه لو حدث كما تتمنى إسرائيل، فسيكون رسالةً إلى الجانب الفلسطيني تحاول إقناعه بأن عملية “طوفان الأقصى” كانت معركةً عبثية، وأن كافة مخرجاتها التي أرادتها فصائل المقاومة الفلسطينية كانت هباءً فقط.