بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم الأحد 29 ايار 2022 يوم مفصلي في تاريخ الصراع على السيادة على القدس والمسجد الأقصى المبارك، والأيام بعد هذا التاريخ لن تكون كالايام قبله لعدة اعتبارات:
أولا : حرص الاحتلال على خرق كل محرم سابق في اقتحاماته للمسجد الأقصى المبارك، فقد بدأت الاقتحامات دون الحاجة لتفريغ المسجد الأقصى المبارك من المعتكفين المرابطين فيه بل اكتفى بإغلاق المسجد القبلي فقط.
ثانياً : غير الاحتلال من مسار جولة المقتحمين ومدة مكوثهم بهدف إدخال أكبر عدد ممكن قبل الساعة الحادية عشر صباحا، وحرص على كسر العدد الأكبر في تاريخ الاقتحامات وهو 1225 مقتحم في أيام الفصح العبري.
ثالثاً : أعلن الاحتلال أن عدد المقتحمين اليوم بلغ 1800 مقتحم، واعلنت الأوقاف الإسلامية أن عددهم 1044 مقتحم فقط، رغم وجود تكرار بحيث يدخل بعض المقتحمين أكثر من مرة.
رابعاً : تم تنفيذ طقوس توراتية علنية وصلوات جماعية بصوت مرتفع وعشرات من السجود الملحمي ورفع الأعلام في مجموعة المقتحمين الأخيرة التي أضطر الاحتلال إلى تغيير مسار جولة المقتحمين إلى المرور فقط من باب المغاربة حتى باب السلسلة فقط. يعني 60 متر فقط لأن المرابطين ثاروا في وجهه ولم يتم سحب الأعلام منهم بل أكتفت بإخراجهم.
خامساً : حرص الاحتلال على بدء الاقتحام في السابعة صباحاً وإنهاء الاقتحام الساعة الحادية عشر ودقيقة واحدة صباحا، وفي ذلك إقرار وتمرير للتقسيم الزماني بدقة عالية.
سادساً : تم إخراج الحاخام الذي حاول تنفيذ صلوات جماعية أمام سبيل الكأس في خطوة لجعل تنفيذ هذه الطقوس في المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك طبيعية ويتم الاعتراض على مكانها فقط لا الاعتراض على وجودها أصلا.
سابعا : رغم أن الوجود الإسلامي في القدس ومحيط القدس القديمة 94% ما يزال الاحتلال قادرا على جلب المقتحمين الذين يتلقون أموالاً مقابل دخولهم إلى المسجد الأقصى المبارك، وسينجح أيضا في جلب من يحملون الإعلام في مسيرة الأعلام الآن عصراً.
ثامناً : خرق كل محرم سابق في المسجد الأقصى المبارك ينبىء بالتحضير القريب لباقي طقوس إقامة الهيكل معنوياً وشعائريا دون الحاجة إلى الأبنية الخاصة بالهيكل حالياً، أقصد إدخال البوق والنفخ فيه، وإدخال ادوات الصلاة من أردية وأغطية ولفائف التوراة، والحرص على إدخال مذبح ولو مؤقتا وتنفيذ طقوس القرابين الحيوانية بعد أن نجح فعلا بإدخال القرابين النباتية.
تاسعا : ما يزال الاقتحام يتم من باب المغاربة فقط .ويتم الخروج من باب السلسلة أيضا، والعدو حريص جدا على فتح عدة أبواب جديدة لإدخال المقتحمين ك ((باب الأسباط شمالاً وباب الغوانمة والقطانين))، وقد يبدأ بباب الأسباط لعدة اعتبارات منها: قربه الشديد من باب الأسباط وهو يحمل اسماء منها ((باب ستي مريم وباب الأسود)) ومنها أيضا إشرافه على المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك وهي أكثر منطقة يستهدفها الاحتلال في التقسيم المكاني، خصوصا اذا اضفنا اعتبار أنه تم إنجاز بوابة شرقية لمقبرة باب الرحمة يمكن أن يكون الاحتلال يخطط لجعلها البوابة الرئيسية للمنطقة الشرقية المستهدفة.
عاشراً وأخيراً : ما يزال الاحتلال يقلص صلاحيات الأوقاف الإسلامية في القدس والمسجد الأقصى المبارك ولعل أخطر ملامح هذا التقليص سحب صلاحيات الأوقاف في صيانة وترميم الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك والذي ينفذ فيه الاحتلال أجندة منذ أربع سنوات لا يدري أحد ما أنجز فيها مع عدم استبعاد أن ينفذ الاحتلال صيانة وترميم للتسوية الجنوب غربية للمسجد الأقصى المبارك المغلقة من عشرات السنين والتي كانت تستخدم لتخزين المياه للمسجد الأقصى المبارك.ويمكن تحويلها إلى كنيس صهيوني داخل حدود المسجد الأقصى المبارك بعد فشله في تحويل المصلى المرواني عام 1996 وبعد فشله في الاستيلاء على مصلى باب الرحمة الذي تم إغلاقه من عام 2003حتى هبة باب الرحمة عام 2019.
الفترة الحالية فترة حرجة جدا ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث خصوصا أن سلطات الاحتلال تراكم نجاحات لتبهر المنتخبين وارضاء اليمين المتطرف ومنظمات الهيكل التي ينتمي إليها بينيت ولبيد وايتمار بن غفير.
أما باختصار لما يمكن أن يحدث مساء اليوم فهناك أكثر من سيناريو يحددها تصرف الاحتلال:
أولا: اذا استمرت مسيرة الأعلام كما هو مخطط لها فهذا يعني دخول ساحة وباب العمود واختراق الحي الإسلامي باتجاه ساحة البراق، وهذا يعني دون أدنى شك مواجهة مع المقاومة الفلسطينية وصواريخ تصل القدس أولا ثم كل المدن الفلسطينية المحتلة من غزة بشكل أكيد ومن لبنان بشكل أقل تأكيدا.
ثانياً: في حال مرت المسيرة قرب ساحة وباب العمود من شارع صلاح الدين باتجاه الغرب للدخول من باب الخليل، والمرور من الحي الأرمني باتجاه حارة اليهود وساحة البراق وهذا بتقديري هو الاحتمال الأكبر فلن يحدث إلا صدامات مع الشباب المقدسي والفلسطيني، فالمواجهة ليست في صالح أحد الآن، خصوصاً مع ضعف بينيت واحتمال الذهاب لانتخابات مبكرة، أما المقاومة الفلسطينية فخياراتها أقل، ففي حال قرر الاحتلال دخول باب العمود والحي الإسلامي فليس أمام المقاومة الفلسطينية إلا أن توجه ضربات نوعية ممتازة ورسائل لإيقاف زحف مسيرة الأعلام تماما كما حدث العام الماضي.
انتهى
د. محمود سعيد الشجراوي