أسواق القدس العتيقة.. بين عراقة التاريخ والركود الاقتصادي
بيان الجعبة - وكالة سند للأنباء
من جدران محلاتها التجارية العتيقة، تشتم رائحة الماضي الذي يروي تاريخاً يمتد منذ عهدَي المماليك والعثمانيين، وعصورًا مرّت على أسواق القدس القديمة، تركت بصمتها في كل شبر فيها، وصنعت لأسواقها رونقًا قلّ شبيهه، حتى خيّم ظلام الاحتلال فوقها، وأصبحت تشتكي ركودًا واستهدافًا غير مسبوق منذ احتلال المدينة.
وتعد أسواق البلدة القديمة بالقدس، نبض المدينة ومقصد زوارها، فترى اللهفة والشوق للمشي في شوارعها والشراء من محالها يلمعان في عيون الزوّار والسيّاح ومن استطاع الوصول إليها إما بتصريح أو بـ"التهريب".
المرشد السياحي المقدسي أسامة مخيمر، يقول إن الأسواق في مدينة القدس هي نبض الحياة الاقتصادية والتجارية في البلدة القديمة قديما وحديثا، وهي ثاني مكان يرحب بضيوف البلدة القديمة من بعد سورها العريق، وباعتبارها طريقاً موصلاً للمسجد الأقصى المبارك، وكنيسة القيامة، فأصبحت هذه الأسواق عنوان كل زائر وحاج يقصد المدينة.
ويضيف "مخيمر" لـ "وكالة سند للأنباء" أن الاسواق في مدينة القدس ليست مجرد أسواق عادية للبيع والشراء، فسوق خان الزيت كمثال، كان عبارة عن نُزلٍ للتجار ومعرض لعرض بضاعتهم.
وتمتاز مدينة القدس بعدة أسواق ورد ذكر بعضها عند الرحالة والمؤرخين، فهذه الأسواق رغم قدمها إلا أنها متجددة مع تجدد السكن، والشكل الحالي لأسواق القدس هو خليط بين معمار روماني قديم بطريق "الكاردو" كأول سوق بالمدينة، وعثماني حديث بسوق "افتيموس" وفق "مخيمر".
نشأة الأسواق
وعن نشأة الاسواق، يوضح، أن الأسواق كانت مبعثرة وذات منتجات مختلفة، لحين قدوم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمدينة، فعمل على تنظيم أسواقها بالشكل الذي نراه اليوم، وأصبحت الأسواق أكثر تخصصية، فهناك مثلا سوق مختص في بيع اللحوم واسمه سوق اللحامين.
وعن مسمياتها فقد اختلفت على مدار مراحل التاريخ فكان يطلق عليها البازار أو القيصارية أو الخان أو الوكالة.
وكانت الأسواق فيما مضى عنوانًا لبعض الصناعات التي اندثرت مع قدوم الاحتلال الإسرائيلي للمدينة مثل صناعة الصابون والجلد، والطباخين، والفحم، والقماش، والخزف، وبعض هذه الصناعات اندثر وبعضها ما زالت موجودة بشكل قليل، بحسب "مخيمر".
ومن أسواق القدس الرئيسية سوق خان الزيت، سوق العطارين، سوق القطانين، سوق اللحامين، سوق الخواجات، سوق حارة النصارة، سوق البشارة، سوق باب السلسلة، سوق باب حطة، سوق الحصر، سوق باب الجديد والخليل.
حال الأسواق اليوم
وكما كل شيء في المدينة، لم تسلم أسواق القدس العريقة من بطش الاحتلال، ومحاولات التهويد والتدمير بالضرائب والمخالفات التعسفية التي أثقلت كاهل تُجارها وبات الكثير منهم غير قادر على البقاء.
فالوضع التجاري في القدس في حالة ركود لم تكن منذ احتلالها عام 1967، وفق رئيس لجنة تجار القدس حجازي الرشق، فقد بات وضع الأسواق سيئًا جداً ويتردى يوم بعد يوم؛ تزامناً مع هجمة مؤسسات الاحتلال ومداهماتهم المتواصلة على المحلات التجارية وخاصة على تجار البلدة القديمة.
ويُبين "الرشق" لـ "وكالة سند للأنباء" أن مداهمة المحلات تكون من عدة مؤسسات احتلالية مشتركة كالجمارك بزعم البحث عن ماركات مقلدة، ومؤسسة الصحة والبيئة، وطواقم من التأمين الوطني وطواقم بلدية الاحتلال ومفتشي الضرائب.
وتركز حملات الاحتلال على أسواق ومحلات البلدة القديمة كونها المحور المركزي للصراع السياسي في القضة الفلسطينية، حيث تهدف مؤسسات الاحتلال لتهويد هذه الأسواق ودفع التجار لإغلاق محلاتهم ونقلها إلى خارج حدود البلدة القديمة ومدينة القدس برمتها، تبعًا لـ "الرشق".
ويُشير إلى أن الاحتلال يسعى عبر مؤسسة التخطيط بتطبيق سياسة فرض الضرائب، على التاجر المقدسي، والتي تزيد عن 21 ضريبة أبرزها ضريبة الأرنونا، وضريبة المثل، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة على اللافتات ولوحات المحلات.
يلحقها مصاريف والتزامات ثابتة وإجبارية لا يمكن تخطيها، كل ذلك يجعل التاجر لا يطيق العمل في المدينة ويضطر لنقل محله خارجها.
طرد القوة الشرائية
وما يزيد الطين بِلة، محاولة الاحتلال الحثيثة على طرد القوة الشرائية من أسواق القدس ومنعها من الوصول بطرق مباشرة كسياسة الإبعاد عن القدس والبلدة القديمة، أو إغلاق الطرق والاعتداء على التجار، أو بطرق غير مباشرة من خلال تكثيف التواجد العسكري والتحقيق مع الوافدين للمدينة وتفتيشهم والتنكيل بهم.
ويقول "الرشق": "إن الاحتلال يحاصر القدس بجدار الفصل العنصري، ومن قبله جدار اقتصادي خانق يتمثل بالمجمعات التجارية الإسرائيلية والتي تحول في كثير من الأحيان، دون وصول المواطن الفلسطيني للبلدة القديمة".
ويبّين أن لهذه المجمعات امتيازات وخدمات ودعم دائم لاستقطاب القوة الشرائية من أسواق القدس، فهي توفر على سبيل المثال مواقف آمنة للسيارات، فيما يتعرض المشترين من أسواق القدس لحملات مخالفات لمركباتهم التي تفتقد لمواقف القريبة من مراكز الأسواق، إضافة للعروض الضخمة التي يساهم بها الاحتلال عبر الإعفاءات الضريبية والجمركية.
ويلفت رئيس لجنة التجار إلى أن عددًا كبيرًا من المشترين يفضلون النزوح للشراء من قرى وضواحي القدس كالعيزرية والرام وعناتا، أو مراكز المدن الأخرى كرام الله وبيت لحم والخليل، على الذهاب للمجمعات الإسرائيلية.
استفزازات المستوطنين
وإن سلمِ التاجر المقدسي من سياسات الاحتلال لتهجيره، فإنه لن يسلم من استفزازات المستوطنبن خاصة في البلدة القديمة التي تضم عددًا من البؤر الاستيطانية.
فالمسيرات الشهرية والسنوية التي ينفذها المستوطنون، هي جزء من الحرب على الاقتصاد والتجارة المقدسية؛ حيث يجبر الاحتلال التجار المقدسيين لإغلاق محلاتهم التجارية ووقف العمل طوال وقت المسيرة الذي يمتد لعدة ساعات، وفق "الرشق".
ويؤكد ضيفنا أن وضع القدس التجاري وما آل إليه، مدبر ومخطط له من قبل الاحتلال، فقد أصبح التاجر يعاني من حالة ميؤوس منها.
ويطالب بضرورة وضع الخطط اللازمة لاستنهاض الحركة التجارية، ولزيادة مقومات صمود التاجر المقدسي، موجهًا نصحه للتجار المقدسيين بضرورة العمل على تغيير طرق العرض والبيع، خاصة في ظل موجة التسوق الإلكترونية، التي تتيح البيع وإيصال البضائع للمشتري في منزله.
بيان الجعبة - وكالة سند للأنباء
من جدران محلاتها التجارية العتيقة، تشتم رائحة الماضي الذي يروي تاريخاً يمتد منذ عهدَي المماليك والعثمانيين، وعصورًا مرّت على أسواق القدس القديمة، تركت بصمتها في كل شبر فيها، وصنعت لأسواقها رونقًا قلّ شبيهه، حتى خيّم ظلام الاحتلال فوقها، وأصبحت تشتكي ركودًا واستهدافًا غير مسبوق منذ احتلال المدينة.
وتعد أسواق البلدة القديمة بالقدس، نبض المدينة ومقصد زوارها، فترى اللهفة والشوق للمشي في شوارعها والشراء من محالها يلمعان في عيون الزوّار والسيّاح ومن استطاع الوصول إليها إما بتصريح أو بـ"التهريب".
المرشد السياحي المقدسي أسامة مخيمر، يقول إن الأسواق في مدينة القدس هي نبض الحياة الاقتصادية والتجارية في البلدة القديمة قديما وحديثا، وهي ثاني مكان يرحب بضيوف البلدة القديمة من بعد سورها العريق، وباعتبارها طريقاً موصلاً للمسجد الأقصى المبارك، وكنيسة القيامة، فأصبحت هذه الأسواق عنوان كل زائر وحاج يقصد المدينة.
ويضيف "مخيمر" لـ "وكالة سند للأنباء" أن الاسواق في مدينة القدس ليست مجرد أسواق عادية للبيع والشراء، فسوق خان الزيت كمثال، كان عبارة عن نُزلٍ للتجار ومعرض لعرض بضاعتهم.
وتمتاز مدينة القدس بعدة أسواق ورد ذكر بعضها عند الرحالة والمؤرخين، فهذه الأسواق رغم قدمها إلا أنها متجددة مع تجدد السكن، والشكل الحالي لأسواق القدس هو خليط بين معمار روماني قديم بطريق "الكاردو" كأول سوق بالمدينة، وعثماني حديث بسوق "افتيموس" وفق "مخيمر".
نشأة الأسواق
وعن نشأة الاسواق، يوضح، أن الأسواق كانت مبعثرة وذات منتجات مختلفة، لحين قدوم خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه للمدينة، فعمل على تنظيم أسواقها بالشكل الذي نراه اليوم، وأصبحت الأسواق أكثر تخصصية، فهناك مثلا سوق مختص في بيع اللحوم واسمه سوق اللحامين.
وعن مسمياتها فقد اختلفت على مدار مراحل التاريخ فكان يطلق عليها البازار أو القيصارية أو الخان أو الوكالة.
وكانت الأسواق فيما مضى عنوانًا لبعض الصناعات التي اندثرت مع قدوم الاحتلال الإسرائيلي للمدينة مثل صناعة الصابون والجلد، والطباخين، والفحم، والقماش، والخزف، وبعض هذه الصناعات اندثر وبعضها ما زالت موجودة بشكل قليل، بحسب "مخيمر".
ومن أسواق القدس الرئيسية سوق خان الزيت، سوق العطارين، سوق القطانين، سوق اللحامين، سوق الخواجات، سوق حارة النصارة، سوق البشارة، سوق باب السلسلة، سوق باب حطة، سوق الحصر، سوق باب الجديد والخليل.
حال الأسواق اليوم
وكما كل شيء في المدينة، لم تسلم أسواق القدس العريقة من بطش الاحتلال، ومحاولات التهويد والتدمير بالضرائب والمخالفات التعسفية التي أثقلت كاهل تُجارها وبات الكثير منهم غير قادر على البقاء.
فالوضع التجاري في القدس في حالة ركود لم تكن منذ احتلالها عام 1967، وفق رئيس لجنة تجار القدس حجازي الرشق، فقد بات وضع الأسواق سيئًا جداً ويتردى يوم بعد يوم؛ تزامناً مع هجمة مؤسسات الاحتلال ومداهماتهم المتواصلة على المحلات التجارية وخاصة على تجار البلدة القديمة.
ويُبين "الرشق" لـ "وكالة سند للأنباء" أن مداهمة المحلات تكون من عدة مؤسسات احتلالية مشتركة كالجمارك بزعم البحث عن ماركات مقلدة، ومؤسسة الصحة والبيئة، وطواقم من التأمين الوطني وطواقم بلدية الاحتلال ومفتشي الضرائب.
وتركز حملات الاحتلال على أسواق ومحلات البلدة القديمة كونها المحور المركزي للصراع السياسي في القضة الفلسطينية، حيث تهدف مؤسسات الاحتلال لتهويد هذه الأسواق ودفع التجار لإغلاق محلاتهم ونقلها إلى خارج حدود البلدة القديمة ومدينة القدس برمتها، تبعًا لـ "الرشق".
ويُشير إلى أن الاحتلال يسعى عبر مؤسسة التخطيط بتطبيق سياسة فرض الضرائب، على التاجر المقدسي، والتي تزيد عن 21 ضريبة أبرزها ضريبة الأرنونا، وضريبة المثل، وضريبة القيمة المضافة، وضريبة على اللافتات ولوحات المحلات.
يلحقها مصاريف والتزامات ثابتة وإجبارية لا يمكن تخطيها، كل ذلك يجعل التاجر لا يطيق العمل في المدينة ويضطر لنقل محله خارجها.
طرد القوة الشرائية
وما يزيد الطين بِلة، محاولة الاحتلال الحثيثة على طرد القوة الشرائية من أسواق القدس ومنعها من الوصول بطرق مباشرة كسياسة الإبعاد عن القدس والبلدة القديمة، أو إغلاق الطرق والاعتداء على التجار، أو بطرق غير مباشرة من خلال تكثيف التواجد العسكري والتحقيق مع الوافدين للمدينة وتفتيشهم والتنكيل بهم.
ويقول "الرشق": "إن الاحتلال يحاصر القدس بجدار الفصل العنصري، ومن قبله جدار اقتصادي خانق يتمثل بالمجمعات التجارية الإسرائيلية والتي تحول في كثير من الأحيان، دون وصول المواطن الفلسطيني للبلدة القديمة".
ويبّين أن لهذه المجمعات امتيازات وخدمات ودعم دائم لاستقطاب القوة الشرائية من أسواق القدس، فهي توفر على سبيل المثال مواقف آمنة للسيارات، فيما يتعرض المشترين من أسواق القدس لحملات مخالفات لمركباتهم التي تفتقد لمواقف القريبة من مراكز الأسواق، إضافة للعروض الضخمة التي يساهم بها الاحتلال عبر الإعفاءات الضريبية والجمركية.
ويلفت رئيس لجنة التجار إلى أن عددًا كبيرًا من المشترين يفضلون النزوح للشراء من قرى وضواحي القدس كالعيزرية والرام وعناتا، أو مراكز المدن الأخرى كرام الله وبيت لحم والخليل، على الذهاب للمجمعات الإسرائيلية.
استفزازات المستوطنين
وإن سلمِ التاجر المقدسي من سياسات الاحتلال لتهجيره، فإنه لن يسلم من استفزازات المستوطنبن خاصة في البلدة القديمة التي تضم عددًا من البؤر الاستيطانية.
فالمسيرات الشهرية والسنوية التي ينفذها المستوطنون، هي جزء من الحرب على الاقتصاد والتجارة المقدسية؛ حيث يجبر الاحتلال التجار المقدسيين لإغلاق محلاتهم التجارية ووقف العمل طوال وقت المسيرة الذي يمتد لعدة ساعات، وفق "الرشق".
ويؤكد ضيفنا أن وضع القدس التجاري وما آل إليه، مدبر ومخطط له من قبل الاحتلال، فقد أصبح التاجر يعاني من حالة ميؤوس منها.
ويطالب بضرورة وضع الخطط اللازمة لاستنهاض الحركة التجارية، ولزيادة مقومات صمود التاجر المقدسي، موجهًا نصحه للتجار المقدسيين بضرورة العمل على تغيير طرق العرض والبيع، خاصة في ظل موجة التسوق الإلكترونية، التي تتيح البيع وإيصال البضائع للمشتري في منزله.