في أضخم عمل أكاديمي مُصوّر.. المؤرخ "غوشة" يوثق كنوز القدس التاريخية
فاتن عياد الحميدي - وكالة سند للأنباء
"عندما تُذكر القدس، لا يتوارد على الخاطر وجه أي مدينة على الأرض، فهي لا تعمل في القلوب أثرًا أرضيًا أو نبضًا عاديًا.. القدس قبلة المسلمين الأولى ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحتضن المسجد الأقصى المبارك الذي كرمه الله، ونحن نقدر أنفسنا بتقدير ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا".
بهذه الكلمات لخّص المؤرخ الفلسطيني محمد غوشة (50 عامًا) حبّه لمدينة القدس وتاريخها العريق، فهو مع كل تجربة يخوضها وإنجازٍ يحققه لأجلها، يعتقد أنه برر وجوده على هذه الأرض.
بعد جهد استمر لأكثر من 13 عامًا، أصدر المؤرخ "غوشة" في 26 يونيو/ حزيران من العام الجاري، 3 مجلدات بموسوعتين علميتين، وثق فيهما باللغتين العربية والإنجليزية، فسيفساء قبة الصخرة المشرفة، و"قاشاني" القدس، ليكون أول وأضخم عمل أكاديمي مصور في التاريخ المعاصر.
هذه المجلدات التي وصفت بـ "أجمل ما طبع عن المدينة المقدسة في العالم"، يُوضح تفاصيلها المؤرخ "غوشة" لـ "وكالة سند للأنباء" في اتصالٍ هاتفي شيّق.
"الأولى من نوعها"..
يقول إن الموسوعة الأولى تضم مجلدين من الحجم الكبير، الأول يتضمن توثيقًا معماريًا وتاريخيًا وفوتوغرافيًا شاملًا لجميع المساحة الفسيفسائية لقبة الصخرة المشرفة (1800 متر مربع)، مشيرًا إلى أن هذا العمل هو الأول في التاريخ.
أما المجلد الثاني فيشمل رفعًا معماريًا شاملًا لـ "قاشاني" قبة الصخرة والقدس، إضافة إلى جميع أنوع "القاشاني" الأرمني الموجودة في كنسية دير الأرمن، وهذا أيضًا لأول مرة في التاريخ، كما يُحدثنا "غوشة".
ويسهب: "أن قاشاني القدس (الزخرف العثماني الذي يُزين الجهات الخارجية للأماكن)، هو عمل فني معماري يوثق كل أنماط الزخارف التي زينت وكست قطع بلاطات القاشاني من القرن السادس عشر وحتى أواخر العهد العثماني".
بينما تشمل الموسوعة الثانية كنوز المسجد الأقصى المبارك، عن طريق توثيق كنوزه بتصوير خلاب وفائق الدقة والمواصفات، بما يليق بمكانة هذا المكان المقدس، مبينًا أن ذلك يدخل في "سياق أعمال الفن الإسلامي".
ويردف: "أوثق فيه أبرز ما يحتضنه المسجد من قطع متحفية وأثرية وتاريخية بديعة، وغير موجودة في أماكن أخرى، من نقوش حجرية وزخارف خشبية وقطع معدنية، إضافة للأختام والوثائق التاريخية والمخطوطات والمباخر والقناديل"، واصفاً كتابه بـ"متحفي من الطراز الأول".
ثمار 13 سنة..
وبنبرة الحب والشغف، يحدثنا "غوشة" أنه بدأ العمل على موسوعاته الثلاثة منذ عام 2009، بالتوازي مع أعمال أخرى، باستعمال التصوير الفوتوغرافي والتوثيق المعماري على مدار السنوات الماضية؛ لتخرج هذه الأعمال تباعًا، وفي وقتٍ "قياسي" وبمنهجية وإدارة صحيحة، على حد وصفه.
ويرى "ضيف سند" أنه يُقدم للقارئ من خلال الموسوعتين "عملًا أكاديميًا حضاريًا بمواصفات فنية قياسية، في إطار البحث العلمي البحت"، مؤكدًا أن ذلك يكفل إعادة ترميم وبناء أي جزئية من المساحات الزخرفية التي تتميز بها قبة الصخرة في المستقبل.
ويعتمد "غوشة" في معظم أعماله على المنهجية الجديدة في البحث العلمي التي تدمج بين المسح الميداني والتوثيقين الأكاديمي والمصور، بالتوازي مع البحث الأكاديمي والأرشيفات العالمية والمصادر الأولية، حيث اطلع على المراجع باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية واللاتينية التي تسبق القرن 19.
وفي سؤالنا هل استعنت أثناء العمل بمصادر تاريخية أخرى؟ يُجيب: "استأنست بآراء بعض الأكاديميين والمختصين بشؤون القدس، ولقيت منهم إطراءً كبيرًا بهذا العمل الذي ترعاه مؤسسة التراث العربي"، لافتًا إلى أن أعماله وصفت بـ "جهد مؤسسي أنجزه شخص واحد".
"صعوبات وإنجاز"
إنجاز وإبداع المؤرخ "غوشة" في موسوعاته الثلاث لم يكن الأول، فقد دخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كأصغر مؤرخ في العالم عن كتابه "القدس الشامخة عبر التاريخ" الذي كتبه وهو في الخامسة عشر من عمره.
كما أنه صاحب الموسوعة الفلسطينية "بلستينكا"، وهي أوّل موسوعة فلسطينية تصدر بالإنجليزية عن تاريخ فلسطين.
وحصل عندما كان عمره 17 عاما على جائزة منظمة العواصم والمدن الإسلامية في فن العمارة وتخطيط المدن، وهي أعلى جائزة معمارية تمنح في العالم الإسلامي آنذاك.
وفي عام 2006 حصل على جائزة عبد المجيد شومان العالمية للقدس، وجائزة "الملك فيصل العالمية 2020، التي تعد أرفع جائزة للبحوث الأكاديمية والعلمية.
إلا أن الطريق لا بد أن يكون محفوفًا ببعض الصعوبات التي قد تشكل عائقًا في معظم الأحيان، عن ذلك يحكي: "واجهت بعض الصعوبات المادية كوْنها أعمالًا مكلفة، إضافةً لصعوبات على المستوى الزمني؛ إذ يحتاج إلى صبر طويل وجَلد في البحث، حتى تخرج هذه الأعمال إلى النور".
وبدأ "غوشة" بتوريد هذه الأعمال إلى كل مكتبات الدول التي طلبتها؛ لإبقاء القدس حاضرة في الضمير والوجدان لكل بيت.
ويعترف المؤرخ محمد غوشة أن جل وقته يذهب للبحث والتأليف على حساب الحياة الاجتماعية وأن بداياته لم تكن مفروشة بالورود، لكنّ "خصوصية البحث من أجل مدينة القدس، لا يُعادلها أي شيء"، خاتمًا حديثه بالقول: "أصبح اسمي مقرونًا بالقدس وهذا فخري الأبدي".
فاتن عياد الحميدي - وكالة سند للأنباء
"عندما تُذكر القدس، لا يتوارد على الخاطر وجه أي مدينة على الأرض، فهي لا تعمل في القلوب أثرًا أرضيًا أو نبضًا عاديًا.. القدس قبلة المسلمين الأولى ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحتضن المسجد الأقصى المبارك الذي كرمه الله، ونحن نقدر أنفسنا بتقدير ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا".
بهذه الكلمات لخّص المؤرخ الفلسطيني محمد غوشة (50 عامًا) حبّه لمدينة القدس وتاريخها العريق، فهو مع كل تجربة يخوضها وإنجازٍ يحققه لأجلها، يعتقد أنه برر وجوده على هذه الأرض.
بعد جهد استمر لأكثر من 13 عامًا، أصدر المؤرخ "غوشة" في 26 يونيو/ حزيران من العام الجاري، 3 مجلدات بموسوعتين علميتين، وثق فيهما باللغتين العربية والإنجليزية، فسيفساء قبة الصخرة المشرفة، و"قاشاني" القدس، ليكون أول وأضخم عمل أكاديمي مصور في التاريخ المعاصر.
هذه المجلدات التي وصفت بـ "أجمل ما طبع عن المدينة المقدسة في العالم"، يُوضح تفاصيلها المؤرخ "غوشة" لـ "وكالة سند للأنباء" في اتصالٍ هاتفي شيّق.
"الأولى من نوعها"..
يقول إن الموسوعة الأولى تضم مجلدين من الحجم الكبير، الأول يتضمن توثيقًا معماريًا وتاريخيًا وفوتوغرافيًا شاملًا لجميع المساحة الفسيفسائية لقبة الصخرة المشرفة (1800 متر مربع)، مشيرًا إلى أن هذا العمل هو الأول في التاريخ.
أما المجلد الثاني فيشمل رفعًا معماريًا شاملًا لـ "قاشاني" قبة الصخرة والقدس، إضافة إلى جميع أنوع "القاشاني" الأرمني الموجودة في كنسية دير الأرمن، وهذا أيضًا لأول مرة في التاريخ، كما يُحدثنا "غوشة".
ويسهب: "أن قاشاني القدس (الزخرف العثماني الذي يُزين الجهات الخارجية للأماكن)، هو عمل فني معماري يوثق كل أنماط الزخارف التي زينت وكست قطع بلاطات القاشاني من القرن السادس عشر وحتى أواخر العهد العثماني".
بينما تشمل الموسوعة الثانية كنوز المسجد الأقصى المبارك، عن طريق توثيق كنوزه بتصوير خلاب وفائق الدقة والمواصفات، بما يليق بمكانة هذا المكان المقدس، مبينًا أن ذلك يدخل في "سياق أعمال الفن الإسلامي".
ويردف: "أوثق فيه أبرز ما يحتضنه المسجد من قطع متحفية وأثرية وتاريخية بديعة، وغير موجودة في أماكن أخرى، من نقوش حجرية وزخارف خشبية وقطع معدنية، إضافة للأختام والوثائق التاريخية والمخطوطات والمباخر والقناديل"، واصفاً كتابه بـ"متحفي من الطراز الأول".
ثمار 13 سنة..
وبنبرة الحب والشغف، يحدثنا "غوشة" أنه بدأ العمل على موسوعاته الثلاثة منذ عام 2009، بالتوازي مع أعمال أخرى، باستعمال التصوير الفوتوغرافي والتوثيق المعماري على مدار السنوات الماضية؛ لتخرج هذه الأعمال تباعًا، وفي وقتٍ "قياسي" وبمنهجية وإدارة صحيحة، على حد وصفه.
ويرى "ضيف سند" أنه يُقدم للقارئ من خلال الموسوعتين "عملًا أكاديميًا حضاريًا بمواصفات فنية قياسية، في إطار البحث العلمي البحت"، مؤكدًا أن ذلك يكفل إعادة ترميم وبناء أي جزئية من المساحات الزخرفية التي تتميز بها قبة الصخرة في المستقبل.
ويعتمد "غوشة" في معظم أعماله على المنهجية الجديدة في البحث العلمي التي تدمج بين المسح الميداني والتوثيقين الأكاديمي والمصور، بالتوازي مع البحث الأكاديمي والأرشيفات العالمية والمصادر الأولية، حيث اطلع على المراجع باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية واللاتينية التي تسبق القرن 19.
وفي سؤالنا هل استعنت أثناء العمل بمصادر تاريخية أخرى؟ يُجيب: "استأنست بآراء بعض الأكاديميين والمختصين بشؤون القدس، ولقيت منهم إطراءً كبيرًا بهذا العمل الذي ترعاه مؤسسة التراث العربي"، لافتًا إلى أن أعماله وصفت بـ "جهد مؤسسي أنجزه شخص واحد".
"صعوبات وإنجاز"
إنجاز وإبداع المؤرخ "غوشة" في موسوعاته الثلاث لم يكن الأول، فقد دخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية كأصغر مؤرخ في العالم عن كتابه "القدس الشامخة عبر التاريخ" الذي كتبه وهو في الخامسة عشر من عمره.
كما أنه صاحب الموسوعة الفلسطينية "بلستينكا"، وهي أوّل موسوعة فلسطينية تصدر بالإنجليزية عن تاريخ فلسطين.
وحصل عندما كان عمره 17 عاما على جائزة منظمة العواصم والمدن الإسلامية في فن العمارة وتخطيط المدن، وهي أعلى جائزة معمارية تمنح في العالم الإسلامي آنذاك.
وفي عام 2006 حصل على جائزة عبد المجيد شومان العالمية للقدس، وجائزة "الملك فيصل العالمية 2020، التي تعد أرفع جائزة للبحوث الأكاديمية والعلمية.
إلا أن الطريق لا بد أن يكون محفوفًا ببعض الصعوبات التي قد تشكل عائقًا في معظم الأحيان، عن ذلك يحكي: "واجهت بعض الصعوبات المادية كوْنها أعمالًا مكلفة، إضافةً لصعوبات على المستوى الزمني؛ إذ يحتاج إلى صبر طويل وجَلد في البحث، حتى تخرج هذه الأعمال إلى النور".
وبدأ "غوشة" بتوريد هذه الأعمال إلى كل مكتبات الدول التي طلبتها؛ لإبقاء القدس حاضرة في الضمير والوجدان لكل بيت.
ويعترف المؤرخ محمد غوشة أن جل وقته يذهب للبحث والتأليف على حساب الحياة الاجتماعية وأن بداياته لم تكن مفروشة بالورود، لكنّ "خصوصية البحث من أجل مدينة القدس، لا يُعادلها أي شيء"، خاتمًا حديثه بالقول: "أصبح اسمي مقرونًا بالقدس وهذا فخري الأبدي".