القرية القريبة البعيدة.. حكاية بيت إجزا المقدسية التي ابتلع الاحتلال أراضيها
الجزيرة نت
جمان أبو عرفة
القدس المحتلة-
حين تُذكر قرية بيت إجزا (شمال غربي القدس المحتلة) تحضر قصة عائلة غريّب التي تحول منزلها وأرضها الرحبة إلى بيت في قلب مستوطنة بعد محاصرته بالبؤر الاستيطانية ثم بجدار الفصل العنصري، وتلاها نفق وأسلاك إلكترونية وبوابات حديدية.
قبل وفاته امتلك ابن القرية صبري غريّب 100 دونم (الدونم ألف متر مربع)، وبنى في وسطها بيته، لكن الاحتلال الإسرائيلي حاصره ببؤر استيطانية، ثم جاء جدار بناء الفصل العنصري عام 2003 وسلخ بيت غريّب عن محيطه في قرية بيت إجزا، ليصادر الاحتلال على مراحل ما مجموعه 60 دونما من أرض العائلة.
وحفر الاحتلال نفقا عند مدخل البيت، ثم بنى جسرا فوقه، وأقام بوابة حديدية ليتحكم بدخول وخروج العائلة عبرها، ثم حاصر البيت بالأسلاك الشائكة الإلكترونية، ونصب كاميرات مراقبة متصلة بمركز الشرطة الإسرائيلي، كل هذا لإحكام حصار العائلة وتأمين المستوطنين حولها.
حصار واسع
ويمثل واقع عائلة غريّب حال قرية بيت إجزا عموما التي تبعد عن مركز مدينة القدس المحتلة 11 كيلومترا، لكن أهلها ممنوعون من دخولها ويسمح لهم بالبناء على 365 دونما فقط من أصل 4500 دونم، ولا يستطيع المزارعون فيها فلاحة أراضيهم أو حصاد محاصيلهم إلا بإذن إسرائيلي مسبق.
وكانت بيت إجزا قرية آمنة يمتهن أهلها تربية ورعي المواشي في أراضيها الخضراء الشاسعة، كما تمرسوا في زراعة العنب والتين والزيتون والقمح وبيعها في أسواق القدس العتيقة القريبة.
لكن ذلك تلاشى تماما بعد عام 2003، حيث بدأ بناء الجدار العنصري الذي أقامه الاحتلال لعزل القدس والمناطق المحتلة عام 1948 عن باقي المناطق الفلسطينية، والتهم هذا الجدار 1500 دونم من أراضي القرية، ومنع سكانها من دخول القدس بعد تصنيفها ضمن أراضي الضفة الغربية.
القدس القريبة البعيدة
يبلغ تعداد سكان قرية بيت إجزا اليوم ألف نسمة موزعين على عدة عائلات رئيسية هي الشيخ، وديوان، وأبو جابر، وعيد، وغريّب، وعبد الحليم، ومرعي، ومنصور، وأبو كافية.
ويسترجع رئيس المجلس القروي في القرية محمد شاكر مرعي (54 عاما) ذكرياته حين كان طفلا، ويقول "حتى عام 1992 لم أكن أقصد مكانا سوى القدس لقربها، فالمسافة من قريتي إلى باب العامود لم تكن تتجاوز 7 دقائق عبر قرية الرام أو النبي صموئيل، أما اليوم فتستغرق ساعات".
ويقول مرعي للجزيرة نت إن جميع سكان قرى شمال غرب القدس -الذين يبلغ عددهم 70 ألف نسمة- لا يستطيعون دخول المدينة إلا عبر حاجز قلنديا فقط بشرط امتلاكهم تصاريح دخول".
وفي مرة لن ينساها، يذكر مرعي "كانت الساعة الرابعة فجرا في رمضان وصلت إلى باب العامود وقفزت مترين من شدة الفرح، لن أنسى هذه اللحظات ما حييت"، وهذا عندما استطاع دخول القدس المحتلة بعد 12 عاما من المنع الإسرائيلي، مستذكرا "الطريق الشامي" التاريخي الذي مر منه أجداده قبل الاحتلال، حيث كان يربط القدس بمدينة يافا ويمر عبر قرى شمال غرب القدس، ومن بينها بيت إجزا.
معتقل يشعر بالحرية
بدوره، يشاطر الناشط محمد نمر أبو كافية رئيس المجلس القروي أشواقه إلى القدس قائلا "عمري 50 عاما وأنا ممنوع من دخولها منذ 26 عاما، السفر إلى أميركا صار أسهل من زيارة القدس، والمرة الوحيدة التي دخلت المدينة فيها كانت حين اعتقلني الاحتلال، عندها شعرت وكأنني تحررت".
يشغل أبو كافية منصب أمين سر "منطقة شهداء الجدار" في حركة فتح، وذلك نسبة إلى أول شهيدين في قرية بيت إجزا، وهما زكريا عيد ومحمد ريان اللذان قتلهما الاحتلال وأصاب 19 فلسطينيا خلال وقفة احتجاجية نظمها المئات من أهالي القرية ضد بناء جدار الفصل العنصري على أراضيهم عام 2004، حيث تتواصل الاحتجاجات والمواجهات مع الاحتلال منذ ذلك العام حتى اليوم أسبوعيا، وفي نقطة تماس لا تهدأ.
مستوطنة دخيلة
بنى الاحتلال مستوطنة سماها "جفعات حداشا" عام 1978 على أراضي قرية بيت إجزا، حيث بدأت على شكل بيوت متنقلة تضاعف عددها عام 1990، لتتطور لاحقا إلى وحدات سكنية ابتلعت معظم الأراضي.
ويقول أبو كافية إن الجدار شيد كغطاء لنهب الأراضي وليس تأمين المستوطنة وجارتها "جفعات زئيف" فحسب، مضيفا أن الاحتلال منع البناء الفلسطيني في الأراضي المجاورة للجدار، ويصعّب الحصول على تراخيص بناء في عموم القرية.
تقليص الإنتاج الزراعي والحيواني
قلص الجدار والاستيطان مساحات الرعي، مما أدى إلى استغناء 70% من سكان القرية عن كل مواشيهم أو بعضها، ويذكر رئيس جمعية بيت إجزا فليفل الشيخ (47 عاما) للجزيرة نت كيف كان يرعى الأغنام في طفولته مع جده ووالده في مراعي القرية والقرى المجاورة، وكان القطيع يتحرك بحرية عشرات الكيلومترات، لكن ذلك انقضى بفعل الاستيطان، ليشهد الشيخ على تقليص مواشي عائلته من 150 إلى 20 رأسا فقط.
وشهد الشيخ أيضا على توقف بيع أسرته الحليب واللبن الطازج في أسواق القدس المحتلة، بالإضافة إلى أطنان العنب البلدي، فهو منذ 15 عاما لم يدخل القدس كبقية أقرانه، وقريته بيت إجزا لم تعد السلة الغذائية للقدس كسابق عهدها بفعل الجدار الذي قلص الإنتاج الزراعي والحيواني وقطع الاتصال البشري.
وحسب رئيس المجلس القروي محمد مرعي، فإن موسم العنب يضيع هباء لأن الاحتلال يسمح بدخول المزارعين 3 أيام فقط في الموسم، ويتعمد تأخير الدخول حتى تتلف المحاصيل ويفوت الموعد المثالي لقطفها.
حاول الاحتلال فرض التصاريح الفردية على أهالي القرية لتنسيق دخولهم إلى أراضيهم في موسم قطف الزيتون (يسمح لبعض الأفراد ويمنع آخرين)، لكنهم رفضوا ذلك وأجبروه على السماح لأصحاب الأراضي بالدخول لقطف محصولهم لشهر كامل، لكن الاحتلال يتحكم خلالها بمواعيد فتح وإغلاق البوابة الواصلة إلى الأراضي عبر الجدار.
و"يستغل المزارعون موسم قطف الزيتون لحراثة أراضيهم والعناية بها، ويصطحبون أبناءهم وأحفادهم لربطهم بأرضهم رغم محاولات فصلهم عنها"، يقول مرعي فيما كان يجهز نفسه للمشاركة في فعالية تنظيف القرية بمشاركة متطوعين من الأهالي وأطفالهم للحفاظ على مرافقها رغم حصارها المشدد.
الجزيرة نت
جمان أبو عرفة
القدس المحتلة-
حين تُذكر قرية بيت إجزا (شمال غربي القدس المحتلة) تحضر قصة عائلة غريّب التي تحول منزلها وأرضها الرحبة إلى بيت في قلب مستوطنة بعد محاصرته بالبؤر الاستيطانية ثم بجدار الفصل العنصري، وتلاها نفق وأسلاك إلكترونية وبوابات حديدية.
قبل وفاته امتلك ابن القرية صبري غريّب 100 دونم (الدونم ألف متر مربع)، وبنى في وسطها بيته، لكن الاحتلال الإسرائيلي حاصره ببؤر استيطانية، ثم جاء جدار بناء الفصل العنصري عام 2003 وسلخ بيت غريّب عن محيطه في قرية بيت إجزا، ليصادر الاحتلال على مراحل ما مجموعه 60 دونما من أرض العائلة.
وحفر الاحتلال نفقا عند مدخل البيت، ثم بنى جسرا فوقه، وأقام بوابة حديدية ليتحكم بدخول وخروج العائلة عبرها، ثم حاصر البيت بالأسلاك الشائكة الإلكترونية، ونصب كاميرات مراقبة متصلة بمركز الشرطة الإسرائيلي، كل هذا لإحكام حصار العائلة وتأمين المستوطنين حولها.
حصار واسع
ويمثل واقع عائلة غريّب حال قرية بيت إجزا عموما التي تبعد عن مركز مدينة القدس المحتلة 11 كيلومترا، لكن أهلها ممنوعون من دخولها ويسمح لهم بالبناء على 365 دونما فقط من أصل 4500 دونم، ولا يستطيع المزارعون فيها فلاحة أراضيهم أو حصاد محاصيلهم إلا بإذن إسرائيلي مسبق.
وكانت بيت إجزا قرية آمنة يمتهن أهلها تربية ورعي المواشي في أراضيها الخضراء الشاسعة، كما تمرسوا في زراعة العنب والتين والزيتون والقمح وبيعها في أسواق القدس العتيقة القريبة.
لكن ذلك تلاشى تماما بعد عام 2003، حيث بدأ بناء الجدار العنصري الذي أقامه الاحتلال لعزل القدس والمناطق المحتلة عام 1948 عن باقي المناطق الفلسطينية، والتهم هذا الجدار 1500 دونم من أراضي القرية، ومنع سكانها من دخول القدس بعد تصنيفها ضمن أراضي الضفة الغربية.
القدس القريبة البعيدة
يبلغ تعداد سكان قرية بيت إجزا اليوم ألف نسمة موزعين على عدة عائلات رئيسية هي الشيخ، وديوان، وأبو جابر، وعيد، وغريّب، وعبد الحليم، ومرعي، ومنصور، وأبو كافية.
ويسترجع رئيس المجلس القروي في القرية محمد شاكر مرعي (54 عاما) ذكرياته حين كان طفلا، ويقول "حتى عام 1992 لم أكن أقصد مكانا سوى القدس لقربها، فالمسافة من قريتي إلى باب العامود لم تكن تتجاوز 7 دقائق عبر قرية الرام أو النبي صموئيل، أما اليوم فتستغرق ساعات".
ويقول مرعي للجزيرة نت إن جميع سكان قرى شمال غرب القدس -الذين يبلغ عددهم 70 ألف نسمة- لا يستطيعون دخول المدينة إلا عبر حاجز قلنديا فقط بشرط امتلاكهم تصاريح دخول".
وفي مرة لن ينساها، يذكر مرعي "كانت الساعة الرابعة فجرا في رمضان وصلت إلى باب العامود وقفزت مترين من شدة الفرح، لن أنسى هذه اللحظات ما حييت"، وهذا عندما استطاع دخول القدس المحتلة بعد 12 عاما من المنع الإسرائيلي، مستذكرا "الطريق الشامي" التاريخي الذي مر منه أجداده قبل الاحتلال، حيث كان يربط القدس بمدينة يافا ويمر عبر قرى شمال غرب القدس، ومن بينها بيت إجزا.
معتقل يشعر بالحرية
بدوره، يشاطر الناشط محمد نمر أبو كافية رئيس المجلس القروي أشواقه إلى القدس قائلا "عمري 50 عاما وأنا ممنوع من دخولها منذ 26 عاما، السفر إلى أميركا صار أسهل من زيارة القدس، والمرة الوحيدة التي دخلت المدينة فيها كانت حين اعتقلني الاحتلال، عندها شعرت وكأنني تحررت".
يشغل أبو كافية منصب أمين سر "منطقة شهداء الجدار" في حركة فتح، وذلك نسبة إلى أول شهيدين في قرية بيت إجزا، وهما زكريا عيد ومحمد ريان اللذان قتلهما الاحتلال وأصاب 19 فلسطينيا خلال وقفة احتجاجية نظمها المئات من أهالي القرية ضد بناء جدار الفصل العنصري على أراضيهم عام 2004، حيث تتواصل الاحتجاجات والمواجهات مع الاحتلال منذ ذلك العام حتى اليوم أسبوعيا، وفي نقطة تماس لا تهدأ.
مستوطنة دخيلة
بنى الاحتلال مستوطنة سماها "جفعات حداشا" عام 1978 على أراضي قرية بيت إجزا، حيث بدأت على شكل بيوت متنقلة تضاعف عددها عام 1990، لتتطور لاحقا إلى وحدات سكنية ابتلعت معظم الأراضي.
ويقول أبو كافية إن الجدار شيد كغطاء لنهب الأراضي وليس تأمين المستوطنة وجارتها "جفعات زئيف" فحسب، مضيفا أن الاحتلال منع البناء الفلسطيني في الأراضي المجاورة للجدار، ويصعّب الحصول على تراخيص بناء في عموم القرية.
تقليص الإنتاج الزراعي والحيواني
قلص الجدار والاستيطان مساحات الرعي، مما أدى إلى استغناء 70% من سكان القرية عن كل مواشيهم أو بعضها، ويذكر رئيس جمعية بيت إجزا فليفل الشيخ (47 عاما) للجزيرة نت كيف كان يرعى الأغنام في طفولته مع جده ووالده في مراعي القرية والقرى المجاورة، وكان القطيع يتحرك بحرية عشرات الكيلومترات، لكن ذلك انقضى بفعل الاستيطان، ليشهد الشيخ على تقليص مواشي عائلته من 150 إلى 20 رأسا فقط.
وشهد الشيخ أيضا على توقف بيع أسرته الحليب واللبن الطازج في أسواق القدس المحتلة، بالإضافة إلى أطنان العنب البلدي، فهو منذ 15 عاما لم يدخل القدس كبقية أقرانه، وقريته بيت إجزا لم تعد السلة الغذائية للقدس كسابق عهدها بفعل الجدار الذي قلص الإنتاج الزراعي والحيواني وقطع الاتصال البشري.
وحسب رئيس المجلس القروي محمد مرعي، فإن موسم العنب يضيع هباء لأن الاحتلال يسمح بدخول المزارعين 3 أيام فقط في الموسم، ويتعمد تأخير الدخول حتى تتلف المحاصيل ويفوت الموعد المثالي لقطفها.
حاول الاحتلال فرض التصاريح الفردية على أهالي القرية لتنسيق دخولهم إلى أراضيهم في موسم قطف الزيتون (يسمح لبعض الأفراد ويمنع آخرين)، لكنهم رفضوا ذلك وأجبروه على السماح لأصحاب الأراضي بالدخول لقطف محصولهم لشهر كامل، لكن الاحتلال يتحكم خلالها بمواعيد فتح وإغلاق البوابة الواصلة إلى الأراضي عبر الجدار.
و"يستغل المزارعون موسم قطف الزيتون لحراثة أراضيهم والعناية بها، ويصطحبون أبناءهم وأحفادهم لربطهم بأرضهم رغم محاولات فصلهم عنها"، يقول مرعي فيما كان يجهز نفسه للمشاركة في فعالية تنظيف القرية بمشاركة متطوعين من الأهالي وأطفالهم للحفاظ على مرافقها رغم حصارها المشدد.