"حجرلوجيا".. مجسماتٌ تُجسّد أبرز معالم البلدة القديمة في القدس
رام الله - فرح البرغوثي- وكالة سند للأنباء
للوهلة الأولى يُهيأ لك بأنها مجسماتٌ عاديةٌ، لكن بعد وصولك إلى مجسم "قبة الصخرة" واستكمال الجولة بين أروقة المعرض، تتسمَّر أمام جمال تفاصيلها، ويُتَّضحُ مشهدٌ آخرٌ يعكس موروثًا تاريخيًا أثريًا داخل البلدة القديمة من القدس، ليُجدِّد إحساسك بالمكان ويُجسِّده رغم البعد والحرمان من الوصول.
ففي محافظة رام الله والبيرة، زُيّنت أروقة "مركز البيرة" الثقافيّ بأحد عشر مجسمًا أثريًا، أنتجها الفنان عبد الجليل الرازم (64 عامًا)، بأنامله الذهبية، لأبرز المعالم الدينية والتاريخية في المدينة المُقدّسة.
وعُرضت المُجسمات ابتداءً من أمس الأربعاء (21 كانون أول/ديسمبر)، ويستمر عرضها لمدة شهر، في معرضٍ حمل اسم "حجرلوجيا".
وينحدر "الرازم" من مدينة القدس، ويعملُ فيها كمُدرّسٍ للتّربية الفنّية والخطّ العربي، وقد نظّمَ العديد من المعارض المحلية والدولية، وحَصَد عشرات الجوائز، منها جائزة أفضل فنان جسّد القدس في أعماله الفنية (ملتقى المُثقّفين المقدسي).
"وِلادة الفكرة"..
يقفُ "ضيف سند" بجانب مجسم "باب العامود"، ويسردُ في حديثٍ ماتع، أن فكرة المعرض جاءت عام 2019؛ بهدف توثيق الموروث الثقافي والمعماري للمدينة المُقدّسة، ونقله والتعريف به إلى مختلف المدن الفلسطينية، خاصةً تلك الواقعة ما بعد جدار الفصل العنصري.
ويقول: إن "الفكرة طُرحت من قِبَل مدير برج اللقلق في القدس منتصر ادكيدك، وفي حينها، تَقبلتُ الفكرة وبدأتُ العمل عليها، حتى أنتجتُ أول مجسمٍ لقبة الصخرة المُشرفة والذي لاقى إعجابًا كبيرًا من المؤسسات الداعمة".
11 شهرًا وصل خلالها "الرازم" اللّيل بالنّهار، حتى استطاع أخيرًا اجتياز التحديات كافة، وبناء مُجسماتٍ حمّلت بين طيّاتها تفاصيل معالم وأبنية أثرية تتعرّض لمخاطر تشويه الهوية، ويُراد لتراثها وتاريخها الطمس والتغييب نهائيًا عبر سياساتٍ احتلالية ممنهجة.
وتضمّن المعرض مجسمات كل من: باب العامود، الجامع القِبْلي، قبة الصخرة، كنيسة القيامة، سوق الكاردو، سبيل قايتباي، المدرسة الأشرفية، المدرسة العُمرية، الصلاحية، حارة المغاربة "حائط البراق" وسوق القطانين.
وتمّ تتويج المعرض وافتتاحه الأول، في مؤسسة "النيزك" ببلدة بيرزيت، وفقًا لضيفنا.
ويُفسِّر "الرازم" سبب اختياره لهذه المجسمات تحديدًا، لـ "أهميتها الدينية والثقافية لدى مختلف الفئات والسياح والزوّار؛ فمثلًا قبة الصخرة معلمٌ ديني إسلامي للعالم أجمع، وكنيسة القيامة معلمٌ تاريخي وديني يأتي إليه المسيحيون من مختلف أنحاء العالم، أما باب العامود فهو المدخل الرئيسي لجميع الزوّار القادمين للمدينة".
وعند سؤاله عن المكوّنات المُستخدمة، يُخبرنا أنها مادة بلاستيكية حديثة تُسمى "بي بي سي"، تتميز بتحمّل تقلُّبات الطقس ودرجات الحرارة المختلفة في فصليْ "الشتاء والصيف"، وتُحافظ على شكلها دون أيّ تغيير، إضافةً إلى الألوان الزيتية.
نجاحٌ رغم الصعوبات
أما عن التحديات والصعوبات، يشرح "الرازم" أن نجاح المعرض كان "تحديًا" كبيرًا، مليئًا بالمعوّقات؛ حيثُ لا يوجد لهذه المجسمات خرائط هيكلية أو خرائط هندسية معمارية، لأنها أبنيةٌ قديمة.
ويسترجعُ بذاكرته هذه الأيام التي تخلّلها العمل بمختلف الأوقات، ويقصّ: "كان الحصول على أبعاد ومقاسات الأبنية شيءٌ صعب.. اضطررت لزيارة المعالم واحدًا واحدًا، وبدأت برسمها يدويًا من حيث عدد مداميك الحجارة، وارتفاعها، وشكلها الخارجي، وما يُحيط فيها من مساحات أو حتى إضافات حديثة، ثُمّ كُنت أذهب لمرسمي وأبدأ بالعمل".
وبنبرةٍ مليئة بالسعادة والامتنان، يشيرُ ضيفنا لاعتزازه بإحياء المعرض في مركز البيرة الثقافيّ، تحديدًا بعدما مرّت به البلاد من ركودٍ خلال جائحة "كورونا، حسب قوله.
ومستقبلًا، يُفكّر "الرازم" ألّا تقتصر الفكرة على 11 مجسمًا فقط، وأن تتوسع حتى تُجسّد المدينة المُقدّسة بأسوارها وأبوابها ومدارسها وكافة معالمها التاريخية وأزقتها وأبنيتها، وصولًا لما يسمى بـ "القدس مُصغرة".
ويوضح أن المقترح حتى اللحظة، أن تُقام هذه الفكرة في مدينة أريحا، بالقرب من "قصر هشام"، حتى يؤمها الجمهور من مختلف المدن، داعيًا وزارة الثقافة ووزارة السياحة ووزارة التربية والتعليم لتبني المشروع ودعمه حتى يتطور وصولًا لتحقيق ونجاح الفكرة الكبيرة.
"ترسيخ الذاكرة الفلسطينية"
بدورها، تؤكد عضو بلدية البيرة وإحدى منظمين الفعالية، جولي حَجّار أنّ "البلدية استضافت المعرض؛ حرصًا منها على المَوروث الثَقافي في مدينة القدس، وعلى التوثيق المعماري فيها".
وتُبيّن لـ "وكالة سند للأنباء" أن الهدف الأساس من المعرض هو "إعادة إحياء هذه المعالم التاريخية في أذهان شعبنا، تحديدًا طلبة المدارس، كوننا محرومون من الوصول إليها وزيارتها بسبب قيود الاحتلال".
وتدعو في معرض حديثها طلبة المدارس لتكثيف زيارة المعرض، منبهةً أنّ "الإنسان بلا معرفته بهويته وتاريخه لا يوجد له أهمية (..)، التعرّف على هذه الثروة التاريخية والدفاع عنها بكافة الوسائل، هو واجبٌ وطني".
وشهد المعرض حضورًا من كافة الفئات والأعمار، حيثُ قام الفنان "الرازم" بتقديم شروحاتٍ مُطوّلة حول تفاصيل المجسمات وتاريخها وعراقتها على مدار الحُقب الزمنية المختلفة.
والتقت "وكالة سند للأنباء" خلال تجولها في زوايا المعرض، بالفنان التشكيلي والأستاذ رائد قرعان الذي حضَرَ برفقة مجموعة من طلبته في المدرسة الإسلامية الثانوية للبنين- البيرة.
ويقول إن "الدافع من زيارتنا للمعرض هو الاطّلاع على هذه المجسمات المشغولة يدويًا، والتي تُمثّل أجزاءً مهمة من المدينة المُقدّسة، وقد لفت انتباهنا التقنية العالية ودقة وجودة هذه الأعمال".
ويشير "قرعان" لأهمية العمل البصري؛ لأنه يُحفر بالذاكرة بشكلٍ أسرع وأكبر، خاصةً لدى طلاب المدارس والأطفال، داعيًا كافة المدارس لزيارة المعرض.
واختتم مُرددًا: "الفن أداة مهمة من أدوات المقاومة، ومنذ نشأته في الستينات وهو يرفع شعار مقاومة المحتل سواءً بالفرشاة واللون والحجر أو بالأعمال الخزفية، ورسالة هذا المعرض تصبّ في هذا الاتجاه".
رام الله - فرح البرغوثي- وكالة سند للأنباء
للوهلة الأولى يُهيأ لك بأنها مجسماتٌ عاديةٌ، لكن بعد وصولك إلى مجسم "قبة الصخرة" واستكمال الجولة بين أروقة المعرض، تتسمَّر أمام جمال تفاصيلها، ويُتَّضحُ مشهدٌ آخرٌ يعكس موروثًا تاريخيًا أثريًا داخل البلدة القديمة من القدس، ليُجدِّد إحساسك بالمكان ويُجسِّده رغم البعد والحرمان من الوصول.
ففي محافظة رام الله والبيرة، زُيّنت أروقة "مركز البيرة" الثقافيّ بأحد عشر مجسمًا أثريًا، أنتجها الفنان عبد الجليل الرازم (64 عامًا)، بأنامله الذهبية، لأبرز المعالم الدينية والتاريخية في المدينة المُقدّسة.
وعُرضت المُجسمات ابتداءً من أمس الأربعاء (21 كانون أول/ديسمبر)، ويستمر عرضها لمدة شهر، في معرضٍ حمل اسم "حجرلوجيا".
وينحدر "الرازم" من مدينة القدس، ويعملُ فيها كمُدرّسٍ للتّربية الفنّية والخطّ العربي، وقد نظّمَ العديد من المعارض المحلية والدولية، وحَصَد عشرات الجوائز، منها جائزة أفضل فنان جسّد القدس في أعماله الفنية (ملتقى المُثقّفين المقدسي).
"وِلادة الفكرة"..
يقفُ "ضيف سند" بجانب مجسم "باب العامود"، ويسردُ في حديثٍ ماتع، أن فكرة المعرض جاءت عام 2019؛ بهدف توثيق الموروث الثقافي والمعماري للمدينة المُقدّسة، ونقله والتعريف به إلى مختلف المدن الفلسطينية، خاصةً تلك الواقعة ما بعد جدار الفصل العنصري.
ويقول: إن "الفكرة طُرحت من قِبَل مدير برج اللقلق في القدس منتصر ادكيدك، وفي حينها، تَقبلتُ الفكرة وبدأتُ العمل عليها، حتى أنتجتُ أول مجسمٍ لقبة الصخرة المُشرفة والذي لاقى إعجابًا كبيرًا من المؤسسات الداعمة".
11 شهرًا وصل خلالها "الرازم" اللّيل بالنّهار، حتى استطاع أخيرًا اجتياز التحديات كافة، وبناء مُجسماتٍ حمّلت بين طيّاتها تفاصيل معالم وأبنية أثرية تتعرّض لمخاطر تشويه الهوية، ويُراد لتراثها وتاريخها الطمس والتغييب نهائيًا عبر سياساتٍ احتلالية ممنهجة.
وتضمّن المعرض مجسمات كل من: باب العامود، الجامع القِبْلي، قبة الصخرة، كنيسة القيامة، سوق الكاردو، سبيل قايتباي، المدرسة الأشرفية، المدرسة العُمرية، الصلاحية، حارة المغاربة "حائط البراق" وسوق القطانين.
وتمّ تتويج المعرض وافتتاحه الأول، في مؤسسة "النيزك" ببلدة بيرزيت، وفقًا لضيفنا.
ويُفسِّر "الرازم" سبب اختياره لهذه المجسمات تحديدًا، لـ "أهميتها الدينية والثقافية لدى مختلف الفئات والسياح والزوّار؛ فمثلًا قبة الصخرة معلمٌ ديني إسلامي للعالم أجمع، وكنيسة القيامة معلمٌ تاريخي وديني يأتي إليه المسيحيون من مختلف أنحاء العالم، أما باب العامود فهو المدخل الرئيسي لجميع الزوّار القادمين للمدينة".
وعند سؤاله عن المكوّنات المُستخدمة، يُخبرنا أنها مادة بلاستيكية حديثة تُسمى "بي بي سي"، تتميز بتحمّل تقلُّبات الطقس ودرجات الحرارة المختلفة في فصليْ "الشتاء والصيف"، وتُحافظ على شكلها دون أيّ تغيير، إضافةً إلى الألوان الزيتية.
نجاحٌ رغم الصعوبات
أما عن التحديات والصعوبات، يشرح "الرازم" أن نجاح المعرض كان "تحديًا" كبيرًا، مليئًا بالمعوّقات؛ حيثُ لا يوجد لهذه المجسمات خرائط هيكلية أو خرائط هندسية معمارية، لأنها أبنيةٌ قديمة.
ويسترجعُ بذاكرته هذه الأيام التي تخلّلها العمل بمختلف الأوقات، ويقصّ: "كان الحصول على أبعاد ومقاسات الأبنية شيءٌ صعب.. اضطررت لزيارة المعالم واحدًا واحدًا، وبدأت برسمها يدويًا من حيث عدد مداميك الحجارة، وارتفاعها، وشكلها الخارجي، وما يُحيط فيها من مساحات أو حتى إضافات حديثة، ثُمّ كُنت أذهب لمرسمي وأبدأ بالعمل".
وبنبرةٍ مليئة بالسعادة والامتنان، يشيرُ ضيفنا لاعتزازه بإحياء المعرض في مركز البيرة الثقافيّ، تحديدًا بعدما مرّت به البلاد من ركودٍ خلال جائحة "كورونا، حسب قوله.
ومستقبلًا، يُفكّر "الرازم" ألّا تقتصر الفكرة على 11 مجسمًا فقط، وأن تتوسع حتى تُجسّد المدينة المُقدّسة بأسوارها وأبوابها ومدارسها وكافة معالمها التاريخية وأزقتها وأبنيتها، وصولًا لما يسمى بـ "القدس مُصغرة".
ويوضح أن المقترح حتى اللحظة، أن تُقام هذه الفكرة في مدينة أريحا، بالقرب من "قصر هشام"، حتى يؤمها الجمهور من مختلف المدن، داعيًا وزارة الثقافة ووزارة السياحة ووزارة التربية والتعليم لتبني المشروع ودعمه حتى يتطور وصولًا لتحقيق ونجاح الفكرة الكبيرة.
"ترسيخ الذاكرة الفلسطينية"
بدورها، تؤكد عضو بلدية البيرة وإحدى منظمين الفعالية، جولي حَجّار أنّ "البلدية استضافت المعرض؛ حرصًا منها على المَوروث الثَقافي في مدينة القدس، وعلى التوثيق المعماري فيها".
وتُبيّن لـ "وكالة سند للأنباء" أن الهدف الأساس من المعرض هو "إعادة إحياء هذه المعالم التاريخية في أذهان شعبنا، تحديدًا طلبة المدارس، كوننا محرومون من الوصول إليها وزيارتها بسبب قيود الاحتلال".
وتدعو في معرض حديثها طلبة المدارس لتكثيف زيارة المعرض، منبهةً أنّ "الإنسان بلا معرفته بهويته وتاريخه لا يوجد له أهمية (..)، التعرّف على هذه الثروة التاريخية والدفاع عنها بكافة الوسائل، هو واجبٌ وطني".
وشهد المعرض حضورًا من كافة الفئات والأعمار، حيثُ قام الفنان "الرازم" بتقديم شروحاتٍ مُطوّلة حول تفاصيل المجسمات وتاريخها وعراقتها على مدار الحُقب الزمنية المختلفة.
والتقت "وكالة سند للأنباء" خلال تجولها في زوايا المعرض، بالفنان التشكيلي والأستاذ رائد قرعان الذي حضَرَ برفقة مجموعة من طلبته في المدرسة الإسلامية الثانوية للبنين- البيرة.
ويقول إن "الدافع من زيارتنا للمعرض هو الاطّلاع على هذه المجسمات المشغولة يدويًا، والتي تُمثّل أجزاءً مهمة من المدينة المُقدّسة، وقد لفت انتباهنا التقنية العالية ودقة وجودة هذه الأعمال".
ويشير "قرعان" لأهمية العمل البصري؛ لأنه يُحفر بالذاكرة بشكلٍ أسرع وأكبر، خاصةً لدى طلاب المدارس والأطفال، داعيًا كافة المدارس لزيارة المعرض.
واختتم مُرددًا: "الفن أداة مهمة من أدوات المقاومة، ومنذ نشأته في الستينات وهو يرفع شعار مقاومة المحتل سواءً بالفرشاة واللون والحجر أو بالأعمال الخزفية، ورسالة هذا المعرض تصبّ في هذا الاتجاه".