رغم محاولات الطرد.. قصص تحكي عن صمود المقدسيين في 2022

  • السبت 07, يناير 2023 09:33 ص
  • رغم محاولات الطرد.. قصص تحكي عن صمود المقدسيين في 2022
رغم هجمات الاحتلال المتتالية على القدس بكل ما فيها من شجر وحجر وبشر، لا يزال أهالي المدينة يشكلون الوتد المتين الذي يشد أزر بعضه، ويكتب حكايات صمود ورباط ممزوجة بالتحدي والإصرار على النصر.
رغم محاولات الطرد.. قصص تحكي عن صمود المقدسيين في 2022
القدس - بيان الجعبة - وكالة سند للأنباء
رغم هجمات الاحتلال المتتالية على القدس بكل ما فيها من شجر وحجر وبشر، لا يزال أهالي المدينة يشكلون الوتد المتين الذي يشد أزر بعضه، ويكتب حكايات صمود ورباط ممزوجة بالتحدي والإصرار على النصر.
وبأساليب مختلفة، يسعى الاحتلال لتهجير المقدسيين، أبرزها سياسة هدم المنازل والمنشآت، حتى بلغت عمليات الهدم في القدس طوال العام المنصرم، 168 عملية، 66 منها تمت على يد أصحابها ذاتيًا تجنبًا لدفع غرامات مالية باهظة.
وتارة أخرى، تُعرض الصفقات التجارية والمبالغ الطائلة على أصحاب المنازل والمحال التجارية التاريخية في البلدة القديمة مقابل بيعها، إلا أن "أموال الدنيا لا تكفي لبيع حجر من حجارها" كما يقول أصحابها.
وتصنف سلطات الاحتلال عمليات الهدم لأربعة أنواع: "الهدم العسكري"، الذي يتم لأسباب عسكرية (بذريعة حماية الجنود والمستوطنات)، و"الهدم العقابي"، وهو هدم منازل العائلات الفلسطينية بذريعة تنفيذ أبنائهم عمليات فدائية، و"الهدم الإداري"، وهو الأكثر شيوعاً، وينفذ هذا القرار بذريعة البناء دون الحصول على ترخيص، أو بذريعة المصلحة العامة، و"الهدم القضائي"، ويأتي عادة بعد الانتهاء من الإجراءات والقرارات الإدارية الصادرة عن بلدية القدس.
عائلة الرجبي.. من مبنى مشيّد إلى خيمة
في سلوان، حيث تتصاعد عمليات التهويد والتهجير، تقف المقدسية جملات الرجبي شامخة فوق أنقاض منزلها المهدّم، رافضة ترك أرضها وأرض أجدادها وأبنائها من بعدهم، وتقطن في "بركس" إلى جانب أفراد عالئلتها المكونة من ثلاثين شخصًا نصفهم من الأطفال.
وهدمت سلطات الاحتلال منزل عائلة الرجبي المكوّن من أربعة طوابق في أيار/ مايو 2022، إلا أن العائلة أصرت على البقاء فوق أرضهم وعدم تركها لمشاريع الاحتلال التهويدية.
وعاشت العائلة لحظات صعبة خلال هدم منزلها، وهي ترى حجارته تتساقط وتتهاوى أرضًا، وعن ذلك تقول "الرجبي" لـ "وكالة سند للأنباء": "ما عشناه كان صعبًا جدًا، لكنهم رغم ذلك لن يهزمنا أو يكسر عزيمتنا وإصرارنا على العيش في القدس".
وبنبرة تحدي وإصرار تؤكد ضيفتنا: "نحن هنا وسنبقى هنا رغم كل محاولات التهجير، فلن نرحل لأنها لنا".
وسطّرت عائلة الرجبي حكاية صمودها بزفاف ابنتها "ربيحة" من فوق ركام المنزل المهدّم، فخرجت بالثوب الأبيض تُمسك بيد أشقائها ليقولوا بأن "مخالب جرافات الاحتلال لن تحطم فرحتنا كما حطمت جدران المنزل".
وتعيش جملات وأبناءها وزوجاتهم وأولادهم في بركس صغير من الأسبست، قُسّم لثلاثة غرف يتوزعون عليها.
وعن ذلك تحدثنا: "نعيش بغرف غير صحية لا تصلح حتى لعيش الحيوانات، ونُكمل أيامنا بأبسط مقومات متوفرة، وبين تردد دائم على الطبيب بسبب مرض الأطفال المتكرر نتيجة هذا الوضع، إضافة الى الضغط النفسي والتوتر الدائم والذي ازداد مؤخراً نتيجة مداهمة بلدية الاحتلال وتهديداتها بهدم ما تبقى من جدران قائمة بصعوبة".
وبعد إعادة إخطارهم بهدم ما تبقى من جدران وما يأويهم من "اسبست"، تؤكد الرجبي على أنه لا يوجد لديهم بديل عن بيتهم المهدوم ولا مكان آخر للجوء إليه، لكنها تردد بعنفوان مقدسي: "إن هدموا الموجود بشتري خيمة وبعيش فيها على أرضي".
صمود أمام المغريات
لا يقتصر صمود المقدسيين على العيش في خيمة بدلاً من منزل هُدم، فصمود المقدسيين أمام مغريات بصفقات تجارية تقدّر بأموال طائلة، لا تقل شراسة عن سابقتها، في صورة صمود من نوع خاص يسطره المقدسيون.
فهذا العمّ عماد أبو خديجة، يرفض ملايين الدولارات مقابل الخروج من محله وتسليمه للاحتلال ويصمد منذ سنوات على بطش بلدية الاحتلال وهجمات المستوطنين المتكررة والرامية الى طرده سواء قَبِلَ الصفقة أم لم يقبلها.
ويملك "أبو خديجة" واحداً من أضيق وأقدم محلات سوق باب السلسلة في بلدة القدس القديمة، والذي يعرف باسم "خان أبو خديجة"، ويمتد على مساحة ستة أمتار، ويتكون من طابقين، الأول يعود للفترة الصليبية، والجزء الأسفل يعود إلى الفترة البيزنطية.
ورغم كل محاولات الاحتلال التضييق على أبو خديجة والمغريات التي قدمها الاحتلال وجمعياته الاستيطانية إلا أن "الخان" ومالكه أصبحا فصلًا رئيسًا في فصول الصمود بالقدس وعدم التفريط بها.
يخبرنا العم "أبو خديجة" بقصته: "يأتون إليّ كل شهرين بعرض جديد لشراء الخان، وفي كل مرة يزيد من المبلغ المعروض، حتى وصل في آخر مرة لـ 47 مليون دولار"، لكنه يردد دائمًا: "لو خيروني بمال العالم كله ما بفرط بحجر واحد من حجارة المحل".
ويردف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "الاحتلال يتعمد التضييق والضغط عليه، ففواتير الماء والكهرباء مرتفعة جداً، رغم أن المكان لا يسكنه أحد، غير المحاولات المتكررة لاقتحام الخان وفرض ضرائب ومخالفات ضخمة مع أن المكان لا يدر أي دخل".
اجمتعت كل هذه الضغوطات على كاهل "أبو خديجة" لكنه يقول "لن أفرط فيه ما حييت وسأظل فيه، وسأجدده حتى أبرز كل حجر إسلامي قديم وأساعده على الصمود، فكل حجر فيه يروي قصة صمود عثماني وأيوبي".
ويحتاج "خان أبو خديجة" لعمليات ترميم وإصلاح، إلا أن الاحتلال يمنع ذلك، ولولا الوثائق التي يملكها والتي تثبت ملكيته للمحل لكان الاحتلال استولى عليه وسرقه منذ زمن، حسب ما أورده.
ويناشد ضيفنا الجميع للوقوف لجانب المقدسيين وعدم تركهم وحيدين أمام محاولات الاحتلال تفريغ المدينة من أهلها وسكانها الأصليين وإسكان المستوطنين بدلاً منهم.
صمود مرابط..
على قارعة الطريق إلى المسجد الأقصى المبارك، وعلى بعد 30 متراً من "خان أبو خديجة"، يرابط الشيخ خير الدين الشيمي "أبو بكر" منذ 10 سنوات، مكبراً في وجه كل مستوطن يدنس الأقصى مقتحماً.
ويصرّ "الشيمي" على التواجد يوميًّا على بوابات الأقصى (السلسلة، حطة، الأسباط)؛ لإيمانه بأن الله اصطفى الفلسطينيين للدفاع عن الأقصى وحمايته.
ويقول المرابط لـ "وكالة سند للأنباء": "في بلادنا لا يكفي أن نصوم ونصلي ونتصدق ونتوجه لأداء العمرة والحج، لأن ديننا سيكون ناقصا، فالله اصطفانا وخلقنا في فلسطين بالتحديد لنحمي الأقصى المحتل".
ويضيف: "كنتُ أسافر يومياً من قرية مكر الجديدة في عكا إلى مدينة القدس وبالعكس، لمقارعة مقتحمي الأقصى والتصدي لهم بالتواجد والتكبير حتى لا ينعموا بالهدوء في الأقصى"، إلا أن الرحلة الشاقة على المرابط المسن جعلته يتخذ قراراً بالانتقال للسكن في القدس، موضحًا: "هدفي مجاورة الأقصى وليس الزيارات القصيرة".
وتعرض الشيمي خلال العام الماضي لعشرات الاعتداءات، كان آخرها اعتداء قوات الاحتلال الخاصة عليه يوم "رأس السنة العبرية" في أيلول/ سبتمر الماضي، بعد دفعه وسحله عند باب الأسباط، حيث أصيب حينها بجروح في الرأس والرقبة، فيما تم استدعاءه واعتقاله 20 مرة خلال العام وقضى ثلتيّ السنة مبعداً عن "الأقصى" وأبوابه.
وبعد ساعات قليلة من الاعتداء عليه، عاد الشيمي لموقعه على أبواب الأقصى، فهو لا يستطيع الوقوف دون حراك وهو يرى قوات الاحتلال تعتدي على المرابطات، ولا صبر لديه عند رؤية المستوطنين يدنسون الأقصى وينتهكون حرماته، ولمنع ذلك كله تهون كل المخاطر، حسب قوله.
ويختم الشيخ الشيمي بالقول: "أمنيتي هي الارتقاء شهيدا في ساحات المسجد الأقصى أو على أبوابه أو في الشوارع التي تلاصق باحاته، وسأبقى على عهدي مع هذه القضية إلى أن أرتقي شهيداً في سبيلها".