مسيرة الأعلام الصهيونية في 18 أيار: إفشالها الممكن
زياد ابحيص
يتخذ اليمين الصهيوني من الذكرى العبرية لاحتلال القدس في 28 أيار العبري مناسبة سنوية دورية لاستعراض سيادته المزعومة على القدس باقتحام كبير وواسع للمسجد الأقصى صباحاً، وبمسيرة الأعلام بين الساعة الرابعة والسادسة عصراً والتي تبدأ بطواف آلاف المستوطنين حول بلدتها القديمة، ومن ثم اقتحامها من باب العامود عبر شارع الواد وأداء الرقصات الاحتفالية بالهيمنة على القدس أمام كل طريق يتجه صوب أبواب المسجد الأقصى المبارك، ويمارس المستوطنون خلالها كل أنواع الاعتداء بالضرب والشتم والتخريب وتحقير المقدسات، ليثبتوا بهذه النكاية الرخيصة أنهم مقتدرون على كل ما يمثل هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
ما تخفيه هذه الصورة العدوانية الهمجية تحتها هو أن مجرد اللجوء إلى هذا الشكل المؤقت والرمزي من استعراض السيادة المزعومة هو إقرار ضمني بفقدانها، فمن يملك السيادة على المدينة يفترض أن يكون صاحبها ومقيماً فيها لا أن يأتيها مقتحماً، ويفترض أن تكون عناصر هويته حاضرة في كل زاوية فيها لا أن يحاول استعراضها بأعلام قماشية كثيفة العدد، ويفترض أن يكون دخوله لها أمراً مفروغاً منه لا أن يحتاج إلى آلاف أفراد الشرطة واستنفار الجيش والسياسيين والعلاقات الإقليمية والدولية؛ فأي “دولة” تلك التي تحتاج كل هذه الإجراءات لإدخال “مواطنيها” إلى “عاصمتها”؟!
بذهابه نحو هذا الشكل الرمزي والمؤقت، يفتح المحتل في الوقت عينه أبواباً لإلحاق الهزيمة به، وتحقيق نقيض مراده تماماً، فحتى إذا ما اتخذ من رفع الرايات في سمائها عنواناً لاستعراض الهوية فإن إفشالها ممكن حتى بمنطقه وأسلوبه، فعلم فلسطين رمز هوية هذه الأرض وصمود أهلها ومقاومتهم يمكن أن يحضر فوق كل بيت، وعلى كل مدرسة ومنشأة وفوق كل مركبة، ألوانه يمكن أن تحضر في لباس كل طفل وامرأة ورجل وشيخ؛ يمكن أن يكون يوم استعراض المحتل لأعلامه يوماً تنطق فيه أرض القدس وسماؤها بأعلام فلسطين، وهذا ما فعلته القدس بالفعل في العام الماضي رغم كل الصلف والعدوان.
الذهاب إلى معركة الرمز فرصة لنا نحن خارج القدس بل وخارج فلسطين، فرصة لإعلان يوم مسيرة الأعلام يوماً للعلم الفلسطيني انتصاراً لهوية القدس، واستحضاراً للتطلع إلى تحريرها، فهي النهاية الوحيدة العادلة الممكنة والمقبولة، أن يزول الاحتلال وأن تزول معه كل محاولاته لفرض هويته، وأن تبقى هذه الأرض شاهدة بهوية أهلها وأصحابها المتجذرين فيها. يمكن ببساطة أن نعلن يومي الخميس والجمعة 18 و19-5-2023 يوماً للعلم الفلسطيني في كل مدينة وساحة ممكنة، في العالم العربي والإسلامي وعبر ساحات العالم، تُرفع فيها أعلام فلسطين إلى جانب الأعلام المحلية، فيتشكل مشهد رسالة عالمية تثبّت هويتها وتدعم أهلها الصامدين، من ماليزيا وإندونيسيا إلى المغرب وإلى ساحات أوروبا والأمريكتين كذلك. إذا ما فعلنا ذلك فنحن نحيل محاولة الاحتلال السنوية لاستعراض سيادته على القدس إلى يوم لاستعراض مظلوميتها، إلى استعراض الحقيقة التي لا تتبدل بأنه محتل معتدٍ، وباستعراض وحدةٍ أممية تتطلع إلى تحريرها.
لقد كانت مسيرة الأعلام عنوان معركة في 2021، فقد تفرقت بعد انطلاق صواريخ الإنذار في 10-5-2021 بانطلاق معركة سيف القدس، وتبددت محاولة إعادتها في 10-6-2021 أمام احتمالات تجدد المواجهة، ثم تكررت الدعوة لها بعد أربعة أيام واكتفت بالوصول إلى ساحة باب العمود دون اقتحام البلدة القديمة. وقد حرص الاحتلال أن يجعل منها في العام التالي عنواناً لاستعادة الصورة والمبادرة، فواكبها بحراسة خمسة آلاف عنصر من قواته الخاصة، وبأكبر مناورة عسكرية لجيشه باسم “عربات النار”، وباتصالات دولية وإقليمية ووضع المنطقة على شفير الحرب فقط حتى يدخل مسيرة مستوطنيه إلى البلدة القديمة.
هذا العام، لا يأتي العدوان الحالي على غزة بعيداً عن فرض اقتحام المسجد الأقصى ومسيرة الأعلام في يوم الخميس 18-5، فإذا ما استذكرنا تراجع الاحتلال في 2021، وما فرض عليه من تراجع في معركة الاعتكاف في رمضان، فإن استباق المسيرة بهذا العدوان قبل عشرة أيام فقط من موعدها يهدف إلى ترتيب الميدان بما يضمن فرض اقتحام المسجد الأقصى صباحاً ومسيرة الأعلام مساء دون الخشية من تصعيد، لعل المحتل يرمم مشهد استفراده بالقدس وسيطرته عليها بعد ما فرض عليه من تراجعات قريبة.
لم يكتف الاحتلال بذلك، بل إن جماعات الهيكل المتطرفة تطالب بتتويج مسيرة الأعلام باقتحامٍ مسائي للمسجد الأقصى المبارك، لتكون المسيرة الأولى في تاريخها التي تقتحم الأقصى، ولتفرض اقتحاماً مسائياً لأول مرة في تاريخ الأقصى، ولتحاول إدخال باب الأسباط شمال المسجد في نطاق هيمنتها بمطالبتها أن يكون دخولها إلى الأقصى منه، وبمطالبتها بإدخال 7,500 من متطرفيها وهي التي لم يتجاوز أكبر اقتحاماتها الـ 2,200 مقتحم مع التكرار، ومطالبتها بإدخال الأعلام والطبول إلى المسجد في وقت صلاة العصر أو بعدها بقليل.
المفارقة المهمة التي يجب أن لا تغيب هنا أن هذه المطالب ذات السقف العالي تأتي في سياق تراجع من الأساس، فموعد الذكرى العبرية لاحتلال القدس هو الجمعة 19-5-2023 بحسب الرزنامة العبرية، لكن حكومة الاحتلال ومتطرفيه نقلوا الاقتحام إلى الخميس لعجزهم عن اقتحام الأقصى يوم الجمعة، ونقلوا مسيرة الأعلام المسائية إلى الخميس لإدراكهم أن حشدهم والجنود التي تحميه أعجز من أن يقتحم بلدة القدس القديمة يوم الجمعة في يوم إجازة يتواجد فيه كل أهلها فيها، وهذا بحد ذاته لا بد أن يشكل حافزاً لإفشال هذا الاستعراض الأجوف.
في الخلاصة، أياً كان وَهم الاحتلال وواستعدادته، فإن مسيرة الأعلام بذاتها هي تعبير عن أزمة أكثر مما هي استعراض قوة، وإفشالها ممكن بالأدوات الشعبية على بساطتها، ففي يوم استعراضه لسيادته بالأعلام الصهيونية عبر باب العمود بوسعنا أن نجعل ساحات الكرة الأرضية كلها تنطق بهوية القدس العربية الفلسطينية، وبأن تحريرها هدف عابر للحدود، وبأن أهلها ليسوا وحدهم في معركتهم، وأن ليل استفراد المحتل بهم لن يطول، فالواجب اليوم أن نستعد لنجعل من الخميس 18-5 ونهار الجمعة 19-5 أياماً للعلم الفلسطيني وللاعتصامات والتظاهرات حيثما استطعنا في فلسطين وعبر العالم.
زياد ابحيص
يتخذ اليمين الصهيوني من الذكرى العبرية لاحتلال القدس في 28 أيار العبري مناسبة سنوية دورية لاستعراض سيادته المزعومة على القدس باقتحام كبير وواسع للمسجد الأقصى صباحاً، وبمسيرة الأعلام بين الساعة الرابعة والسادسة عصراً والتي تبدأ بطواف آلاف المستوطنين حول بلدتها القديمة، ومن ثم اقتحامها من باب العامود عبر شارع الواد وأداء الرقصات الاحتفالية بالهيمنة على القدس أمام كل طريق يتجه صوب أبواب المسجد الأقصى المبارك، ويمارس المستوطنون خلالها كل أنواع الاعتداء بالضرب والشتم والتخريب وتحقير المقدسات، ليثبتوا بهذه النكاية الرخيصة أنهم مقتدرون على كل ما يمثل هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
ما تخفيه هذه الصورة العدوانية الهمجية تحتها هو أن مجرد اللجوء إلى هذا الشكل المؤقت والرمزي من استعراض السيادة المزعومة هو إقرار ضمني بفقدانها، فمن يملك السيادة على المدينة يفترض أن يكون صاحبها ومقيماً فيها لا أن يأتيها مقتحماً، ويفترض أن تكون عناصر هويته حاضرة في كل زاوية فيها لا أن يحاول استعراضها بأعلام قماشية كثيفة العدد، ويفترض أن يكون دخوله لها أمراً مفروغاً منه لا أن يحتاج إلى آلاف أفراد الشرطة واستنفار الجيش والسياسيين والعلاقات الإقليمية والدولية؛ فأي “دولة” تلك التي تحتاج كل هذه الإجراءات لإدخال “مواطنيها” إلى “عاصمتها”؟!
بذهابه نحو هذا الشكل الرمزي والمؤقت، يفتح المحتل في الوقت عينه أبواباً لإلحاق الهزيمة به، وتحقيق نقيض مراده تماماً، فحتى إذا ما اتخذ من رفع الرايات في سمائها عنواناً لاستعراض الهوية فإن إفشالها ممكن حتى بمنطقه وأسلوبه، فعلم فلسطين رمز هوية هذه الأرض وصمود أهلها ومقاومتهم يمكن أن يحضر فوق كل بيت، وعلى كل مدرسة ومنشأة وفوق كل مركبة، ألوانه يمكن أن تحضر في لباس كل طفل وامرأة ورجل وشيخ؛ يمكن أن يكون يوم استعراض المحتل لأعلامه يوماً تنطق فيه أرض القدس وسماؤها بأعلام فلسطين، وهذا ما فعلته القدس بالفعل في العام الماضي رغم كل الصلف والعدوان.
الذهاب إلى معركة الرمز فرصة لنا نحن خارج القدس بل وخارج فلسطين، فرصة لإعلان يوم مسيرة الأعلام يوماً للعلم الفلسطيني انتصاراً لهوية القدس، واستحضاراً للتطلع إلى تحريرها، فهي النهاية الوحيدة العادلة الممكنة والمقبولة، أن يزول الاحتلال وأن تزول معه كل محاولاته لفرض هويته، وأن تبقى هذه الأرض شاهدة بهوية أهلها وأصحابها المتجذرين فيها. يمكن ببساطة أن نعلن يومي الخميس والجمعة 18 و19-5-2023 يوماً للعلم الفلسطيني في كل مدينة وساحة ممكنة، في العالم العربي والإسلامي وعبر ساحات العالم، تُرفع فيها أعلام فلسطين إلى جانب الأعلام المحلية، فيتشكل مشهد رسالة عالمية تثبّت هويتها وتدعم أهلها الصامدين، من ماليزيا وإندونيسيا إلى المغرب وإلى ساحات أوروبا والأمريكتين كذلك. إذا ما فعلنا ذلك فنحن نحيل محاولة الاحتلال السنوية لاستعراض سيادته على القدس إلى يوم لاستعراض مظلوميتها، إلى استعراض الحقيقة التي لا تتبدل بأنه محتل معتدٍ، وباستعراض وحدةٍ أممية تتطلع إلى تحريرها.
لقد كانت مسيرة الأعلام عنوان معركة في 2021، فقد تفرقت بعد انطلاق صواريخ الإنذار في 10-5-2021 بانطلاق معركة سيف القدس، وتبددت محاولة إعادتها في 10-6-2021 أمام احتمالات تجدد المواجهة، ثم تكررت الدعوة لها بعد أربعة أيام واكتفت بالوصول إلى ساحة باب العمود دون اقتحام البلدة القديمة. وقد حرص الاحتلال أن يجعل منها في العام التالي عنواناً لاستعادة الصورة والمبادرة، فواكبها بحراسة خمسة آلاف عنصر من قواته الخاصة، وبأكبر مناورة عسكرية لجيشه باسم “عربات النار”، وباتصالات دولية وإقليمية ووضع المنطقة على شفير الحرب فقط حتى يدخل مسيرة مستوطنيه إلى البلدة القديمة.
هذا العام، لا يأتي العدوان الحالي على غزة بعيداً عن فرض اقتحام المسجد الأقصى ومسيرة الأعلام في يوم الخميس 18-5، فإذا ما استذكرنا تراجع الاحتلال في 2021، وما فرض عليه من تراجع في معركة الاعتكاف في رمضان، فإن استباق المسيرة بهذا العدوان قبل عشرة أيام فقط من موعدها يهدف إلى ترتيب الميدان بما يضمن فرض اقتحام المسجد الأقصى صباحاً ومسيرة الأعلام مساء دون الخشية من تصعيد، لعل المحتل يرمم مشهد استفراده بالقدس وسيطرته عليها بعد ما فرض عليه من تراجعات قريبة.
لم يكتف الاحتلال بذلك، بل إن جماعات الهيكل المتطرفة تطالب بتتويج مسيرة الأعلام باقتحامٍ مسائي للمسجد الأقصى المبارك، لتكون المسيرة الأولى في تاريخها التي تقتحم الأقصى، ولتفرض اقتحاماً مسائياً لأول مرة في تاريخ الأقصى، ولتحاول إدخال باب الأسباط شمال المسجد في نطاق هيمنتها بمطالبتها أن يكون دخولها إلى الأقصى منه، وبمطالبتها بإدخال 7,500 من متطرفيها وهي التي لم يتجاوز أكبر اقتحاماتها الـ 2,200 مقتحم مع التكرار، ومطالبتها بإدخال الأعلام والطبول إلى المسجد في وقت صلاة العصر أو بعدها بقليل.
المفارقة المهمة التي يجب أن لا تغيب هنا أن هذه المطالب ذات السقف العالي تأتي في سياق تراجع من الأساس، فموعد الذكرى العبرية لاحتلال القدس هو الجمعة 19-5-2023 بحسب الرزنامة العبرية، لكن حكومة الاحتلال ومتطرفيه نقلوا الاقتحام إلى الخميس لعجزهم عن اقتحام الأقصى يوم الجمعة، ونقلوا مسيرة الأعلام المسائية إلى الخميس لإدراكهم أن حشدهم والجنود التي تحميه أعجز من أن يقتحم بلدة القدس القديمة يوم الجمعة في يوم إجازة يتواجد فيه كل أهلها فيها، وهذا بحد ذاته لا بد أن يشكل حافزاً لإفشال هذا الاستعراض الأجوف.
في الخلاصة، أياً كان وَهم الاحتلال وواستعدادته، فإن مسيرة الأعلام بذاتها هي تعبير عن أزمة أكثر مما هي استعراض قوة، وإفشالها ممكن بالأدوات الشعبية على بساطتها، ففي يوم استعراضه لسيادته بالأعلام الصهيونية عبر باب العمود بوسعنا أن نجعل ساحات الكرة الأرضية كلها تنطق بهوية القدس العربية الفلسطينية، وبأن تحريرها هدف عابر للحدود، وبأن أهلها ليسوا وحدهم في معركتهم، وأن ليل استفراد المحتل بهم لن يطول، فالواجب اليوم أن نستعد لنجعل من الخميس 18-5 ونهار الجمعة 19-5 أياماً للعلم الفلسطيني وللاعتصامات والتظاهرات حيثما استطعنا في فلسطين وعبر العالم.