عائلة صبّ اللبن المقدسية.. صمودٌ بوجه التهويد وسياسة التهجير القسري
القدس - فرح البرغوثي - وكالة سند للأنباء
"يا لروعته.. بيت يطلّ على الجنة"، كلمات لطالما رددها الفلسطينيون عند وصفهم، لمنزل عائلة "صبّ لبن" الذي يطلّ على قبة الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى المبارك، ليكون بذلك محل أطماع الاحتلال الإسرائيلي وفي عين الاستهداف؛ للسيطرة عليه ومصادرته من أصحابه.
لكن المحظور وقع، وأصبحت "جنّة" عائلة "صبّ لبن" على موعد مع التهجير القسري، بعد أن دخل قرار محكمة الاحتلال العليا حيّز التنفيذ أمس الأحد (11 حزيران/ يونيو)، والذي يقضي بإخلاء المنزل لصالح المستوطنين الذين يسعون منذ عام 2010 للسيطرة عليه، مدّعين أن مُلكيته تعود لليهود قبل عام 1948.
وبقلقٍ وتوتر تترقّب العائلة المقدسية مصير منزلها المُهدّد بخطرِ المصادرة والاستيلاء في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة في القدس، وباتت تعيش أيامًا قاسية ومشاعرَ لم تمر عليها من قبل؛ بعدما أخطر الاحتلال أفرادها إخلاء "بيت العُمر المليء بتفاصيل الحياة".
المنزل الذي لا تتجاوز مساحته الـ 65 مترًا، يعد من أقدمِ المنازلِ في المدينةِ المُقدّسة، وأكثرها تميّزًا بإطلالته الساحرة على مسجد قبَّة الصخرة، إذ لا يبعد عن المسجد الأقصى سوى 100 متر، ويصفه أفراد العائلة بـ "الجنّة".
ومنذ 50 عامًا، يصمدُ السبعيني مصطفى صب لبن وزوجته نورا في منزلهما، رغم مضايقات المستوطنين ومحاولاتهم المتكرّرة لتهجيرهم قسرًا، بعد سيطرتهم قبل عدّة سنوات على الجزء العلوي من المبنى وجزء آخر منه، وبقائهما في الطابق الأوسط الذي يحيطه الاستيطان من كلّ جهة.
"منزلٌ أسير"..
تقول المقدسيّة نورا صب لبن (68 عامًا)، إنّ عُمر هذا المنزل يزيد عن 150 عامًا، أيّ أكبر من دولة الاحتلال، استأجرته عائلة والدها المُلقّبة بـ"غيث" من المملكة الهاشمية الأردنية، وتم منحها حقوق إيجار محمية؛ وبعد احتلال القدس عام 1967 تم نقل مُلكيته لما تُسمى "دائرة حارس أملاك العدو".
وبنبرةٍ من الألم، تروي لـ "وكالة سند للأنباء": "هذا منزل أبي، منزل عائلتي منذ عام 1953.. هُنا كلّ الماضي والذكريات الحزينة والسعيدة.. ولادتي، وطفولتي، وزواجي.. هُنا أيضًا نشأ وترعرع أبنائي وابنتي".
وتضيف: "هذا المنزل ليس مُجرد حجارة، إنه أكبر من ذلك بكثير، إذا صادره الاحتلال فهو أسير، ويومًا ما سأعود له، ودفاعي عنه هو دفاعٌ عن كلّ منازل المدينة المُهدّدة بالإخلاء والتهجير".
وعند سؤالها عن "كيف مرّت الليلة المُنتظرة للإخلاء؟"، تُجيب: "لم يزرنا النوم بتاتًا، جميع أفراد العائلة ينتظرون بقلقٍ وتوتر عقارب الساعة التي باتت تمشي ببطء، ويُفكّرون في المصير المجهول".
وتلفتُ "صب لبن" إلى أنّ منزلها لم يخلُ من عشرات المتضامنين، الذين توافدوا إليه منذ ساعات الفجر الأولى، مرددةً: "صمودنا وتضامن السفراء والاتحاد الأوروبي وكلّ العالم معنا، وتنظيم الوقفات التضامنية والحَشد لها يُؤخر عملية تهجيرنا ومصادرة المنزل".
"معاركٌ قضائية"..
على مدار السنوات الماضية، عانت عائلة "صب لبن" من اعتداءات الاحتلال والمستوطنين، وأطماعهم المُتزايدة يومًا بعد يوم، ففي عام 1976، بدأت محاولات الاحتلال للاستيلاء على المنزل من خلال زيادة ثمن الإيجار بشكلٍ باهظ، واستمرت العائلة بدفعه.
وتسترجع "ضيفة سند" معاركها القضائية، وتحكي لنا: "منذُ عام 1983 بعدما تأثّر منزلي جرّاء الحفريات وتساقطت حجارته، حتى عام 1998، ونحنُ نُقارع دوامة محاكم الاحتلال والاستئنافات المُتتالية، تزامنًا مع تسريب الجزء المجاور من منزلنا للمستوطنين، وإغلاقهم مدخله، وحرمانِنا من دخوله".
وفي عام 2000، انتزعت العائلة حقها، وحصلت على إذنٍ بالترميم وإعادة فتح المدخل المُغلق، وعاشت عشرة أعوامٍ مُتتالية بعيدًا عن محاكم الاحتلال، حتى حصل ما لم يكن متوقعًا.
وتردف أن حكومة الاحتلال حوّلت مُلكية المنزل إلى جمعيةٍ استيطانية، بعد رفعها قضية إخلاء بحجّة "عدم وجود العائلة في المنزل"، استنادًا على شهادات مزوّرة من مستوطنين.
تشتيت العائلة..
لم يتوقف الاحتلال هنا، ففي عام 2016، أصدرت المحكمة "العليا" قرارًا بمنع أبناء العائلة المقدسية "صب لبن" رأفت وأحمد وزوجته وأولاده، وشقيقتهما من العيش داخل المنزل؛ ما أدى إلى تشتّت العائلة، ورحيل الأبناء للعيش في الإيجار.
أما في 2018، تقدّم المستوطنون بقضية إخلاءٍ جديدة؛ بدعوى "عدم وجود العائلة في المنزل"، وتُشير ضيفتنا إلى أنها كانت في تلك الفترة مُلازِمة الفراش لعِلَّة، واضطرّت للمكوث عند أبنائها، وزوجها هو من كان يتفقد المنزل.
وتشرح: "في تلك الفترة، استغل المستوطنون الأمر ووضعوا كاميرات مراقبة على مدخل المنزل، وقدّموا ادعاءً بأنّه فارغ لا تسكنه العائلة، ورغم أننا تقدمنا بأوراق طبيّة تُثبت تردي وضعي الصحي، إلا أنّ محكمتي الصلح والمركزية رفضتا استئناف القرار، أما المحكمة العليا لم تعقد جلسة، وسلّمتنا مؤخرًا قرارًا بإخلاء المنزل".
وتؤكّد أن "جميع ادّعاءات الاحتلال كاذبة، هم يطمعون بالسيطرة على المنزل بسبب مكانه المُميّز وقُربه من المسجد الأقصى المبارك".
لكنّ عائلة "صب لبن" لا تعرف سوى الصمود والثبات، حالها كبقيّة العائلات المقدسيّة، وتختم بقولها: "لن نُفرّط بمنزل يَطل على الجنّة.. نحنُ أصحابُ الحق، وهم أصحابُ الباطل وإلى زوال، ونحنُ أقوياء بالله ووعده لنا بالنصر".
القدس - فرح البرغوثي - وكالة سند للأنباء
"يا لروعته.. بيت يطلّ على الجنة"، كلمات لطالما رددها الفلسطينيون عند وصفهم، لمنزل عائلة "صبّ لبن" الذي يطلّ على قبة الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى المبارك، ليكون بذلك محل أطماع الاحتلال الإسرائيلي وفي عين الاستهداف؛ للسيطرة عليه ومصادرته من أصحابه.
لكن المحظور وقع، وأصبحت "جنّة" عائلة "صبّ لبن" على موعد مع التهجير القسري، بعد أن دخل قرار محكمة الاحتلال العليا حيّز التنفيذ أمس الأحد (11 حزيران/ يونيو)، والذي يقضي بإخلاء المنزل لصالح المستوطنين الذين يسعون منذ عام 2010 للسيطرة عليه، مدّعين أن مُلكيته تعود لليهود قبل عام 1948.
وبقلقٍ وتوتر تترقّب العائلة المقدسية مصير منزلها المُهدّد بخطرِ المصادرة والاستيلاء في عقبة الخالدية بالبلدة القديمة في القدس، وباتت تعيش أيامًا قاسية ومشاعرَ لم تمر عليها من قبل؛ بعدما أخطر الاحتلال أفرادها إخلاء "بيت العُمر المليء بتفاصيل الحياة".
المنزل الذي لا تتجاوز مساحته الـ 65 مترًا، يعد من أقدمِ المنازلِ في المدينةِ المُقدّسة، وأكثرها تميّزًا بإطلالته الساحرة على مسجد قبَّة الصخرة، إذ لا يبعد عن المسجد الأقصى سوى 100 متر، ويصفه أفراد العائلة بـ "الجنّة".
ومنذ 50 عامًا، يصمدُ السبعيني مصطفى صب لبن وزوجته نورا في منزلهما، رغم مضايقات المستوطنين ومحاولاتهم المتكرّرة لتهجيرهم قسرًا، بعد سيطرتهم قبل عدّة سنوات على الجزء العلوي من المبنى وجزء آخر منه، وبقائهما في الطابق الأوسط الذي يحيطه الاستيطان من كلّ جهة.
"منزلٌ أسير"..
تقول المقدسيّة نورا صب لبن (68 عامًا)، إنّ عُمر هذا المنزل يزيد عن 150 عامًا، أيّ أكبر من دولة الاحتلال، استأجرته عائلة والدها المُلقّبة بـ"غيث" من المملكة الهاشمية الأردنية، وتم منحها حقوق إيجار محمية؛ وبعد احتلال القدس عام 1967 تم نقل مُلكيته لما تُسمى "دائرة حارس أملاك العدو".
وبنبرةٍ من الألم، تروي لـ "وكالة سند للأنباء": "هذا منزل أبي، منزل عائلتي منذ عام 1953.. هُنا كلّ الماضي والذكريات الحزينة والسعيدة.. ولادتي، وطفولتي، وزواجي.. هُنا أيضًا نشأ وترعرع أبنائي وابنتي".
وتضيف: "هذا المنزل ليس مُجرد حجارة، إنه أكبر من ذلك بكثير، إذا صادره الاحتلال فهو أسير، ويومًا ما سأعود له، ودفاعي عنه هو دفاعٌ عن كلّ منازل المدينة المُهدّدة بالإخلاء والتهجير".
وعند سؤالها عن "كيف مرّت الليلة المُنتظرة للإخلاء؟"، تُجيب: "لم يزرنا النوم بتاتًا، جميع أفراد العائلة ينتظرون بقلقٍ وتوتر عقارب الساعة التي باتت تمشي ببطء، ويُفكّرون في المصير المجهول".
وتلفتُ "صب لبن" إلى أنّ منزلها لم يخلُ من عشرات المتضامنين، الذين توافدوا إليه منذ ساعات الفجر الأولى، مرددةً: "صمودنا وتضامن السفراء والاتحاد الأوروبي وكلّ العالم معنا، وتنظيم الوقفات التضامنية والحَشد لها يُؤخر عملية تهجيرنا ومصادرة المنزل".
"معاركٌ قضائية"..
على مدار السنوات الماضية، عانت عائلة "صب لبن" من اعتداءات الاحتلال والمستوطنين، وأطماعهم المُتزايدة يومًا بعد يوم، ففي عام 1976، بدأت محاولات الاحتلال للاستيلاء على المنزل من خلال زيادة ثمن الإيجار بشكلٍ باهظ، واستمرت العائلة بدفعه.
وتسترجع "ضيفة سند" معاركها القضائية، وتحكي لنا: "منذُ عام 1983 بعدما تأثّر منزلي جرّاء الحفريات وتساقطت حجارته، حتى عام 1998، ونحنُ نُقارع دوامة محاكم الاحتلال والاستئنافات المُتتالية، تزامنًا مع تسريب الجزء المجاور من منزلنا للمستوطنين، وإغلاقهم مدخله، وحرمانِنا من دخوله".
وفي عام 2000، انتزعت العائلة حقها، وحصلت على إذنٍ بالترميم وإعادة فتح المدخل المُغلق، وعاشت عشرة أعوامٍ مُتتالية بعيدًا عن محاكم الاحتلال، حتى حصل ما لم يكن متوقعًا.
وتردف أن حكومة الاحتلال حوّلت مُلكية المنزل إلى جمعيةٍ استيطانية، بعد رفعها قضية إخلاء بحجّة "عدم وجود العائلة في المنزل"، استنادًا على شهادات مزوّرة من مستوطنين.
تشتيت العائلة..
لم يتوقف الاحتلال هنا، ففي عام 2016، أصدرت المحكمة "العليا" قرارًا بمنع أبناء العائلة المقدسية "صب لبن" رأفت وأحمد وزوجته وأولاده، وشقيقتهما من العيش داخل المنزل؛ ما أدى إلى تشتّت العائلة، ورحيل الأبناء للعيش في الإيجار.
أما في 2018، تقدّم المستوطنون بقضية إخلاءٍ جديدة؛ بدعوى "عدم وجود العائلة في المنزل"، وتُشير ضيفتنا إلى أنها كانت في تلك الفترة مُلازِمة الفراش لعِلَّة، واضطرّت للمكوث عند أبنائها، وزوجها هو من كان يتفقد المنزل.
وتشرح: "في تلك الفترة، استغل المستوطنون الأمر ووضعوا كاميرات مراقبة على مدخل المنزل، وقدّموا ادعاءً بأنّه فارغ لا تسكنه العائلة، ورغم أننا تقدمنا بأوراق طبيّة تُثبت تردي وضعي الصحي، إلا أنّ محكمتي الصلح والمركزية رفضتا استئناف القرار، أما المحكمة العليا لم تعقد جلسة، وسلّمتنا مؤخرًا قرارًا بإخلاء المنزل".
وتؤكّد أن "جميع ادّعاءات الاحتلال كاذبة، هم يطمعون بالسيطرة على المنزل بسبب مكانه المُميّز وقُربه من المسجد الأقصى المبارك".
لكنّ عائلة "صب لبن" لا تعرف سوى الصمود والثبات، حالها كبقيّة العائلات المقدسيّة، وتختم بقولها: "لن نُفرّط بمنزل يَطل على الجنّة.. نحنُ أصحابُ الحق، وهم أصحابُ الباطل وإلى زوال، ونحنُ أقوياء بالله ووعده لنا بالنصر".