"بركة السلطان".. الاحتلال يُحوّل أقدم مصادر مياه القدس لملهى ليلي
القدس المحتلة – رنا شمعة - صفا
على بعد نحو 100 متر من الناحية الجنوبية الغربية لسور القدس المحتلة التاريخي، كانت تتربع "بركة السلطان" الأثرية، المعلم الإسلامي التاريخي العريق الذي يتجاوز عمره 500 عام، قبل أن يستولي الاحتلال الإسرائيلي عليها، ويحولها إلى ملهى ليلي ومنصة لإقامة الحفلات الموسيقية الصاخبة، التي تُنافي حضارة المكان الإسلامية العربية.
وتعتبر البركة الأثرية حوضًا قديمًا للمياه، تبدأ من مقابل باب الخليل وصولًا إلى منطقة "جورة العناب" عند مدخل بلدة سلوان غربًا، بطول 180 مترًا وعرض 80 مترًا، وعمق 10 أمتار، تُحيط بها الصخور شرقًا وغربًا.
حقب تاريخية
وخلال حقب تاريخية مختلفة، تعرضت البركة للإهمال والتخريب، حتى أوقفها صلاح الدين الأيوبي عام 1190، بعد تحريره مدينة القدس، ضمن الأوقاف الإسلامية في عهده، وأولاها اهتمامًا بشكل أكبر، لقربها من باب الخليل ومقبرة مأمن الله الإسلامية، كما يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب.
ويوضح، في حديث لوكالة "صفا"، أن القائد صلاح الدين الأيوبي عمل على ترميم "بركة السلطان" وتوسعتها وتنظيفها، لتكون مكانًا لسقاية أهل القدس، والاعتماد عليها في ري المزروعات
ويضيف أن البركة شهدت بعد تحرير المدينة المقدسة، اهتمامًا من كل الخلفاء والسلاطين المسلمين، لكن الاهتمام الأكبر كان في الفترة العثمانية حين أمر السلطان العثماني سليمان القانوني بترميمها وتوسعتها مجددًا، وبناء سبيل حجري عند مدخلها لسقاية المسافرين الذين يزورون المسجد الأقصى.
ويعد هذا السبيل واحدًا من ستة أسبلة أمر السلطان العثماني ببنائها في عهده عام 1536، داخل المدينة المقدسة، أحدها يقع قبالة البركة جنوبًا خارج البلدة القديمة، والثاني في طريق الواد قرب سوق القطانين، والثالث قرب المسجد الأقصى إلى الشمال عند باب الملك فيصل.
أما السبيل الرابع، فيقع عند ملتقى الطرق المؤدية إلى طلعة التكية وباب الناظر، والخامس قرب باب الأسباط وعند باب السلسلة أمام المدرسة التنكزية.
ويشير الباحث المقدسي إلى أن السلطان سليمان القانوني عمل على إيجاد ممرات مائية لتوصيل المياه من هذه المنطقة للمسجد الأقصى والبلدة القديمة، بغية خدمة الوافدين إليهما.
ويبين أن "بركة السلطان" تُعد من أهم المواقع الأثرية، ومصادر تجميع المياه في مدينة القدس على مر التاريخ والعصور، رغم تعرضها للإهمال والتجفيف في فترات معينة.
وبقيت البركة مستودعًا للمياه حتى أواسط الفترة العثمانية، وبعدها قل الاهتمام بها، حتى أعادت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إنقاذها عبر مد أنابيب حديدية تُغذيها بالمياه من برك بيت لحم جنوبي القدس.
وبعد النكبة واحتلال العصابات الصهيونية غربي القدس عام 1948، جرى الاستيلاء على "بركة السلطان"، وتعرضت حينها للإهمال بشكل كبير للغاية، كونها كانت تقع في "منطقة حرام" ما بين الأراضي المحتلة عامي 1948-1967، وفق أبو دياب
تغييب الراوية
ويؤكد أن الاحتلال دائمًا ما يسعى إلى طمس المعالم العربية والإسلامية، وتغييب الرواية العربية في كل شيء داخل المدينة المقدسة، بهدف السيطرة الكاملة عليها.
وبعد احتلال الجزء الشرقي لمدينة القدس عام 1967، تغير حال البركة التاريخية، عندما استولت عليها بلدية الاحتلال، وبدأت بتجفيفها وشق نفق في جدارها الجنوبي للحيلولة دون تجمع مياه الأمطار.
ويلفت إلى أن بلدية الاحتلال بنت مكان البركة عام 1978، مسرحًا مفتوحًا أُطلق عليه "ميريل هاسنفيلد"، لعروض الرقص والأوبرا والمهرجانات الإسرائيلية، وذلك في أهم المواقع الأثرية الإسلامية وأكثرها حساسية قرب سور القدس التاريخي.
ووفقًا لأبو دياب، فإن بلدية الاحتلال عملت بعدها على تحويل البركة إلى متنزهات عامة، ومن ثم بدأت التفكير بإقامة ملهى ليلي ومكان لاحتفالات اليهود الصاخبة داخلها.
احتفالات صاخبة
وفي نهاية العام 2022، أعلنت البلدية بالتعاون مع ما تسمى "سلطة الطبيعية والآثار" الإسرائيلية، و"مؤسسة صندوق القدس"، ومؤسسات احتلالية أخرى، عن تحويلها لما وصفته "أجمل منطقة للحفلات الموسيقية والحياة الليلية في إسرائيل".
ويبين الباحث المقدسي أن بلدية الاحتلال خصصت 100 مليون شيكل لتنفيذ مشروعها، لأجل إقامة المستوطنين طقوسهم واحتفالاتهم داخل البركة الأثرية، ونصبت منصات ومقاعد تتسع لنحو 10 آلاف شخص، تشهد يوميًا احتفالات موسيقية صاخبة.
وعمل الاحتلال على تحديث طرق الوصول إلى مكان البركة، وأوجد مواقف للسيارات، وأقام "بركة ماء بيئية"، وبنى مقهى ومطعم وكشك تذاكر ووحدات إنارة داخلها.
ويؤكد أبو دياب أنه رغم أن الاحتلال أراد طمس وتدمير معالم بركة المياه التاريخية، وتغيير الوجه الحضاري للمنطقة، وتغييب الرواية العربية الحقيقية عن هذه المنطقة، بالإضافة إلى جلب المزيد من المتطرفين إليها، ليكونوا قريبين من البلدة القديمة، إلا أنه لن يستطيع مسحها من الذاكرة الفلسطينية.
القدس المحتلة – رنا شمعة - صفا
على بعد نحو 100 متر من الناحية الجنوبية الغربية لسور القدس المحتلة التاريخي، كانت تتربع "بركة السلطان" الأثرية، المعلم الإسلامي التاريخي العريق الذي يتجاوز عمره 500 عام، قبل أن يستولي الاحتلال الإسرائيلي عليها، ويحولها إلى ملهى ليلي ومنصة لإقامة الحفلات الموسيقية الصاخبة، التي تُنافي حضارة المكان الإسلامية العربية.
وتعتبر البركة الأثرية حوضًا قديمًا للمياه، تبدأ من مقابل باب الخليل وصولًا إلى منطقة "جورة العناب" عند مدخل بلدة سلوان غربًا، بطول 180 مترًا وعرض 80 مترًا، وعمق 10 أمتار، تُحيط بها الصخور شرقًا وغربًا.
حقب تاريخية
وخلال حقب تاريخية مختلفة، تعرضت البركة للإهمال والتخريب، حتى أوقفها صلاح الدين الأيوبي عام 1190، بعد تحريره مدينة القدس، ضمن الأوقاف الإسلامية في عهده، وأولاها اهتمامًا بشكل أكبر، لقربها من باب الخليل ومقبرة مأمن الله الإسلامية، كما يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب.
ويوضح، في حديث لوكالة "صفا"، أن القائد صلاح الدين الأيوبي عمل على ترميم "بركة السلطان" وتوسعتها وتنظيفها، لتكون مكانًا لسقاية أهل القدس، والاعتماد عليها في ري المزروعات
ويضيف أن البركة شهدت بعد تحرير المدينة المقدسة، اهتمامًا من كل الخلفاء والسلاطين المسلمين، لكن الاهتمام الأكبر كان في الفترة العثمانية حين أمر السلطان العثماني سليمان القانوني بترميمها وتوسعتها مجددًا، وبناء سبيل حجري عند مدخلها لسقاية المسافرين الذين يزورون المسجد الأقصى.
ويعد هذا السبيل واحدًا من ستة أسبلة أمر السلطان العثماني ببنائها في عهده عام 1536، داخل المدينة المقدسة، أحدها يقع قبالة البركة جنوبًا خارج البلدة القديمة، والثاني في طريق الواد قرب سوق القطانين، والثالث قرب المسجد الأقصى إلى الشمال عند باب الملك فيصل.
أما السبيل الرابع، فيقع عند ملتقى الطرق المؤدية إلى طلعة التكية وباب الناظر، والخامس قرب باب الأسباط وعند باب السلسلة أمام المدرسة التنكزية.
ويشير الباحث المقدسي إلى أن السلطان سليمان القانوني عمل على إيجاد ممرات مائية لتوصيل المياه من هذه المنطقة للمسجد الأقصى والبلدة القديمة، بغية خدمة الوافدين إليهما.
ويبين أن "بركة السلطان" تُعد من أهم المواقع الأثرية، ومصادر تجميع المياه في مدينة القدس على مر التاريخ والعصور، رغم تعرضها للإهمال والتجفيف في فترات معينة.
وبقيت البركة مستودعًا للمياه حتى أواسط الفترة العثمانية، وبعدها قل الاهتمام بها، حتى أعادت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، إنقاذها عبر مد أنابيب حديدية تُغذيها بالمياه من برك بيت لحم جنوبي القدس.
وبعد النكبة واحتلال العصابات الصهيونية غربي القدس عام 1948، جرى الاستيلاء على "بركة السلطان"، وتعرضت حينها للإهمال بشكل كبير للغاية، كونها كانت تقع في "منطقة حرام" ما بين الأراضي المحتلة عامي 1948-1967، وفق أبو دياب
تغييب الراوية
ويؤكد أن الاحتلال دائمًا ما يسعى إلى طمس المعالم العربية والإسلامية، وتغييب الرواية العربية في كل شيء داخل المدينة المقدسة، بهدف السيطرة الكاملة عليها.
وبعد احتلال الجزء الشرقي لمدينة القدس عام 1967، تغير حال البركة التاريخية، عندما استولت عليها بلدية الاحتلال، وبدأت بتجفيفها وشق نفق في جدارها الجنوبي للحيلولة دون تجمع مياه الأمطار.
ويلفت إلى أن بلدية الاحتلال بنت مكان البركة عام 1978، مسرحًا مفتوحًا أُطلق عليه "ميريل هاسنفيلد"، لعروض الرقص والأوبرا والمهرجانات الإسرائيلية، وذلك في أهم المواقع الأثرية الإسلامية وأكثرها حساسية قرب سور القدس التاريخي.
ووفقًا لأبو دياب، فإن بلدية الاحتلال عملت بعدها على تحويل البركة إلى متنزهات عامة، ومن ثم بدأت التفكير بإقامة ملهى ليلي ومكان لاحتفالات اليهود الصاخبة داخلها.
احتفالات صاخبة
وفي نهاية العام 2022، أعلنت البلدية بالتعاون مع ما تسمى "سلطة الطبيعية والآثار" الإسرائيلية، و"مؤسسة صندوق القدس"، ومؤسسات احتلالية أخرى، عن تحويلها لما وصفته "أجمل منطقة للحفلات الموسيقية والحياة الليلية في إسرائيل".
ويبين الباحث المقدسي أن بلدية الاحتلال خصصت 100 مليون شيكل لتنفيذ مشروعها، لأجل إقامة المستوطنين طقوسهم واحتفالاتهم داخل البركة الأثرية، ونصبت منصات ومقاعد تتسع لنحو 10 آلاف شخص، تشهد يوميًا احتفالات موسيقية صاخبة.
وعمل الاحتلال على تحديث طرق الوصول إلى مكان البركة، وأوجد مواقف للسيارات، وأقام "بركة ماء بيئية"، وبنى مقهى ومطعم وكشك تذاكر ووحدات إنارة داخلها.
ويؤكد أبو دياب أنه رغم أن الاحتلال أراد طمس وتدمير معالم بركة المياه التاريخية، وتغيير الوجه الحضاري للمنطقة، وتغييب الرواية العربية الحقيقية عن هذه المنطقة، بالإضافة إلى جلب المزيد من المتطرفين إليها، ليكونوا قريبين من البلدة القديمة، إلا أنه لن يستطيع مسحها من الذاكرة الفلسطينية.