هل تحسم "إسرائيل" المعركة الديمغرافية وتصل إلى "القدس الكبرى"؟

  • السبت 17, يونيو 2023 11:27 ص
  • هل تحسم "إسرائيل" المعركة الديمغرافية وتصل إلى "القدس الكبرى"؟
تدرك سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن المعركة في مدينة القدس هي معركة وجود، لذلك تسعى جاهدةً في حسمها بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والجغرافية والدينية والديمغرافية، وصولاً إلى مدينة القدس الكبرى -أغلبية يهودية وأقلية فلسطينية- وفق المفهوم اليهودي.
هل تحسم "إسرائيل" المعركة الديمغرافية وتصل إلى "القدس الكبرى"؟
غزة/ القدس – وكالة سند للأنباء
تدرك سلطات الاحتلال الإسرائيلية أن المعركة في مدينة القدس هي معركة وجود، لذلك تسعى جاهدةً في حسمها بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والجغرافية والدينية والديمغرافية، وصولاً إلى مدينة القدس الكبرى -أغلبية يهودية وأقلية فلسطينية- وفق المفهوم اليهودي.
ولعل مؤشرات العامل الديمغرافي كانت محددًا أساسيًا في نجاح أو فشل المشروع التهويدي، لذلك، سخرت "إسرائيل" كل مخططاتها من أجل ابتلاع الحيز المكاني في مدينة القدس، تمهيدًا لجلب المستوطنين.
دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، أشارت في تقرير لها منتصف العام الماضي، إلى أن عدد سكان القدس بلغ 965 ألف نسمة، 590 ألف نسمة منهم من اليهود، أي حوالي 61.2% من السكان، في حين بلغ عدد السكان الفلسطينيين 375 ألف نسمة، أي حوالي 38.8% من السكان
وذكرت الدائرة أن نسبة الفلسطينيين المسجلة في الإحصائية، أظهرت ارتفاعًا طفيفًا في أعداد الفلسطينيين في القدس، ففي إحصائية سابقة صدرت في عام 2020، قالت الدائرة إن عدد الفلسطينيين بالقدس بلغ 366800 نسمة، وشكلوا 38.5% من عدد السكان.
في حين، بينت إحصائية الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حتى نهاية 2021، أن عدد السكان الفلسطينيين بمحافظة القدس بلغ نحو 477 ألف نسمة.
حالة معقدة..
الأكاديمي المقدسي والباحث في الشأن الإسرائيلي، محمد هلسة، يقول في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، إن الحالة داخل المدينة المقدسة، معقدة ومتشابكة، لذلك يصعب تقديم بيانات دقيقة حول عدد السكان هناك
ويبيّن "هلسة" أن الاحتلال يمنع المؤسسات الفلسطينية العاملة في مجال الإحصاء من العمل داخل القدس، مشيرًا إلى أن جميع ما يصدر من إحصاءات عن جهات إسرائيلية، تصب في خدمة رغبة الاحتلال.
عوامل زيادة أعداد المستوطنين..
ويوضح ضيفنا أن المقدسيين يعيشون في معازل، فجزء من حملة الهوية المقدسية يعيشون خارج حدود ما تُسمى بلدية الاحتلال، أو خارج جدار الفصل العنصري، وهو ما يخدم إحصائيات الاحتلال.
ويُرجع "هلسة" الزيادة في عدد المستوطنين على حساب الوجود الفلسطيني داخل القدس، لعدة عوامل أبرزها، وجود "دولة بمؤسساتها ومانحيها" ترعى الوجود اليهودي، الذي يحظى بدعم وإسناد كبيرين من أجل تثبيت رواية وجودهم
ومن أبرز الجهات الرسمية الداعمة للوجود اليهودي على حساب الفلسطينيين في القدس، "وزارة القدس" التي استحدثت عام 2020، بلدية الاحتلال، صندوق أراضي "إسرائيل"، صندوق تطوير الأراضي، وجمعيات الأراضي والمحميات الطبيعة.
ويضيف"هلسة" أن كل مستوطن يأتي للقدس عبر الإغراء المادي والديني، حيث يُصرف له مئات آلاف الشواكل، مؤكدًا أن جميع أنشطة الاحتلال مسخرة لخدمة تهويد المدينة.
وأظهرت آخر إحصائية رسمية للاحتلال، أن مدينة القدس يسكنها حاليًا، نحو 34 % حريديم متطرفين من نسبة الإسرائيليين، في حين كانوا يشكلون عام 2020، نحو 25% فقط
ومقابل هذه التسهيلات الممنوحة للمستوطنين، هناك محاربة للإنسان الفلسطيني عبر سلسلة من القيود والإجراءات التي تدفع به أن يضيق ذرعًا ولا يتحمل حياة التقييد والتشديد والإكراه، وصولاً إلى تهجيره قسريًا، بحسب ضيفنا
فحين يريد المقدسي بناء حجر، يجب أن يمشي في مسار قانوني عبر إجراءات إسرائيلية، يدفع مقابلها مئات آلاف الدولارات ويستغرق وقتًا طويلاً جدًا في أروقة بلدية الاحتلال، وقد ترفض طلباته.
إضافة لذلك، هدم الاحتلال لما يُسميه "البناء غير المرخص"، وتغريم العائلات الفلسطينية، وتهجيرها، وفوق ذلك كله فهذه الإجراءات في مناطق التواجد الفلسطيني مقيدة، بخلاف المناطق ذات التواجد اليهودي.
ويضيف "هلسة"، أن المواطن المقدسي متروك لوحده داخل المدينة المقدسة، فلا دعم من الجهة الرسمية الفلسطينية إلا بعض الفتات، ولا دعم من الأنظمة العربية والاتحاد الأوروبي سوى بعض الدعم الشكلي الذي يذهب إلى جمعيات نسوية وأطفال.
ويبيّن أن الوجود العربي داخل القدس، منوط بإرادة الفلسطيني ومقدرته الذاتية على الصمود والتحمل وعلى مواجهة كل هذا العصف الذي يجري داخل المدينة المقدسة.
ويتابع: "هذا مشهد قاتل سوداوي يشي بأنه في المستقبل القريب، ستنكمش الرواية الفلسطينية في كل المستويات، من حضور ديمغرافي بشري، والمعالم والتراث وحتى التعليم في المدارس".
ويصف بأن ما يجري في مدينة القدس هو "عبارة عن حالة من الإحلال والطرد، ضمن مخططات استيطانية إسرائيلية، تعمل على تهجير أصحاب الأرض، وإحلال مكانهم مستوطنين إسرائيليين".
حسم المعركة..
ويستطرد "ضيف سند": "إسرائيل" تشتهي حسم المعركة الديمغرافية في القدس، فمنذ لحظة احتلال القدس عام 1976، وهي تسابق الزمن على إنشاء هوية لها في القدس، مشيرًا إلى أن ذلك جزء من عقيدتهم باحتلال كامل المدينة المقدسة.
ويلفت إلى أن الاحتلال يخطو خطوات متسارعة لإنجاز هذا المشروع، فلا يكاد يمر شهر دون تقديم خطط جديدة لتهويد القدس.
ويزيد أنّ "إسرائيل" كانت تشتهي حسم هذه المعركة منذ سنوات، لولا المقاومة الموجودة من أهل الأرض الأصليين، والتي شكلت حائط صد أمام منع تكسير الجدار الأخير، الذي شكل عائقًا أمام تمدد الرواية الإسرائيلية.
ويرى أنه لولا انتصار المقدسين في معركة باب الرحمة عام 2019، ومن قبلها معركة البوابات الإلكترونية عام 2017، لوجدنا المستوطنون يصلون اليوم في باب الرحمة، ولتم تقسيم الأقصى مكانيًا
القضم الناعم..
ويقول "هلسة" إن "إسرائيل" تجس نبض ردة فعل الفلسطينيين في القضايا الحساسة والمصيرية، لترى هل بإمكانها المضي بخطوات حاسمة إلى الأمام، مثل التقسيم المكاني في المسجد الأقصى.
ويردف أنه عندما تجد غضب شعبي ولا يتحقق مخططها، تلجأ إلى ما أسماه "القضم الناعم الهادئ"، الذي لا يحدث ضجيجًا، ولا يستدعي ردة فعل شعبية، منوهًا إلى أن كثير من هذه المخططات الإسرائيلية تقضم من الحقوق العربية بهذه الطريقة.
أخطر المعارك..
من جانبه، يرى الخبير في شؤون الاستيطان ودراسات القدس خليل التفكجي، أن المعركة الديمغرافية في مدينة القدس من أخطر المعارك التي تخوضها "إسرائيل" ضد الفلسطينيين، حيث أنه في العام 1973، تم تشكيل لجنة "أرنون جيفني" ومنحته الحكومة الإسرائيلية آنذاك جميع الصلاحيات من أجل حسم الصراع في القدس.
ويقول "التفكجي" في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، إن هذه اللجنة وضعت سياسة (25% عرب، 75% يهود)، وسخرت كافة الإمكانيات لخدمة هذه السياسة وتحقيق أهداف استراتيجية.
ويضيف أن إجراءات الاحتلال، بدأت بمصادرة الأراضي للمصلحة العامة والتنظيم والبناء، وجعل مساحات كبيرة من الأراضي مناطق خضراء، وهدم منازل الفلسطينية، ومصادرة الأرض باعتبارها أملاك غائب
ويوضح أنه قضية الديمغرافية كانت أساس بالنسبة للاحتلال، حيث أنه بدأ ترسيم حدود بلدية القدس قبل احتلالها، كما وضع مخططات لجميع المستوطنات الإسرائيلية غرب مدينة القدس.
ويبيّن أن عدد السكان الفلسطينيين عام 1967، كان نحو70 ألف نسمة، وقد نما حتى وصل نحو 38.8%، فيما كان عدد الإسرائيليين (0 نسمة)، وبات اليوم يشكل نحو 39 % شرق مدينة القدس لوحدها، وهو تطبيق عملي للسياسة آنفة الذكر
ويؤكد أن الاحتلال يحاول بشتى مخططاته وتسهيلاتها للمستوطنين، إقامة ما تسمى "القدس الكبرى" بحسب مفهومهم العقدي، لإعادة التوازن الديمغرافي في القدس والوصول إلى الهدف الاستراتيجية الذي وضعه، المتمثل بوجود 12% فلسطينيين، و88% يهود.