معركة التعليم في القدس إلى الواجهة من جديد
د. عبد الله معروف
المعركة على التعليم في القدس ليست حديثة ولا مستغربة، فمن الطبيعي لأي محتل أن يعمل على تغيير البنية الفكرية للمجتمع الواقع تحت الاحتلال حتى يتمكن من تخفيف أعبائه في إدارة شؤون المناطق التي يسيطر عليها، وتطبيع عقلية الشعب وتطويعه لمصلحته.
هذه المعركة التي تدور في مدارس القدس منذ 56 عامًا عاشها حتى هذه اللحظة جيلان اثنان من المقدسيين على الأقل. وعلى الرغم من ذلك ما زالت رحاها تدور في أروقة المدارس وبين صفحات الكتب المدرسية التي يدرسها الطلبة الفلسطينيون في القدس، وفي الأيام الأخيرة بدأت فصول جديدة من الحرب التعليمية تظهر في القدس.
فمع نهاية العام، انشغل الرأي العام المقدسي بحادثتين كانت لهما أبعاد كبيرة في ما يتعلق بالتعليم في القدس، إحداهما رفع العلم الإسرائيلي في مدرسة راهبات الوردية بالقدس أثناء حفل تخريج للطلبة، والثانية أداء استعراض فني للطلبة على وقع أغنية باللغة العبرية في مدرسة الأفق في بيت حنينا أثناء نشاط قالت عنه إدارة المدرسة إنه يدور حول “اللغات”.
إن صمتنا على هذا العبث فلن يطول الوقت حتى نرى بلدية الاحتلال تبتلع مدارسنا في القدس كلها، ونرى جيلًا ممسوخًا يعرف العبرية أكثر من لغته الأم.
وتشي ردود الفعل الشعبية الغاضبة على هذين الحدثين بأن مسألة “أسرلة” التعليم (جعله إسرائيليا) في القدس تعدّ لدى المجتمع المقدسي من أولوياته الكبرى في مواجهة الاحتلال، وأن ملف التعليم في القدس لا يزال مفتوحًا لدى المقدسيين، خاصة أن هذا يأتي في الوقت الذي أعلنت فيه بلدية الاحتلال الحرب علنًا على مدرستين من أكبر وأهم المدارس في القدس، وهما الكلية الإبراهيمية ومدارس الإيمان، فقد بدأت سلطات الاحتلال عمليا إجراءات إلغاء رخصتيهما العام الماضي بزعم احتواء مناهجهما على “مواد تحريضية”، وهاتان من المدارس العريقة في القدس، فالكلية الإبراهيمية أسست عام 1931، ومدارس الإيمان أسست عام 1984، وتعدّان من أهم المدارس الخاصة ذات الطابع الإسلامي المحافظ في المدينة المقدسة، وأخيرًا تظهر على السطح قضية المدرسة الصناعية الثانوية التابعة للجنة اليتيم العربي، والتي يحاول الاحتلال السيطرة على أرضها الواسعة البالغة 42 دونمًا في منطقة بيت حنينا شمالي القدس.
إن التعليم في القدس يعد من أخطر الملفات التي يعبث فيها الاحتلال منذ 50 عامًا، فالمدارس في القدس ليست ذات نظام واحد، إذ إن بلدية القدس التابعة للاحتلال تحاول جعل المدارس التابعة لها -وهي الوحيدة المجانية بالمناسبة- المرجع التعليمي الوحيد في القدس، حيث تمكنت من السيطرة على عدد كبير من المدارس التي كانت تعد حكوميةً قبل الاحتلال، ولعل المدرسة العمرية شمال غربي المسجد الأقصى المبارك من أشهر الأمثلة على هذه المدارس.
وذلك فضلا عن كثير من المدارس المنتشرة في مختلف الأحياء، والتي تدرس المنهاج الذي تشرف عليه بلدية الاحتلال، وهو منهاج تم تحريفه وضبطه بعناية بحيث لا يشمل أي مفردات وطنية فلسطينية، مع إضافة مادتين أساسيتين هما اللغة العبرية، ومادة “تاريخ أرض إسرائيل” التي تعمل على غسل دماغ الطالب الفلسطيني في القدس وإقناعه بأنه لا يملك أي حق في المدينة المقدسة، وأن وجود الاحتلال في هذه البلاد هو الأصل تاريخيا.
وتعدّ هذه المدارس الأخطر على الوعي الجمعي الفلسطيني في القدس، إذ إن بلدية الاحتلال تحرص تمام الحرص على متابعة المعلمين في هذه المدارس ومنعهم من بناء أي روح وطنية لدى الطلبة، إضافةً إلى انتشار كثير من الآفات الاجتماعية في هذه المدارس، والتي ليس من أقلها المخدرات، بإشراف الاحتلال مباشرة.
والنوع الثاني من المدارس هي المدرسة الشرعية التابعة لإدارة الأوقاف الإسلامية في المسجد الأقصى المبارك، وهي تعمل وفق المنهاج الشرعي الأردني، وتخرّج طلبة التخصصات الشرعية في الثانوية، إلا أنها صغيرة ولا تغطي أكثر من المنطقة حولها والتخصصات الشرعية فقط.
أما النوع الثالث من المدارس فهو المدارس الخاصة التي يعتمد عدد لا بأس به منها على رسوم التسجيل من الطلبة، وإن كان بعض هذه المدارس الخاصة مدعومًا من جهات محددة مثل مدارس الكنائس والإرساليات التبشيرية، إلا أن المدارس التي ليس لها مورد غير الرسوم المدرسية هي التي تتركز عليها الحرب الإسرائيلية في هذه الفترة.
ولئن كانت بلدية الاحتلال حاليا تثير قضية هذه المدارس وتحاول إلغاء وجودها، فإن لهذا الأمر مقدمات بدأت منذ أكثر من 10 سنوات لا بد من الإشارة إليها.
ففي عام 2010 طفت على السطح في القدس مسألة بعض المدارس التي فقدت دعم السلطة الفلسطينية لها فلم تتمكن من دفع أجرة المباني التي تستأجرها، وحاولت بلدية الاحتلال في ذلك الوقت استغلال هذه الأزمة والتدخل للسيطرة لاحقًا على بعض المدارس عبر تغطية حاجتها المالية. فبلدية الاحتلال، ضمن سعيها للتضييق على المدارس الخاصة وبالذات الإسلامية المحافظة في القدس، كانت تسعى دائمًا لإقناع هذه المدارس بأن تدخل ضمن نظام الاعتراف الإسرائيلي عبر بوابة تسلّم الأموال من البلدية لتوسعة هذه المدارس وتحسين خدماتها وتجاوز بعض أزماتها المالية، من دون أن تشترط عليها حتى الاعتراف بالاحتلال في القدس. وعلى الرغم من عدم خضوع عدد لا بأس به من المدارس المقدسية لهذه المغريات، فإن بعض المدارس وقعت للأسف في الشرك الذي نصبته لها بلدية الاحتلال ووافقت على تسلّم أموال تدعم ميزانيتها من بلدية الاحتلال تحت زعم أن هذا “حق المقدسيين من الضرائب التي يدفعونها للاحتلال”.
حتى إذا صارت الأموال التي تدفعها البلدية تشكل جزءًا لا يستهان به من ميزانية بعض هذه المدارس، بدأت سلطة الاحتلال التحكم بمدخلات العملية التعليمية لهذه المدارس ومخرجاتها كما هو المتوقع منها، وقد أسهم ذلك في تسهيل مهمة الاحتلال في السيطرة لاحقًا على المدارس، تارةً بالوعد بمزيد من المزايا المالية التي تسعى من خلالها لتوريط المدارس في التوسع في مصروفاتها وبناء مزيد من المرافق والتوسع في البرامج، وتارة بالتهديد بقطع هذه المساعدات والموارد الأساسية في حال رفض المدارس تدخلات البلدية في المناهج.
ملف التعليم في القدس يحتاج إلى رفع الصوت عاليًا لتلافي الخطر المحدق به، فما يحدث حاليا هو نتيجة لسنوات طويلة من الإهمال والتساهل في هذا الملف لدى المؤسسات الرسمية سواء الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية
هذا الأمر أدخل بعض المدارس العريقة في القدس في أزمة كبيرة تهدد وجودها؛ بعد أن رأت قوات الاحتلال أنها باتت تمسك بأعناق هذه المدارس وتستطيع خنقها عبر بوابة الدعم المالي الذي تعتمد عليه. وهذا المنهج بالضبط هو ما أنتج لنا بالضرورة المشهدين اللذين شهدناهما في بعض مدارس القدس أخيرا برفع العلم الإسرائيلي والغناء باللغة العبرية، والوضع في القدس مرشح لمزيد من هذه المشاهد ما لم يكن هناك تحرك لتغيير هذا الواقع البائس.
أما ما يتعلق على سبيل المثال بالمدرسة الصناعية، فإن هناك عدة عوامل تهدد هذا المشروع الحيوي في القدس، ومن ثم تهدد قطعة الأرض الكبيرة التي أقيمت عليها المدرسة قبل احتلال شرقي القدس بعامين، أي عام 1965، إذ لجأ الاحتلال إلى مراوغة هذه المدرسة والتضييق على خرّيجيها وعلى وضعها الاقتصادي، حتى نقص عدد الطلبة المنتظمين فيها إلى مستويات غير مسبوقة، لتأتي بعض الجهات التي لا تدرك خطورة ما يجري فيها وتطرح فكرة تغيير وضع المدرسة من كونها مدرسةً إلى أي مشروع آخر. وقد نسيت هذه الجهات أن المدرسة الصناعية قائمة بسلطة قانون الوضع القائم فقط، وذلك لأنها كانت أنشئت مدرسةً قبل احتلال شرقي القدس بعامين فقط.
ولذلك فإن الخطر عليها كبير جدا أيضا، إذ إن أي تغيير في هويتها يعني بالضرورة تمكّن الاحتلال من إعلان واقع جديد على أرض المدرسة وضمها إلى المستوطنات المحيطة بها، لذلك فإن أهل القدس لا يملكون ترف تغيير طبيعة هذه المدرسة وتحويلها إلى أي شيء آخر.
إن ملف التعليم في القدس يحتاج إلى رفع الصوت عاليًا لتلافي الخطر المحدق به، فما يحدث حاليا هو نتيجة لسنوات طويلة من الإهمال والتساهل في هذا الملف لدى المؤسسات الرسمية سواء الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية. والوقت لم يفت بعد للتحرك، ولكننا إن صمتنا على هذا العبث فلن يطول الوقت حتى نرى بلدية الاحتلال تبتلع مدارسنا في القدس كلها، ونرى جيلًا ممسوخًا يعرف العبرية أكثر من لغته الأم، وربما يحمل معلومات مشوهةً عن تاريخ القدس يجادل بها بدلًا عن الاحتلال.
د. عبد الله معروف
المعركة على التعليم في القدس ليست حديثة ولا مستغربة، فمن الطبيعي لأي محتل أن يعمل على تغيير البنية الفكرية للمجتمع الواقع تحت الاحتلال حتى يتمكن من تخفيف أعبائه في إدارة شؤون المناطق التي يسيطر عليها، وتطبيع عقلية الشعب وتطويعه لمصلحته.
هذه المعركة التي تدور في مدارس القدس منذ 56 عامًا عاشها حتى هذه اللحظة جيلان اثنان من المقدسيين على الأقل. وعلى الرغم من ذلك ما زالت رحاها تدور في أروقة المدارس وبين صفحات الكتب المدرسية التي يدرسها الطلبة الفلسطينيون في القدس، وفي الأيام الأخيرة بدأت فصول جديدة من الحرب التعليمية تظهر في القدس.
فمع نهاية العام، انشغل الرأي العام المقدسي بحادثتين كانت لهما أبعاد كبيرة في ما يتعلق بالتعليم في القدس، إحداهما رفع العلم الإسرائيلي في مدرسة راهبات الوردية بالقدس أثناء حفل تخريج للطلبة، والثانية أداء استعراض فني للطلبة على وقع أغنية باللغة العبرية في مدرسة الأفق في بيت حنينا أثناء نشاط قالت عنه إدارة المدرسة إنه يدور حول “اللغات”.
إن صمتنا على هذا العبث فلن يطول الوقت حتى نرى بلدية الاحتلال تبتلع مدارسنا في القدس كلها، ونرى جيلًا ممسوخًا يعرف العبرية أكثر من لغته الأم.
وتشي ردود الفعل الشعبية الغاضبة على هذين الحدثين بأن مسألة “أسرلة” التعليم (جعله إسرائيليا) في القدس تعدّ لدى المجتمع المقدسي من أولوياته الكبرى في مواجهة الاحتلال، وأن ملف التعليم في القدس لا يزال مفتوحًا لدى المقدسيين، خاصة أن هذا يأتي في الوقت الذي أعلنت فيه بلدية الاحتلال الحرب علنًا على مدرستين من أكبر وأهم المدارس في القدس، وهما الكلية الإبراهيمية ومدارس الإيمان، فقد بدأت سلطات الاحتلال عمليا إجراءات إلغاء رخصتيهما العام الماضي بزعم احتواء مناهجهما على “مواد تحريضية”، وهاتان من المدارس العريقة في القدس، فالكلية الإبراهيمية أسست عام 1931، ومدارس الإيمان أسست عام 1984، وتعدّان من أهم المدارس الخاصة ذات الطابع الإسلامي المحافظ في المدينة المقدسة، وأخيرًا تظهر على السطح قضية المدرسة الصناعية الثانوية التابعة للجنة اليتيم العربي، والتي يحاول الاحتلال السيطرة على أرضها الواسعة البالغة 42 دونمًا في منطقة بيت حنينا شمالي القدس.
إن التعليم في القدس يعد من أخطر الملفات التي يعبث فيها الاحتلال منذ 50 عامًا، فالمدارس في القدس ليست ذات نظام واحد، إذ إن بلدية القدس التابعة للاحتلال تحاول جعل المدارس التابعة لها -وهي الوحيدة المجانية بالمناسبة- المرجع التعليمي الوحيد في القدس، حيث تمكنت من السيطرة على عدد كبير من المدارس التي كانت تعد حكوميةً قبل الاحتلال، ولعل المدرسة العمرية شمال غربي المسجد الأقصى المبارك من أشهر الأمثلة على هذه المدارس.
وذلك فضلا عن كثير من المدارس المنتشرة في مختلف الأحياء، والتي تدرس المنهاج الذي تشرف عليه بلدية الاحتلال، وهو منهاج تم تحريفه وضبطه بعناية بحيث لا يشمل أي مفردات وطنية فلسطينية، مع إضافة مادتين أساسيتين هما اللغة العبرية، ومادة “تاريخ أرض إسرائيل” التي تعمل على غسل دماغ الطالب الفلسطيني في القدس وإقناعه بأنه لا يملك أي حق في المدينة المقدسة، وأن وجود الاحتلال في هذه البلاد هو الأصل تاريخيا.
وتعدّ هذه المدارس الأخطر على الوعي الجمعي الفلسطيني في القدس، إذ إن بلدية الاحتلال تحرص تمام الحرص على متابعة المعلمين في هذه المدارس ومنعهم من بناء أي روح وطنية لدى الطلبة، إضافةً إلى انتشار كثير من الآفات الاجتماعية في هذه المدارس، والتي ليس من أقلها المخدرات، بإشراف الاحتلال مباشرة.
والنوع الثاني من المدارس هي المدرسة الشرعية التابعة لإدارة الأوقاف الإسلامية في المسجد الأقصى المبارك، وهي تعمل وفق المنهاج الشرعي الأردني، وتخرّج طلبة التخصصات الشرعية في الثانوية، إلا أنها صغيرة ولا تغطي أكثر من المنطقة حولها والتخصصات الشرعية فقط.
أما النوع الثالث من المدارس فهو المدارس الخاصة التي يعتمد عدد لا بأس به منها على رسوم التسجيل من الطلبة، وإن كان بعض هذه المدارس الخاصة مدعومًا من جهات محددة مثل مدارس الكنائس والإرساليات التبشيرية، إلا أن المدارس التي ليس لها مورد غير الرسوم المدرسية هي التي تتركز عليها الحرب الإسرائيلية في هذه الفترة.
ولئن كانت بلدية الاحتلال حاليا تثير قضية هذه المدارس وتحاول إلغاء وجودها، فإن لهذا الأمر مقدمات بدأت منذ أكثر من 10 سنوات لا بد من الإشارة إليها.
ففي عام 2010 طفت على السطح في القدس مسألة بعض المدارس التي فقدت دعم السلطة الفلسطينية لها فلم تتمكن من دفع أجرة المباني التي تستأجرها، وحاولت بلدية الاحتلال في ذلك الوقت استغلال هذه الأزمة والتدخل للسيطرة لاحقًا على بعض المدارس عبر تغطية حاجتها المالية. فبلدية الاحتلال، ضمن سعيها للتضييق على المدارس الخاصة وبالذات الإسلامية المحافظة في القدس، كانت تسعى دائمًا لإقناع هذه المدارس بأن تدخل ضمن نظام الاعتراف الإسرائيلي عبر بوابة تسلّم الأموال من البلدية لتوسعة هذه المدارس وتحسين خدماتها وتجاوز بعض أزماتها المالية، من دون أن تشترط عليها حتى الاعتراف بالاحتلال في القدس. وعلى الرغم من عدم خضوع عدد لا بأس به من المدارس المقدسية لهذه المغريات، فإن بعض المدارس وقعت للأسف في الشرك الذي نصبته لها بلدية الاحتلال ووافقت على تسلّم أموال تدعم ميزانيتها من بلدية الاحتلال تحت زعم أن هذا “حق المقدسيين من الضرائب التي يدفعونها للاحتلال”.
حتى إذا صارت الأموال التي تدفعها البلدية تشكل جزءًا لا يستهان به من ميزانية بعض هذه المدارس، بدأت سلطة الاحتلال التحكم بمدخلات العملية التعليمية لهذه المدارس ومخرجاتها كما هو المتوقع منها، وقد أسهم ذلك في تسهيل مهمة الاحتلال في السيطرة لاحقًا على المدارس، تارةً بالوعد بمزيد من المزايا المالية التي تسعى من خلالها لتوريط المدارس في التوسع في مصروفاتها وبناء مزيد من المرافق والتوسع في البرامج، وتارة بالتهديد بقطع هذه المساعدات والموارد الأساسية في حال رفض المدارس تدخلات البلدية في المناهج.
ملف التعليم في القدس يحتاج إلى رفع الصوت عاليًا لتلافي الخطر المحدق به، فما يحدث حاليا هو نتيجة لسنوات طويلة من الإهمال والتساهل في هذا الملف لدى المؤسسات الرسمية سواء الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية
هذا الأمر أدخل بعض المدارس العريقة في القدس في أزمة كبيرة تهدد وجودها؛ بعد أن رأت قوات الاحتلال أنها باتت تمسك بأعناق هذه المدارس وتستطيع خنقها عبر بوابة الدعم المالي الذي تعتمد عليه. وهذا المنهج بالضبط هو ما أنتج لنا بالضرورة المشهدين اللذين شهدناهما في بعض مدارس القدس أخيرا برفع العلم الإسرائيلي والغناء باللغة العبرية، والوضع في القدس مرشح لمزيد من هذه المشاهد ما لم يكن هناك تحرك لتغيير هذا الواقع البائس.
أما ما يتعلق على سبيل المثال بالمدرسة الصناعية، فإن هناك عدة عوامل تهدد هذا المشروع الحيوي في القدس، ومن ثم تهدد قطعة الأرض الكبيرة التي أقيمت عليها المدرسة قبل احتلال شرقي القدس بعامين، أي عام 1965، إذ لجأ الاحتلال إلى مراوغة هذه المدرسة والتضييق على خرّيجيها وعلى وضعها الاقتصادي، حتى نقص عدد الطلبة المنتظمين فيها إلى مستويات غير مسبوقة، لتأتي بعض الجهات التي لا تدرك خطورة ما يجري فيها وتطرح فكرة تغيير وضع المدرسة من كونها مدرسةً إلى أي مشروع آخر. وقد نسيت هذه الجهات أن المدرسة الصناعية قائمة بسلطة قانون الوضع القائم فقط، وذلك لأنها كانت أنشئت مدرسةً قبل احتلال شرقي القدس بعامين فقط.
ولذلك فإن الخطر عليها كبير جدا أيضا، إذ إن أي تغيير في هويتها يعني بالضرورة تمكّن الاحتلال من إعلان واقع جديد على أرض المدرسة وضمها إلى المستوطنات المحيطة بها، لذلك فإن أهل القدس لا يملكون ترف تغيير طبيعة هذه المدرسة وتحويلها إلى أي شيء آخر.
إن ملف التعليم في القدس يحتاج إلى رفع الصوت عاليًا لتلافي الخطر المحدق به، فما يحدث حاليا هو نتيجة لسنوات طويلة من الإهمال والتساهل في هذا الملف لدى المؤسسات الرسمية سواء الفلسطينية أو العربية أو الإسلامية. والوقت لم يفت بعد للتحرك، ولكننا إن صمتنا على هذا العبث فلن يطول الوقت حتى نرى بلدية الاحتلال تبتلع مدارسنا في القدس كلها، ونرى جيلًا ممسوخًا يعرف العبرية أكثر من لغته الأم، وربما يحمل معلومات مشوهةً عن تاريخ القدس يجادل بها بدلًا عن الاحتلال.