تحت ستار الحرب.. سحب الإقامة من فلسطينيي القدس تعود من جديد
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة- منذ تضامنه مع نواب القدس المبعدين الذين اعتصموا في ساحة مقر الصليب الأحمر بالقدس يوم 17 يونيو/حزيران 2011، هُدد الشاب المقدسي ماجد الجعبة بإبعاده عن القدس وسحب حق الإقامة منه.
لم تأخذ عائلة الجعبة، وفقا لشقيقته بيان، هذا التهديد على محمل الجد آنذاك، وتوقعت أنه مجرد أمر عابر، لكنها اكتشفت لاحقا أن سلطات الاحتلال بيتت النيّة فعلا لطرد شقيقها ومعاقبته بإبعاده عن القدس بشكل دائم.
اليوم وبعد 13 عاما من التهديد الأول، صادقت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية جالي بهراب ميارا على سحب حق الإقامة في القدس من الشاب ماجد الجعبة، وذلك بعد نحو شهرين ونصف الشهر من إعلان وزارة الداخلية الإسرائيلية أنها تدرس سحب الإقامة منه بزعم عضويته في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ووفق التسلسل القانوني، فإن طلب سحب الهوية المقدسية (الهوية الزرقاء) من الجعبة سيوضع على مكتب وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين، للمصادقة عليه حتى تتمكن وزارة الداخلية من استكمال إجراءات حرمان هذا الشاب المقدسي من حق الإقامة في المدينة التي ولد وترعرع وتزوج وأنجب 6 من الأبناء فيها.
الهدف تفريغ القدس
وفي تعقيب العائلة على اعتزام سلطات الاحتلال طرد ابنها الأسير من القدس بشكل دائم، قالت شقيقته بيان الجعبة "إذا كان غريمك القاضي، فلمن تشكو؟ هدف الاحتلال تفريغ القدس وطردنا منها، ولا نستغرب هذه الخطوة".
وأضافت أنه خلال أحد الاقتحامات التي نفذها جنود وضباط مخابرات الاحتلال لمنزل العائلة وجدوا صورة الكعبة المشرفة على الحائط، وقال أحدهم لماجد حينها: "ما رأيك أن نبعدك إلى هناك؟ هذا أفضل لنا ولك".
وتابعت بيان "يريدون إبعاده عن القدس منذ سنوات، واستغلوا أحداث الحرب لتنفيذ مخططهم.. يحاربوننا في أبسط حقوقنا في العيش بحرية وبأمان مع عائلاتنا".
وُلد ماجد الجعبة في البلدة القديمة بالقدس في السادس من سبتمبر/أيلول 1980، واعتقل لأول مرة بعد إصابته في هبّة النفق التي اندلعت عام 1996، ثم توالت الملاحقات وتكثفت منذ عام 2000 عندما اندلعت الانتفاضة الثانية.
كان الأقصى هو وجهة الجعبة الأولى وعُين حارسا فيه، لكنه لم يهنأ بحراسة هذا المسجد لسنوات طويلة، وفقا لشقيقته التي قالت إنه بمجرد السماح للمستوطنين باقتحام الأقصى عام 2003 عمل ماجد وزملاؤه الحراس على متابعة تحركات المستوطنين داخله، فلم يسلموا من الملاحقة.
أسيل جندي، الوثائق التي يحملها المقدسي وهي الهوية الزرقاء التي تعرفه كمقيم في المدينة، والجواز الأردني المؤقت، ووثيقة السفر الإسرائيلية(الجزيرة نت)
الوثائق التي يحملها المقدسيون: هوية زرقاء بصفتهم مقيمين في المدينة، وجواز أردني مؤقت، ووثيقة سفر إسرائيلية (الجزيرة)
ملاحقة مبكرة
"بدأ الاحتلال بمعاقبة ماجد بالإبعاد عن الأقصى عام 2005، ومنذ ذلك العام يتجدد إبعاده بشكل متواصل لـ6 أشهر، ولا يتمكن من دخوله سوى أسبوع أو أقل من ذلك، وعوقب عام 2019 بالإبعاد عن القدس لقرابة عامين"، تضيف بيان.
قضى الجعبة ما مجموعه 7 أعوام ونصف العام في السجون الإسرائيلية، وكانت توجه له دائما تهمة النشاط في المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وتنظيم حلقات تحفيظ القرآن في المساجد، بالإضافة لاتهامه بالمسؤولية عن تأسيس "تنظيم شباب الأقصى" الذي اعتبُر محظورا، وفي كل مرة توجه له تهمة الانتماء لمنظمة تصنفها إسرائيل إرهابية وهي حركة حماس.
وتقول بيان الجعبة إن أطفال ماجد الستّة، أكبرهم راغب (16 عاما) وأصغرهم أُسيد (4 أعوام)، لا يعرفون شيئا عن والدهم منذ اعتقاله وتحويله للاعتقال الإداري (اعتقال بدون تهمة) يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مضيفة أن محاكم الاحتلال مددت اعتقاله إداريا لـ4 أشهر أخرى قبل أسبوع، وأن العائلة لم تعرف عن قرار سحب حق الإقامة منه إلا من الإعلام الإسرائيلي.
خرق للقوانين الدولية
ومنذ احتلال شرقي القدس عام 1967، أحدثت إسرائيل كثيرا من التغييرات في المدينة بهدف تقليل الوجود الفلسطيني فيها إلى الحد الأدنى، مقابل الحفاظ على أغلبية يهودية.
ومن بين تجاوزاتها تغيير الوضع القانوني للفلسطينيين وتعريفهم بوصفهم مقيمين لا مواطنين، وبناء على ذلك أصبح المقدسي يحمل بطاقة الهوية الزرقاء، بالإضافة للجواز الأردني المؤقت، ووثيقة السفر الإسرائيلية (لاسيباسيه).
وحسب مدير مركز العمل المجتمعي التابع لجامعة القدس منير نسيبة، في حديثه للجزيرة نت، فإن هذا الإجراء كان واحدا من أوائل الخروق الإسرائيلية للقانون الدولي، إذ عاملت الدولة المحتلة المواطنين الأصليين معاملة الأجانب المهاجرين إليها.
وتكمن المشكلة الكبرى في أن الحق بالإقامة لكل من يحمل هذه البطاقة هشّ، ومن الممكن أن تُلغي إسرائيل إقامة أي مقدسي بكل سهولة، ومنذ احتلال شرقي القدس عام 1967 حتى يومنا هذا ألغى الاحتلال إقامة أكثر من 14 ألفا و500 مقدسي ومقدسية.
وطوّر الاحتلال كثيرا من المعايير لإلغاء حق الإقامة للمقدسيين، فكانت -وفقا لنسيبة- تُسحب البطاقة الزرقاء (بطاقة الهوية الإسرائيلية) من المقدسيين الذين يسافرون ويقيمون مدة 7 أعوام خارج البلاد.
معايير وتشريعات
ومنذ عام 1994، أدخل الاحتلال معيار "مركز الحياة" الذي اعتبر بموجبه أن جميع من يسكن خارج مدينة القدس من المقدسيين "لا يستحق التمتع بوضعية المقيم".
أما المعيار الأخطر فجاء عام 2006، وبات حق الإقامة في القدس يُلغى بادعاء "خرق الولاء" لإسرائيل. ويُعد المحامي المقدسي صلاح الحموري، الذي أبعد إلى فرنسا في ديسمبر/كانون الأول 2022، واحدا من بين 14 مقدسيا سُحب منهم حق الإقامة في القدس كـ"عقاب" بادعاء "خرق الولاء لدولة إسرائيل".
وصادق الكنيست الإسرائيلي عام 2018 على قانون يخوّل وزير الداخلية سحب الإقامة من المقدسيين تحت هذا الادعاء، بخلاف نص القانون الإنساني الدولي على عدم توقّع الولاء من السكان القابعين تحت الاحتلال للدولة المحتلة.
ويصف مدير مركز العمل المجتمعي منير نسيبة إجراء إلغاء الإقامة بناء على معيار "خرق الولاء" بأنه "اضطهاد"، كما أنه يشكل مخالفة جسيمة للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي منعت بشكل مطلق نقل المدنيين وطردهم من بلادهم في الأرض المحتلة.
ويشكل هذا الإجراء، وفقا لنسيبة، أيضا انتهاكا لميثاق روما المنشِئ للمحكمة الجنائية الدولية الذي عرّف الطرد بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية إذا كان يمارس بشكل ممنهج أو واسع النطاق.
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة- منذ تضامنه مع نواب القدس المبعدين الذين اعتصموا في ساحة مقر الصليب الأحمر بالقدس يوم 17 يونيو/حزيران 2011، هُدد الشاب المقدسي ماجد الجعبة بإبعاده عن القدس وسحب حق الإقامة منه.
لم تأخذ عائلة الجعبة، وفقا لشقيقته بيان، هذا التهديد على محمل الجد آنذاك، وتوقعت أنه مجرد أمر عابر، لكنها اكتشفت لاحقا أن سلطات الاحتلال بيتت النيّة فعلا لطرد شقيقها ومعاقبته بإبعاده عن القدس بشكل دائم.
اليوم وبعد 13 عاما من التهديد الأول، صادقت المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية جالي بهراب ميارا على سحب حق الإقامة في القدس من الشاب ماجد الجعبة، وذلك بعد نحو شهرين ونصف الشهر من إعلان وزارة الداخلية الإسرائيلية أنها تدرس سحب الإقامة منه بزعم عضويته في حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
ووفق التسلسل القانوني، فإن طلب سحب الهوية المقدسية (الهوية الزرقاء) من الجعبة سيوضع على مكتب وزير القضاء الإسرائيلي ياريف ليفين، للمصادقة عليه حتى تتمكن وزارة الداخلية من استكمال إجراءات حرمان هذا الشاب المقدسي من حق الإقامة في المدينة التي ولد وترعرع وتزوج وأنجب 6 من الأبناء فيها.
الهدف تفريغ القدس
وفي تعقيب العائلة على اعتزام سلطات الاحتلال طرد ابنها الأسير من القدس بشكل دائم، قالت شقيقته بيان الجعبة "إذا كان غريمك القاضي، فلمن تشكو؟ هدف الاحتلال تفريغ القدس وطردنا منها، ولا نستغرب هذه الخطوة".
وأضافت أنه خلال أحد الاقتحامات التي نفذها جنود وضباط مخابرات الاحتلال لمنزل العائلة وجدوا صورة الكعبة المشرفة على الحائط، وقال أحدهم لماجد حينها: "ما رأيك أن نبعدك إلى هناك؟ هذا أفضل لنا ولك".
وتابعت بيان "يريدون إبعاده عن القدس منذ سنوات، واستغلوا أحداث الحرب لتنفيذ مخططهم.. يحاربوننا في أبسط حقوقنا في العيش بحرية وبأمان مع عائلاتنا".
وُلد ماجد الجعبة في البلدة القديمة بالقدس في السادس من سبتمبر/أيلول 1980، واعتقل لأول مرة بعد إصابته في هبّة النفق التي اندلعت عام 1996، ثم توالت الملاحقات وتكثفت منذ عام 2000 عندما اندلعت الانتفاضة الثانية.
كان الأقصى هو وجهة الجعبة الأولى وعُين حارسا فيه، لكنه لم يهنأ بحراسة هذا المسجد لسنوات طويلة، وفقا لشقيقته التي قالت إنه بمجرد السماح للمستوطنين باقتحام الأقصى عام 2003 عمل ماجد وزملاؤه الحراس على متابعة تحركات المستوطنين داخله، فلم يسلموا من الملاحقة.
أسيل جندي، الوثائق التي يحملها المقدسي وهي الهوية الزرقاء التي تعرفه كمقيم في المدينة، والجواز الأردني المؤقت، ووثيقة السفر الإسرائيلية(الجزيرة نت)
الوثائق التي يحملها المقدسيون: هوية زرقاء بصفتهم مقيمين في المدينة، وجواز أردني مؤقت، ووثيقة سفر إسرائيلية (الجزيرة)
ملاحقة مبكرة
"بدأ الاحتلال بمعاقبة ماجد بالإبعاد عن الأقصى عام 2005، ومنذ ذلك العام يتجدد إبعاده بشكل متواصل لـ6 أشهر، ولا يتمكن من دخوله سوى أسبوع أو أقل من ذلك، وعوقب عام 2019 بالإبعاد عن القدس لقرابة عامين"، تضيف بيان.
قضى الجعبة ما مجموعه 7 أعوام ونصف العام في السجون الإسرائيلية، وكانت توجه له دائما تهمة النشاط في المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وتنظيم حلقات تحفيظ القرآن في المساجد، بالإضافة لاتهامه بالمسؤولية عن تأسيس "تنظيم شباب الأقصى" الذي اعتبُر محظورا، وفي كل مرة توجه له تهمة الانتماء لمنظمة تصنفها إسرائيل إرهابية وهي حركة حماس.
وتقول بيان الجعبة إن أطفال ماجد الستّة، أكبرهم راغب (16 عاما) وأصغرهم أُسيد (4 أعوام)، لا يعرفون شيئا عن والدهم منذ اعتقاله وتحويله للاعتقال الإداري (اعتقال بدون تهمة) يوم 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مضيفة أن محاكم الاحتلال مددت اعتقاله إداريا لـ4 أشهر أخرى قبل أسبوع، وأن العائلة لم تعرف عن قرار سحب حق الإقامة منه إلا من الإعلام الإسرائيلي.
خرق للقوانين الدولية
ومنذ احتلال شرقي القدس عام 1967، أحدثت إسرائيل كثيرا من التغييرات في المدينة بهدف تقليل الوجود الفلسطيني فيها إلى الحد الأدنى، مقابل الحفاظ على أغلبية يهودية.
ومن بين تجاوزاتها تغيير الوضع القانوني للفلسطينيين وتعريفهم بوصفهم مقيمين لا مواطنين، وبناء على ذلك أصبح المقدسي يحمل بطاقة الهوية الزرقاء، بالإضافة للجواز الأردني المؤقت، ووثيقة السفر الإسرائيلية (لاسيباسيه).
وحسب مدير مركز العمل المجتمعي التابع لجامعة القدس منير نسيبة، في حديثه للجزيرة نت، فإن هذا الإجراء كان واحدا من أوائل الخروق الإسرائيلية للقانون الدولي، إذ عاملت الدولة المحتلة المواطنين الأصليين معاملة الأجانب المهاجرين إليها.
وتكمن المشكلة الكبرى في أن الحق بالإقامة لكل من يحمل هذه البطاقة هشّ، ومن الممكن أن تُلغي إسرائيل إقامة أي مقدسي بكل سهولة، ومنذ احتلال شرقي القدس عام 1967 حتى يومنا هذا ألغى الاحتلال إقامة أكثر من 14 ألفا و500 مقدسي ومقدسية.
وطوّر الاحتلال كثيرا من المعايير لإلغاء حق الإقامة للمقدسيين، فكانت -وفقا لنسيبة- تُسحب البطاقة الزرقاء (بطاقة الهوية الإسرائيلية) من المقدسيين الذين يسافرون ويقيمون مدة 7 أعوام خارج البلاد.
معايير وتشريعات
ومنذ عام 1994، أدخل الاحتلال معيار "مركز الحياة" الذي اعتبر بموجبه أن جميع من يسكن خارج مدينة القدس من المقدسيين "لا يستحق التمتع بوضعية المقيم".
أما المعيار الأخطر فجاء عام 2006، وبات حق الإقامة في القدس يُلغى بادعاء "خرق الولاء" لإسرائيل. ويُعد المحامي المقدسي صلاح الحموري، الذي أبعد إلى فرنسا في ديسمبر/كانون الأول 2022، واحدا من بين 14 مقدسيا سُحب منهم حق الإقامة في القدس كـ"عقاب" بادعاء "خرق الولاء لدولة إسرائيل".
وصادق الكنيست الإسرائيلي عام 2018 على قانون يخوّل وزير الداخلية سحب الإقامة من المقدسيين تحت هذا الادعاء، بخلاف نص القانون الإنساني الدولي على عدم توقّع الولاء من السكان القابعين تحت الاحتلال للدولة المحتلة.
ويصف مدير مركز العمل المجتمعي منير نسيبة إجراء إلغاء الإقامة بناء على معيار "خرق الولاء" بأنه "اضطهاد"، كما أنه يشكل مخالفة جسيمة للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي منعت بشكل مطلق نقل المدنيين وطردهم من بلادهم في الأرض المحتلة.
ويشكل هذا الإجراء، وفقا لنسيبة، أيضا انتهاكا لميثاق روما المنشِئ للمحكمة الجنائية الدولية الذي عرّف الطرد بأنه جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية إذا كان يمارس بشكل ممنهج أو واسع النطاق.