"عقدة القدس".. بين هوية المدينة الإسلامية ومحاولات التهويد
القدس- بيان الجعبة- وكالة سند للأنباء
تسعى أذرع الاحتلال الإسرائيلي المختلفة منذ سنوات لتثبيت "أحقية" للمستوطنين في المسجد الأقصى وإظهار المسجد تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية، عبر استغلال المناسبات والأعياد اليهودية وأساليب ووسائل عديدة.
ومع اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، استغلت قوات الاحتلال الأوضاع الأمنية وشددت قبضتها على المسجد الأقصى، في الوقت الذي حشدت جماعات الهيكل أنصارها لفرض وقائع جديدة بتكثيف الاقتحامات ومحاولات تهريب القرابين لداخله.
ومؤخراً أعلنت منظمة "بيدينو" والتي يعني اسمها "جبل الهيكل بأيدينا" عزمها رفع 500 "علم إسرائيلي" في المسجد الأقصى بيوم "استقلال إسرائيل" الذي يصادف 14 مايو/أيار الجاري.
عقدة القدس..
بدوره، قال الباحث في شؤون مدينة القدس علي إبراهيم، في حديث خاص لـ "وكالة سند للأنباء"، إن الاحتلال يعاني من "عقدة القدس"، إذ يسعى بشكلٍ محموم لكي يحولها إلى مدينة يهوديّة المعالم والسكان، ويبقى السؤال المركزيّ لدى مستويات الاحتلال المختلفة "هل القدسُ تحتَ السيادة الإسرائيليَّة" فعلًا؟!.
ويضيف الباحث: "على الرغم من مضي أكثر من 55 عامًا على احتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وإعلان توحيد شطرَي القدس الغربي والشرقيِّ تحت سيادة العدو، واستخدام كل ما لدى الاحتلال من أدوات لتهويد المدينة، واستهداف ديمغرافيتها، والتضييق على سكانها من الفلسطينيين، ما زال الاحتلال عاجزًا عن تثبيت هويته، وإظهار سيادته على المدينة، فهوية المدينة العربية والإسلامية ما زالت صخرة كأداء أمام الاحتلال، لم تستطع معاول الاستيطان والتغييرات الديموغرافية أن تحطمها".
ولذلك يحاول الاحتلال استخدام أدوات ذات طابع استعراضي، يعوض بها فشله، ويظهر بها بمظهر المسيطر على القدس، وهي رفع علم الاحتلال بكثافة في المدينة المحتلة، أو ينظم "مسيرة الأعلام" الاستيطانية، وصولًا إلى دعواته لرفع الاحتلال، فهو سلوك المهزوم الذي يعوّض عن فشله بالاستعراض، وفق قوله.
أزمة العلم الفلسطيني..
ولفت "ضيف سند" النظر إلى معضلة مقابلة، وهي أزمة الاحتلال من العلم الفلسطيني، ومحاولة استهدافه بشكلٍ متزايد، ومن أبرز الأمثلة، كيف استطاع علم فلسطيني واحد رفعته طائرة مسيرة صغيرة أن ينغص على مسيرة الأعلام الاستيطانية التي جرت في عام 2022، وأرعب المستوطنين على إثر ظهوره فوق ساحة باب العمود، مضيفًا: "كمين العلم على حدود القطاع، وأخيرًا في الضفة الغربية نماذج أخرى لما يُمكن للعلم الفلسطيني أن يقوم به".
وحول تصريح منظمة "بيدينو" بأن دعوتها لرفع الأعلام الإسرائيلية في الأقصى تأتي رداً على معركة طوفان الأقصى، يعلق إبراهيم: "دأبت أذرع الاحتلال المتطرفة أن تربط ما بين عدوانها على المسجد الأقصى، ومعركة طوفان الأقصى، وقد شددت منظمات المعبد على ربط ما يجري في القطاع من توغلٍ بريّ، ومجازر وحشية مع فكرة بناء المعبد المزعوم، لتصدير فكرة مركزية بأن ما يجري في غزة جزءٌ مما تقوم به في الأقصى، وأن انتصار جيش الاحتلال سيمسح لهم بالمضي قدمًا في مخططاتهم الرامية إلى تثبيت الوجود اليهوديّ في المسجد، وبناء المعبد المزعوم".
واستطرد: "قد حفلت الأشهر الماضية بنماذج عديدة، من أوائلها نشر حسابات منظمات المعبد في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تصميمًا يُظهر صورة لدبابات الاحتلال على أحد شواطئ غزة، وكأنها تسير قُدما نحو مجسم الهيكل، وكتب عليها قريبا في جبل الهيكل".
وتابع: "ثم تتالت هذه المنشورات لجنود يرسمون صورة الهيكل المزعوم على جدران المنازل في غزة، أو مشاركة أعضاء في هذه المنظمات في العدوان عبر انضمامهم إلى صفوف جيش الاحتلال المتوغلة في القطاع، وأخيرًا تأبين بعض قتلى الاحتلال داخل الأقصى وغيرها من التفاصيل".
وتدلل هذه المعطيات، بحسب ضيفنا، على وجود سياسة لدى أذرع الاحتلال لتجييش جمهورها وإشراك المزيد من المستوطنين في هذه الاعتداءات والاقتحامات، إذ تتضمن منشوراتها الأخيرة إشارة متكررة إلى قضايا متعلقة بالتطورات في غزة، ففي الإعلان عن مكافآت إدخال القرابين، تضمن الإعلان إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، فقد عنونت إعلانها بعبارة "التضحية الصحيحة لعودة المختطفين".
وأردف: "وفي النص الذي أرفقته منظمة بيدينو المتطرفة لدعوة أنصارها إلى رفع علم الاحتلال أكثر من إشارة، الأولى حول قتلى الاحتلال في معركة طوفان الأقصى من خلال عبارة سنتحد جميعًا مع ذكرى أولئك الذين سقطوا في الحرب الحالية، والثانية دعوة للتوحد لألا يهزم العدو من خلال عبارة لإثبات لأعدائنا أنهم لن يهزمونا!".
ويرى إبراهيم أن هذه القضايا تجذب فيها المنظمات المتطرفة جمهور المستوطنين، وتحاول الاستفادة منها لتكون روافع لحجم المشاركين في هذا الاقتحام، على اعتبار أنه كل الفئات في المجتمع الإسرائيلي مشارك فيها، وخاصة في الوقت الذي ما زالت فيه الحرب مستمرة، إلى جانب كونها خطوة مقصودة من مستويات الاحتلال، لتجاوز الإنجازات التي حققتها عملية "طوفان الأقصى"، من خلال الأمر الواقع، وأن تصاعد العدوان على الأقصى يحمل رسالة مبطنة بأن العملية قد "فشلت" فالأقصى ما زال معرضًا لموجات متتالية من العدوان
سياسة الأمر الواقع..
وعن سؤالنا عن مدى استجابة المستوطنين الفعلي لدعوة "بيدينو" أوضح الباحث ابراهيم أنه "بكل أسف أصبحت العديد من الاعتداءات في الأقصى ثابتًا أساسيًا لدى أذرع الاحتلال، وتعمل على تثبيتها في المسجد، من خلال تكرارها، ما يحولها إلى أمرٍ واقع، على غرار ما جرى مع محاولة فرض الطقوس اليهودية العلنية في الأقصى".
ويبين أنه في السنوات الماضية تكرر رفع علم الاحتلال في أكثر من مناسبة ففي 26 ابريل/نيسان الماضي بالتزامن مع "عيد الاستقلال" رفع مستوطنون متطرفون علم الاحتلال في ساحات الأقصى الشرقية، وفي 1 مايو/ أيار الجاري ارتدت مستوطنة علم الاحتلال، خلال مشاركتها في اقتحام الأقصى، ورفعت شارة النصر، وهناك نماذج أخرى في سنوات سابقة، ما يجعل إمكانية تنفيذ هذا العدوان ممكنًا.
وربما يكون السؤال، حسب ضيفنا، هل تستطيع أذرع الاحتلال تنفيذ هذا الاعتداء في الأقصى بهذه الكثافة، ففي النماذج السابقة، محاولات يُمكن أن توصف بالفردية، ويتم رفع العلم بشكلٍ سريع، ومن ثم يتم إخراج المستوطن من قبل قوات الاحتلال، أما رفع مئات الأعلام في وقتٍ واحد، يعني ابتداءً حضورًا كثيفًا للمستوطنين الذين يشاركون في الاقتحام، وتأمين الحماية لهم خلال رفع العلم، ما يحول جولة الاقتحام إلى ما يشبه "مسيرة الأعلام" ولكن داخل الأقصى.
ويكمل: "في قراءة سلوك أذرع الاحتلال منذ "طوفان الأقصى"، يحاول المستوى الأمني أن يخفض من مستوى "التوتر"، ويحاول منع مثل هذه "الاستفزازات" وهو الذي قرر إغلاق الأقصى في الأيام الأخيرة من شهر رمضان وفي العيد، لألا ينفذ المستوطنون اقتحامات للأقصى".
وتظل الاحتمالات مفتوحة خاصة أن اقتحامات "الفصح" شهدت مشاركة حاشدة في أكثر من يوم، بينما غابت عن المسجد أي محاولة جادة لمواجهة المقتحمين، وفق تعبير ابراهيم.
ويؤكد ضيفنا، على أن تضحيات الفلسطينيين في القدس، ومواجهتهم لمخططات الاحتلال أمرٌ لا يحتاج إلى البراهين، ولكن ما جرى في المسجد الأقصى خلال أيام "عيد الفصح العبري" يُشير إلى واقع بالغ الخطورة، فقد مرت اقتحامات الأقصى في أيام "الفصح" من دون وجود حالة مواجهة فلسطينيّة، تقف في وجهها.
غياب المواجهة..
المقتحمين وتعرقل جولاتهم الاستفزازية في الأقصى، على غرار ما كان يشهده المسجد في الأعياد السابقة، وهو ما سمح للمستوطنين بتنفيذ اقتحامات أكبر للأقصى، واستطاعوا تعزيز حضورهم، وأدوا الطقوس اليهودية العلنية في ساحات الأقصى الشرقية، وفي غيرها من ساحات الأقصى، بينما أظهرت الصور التي نشرتها المصادر الفلسطينية بأن الأقصى شبه خالٍ من المصلين والمرابطين، وهي صورة ستحاول "منظمات الهيكل" الاستفادة منها، لتمضي في اعتداءاتها قبيل ذكرى النكبة.
ويرجع الباحث "هذه الحالة الخطيرة"، إلى جملة من الخطوات التي عملت عليها أذرع الاحتلال والمستوى الأمني بشكلٍ خاص، والتي تتمثل في استمرار فرض القيود أمام أبواب المسجد، ومنع الشبان من الدخول إلى المسجد، حيث تصاعدت هذه الإجراءات بشكلٍ كبير منذ السابع من أكتوبر، من خلال نشر عشرات الحواجز في أزقة البلدة القديمة، والطرق الموصلة إلى المسجد.
إضافة لإصدار مئات قرارات الإبعاد قبيل شهر رمضان الماضي وخلاله، لمددٍ تصل إلى 6 أشهر، ما حرم الأقصى من عشرات المرابطين والمصلين.
ويمضي بالقول: "ما يجعل فاتورة الرباط في الأقصى باهظة جداً هي محاولة الاحتلال كي وعي الفلسطينيين، من خلال استمرار الاقتحامات، وتراكم أدوات القمع التي يستخدمها الاحتلال، إن عبر الأدوات التكنولوجية الحديثة والمراقبة، أو من خلال استهداف المصلين والمرابطين بالقمع والتنكيل، والاستهداف المتكرر".
ويعزي ضيفنا ذلك كله إلى عدم وجود إطار تنظيمي لهذه الجهود الفلسطينية، مضيفًا: "لا أقصد الحالة الفصائلية بقدر الحالة الراعية للحراك الفلسطيني من جهة، والقادرة على تأمين الدعم السياسي أو الأمني لهم، وهي حالة بالغة الصعوبة، نتيجة غياب السلطة الفلسطينية، أو إطار آخر يقدم أي شكل من أشكال الدعم للفلسطينيين في المدينة".
وحذّر "إبراهيم" من استمرار فراغ المسجد من الوجود أو المواجهة؛ لأن ذلك سيفتح شهية المنظمات المتطرفة للمزيد من الاعتداءات على أرض الواقع، ويتحول ما يسمى "يوم الاستقلال" لنموذج للأعياد غير الدينية، وما يُمكن أن تشهده من موجات متصاعدة من الاعتداء، ومن ثم ستعود الأعياد الدينية، وسعي أذرع الاحتلال لفتح الباب أمام المزيد من المستوطنين لاقتحام الأقصى، عبر تجاوز فتوى الحاخامية الرسمية وتنفيذ طقوس "البقرة الحمراء" لتجاوز شرط الطهارة، ما سينعكس على تحقيق الوجود الحقيقي داخل الأقصى.
القدس- بيان الجعبة- وكالة سند للأنباء
تسعى أذرع الاحتلال الإسرائيلي المختلفة منذ سنوات لتثبيت "أحقية" للمستوطنين في المسجد الأقصى وإظهار المسجد تحت السيطرة والسيادة الإسرائيلية، عبر استغلال المناسبات والأعياد اليهودية وأساليب ووسائل عديدة.
ومع اندلاع معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين أول الماضي، استغلت قوات الاحتلال الأوضاع الأمنية وشددت قبضتها على المسجد الأقصى، في الوقت الذي حشدت جماعات الهيكل أنصارها لفرض وقائع جديدة بتكثيف الاقتحامات ومحاولات تهريب القرابين لداخله.
ومؤخراً أعلنت منظمة "بيدينو" والتي يعني اسمها "جبل الهيكل بأيدينا" عزمها رفع 500 "علم إسرائيلي" في المسجد الأقصى بيوم "استقلال إسرائيل" الذي يصادف 14 مايو/أيار الجاري.
عقدة القدس..
بدوره، قال الباحث في شؤون مدينة القدس علي إبراهيم، في حديث خاص لـ "وكالة سند للأنباء"، إن الاحتلال يعاني من "عقدة القدس"، إذ يسعى بشكلٍ محموم لكي يحولها إلى مدينة يهوديّة المعالم والسكان، ويبقى السؤال المركزيّ لدى مستويات الاحتلال المختلفة "هل القدسُ تحتَ السيادة الإسرائيليَّة" فعلًا؟!.
ويضيف الباحث: "على الرغم من مضي أكثر من 55 عامًا على احتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة، وإعلان توحيد شطرَي القدس الغربي والشرقيِّ تحت سيادة العدو، واستخدام كل ما لدى الاحتلال من أدوات لتهويد المدينة، واستهداف ديمغرافيتها، والتضييق على سكانها من الفلسطينيين، ما زال الاحتلال عاجزًا عن تثبيت هويته، وإظهار سيادته على المدينة، فهوية المدينة العربية والإسلامية ما زالت صخرة كأداء أمام الاحتلال، لم تستطع معاول الاستيطان والتغييرات الديموغرافية أن تحطمها".
ولذلك يحاول الاحتلال استخدام أدوات ذات طابع استعراضي، يعوض بها فشله، ويظهر بها بمظهر المسيطر على القدس، وهي رفع علم الاحتلال بكثافة في المدينة المحتلة، أو ينظم "مسيرة الأعلام" الاستيطانية، وصولًا إلى دعواته لرفع الاحتلال، فهو سلوك المهزوم الذي يعوّض عن فشله بالاستعراض، وفق قوله.
أزمة العلم الفلسطيني..
ولفت "ضيف سند" النظر إلى معضلة مقابلة، وهي أزمة الاحتلال من العلم الفلسطيني، ومحاولة استهدافه بشكلٍ متزايد، ومن أبرز الأمثلة، كيف استطاع علم فلسطيني واحد رفعته طائرة مسيرة صغيرة أن ينغص على مسيرة الأعلام الاستيطانية التي جرت في عام 2022، وأرعب المستوطنين على إثر ظهوره فوق ساحة باب العمود، مضيفًا: "كمين العلم على حدود القطاع، وأخيرًا في الضفة الغربية نماذج أخرى لما يُمكن للعلم الفلسطيني أن يقوم به".
وحول تصريح منظمة "بيدينو" بأن دعوتها لرفع الأعلام الإسرائيلية في الأقصى تأتي رداً على معركة طوفان الأقصى، يعلق إبراهيم: "دأبت أذرع الاحتلال المتطرفة أن تربط ما بين عدوانها على المسجد الأقصى، ومعركة طوفان الأقصى، وقد شددت منظمات المعبد على ربط ما يجري في القطاع من توغلٍ بريّ، ومجازر وحشية مع فكرة بناء المعبد المزعوم، لتصدير فكرة مركزية بأن ما يجري في غزة جزءٌ مما تقوم به في الأقصى، وأن انتصار جيش الاحتلال سيمسح لهم بالمضي قدمًا في مخططاتهم الرامية إلى تثبيت الوجود اليهوديّ في المسجد، وبناء المعبد المزعوم".
واستطرد: "قد حفلت الأشهر الماضية بنماذج عديدة، من أوائلها نشر حسابات منظمات المعبد في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تصميمًا يُظهر صورة لدبابات الاحتلال على أحد شواطئ غزة، وكأنها تسير قُدما نحو مجسم الهيكل، وكتب عليها قريبا في جبل الهيكل".
وتابع: "ثم تتالت هذه المنشورات لجنود يرسمون صورة الهيكل المزعوم على جدران المنازل في غزة، أو مشاركة أعضاء في هذه المنظمات في العدوان عبر انضمامهم إلى صفوف جيش الاحتلال المتوغلة في القطاع، وأخيرًا تأبين بعض قتلى الاحتلال داخل الأقصى وغيرها من التفاصيل".
وتدلل هذه المعطيات، بحسب ضيفنا، على وجود سياسة لدى أذرع الاحتلال لتجييش جمهورها وإشراك المزيد من المستوطنين في هذه الاعتداءات والاقتحامات، إذ تتضمن منشوراتها الأخيرة إشارة متكررة إلى قضايا متعلقة بالتطورات في غزة، ففي الإعلان عن مكافآت إدخال القرابين، تضمن الإعلان إشارة إلى الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، فقد عنونت إعلانها بعبارة "التضحية الصحيحة لعودة المختطفين".
وأردف: "وفي النص الذي أرفقته منظمة بيدينو المتطرفة لدعوة أنصارها إلى رفع علم الاحتلال أكثر من إشارة، الأولى حول قتلى الاحتلال في معركة طوفان الأقصى من خلال عبارة سنتحد جميعًا مع ذكرى أولئك الذين سقطوا في الحرب الحالية، والثانية دعوة للتوحد لألا يهزم العدو من خلال عبارة لإثبات لأعدائنا أنهم لن يهزمونا!".
ويرى إبراهيم أن هذه القضايا تجذب فيها المنظمات المتطرفة جمهور المستوطنين، وتحاول الاستفادة منها لتكون روافع لحجم المشاركين في هذا الاقتحام، على اعتبار أنه كل الفئات في المجتمع الإسرائيلي مشارك فيها، وخاصة في الوقت الذي ما زالت فيه الحرب مستمرة، إلى جانب كونها خطوة مقصودة من مستويات الاحتلال، لتجاوز الإنجازات التي حققتها عملية "طوفان الأقصى"، من خلال الأمر الواقع، وأن تصاعد العدوان على الأقصى يحمل رسالة مبطنة بأن العملية قد "فشلت" فالأقصى ما زال معرضًا لموجات متتالية من العدوان
سياسة الأمر الواقع..
وعن سؤالنا عن مدى استجابة المستوطنين الفعلي لدعوة "بيدينو" أوضح الباحث ابراهيم أنه "بكل أسف أصبحت العديد من الاعتداءات في الأقصى ثابتًا أساسيًا لدى أذرع الاحتلال، وتعمل على تثبيتها في المسجد، من خلال تكرارها، ما يحولها إلى أمرٍ واقع، على غرار ما جرى مع محاولة فرض الطقوس اليهودية العلنية في الأقصى".
ويبين أنه في السنوات الماضية تكرر رفع علم الاحتلال في أكثر من مناسبة ففي 26 ابريل/نيسان الماضي بالتزامن مع "عيد الاستقلال" رفع مستوطنون متطرفون علم الاحتلال في ساحات الأقصى الشرقية، وفي 1 مايو/ أيار الجاري ارتدت مستوطنة علم الاحتلال، خلال مشاركتها في اقتحام الأقصى، ورفعت شارة النصر، وهناك نماذج أخرى في سنوات سابقة، ما يجعل إمكانية تنفيذ هذا العدوان ممكنًا.
وربما يكون السؤال، حسب ضيفنا، هل تستطيع أذرع الاحتلال تنفيذ هذا الاعتداء في الأقصى بهذه الكثافة، ففي النماذج السابقة، محاولات يُمكن أن توصف بالفردية، ويتم رفع العلم بشكلٍ سريع، ومن ثم يتم إخراج المستوطن من قبل قوات الاحتلال، أما رفع مئات الأعلام في وقتٍ واحد، يعني ابتداءً حضورًا كثيفًا للمستوطنين الذين يشاركون في الاقتحام، وتأمين الحماية لهم خلال رفع العلم، ما يحول جولة الاقتحام إلى ما يشبه "مسيرة الأعلام" ولكن داخل الأقصى.
ويكمل: "في قراءة سلوك أذرع الاحتلال منذ "طوفان الأقصى"، يحاول المستوى الأمني أن يخفض من مستوى "التوتر"، ويحاول منع مثل هذه "الاستفزازات" وهو الذي قرر إغلاق الأقصى في الأيام الأخيرة من شهر رمضان وفي العيد، لألا ينفذ المستوطنون اقتحامات للأقصى".
وتظل الاحتمالات مفتوحة خاصة أن اقتحامات "الفصح" شهدت مشاركة حاشدة في أكثر من يوم، بينما غابت عن المسجد أي محاولة جادة لمواجهة المقتحمين، وفق تعبير ابراهيم.
ويؤكد ضيفنا، على أن تضحيات الفلسطينيين في القدس، ومواجهتهم لمخططات الاحتلال أمرٌ لا يحتاج إلى البراهين، ولكن ما جرى في المسجد الأقصى خلال أيام "عيد الفصح العبري" يُشير إلى واقع بالغ الخطورة، فقد مرت اقتحامات الأقصى في أيام "الفصح" من دون وجود حالة مواجهة فلسطينيّة، تقف في وجهها.
غياب المواجهة..
المقتحمين وتعرقل جولاتهم الاستفزازية في الأقصى، على غرار ما كان يشهده المسجد في الأعياد السابقة، وهو ما سمح للمستوطنين بتنفيذ اقتحامات أكبر للأقصى، واستطاعوا تعزيز حضورهم، وأدوا الطقوس اليهودية العلنية في ساحات الأقصى الشرقية، وفي غيرها من ساحات الأقصى، بينما أظهرت الصور التي نشرتها المصادر الفلسطينية بأن الأقصى شبه خالٍ من المصلين والمرابطين، وهي صورة ستحاول "منظمات الهيكل" الاستفادة منها، لتمضي في اعتداءاتها قبيل ذكرى النكبة.
ويرجع الباحث "هذه الحالة الخطيرة"، إلى جملة من الخطوات التي عملت عليها أذرع الاحتلال والمستوى الأمني بشكلٍ خاص، والتي تتمثل في استمرار فرض القيود أمام أبواب المسجد، ومنع الشبان من الدخول إلى المسجد، حيث تصاعدت هذه الإجراءات بشكلٍ كبير منذ السابع من أكتوبر، من خلال نشر عشرات الحواجز في أزقة البلدة القديمة، والطرق الموصلة إلى المسجد.
إضافة لإصدار مئات قرارات الإبعاد قبيل شهر رمضان الماضي وخلاله، لمددٍ تصل إلى 6 أشهر، ما حرم الأقصى من عشرات المرابطين والمصلين.
ويمضي بالقول: "ما يجعل فاتورة الرباط في الأقصى باهظة جداً هي محاولة الاحتلال كي وعي الفلسطينيين، من خلال استمرار الاقتحامات، وتراكم أدوات القمع التي يستخدمها الاحتلال، إن عبر الأدوات التكنولوجية الحديثة والمراقبة، أو من خلال استهداف المصلين والمرابطين بالقمع والتنكيل، والاستهداف المتكرر".
ويعزي ضيفنا ذلك كله إلى عدم وجود إطار تنظيمي لهذه الجهود الفلسطينية، مضيفًا: "لا أقصد الحالة الفصائلية بقدر الحالة الراعية للحراك الفلسطيني من جهة، والقادرة على تأمين الدعم السياسي أو الأمني لهم، وهي حالة بالغة الصعوبة، نتيجة غياب السلطة الفلسطينية، أو إطار آخر يقدم أي شكل من أشكال الدعم للفلسطينيين في المدينة".
وحذّر "إبراهيم" من استمرار فراغ المسجد من الوجود أو المواجهة؛ لأن ذلك سيفتح شهية المنظمات المتطرفة للمزيد من الاعتداءات على أرض الواقع، ويتحول ما يسمى "يوم الاستقلال" لنموذج للأعياد غير الدينية، وما يُمكن أن تشهده من موجات متصاعدة من الاعتداء، ومن ثم ستعود الأعياد الدينية، وسعي أذرع الاحتلال لفتح الباب أمام المزيد من المستوطنين لاقتحام الأقصى، عبر تجاوز فتوى الحاخامية الرسمية وتنفيذ طقوس "البقرة الحمراء" لتجاوز شرط الطهارة، ما سينعكس على تحقيق الوجود الحقيقي داخل الأقصى.