خطورة وتداعيات توزيع مناهج الاحتلال بمدارس القدس
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة- في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/آب المنصرم أرسل قسم المعارف العربية في بلدية الاحتلال، كتابا لمديري أقسام المعارف العربية ومفتشي مدارس القدس تحت عنوان "التقيد بالكتب المدرسية (المنهاج الفلسطيني) المطبوعة من قبل البلدية للعام الدراسي 2024-2025".
وورد في الكتاب -حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- تذكير بأنه يمنع منعا باتا استخدام كتب مدرسية "من أي مصادر خارجية"، والتقيد بالكتب التي سيتم توزيعها من قبل قسم المعارف العربية بالبلدية الإسرائيلية، وتم التنويه إلى أنه "ابتداء من العام الدراسي الحالي سيتم أيضا توزيع كتب الصفين الحادي عشر والثاني عشر (التوجيهي)".
واختُتم الكتابة بضرورة التقيد بهذه التعليمات، وبأن الرقابة ستكون شديدة جدا من قسم "التدقيق والرقابة في وزارة المعارف".
واعتبر العاملون في سلك التعليم بالقدس أن خطوة توزيع الكتب من قبل بلدية الاحتلال على الصفوف الدراسية العليا هي خطوة جديدة وأخيرة في مسار السيطرة على التعليم في القدس، لأن الكتب التي تُوزع على الطلبة المقدسيين في المدينة من قبل البلدية هي الكتب "المُحرفة" التي إما حُذفت منها بعض المضامين أو شُوهت وأضيفت أخرى مكانها.
وأد نظام التوجيهي
وبالتالي، فإن الإقدام على خطوة توزيع الكتب من خلال البلدية -خاصة على طلبة الثانوية العامة هذا العام- ينضوي على كثير من المخاطر وعلى رأسها عدم جهوزية الطالب المقدسي للتقدم لامتحانات الثانوية العامة الموحدة مع باقي المحافظات الفلسطينية إذا تم حذف بعض المضامين، والتلاعب بأخرى.
الباحث المقدسي والرئيس السابق لمجلس أولياء الأمور في مدارس الإيمان بالقدس طارق عَكَش عقّب على الكتاب الذي صدر قبل أيام بالقول إنه خطوة جديدة نحو السيطرة على التعليم في القدس، والذي يعتبر أمرا مصيريا للمدينة وأهلها وهويتها وعروبتها، مضيفا أن "الهدف النهائي هو مسخ هوية المقدسيين".
وتطرق الباحث عكش إلى أن البلدية ووزارة المعارف الإسرائيلية لم تمس سابقا بالمناهج الفلسطينية الأصيلة للصفوف العليا، وأن الإقدام على ذلك الآن يعد استخفافا بمصلحة الطلبة ووضع التعليم بالمدينة، ويقول المسؤولون الإسرائيليون من خلال هذه الخطوة "نحن ماضون في تهويد التعليم بالقدس حتى النهاية".
وبما أن عكش هو أحد مؤلفي الكُتيب الذي حمل عنوان "التعليم: الحرب الصامتة في القدس.. مقارنة بين الكتب الفلسطينية والمحرفة لعام 2022-2023″، سألته الجزيرة نت عما إذا كانت الخطوة الجديدة ستجعل طالب التوجيهي المقدسي غير قادر أو مؤهل بما فيه الكفاية للتقدم لامتحانات الثانوية العامة الموحدة مع باقي المحافظات الفلسطينية إذا تم حذف بعض المضامين، وأجاب:
يوجد عدة أطراف في هذه القضية، وأتوقع أنه في حال تم توزيع كتب محرفة فإن المدارس والسلطة الفلسطينية ومن يضع أسئلة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم سيجد طريقة للمناورة، فلا ترد أسئلة من المواد التي يوجد فيها اختلاف، أو يتم تمرير المواد المحذوفة بطريقة ما.
أين الخطورة؟
لكن الخطورة تكمن -وفقا لهذا الباحث- في تصميم الاحتلال على ترسيخ المناهج المحرفة، وهي ليست خطرة كونها تدفع المقدسيين للاتجاه نحو مسار التعليم الإسرائيلي "البجروت" (التوجيهي) فحسب، بل لأن السردية الفلسطينية تواجه في هذه الكتب بشكل معاكس ومتطرف.
"على سبيل المثال لا يدرس الطلبة في المناهج الإسرائيلية عن التعايش والمحبة بين المستوطن والفلسطيني، لكن هذه المضامين ترد في المناهج المحرفة بشكل صارخ، وبالتالي فإن المناهج التي يتم فرضها في القدس ضعيفة أكاديميا ومرتبكة، وتسير نحو خطوة مسخ الهوية الفلسطينية الموجودة بشكل قوي وعنفواني بالمدينة" يضيف عكش.
وحول ما إذا كان الإجراء التعسفي الأخير يهدف لدفع طلبة القدس نحو المنهاج الإسرائيلي، قال الباحث المقدسي طارق عكش "طبعا" خاصة أن التحريض على المنهاج الفلسطيني معلن ويتم على أعلى المستويات، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي أن "السلطة الفلسطينية بالضفة تضع في مناهج التعليم نفس الهدف الذي تضعه حماس في غزة وهو تدمير إسرائيل".
وتابع عكش حديثه بالقول إن وجود صورة للمسجد الأقصى والقدس وخارطة فلسطين في كل بيت غزّي هو من الأمور التي أغضبت الجيش الإسرائيلي، فالحديث عن تغيير المناهج الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس يدل على أنه هدف إستراتيجي لديهم.
خيارات أحلاها مرّ
أما عبد القادر الحسيني، رئيس مجلس إدارة مؤسسة فيصل الحسيني التي تعنى بقطاع التعليم في القدس فأشار إلى أن الكتب لم توزع حتى الآن على الصفوف العليا من خلال البلدية، وبالتالي "لم نر التغييرات أو إذا كانت هناك تغييرات فعلا، لكن الأمر خطير وله تداعيات خطيرة ويجب مواجهته قانونيا وبجميع الأشكال".
وتطرق الحسيني إلى أن التخوف من التلاعب في كتب الصفوف العليا برز من خلال بعض المديرين والمعلمين في العام الدراسي الماضي، ونبه هؤلاء من توارد بعض الأنباء عن إمكانية التركيز على مواد تختلف عن تلك اللازمة لامتحانات الثانوية العامة.
وهذا يعني -وفقا للحسيني- أن طلبة القدس لن يعودوا مؤهلين للتقدم لامتحانات الثانوية العامة من خلال المدارس وقد يكونون مؤهلين للتقدم لها عبر الدراسة الخاصة، وهذا خطير جدا بسبب اعتماد عدد كبير من طلبة القدس على شهادة الثانوية العامة التي تمهد لهم الطريق للجامعات.
"المس بالمنهاج الفلسطيني ومحاولات استبداله في القدس بشكل كامل يؤلمنا لأنه من الأمور التي يشترك بها الكل الفلسطيني داخل البلاد وفي بعض الدول التي تمرر للفلسطينيين منهاجنا الأصيل".
واختتم الحسيني حديثه للجزيرة نت، بالقول إنه في حال وأْد نظام التوجيهي في القدس من خلال تحريف الكتب فسيكون الطالب المقدسي أمام خيار الانتقال لمدينة أخرى للتقدم لهذه الامتحانات أو تقديمها افتراضيا (أون لاين) في حال مُنع إجراء الامتحانات في المدينة، وهذا سيجعل المقدسيين يستسهلون الانخراط في منظومة التعليم الأخرى وهي "البجروت" الإسرائيلي.
يذكر أن المادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكفلان حق الشعوب تحت الاحتلال في الحصول على التعليم الذي يتماشى مع معتقداتهم وحماية ثقافتهم وتراثهم من التغيير أو التشويه.
وتتعدد مظلات التعليم في القدس بين سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إضافة إلى القطاع الخاص، بعضها بدأ عامه الدراسي 2025/2024 الأسبوع الماضي، في حين تستأنف البقية عامها الدراسي هذا الأسبوع.
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة- في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/آب المنصرم أرسل قسم المعارف العربية في بلدية الاحتلال، كتابا لمديري أقسام المعارف العربية ومفتشي مدارس القدس تحت عنوان "التقيد بالكتب المدرسية (المنهاج الفلسطيني) المطبوعة من قبل البلدية للعام الدراسي 2024-2025".
وورد في الكتاب -حصلت الجزيرة نت على نسخة منه- تذكير بأنه يمنع منعا باتا استخدام كتب مدرسية "من أي مصادر خارجية"، والتقيد بالكتب التي سيتم توزيعها من قبل قسم المعارف العربية بالبلدية الإسرائيلية، وتم التنويه إلى أنه "ابتداء من العام الدراسي الحالي سيتم أيضا توزيع كتب الصفين الحادي عشر والثاني عشر (التوجيهي)".
واختُتم الكتابة بضرورة التقيد بهذه التعليمات، وبأن الرقابة ستكون شديدة جدا من قسم "التدقيق والرقابة في وزارة المعارف".
واعتبر العاملون في سلك التعليم بالقدس أن خطوة توزيع الكتب من قبل بلدية الاحتلال على الصفوف الدراسية العليا هي خطوة جديدة وأخيرة في مسار السيطرة على التعليم في القدس، لأن الكتب التي تُوزع على الطلبة المقدسيين في المدينة من قبل البلدية هي الكتب "المُحرفة" التي إما حُذفت منها بعض المضامين أو شُوهت وأضيفت أخرى مكانها.
وأد نظام التوجيهي
وبالتالي، فإن الإقدام على خطوة توزيع الكتب من خلال البلدية -خاصة على طلبة الثانوية العامة هذا العام- ينضوي على كثير من المخاطر وعلى رأسها عدم جهوزية الطالب المقدسي للتقدم لامتحانات الثانوية العامة الموحدة مع باقي المحافظات الفلسطينية إذا تم حذف بعض المضامين، والتلاعب بأخرى.
الباحث المقدسي والرئيس السابق لمجلس أولياء الأمور في مدارس الإيمان بالقدس طارق عَكَش عقّب على الكتاب الذي صدر قبل أيام بالقول إنه خطوة جديدة نحو السيطرة على التعليم في القدس، والذي يعتبر أمرا مصيريا للمدينة وأهلها وهويتها وعروبتها، مضيفا أن "الهدف النهائي هو مسخ هوية المقدسيين".
وتطرق الباحث عكش إلى أن البلدية ووزارة المعارف الإسرائيلية لم تمس سابقا بالمناهج الفلسطينية الأصيلة للصفوف العليا، وأن الإقدام على ذلك الآن يعد استخفافا بمصلحة الطلبة ووضع التعليم بالمدينة، ويقول المسؤولون الإسرائيليون من خلال هذه الخطوة "نحن ماضون في تهويد التعليم بالقدس حتى النهاية".
وبما أن عكش هو أحد مؤلفي الكُتيب الذي حمل عنوان "التعليم: الحرب الصامتة في القدس.. مقارنة بين الكتب الفلسطينية والمحرفة لعام 2022-2023″، سألته الجزيرة نت عما إذا كانت الخطوة الجديدة ستجعل طالب التوجيهي المقدسي غير قادر أو مؤهل بما فيه الكفاية للتقدم لامتحانات الثانوية العامة الموحدة مع باقي المحافظات الفلسطينية إذا تم حذف بعض المضامين، وأجاب:
يوجد عدة أطراف في هذه القضية، وأتوقع أنه في حال تم توزيع كتب محرفة فإن المدارس والسلطة الفلسطينية ومن يضع أسئلة الامتحانات في وزارة التربية والتعليم سيجد طريقة للمناورة، فلا ترد أسئلة من المواد التي يوجد فيها اختلاف، أو يتم تمرير المواد المحذوفة بطريقة ما.
أين الخطورة؟
لكن الخطورة تكمن -وفقا لهذا الباحث- في تصميم الاحتلال على ترسيخ المناهج المحرفة، وهي ليست خطرة كونها تدفع المقدسيين للاتجاه نحو مسار التعليم الإسرائيلي "البجروت" (التوجيهي) فحسب، بل لأن السردية الفلسطينية تواجه في هذه الكتب بشكل معاكس ومتطرف.
"على سبيل المثال لا يدرس الطلبة في المناهج الإسرائيلية عن التعايش والمحبة بين المستوطن والفلسطيني، لكن هذه المضامين ترد في المناهج المحرفة بشكل صارخ، وبالتالي فإن المناهج التي يتم فرضها في القدس ضعيفة أكاديميا ومرتبكة، وتسير نحو خطوة مسخ الهوية الفلسطينية الموجودة بشكل قوي وعنفواني بالمدينة" يضيف عكش.
وحول ما إذا كان الإجراء التعسفي الأخير يهدف لدفع طلبة القدس نحو المنهاج الإسرائيلي، قال الباحث المقدسي طارق عكش "طبعا" خاصة أن التحريض على المنهاج الفلسطيني معلن ويتم على أعلى المستويات، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء الماضي في مؤتمر صحفي أن "السلطة الفلسطينية بالضفة تضع في مناهج التعليم نفس الهدف الذي تضعه حماس في غزة وهو تدمير إسرائيل".
وتابع عكش حديثه بالقول إن وجود صورة للمسجد الأقصى والقدس وخارطة فلسطين في كل بيت غزّي هو من الأمور التي أغضبت الجيش الإسرائيلي، فالحديث عن تغيير المناهج الفلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس يدل على أنه هدف إستراتيجي لديهم.
خيارات أحلاها مرّ
أما عبد القادر الحسيني، رئيس مجلس إدارة مؤسسة فيصل الحسيني التي تعنى بقطاع التعليم في القدس فأشار إلى أن الكتب لم توزع حتى الآن على الصفوف العليا من خلال البلدية، وبالتالي "لم نر التغييرات أو إذا كانت هناك تغييرات فعلا، لكن الأمر خطير وله تداعيات خطيرة ويجب مواجهته قانونيا وبجميع الأشكال".
وتطرق الحسيني إلى أن التخوف من التلاعب في كتب الصفوف العليا برز من خلال بعض المديرين والمعلمين في العام الدراسي الماضي، ونبه هؤلاء من توارد بعض الأنباء عن إمكانية التركيز على مواد تختلف عن تلك اللازمة لامتحانات الثانوية العامة.
وهذا يعني -وفقا للحسيني- أن طلبة القدس لن يعودوا مؤهلين للتقدم لامتحانات الثانوية العامة من خلال المدارس وقد يكونون مؤهلين للتقدم لها عبر الدراسة الخاصة، وهذا خطير جدا بسبب اعتماد عدد كبير من طلبة القدس على شهادة الثانوية العامة التي تمهد لهم الطريق للجامعات.
"المس بالمنهاج الفلسطيني ومحاولات استبداله في القدس بشكل كامل يؤلمنا لأنه من الأمور التي يشترك بها الكل الفلسطيني داخل البلاد وفي بعض الدول التي تمرر للفلسطينيين منهاجنا الأصيل".
واختتم الحسيني حديثه للجزيرة نت، بالقول إنه في حال وأْد نظام التوجيهي في القدس من خلال تحريف الكتب فسيكون الطالب المقدسي أمام خيار الانتقال لمدينة أخرى للتقدم لهذه الامتحانات أو تقديمها افتراضيا (أون لاين) في حال مُنع إجراء الامتحانات في المدينة، وهذا سيجعل المقدسيين يستسهلون الانخراط في منظومة التعليم الأخرى وهي "البجروت" الإسرائيلي.
يذكر أن المادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تكفلان حق الشعوب تحت الاحتلال في الحصول على التعليم الذي يتماشى مع معتقداتهم وحماية ثقافتهم وتراثهم من التغيير أو التشويه.
وتتعدد مظلات التعليم في القدس بين سلطات الاحتلال والسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إضافة إلى القطاع الخاص، بعضها بدأ عامه الدراسي 2025/2024 الأسبوع الماضي، في حين تستأنف البقية عامها الدراسي هذا الأسبوع.