رئيس التجمع السياحي بالقدس: السياحة منهكة وإجراءات وأدِها مستمرة
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة- تعتبر السياحة إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد في مدينة القدس المحتلة، وأنعش الشق الديني منها المدينة على مر العقود، لكن مع تذبذب الأوضاع الأمنية وتدهورها في كثير من الأحيان يتعرض هذا القطاع لانتكاسات متكررة كانت وما تزال لها تداعيات كارثية على كافة التخصصات المرتبطة بالسياحة.
وبمناسبة اليوم الدولي للسياحة الذي أقرته منظمة السياحة العالمية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، واختير 27 سبتمبر/أيلول للاحتفال بهذه المناسبة سنويا، توجهت الجزيرة نت إلى رئيس التجمع السياحي المقدسي رائد سعادة، لتفتح ملف السياحة بالمدينة.
وتحت شعار "السياحة والسلام"، يسلط يوم السياحة العالمي لعام 2024، الضوء على الدور الحيوي لهذا القطاع في تعزيز السلام والتفاهم بين الأمم والثقافات وفي دعم عمليات المصالحة وفقا للموقع الإلكتروني للأمم المتحدة.
وفيما يلي نص الحوار مع رئيس التجمع:
بداية إلى أي مدى تعتبر السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد في القدس المحتلة؟
بالتأكيد تعد السياحة ركيزة أساسية لاقتصاد المدينة، وذلك بناء على موروثها الثقافي الملموس وغير الملموس، والرمزية الدينية التي اعتمدت السياحة عليها منذ القدم.
القدس تروي للسائح قصة حضارية تاريخية غنية بالثقافات والديانات والإثنيات، وبالتالي فإن المقدسيين استثمروا في هذا القطاع بشكل تلقائي لكنهم ركزوا على الجانب الديني ولم يستثمروا بالسياحة الثقافية التي تعتبر كنزا آخرا موازيا للسياحة الدينية.
على ماذا اعتمدت السياحة في القدس قديما، فبالإضافة إلى أن المدينة جاذبة هل كانت الحرف اليدوية على سبيل المثال عامل جذب للسياحة الداخلية والخارجية، وما تلك الحرف؟
كانت القدس تشتهر بـ13 حرفة يدوية، لكنها برزت بسبب حاجة الناس إليها وليس لأن المدينة تعتمد على السياحة
كان الحرفيون ينتجون الأدوات المطلوبة في بيوت المقدسيين كالنحاس والسجاد والزجاج والجلد والفرش العربي والصابون وغيرها، وكان الفلسطينيون يقصدون المدينة من المحافظات الأخرى لشراء هذه المنتجات اليدوية.
لكن مع تغير متطلبات السوق اضطر الحرفيون لتغيير تخصصاتهم، ثم باتوا يستوردون البضائع الجاهزة وهكذا اندثرت الحرف، لأن التنافس في السوق اقتصر على الأسعار وليس على الميزة التي يتمتع بها المنتج وهي أنه صنع في القدس وبأيد فلسطينية.
إلى أي مدى شجع الحراك السياحي المقدسيين على الاستثمار في بناء فنادق ومرفقات ومطاعم في المدينة؟
لا شك أن الناس حاولت الاستثمار وبنت الفنادق لكن بعد حرب عام 1967 التي احتلت فيها إسرائيل شرقي القدس بُني فندق واحد جديد فقط وهو فندق "الدّار".
وإذا ما أثبت المقدسي حقه في الملكية فإنه سيجد صعوبة في استصدار رخصة لبناء فندق ثم في تكاليف هذه الرخصة ولاحقا تكاليف البناء.
وبالتالي فإن القدرة الاستيعابية لفنادق القدس انخفضت إلى أكثر من النصف بعد حرب النكسة، إذ كان يوجد لدينا 4 آلاف غرفة فندقية موزعة على نحو 40 فندقا، واليوم يوجد لدينا 1200 غرفة فقط موزعة على 24 فندقا، وهذا العدد لا يشمل الأنزال السياحية التابعة للكنائس.
ومقابل هذا الرقم المتواضع فإن الفنادق الإسرائيلية في شقي المدينة الشرقي والغربي تضم 9 آلاف غرفة موزعة على عشرات الفنادق، رغم أن عددها لم يتجاوز ألف غرفة قبل عام 1967.
عدد المطاعم تضاءل أيضا في محيط البلدة القديمة بعد سماح إسرائيل للمقدسيين بالاستثمار والبناء في ضواحي المدينة، وهرب هؤلاء من الإجراءات التعسفية بالإضافة للانتكاسات السياحية التي كانت تعصف دائما بالعتيقة ومحيطها.
دعنا نركز أكثر على هذا العام المفصلي.. لو نقارن بين السياحة في القدس قبل عام 1967 وبعده؟
لم تغلق الفنادق أبوابها بُعيد انتهاء الحرب لكنها أُغلقت بسبب الخسائر التراكمية والمباشرة الناتجة عن مجموعة من الإجراءات الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال لا توجد مواقف للمركبات في القدس، ولا يسمح للحافلات التي تقل السياح بالتوقف أمام الفنادق لإنزال زوار المدينة وحقائبهم، ويُخالف كل من يفعل ذلك.
ليس هذا فحسب بل إن كل حرب اندلعت مثل حرب الخليج الأولى والثانية، والحروب على لبنان وغزة والانتفاضتين الأولى والثانية والهبّات الشعبية في القدس وجائحة كورونا والحرب الحالية كل ذلك أصاب السياحة في مقتل.
أما عام 2000 فقد كان مفصليا لأن اقتحام أرييل شارون للأقصى تزامن مع مجموعة من الممارسات الإسرائيلية التي تم اتّباعها في المدينة بعد اتفاقية أوسلو، كفصل الضفة الغربية عن القدس، وبناء الجدار العازل لاحقا وتطويق المدينة وقطع السياحة الداخلية عنها.
أذكر قديما أن أهالي الضفة الغربية كانوا يقيمون أفراحهم في القدس، وكانت المدينة تنتعش أيضا بما يطلق عليها سياحة المؤتمرات والاجتماعات القادمة من الضفة أيضا لكن كل ذلك انقطع بسبب الحواجز العسكرية والجدار العازل.
كيف كنتم تتعاملون وما زلتم مع كل هذه التحديات والانتكاسات؟
الانتكاسات زرعت البذرة لضرورة التفكير بتغيير طبيعة السياحة وضرورة التفكير بالحفاظ على الموروث الثقافي الفلسطيني والهوية الفلسطينية دون أن تكون السياحة عبارة عن تقديم خدمات فقط دون عمق معين.
شعرنا بضرورة أن يكون للسياحة في القدس دور أعمق بالتركيز على القدرة التنافسية لأنه لا مثيل لمدينة القدس في العالم أجمع.
لولا السياحة الإسلامية التي تطورت بعد عام 2000 لبقي في القدس الآن 5 فنادق لا أكثر، لكن يجب أن نطور السياحة الثقافية لتوسيع إمكانيات السياحة المحلية أمام كل فلسطيني يمكنه الوصول.
نريد أن يتعرف كل شخص على القدس بشكل أعمق.. الأبنية والمطلات وفن الطهي والمراكز الثقافية والمسرح والمعالم. ولحسن الحظ فإن مدينتنا غنية بكل ذلك.
لابد من الاستثمار وتحويل بعض المناطق إلى مناطق سياحية جاذبة كسوق القطانين مثلا الذي يعتبر أحد الممرات المؤدية للمسجد الأقصى، ولابد من الاستفادة من المساحات المتوفرة لدينا سواء تلك التابعة للمدارس أو الأديرة أو المساجد.
وما الذي يعيق تحقيق ذلك؟
عدم القدرة الفلسطينية على التفكير بشكل وحدوي وباتجاه معين، ومن يساهم في تشتيت ذلك هو طبيعة التمويل لأن المؤسسات التي تستثمر بالموروث الثقافي والشباب غير ربحية، وتعتمد على التمويل فقط وهذا يجعل المؤسسات تدور حول نفسها دون تقدم.
الجميع لديه برامج وأنشطة وينفذها باستمرار، لكن كم استطعنا أن نأخذ القدس إلى الأمام من خلال هذه البرامج منذ عام 1990 حتى الآن؟ لا بل إننا شهدنا تراجعا في بعض المساحات ولذلك يجب أن يكون هناك تنسيق بين المؤسسات.
وهل هذا أحد الأسباب التي دفعتكم لتأسيس التجمع السياحي المقدسي؟
صحيح، بدأنا التفكير بتأسيسه عام 2005 وأردنا أن يضم كافة المؤسسات التي تتقاطع مع السياحة من مؤسسات ثقافية ودينية وغيرها، لكن بعض الناس شعروا أن التجمع سيتنافس مع وجودهم، وبالتالي تراجعنا وقررنا أن يستثمر التجمع السياحي في الموروث الثقافي الملموس وغير الملموس من خلال أسس السياحة المجتمعية، فقلنا إن السياحة ليست ملكا للسياحيين بل للمجتمع بأكمله.
ومن خلال هذه المقولة بدأنا نستثمر ونعمل مع فئات مختلفة وهذا الفكر انتشر في بعض المؤسسات التي بدأت تستثمر بهذا الجانب.
مشكلتنا الأساسية التمويل، لأنه لا يمكننا الاستمرار في تحقيق الأهداف الإستراتيجية إذا لم يكن هناك تمويل مستمر، وبمجرد اندلاع أي حرب فإن التمويل المرصود للتنمية يتحول فورا للإغاثة، وهكذا بات القارب يتأرجح والبعض يسقط منه والآخر يتخبط.. وهذا هو حال السياحة.
تواجهون أيضا معضلة زرع الرواية الإسرائيلية المشوهة في عقول السياح عن الأماكن في القدس، كيف تواجهون ذلك؟
نحن ضعفاء أمام هذه الرواية لعدة أسباب أولها أنه لا يوجد تمويل ولا تنظيم ولا مظلة لنا، وحاولنا أن يكون لنا مظلة للقطاع السياحي ونسجلها في القانون الإسرائيلي لنحمي البرنامج لكن الإسرائيليين رفضوا واعتبروا أن هذه المظلة هي ذراع للسلطة الفلسطينية في المدينة.
مشكلة أخرى نواجهها هي أنه بمجرد كتابة المسجد الأقصى في أي محرك بحث على الإنترنت، قد نجد 20 موقعا إلكترونيا إسرائيليا تتحدث عن جماليات المكان وتاريخه من منظور إسرائيلي، ونجد بالمقابل 10 مواقع فلسطينية أو عربية تُدرج أخبار اقتحامات المستوطنين للمسجد والمشكلات التي ترافق اقتحامهم، وبالتالي الصورة التي نُصدّرها للعالم هي غالبا السلبية بينما تُدرج المواقع الإسرائيلية المعلومة الجاذبة.
الاقتحامات والمشاكل والتحديات مهمة لكن إيصال المعلومات التاريخية الجاذبة في مرحلة معينة مهم أيضا ويجب عدم الخلط بينهما.
نستقبل في القدس سياحا يندرجون تحت مظلة السياحة السياسية أو التضامنية، ويريد هؤلاء رؤية المستوطنات والجدار العازل والمخيمات والحواجز العسكرية، لكن السائح العادي لا يريد أن يرى كل ذلك بل يريد أن يسمع عن التاريخ والحضارة ويرى الجماليات وقبل كل ذلك أن يشعر بالأمان.
نريد أن نُعرّف السياح على ثقافتنا وفن أكلاتنا وقصصنا وقصص أجدادنا وإبداعات أبنائنا، لكن كل ذلك يحتاج لتضافر الجهود وللتمويل ولتمرير كنوز القدس إلى الجيل الناشئ من خلال برامج معينة في المدارس.
الوجود الإسرائيلي هو وجود احتلالي والرواية هدفها تمرير وتوزيع أفكار ورسائل معينة من خلال الأدلّاء السياحيين، ونحن لا نقوى على تغيير هذه الرواية بشكل مباشر، لكننا نصطحب السياح إلى مقر الجالية الأفريقية في البلدة القديمة مثلا ونطلب من أبناء الجالية أن يتكلموا عن الواقع ونتركهم يمررون ما يريدون.
في اليوم العالمي للسياحة، كيف يمكن النهوض بهذا القطاع في المدينة المقدسة؟
الأمر يتطلب جهودًا تنسيقية حقيقية وجادة، وهذه الجهود يجب أن تكون مدعومة من صناع القرار خاصة المرتبطين بالتمويل، ودون ذلك سنبقى في دوامة تشتيتٍ نتائجها واضحة منذ تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، وكل جهودنا تأثيرها بطيء.
الجزيرة نت- خاص
القدس المحتلة- تعتبر السياحة إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد في مدينة القدس المحتلة، وأنعش الشق الديني منها المدينة على مر العقود، لكن مع تذبذب الأوضاع الأمنية وتدهورها في كثير من الأحيان يتعرض هذا القطاع لانتكاسات متكررة كانت وما تزال لها تداعيات كارثية على كافة التخصصات المرتبطة بالسياحة.
وبمناسبة اليوم الدولي للسياحة الذي أقرته منظمة السياحة العالمية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1979، واختير 27 سبتمبر/أيلول للاحتفال بهذه المناسبة سنويا، توجهت الجزيرة نت إلى رئيس التجمع السياحي المقدسي رائد سعادة، لتفتح ملف السياحة بالمدينة.
وتحت شعار "السياحة والسلام"، يسلط يوم السياحة العالمي لعام 2024، الضوء على الدور الحيوي لهذا القطاع في تعزيز السلام والتفاهم بين الأمم والثقافات وفي دعم عمليات المصالحة وفقا للموقع الإلكتروني للأمم المتحدة.
وفيما يلي نص الحوار مع رئيس التجمع:
بداية إلى أي مدى تعتبر السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد في القدس المحتلة؟
بالتأكيد تعد السياحة ركيزة أساسية لاقتصاد المدينة، وذلك بناء على موروثها الثقافي الملموس وغير الملموس، والرمزية الدينية التي اعتمدت السياحة عليها منذ القدم.
القدس تروي للسائح قصة حضارية تاريخية غنية بالثقافات والديانات والإثنيات، وبالتالي فإن المقدسيين استثمروا في هذا القطاع بشكل تلقائي لكنهم ركزوا على الجانب الديني ولم يستثمروا بالسياحة الثقافية التي تعتبر كنزا آخرا موازيا للسياحة الدينية.
على ماذا اعتمدت السياحة في القدس قديما، فبالإضافة إلى أن المدينة جاذبة هل كانت الحرف اليدوية على سبيل المثال عامل جذب للسياحة الداخلية والخارجية، وما تلك الحرف؟
كانت القدس تشتهر بـ13 حرفة يدوية، لكنها برزت بسبب حاجة الناس إليها وليس لأن المدينة تعتمد على السياحة
كان الحرفيون ينتجون الأدوات المطلوبة في بيوت المقدسيين كالنحاس والسجاد والزجاج والجلد والفرش العربي والصابون وغيرها، وكان الفلسطينيون يقصدون المدينة من المحافظات الأخرى لشراء هذه المنتجات اليدوية.
لكن مع تغير متطلبات السوق اضطر الحرفيون لتغيير تخصصاتهم، ثم باتوا يستوردون البضائع الجاهزة وهكذا اندثرت الحرف، لأن التنافس في السوق اقتصر على الأسعار وليس على الميزة التي يتمتع بها المنتج وهي أنه صنع في القدس وبأيد فلسطينية.
إلى أي مدى شجع الحراك السياحي المقدسيين على الاستثمار في بناء فنادق ومرفقات ومطاعم في المدينة؟
لا شك أن الناس حاولت الاستثمار وبنت الفنادق لكن بعد حرب عام 1967 التي احتلت فيها إسرائيل شرقي القدس بُني فندق واحد جديد فقط وهو فندق "الدّار".
وإذا ما أثبت المقدسي حقه في الملكية فإنه سيجد صعوبة في استصدار رخصة لبناء فندق ثم في تكاليف هذه الرخصة ولاحقا تكاليف البناء.
وبالتالي فإن القدرة الاستيعابية لفنادق القدس انخفضت إلى أكثر من النصف بعد حرب النكسة، إذ كان يوجد لدينا 4 آلاف غرفة فندقية موزعة على نحو 40 فندقا، واليوم يوجد لدينا 1200 غرفة فقط موزعة على 24 فندقا، وهذا العدد لا يشمل الأنزال السياحية التابعة للكنائس.
ومقابل هذا الرقم المتواضع فإن الفنادق الإسرائيلية في شقي المدينة الشرقي والغربي تضم 9 آلاف غرفة موزعة على عشرات الفنادق، رغم أن عددها لم يتجاوز ألف غرفة قبل عام 1967.
عدد المطاعم تضاءل أيضا في محيط البلدة القديمة بعد سماح إسرائيل للمقدسيين بالاستثمار والبناء في ضواحي المدينة، وهرب هؤلاء من الإجراءات التعسفية بالإضافة للانتكاسات السياحية التي كانت تعصف دائما بالعتيقة ومحيطها.
دعنا نركز أكثر على هذا العام المفصلي.. لو نقارن بين السياحة في القدس قبل عام 1967 وبعده؟
لم تغلق الفنادق أبوابها بُعيد انتهاء الحرب لكنها أُغلقت بسبب الخسائر التراكمية والمباشرة الناتجة عن مجموعة من الإجراءات الإسرائيلية، فعلى سبيل المثال لا توجد مواقف للمركبات في القدس، ولا يسمح للحافلات التي تقل السياح بالتوقف أمام الفنادق لإنزال زوار المدينة وحقائبهم، ويُخالف كل من يفعل ذلك.
ليس هذا فحسب بل إن كل حرب اندلعت مثل حرب الخليج الأولى والثانية، والحروب على لبنان وغزة والانتفاضتين الأولى والثانية والهبّات الشعبية في القدس وجائحة كورونا والحرب الحالية كل ذلك أصاب السياحة في مقتل.
أما عام 2000 فقد كان مفصليا لأن اقتحام أرييل شارون للأقصى تزامن مع مجموعة من الممارسات الإسرائيلية التي تم اتّباعها في المدينة بعد اتفاقية أوسلو، كفصل الضفة الغربية عن القدس، وبناء الجدار العازل لاحقا وتطويق المدينة وقطع السياحة الداخلية عنها.
أذكر قديما أن أهالي الضفة الغربية كانوا يقيمون أفراحهم في القدس، وكانت المدينة تنتعش أيضا بما يطلق عليها سياحة المؤتمرات والاجتماعات القادمة من الضفة أيضا لكن كل ذلك انقطع بسبب الحواجز العسكرية والجدار العازل.
كيف كنتم تتعاملون وما زلتم مع كل هذه التحديات والانتكاسات؟
الانتكاسات زرعت البذرة لضرورة التفكير بتغيير طبيعة السياحة وضرورة التفكير بالحفاظ على الموروث الثقافي الفلسطيني والهوية الفلسطينية دون أن تكون السياحة عبارة عن تقديم خدمات فقط دون عمق معين.
شعرنا بضرورة أن يكون للسياحة في القدس دور أعمق بالتركيز على القدرة التنافسية لأنه لا مثيل لمدينة القدس في العالم أجمع.
لولا السياحة الإسلامية التي تطورت بعد عام 2000 لبقي في القدس الآن 5 فنادق لا أكثر، لكن يجب أن نطور السياحة الثقافية لتوسيع إمكانيات السياحة المحلية أمام كل فلسطيني يمكنه الوصول.
نريد أن يتعرف كل شخص على القدس بشكل أعمق.. الأبنية والمطلات وفن الطهي والمراكز الثقافية والمسرح والمعالم. ولحسن الحظ فإن مدينتنا غنية بكل ذلك.
لابد من الاستثمار وتحويل بعض المناطق إلى مناطق سياحية جاذبة كسوق القطانين مثلا الذي يعتبر أحد الممرات المؤدية للمسجد الأقصى، ولابد من الاستفادة من المساحات المتوفرة لدينا سواء تلك التابعة للمدارس أو الأديرة أو المساجد.
وما الذي يعيق تحقيق ذلك؟
عدم القدرة الفلسطينية على التفكير بشكل وحدوي وباتجاه معين، ومن يساهم في تشتيت ذلك هو طبيعة التمويل لأن المؤسسات التي تستثمر بالموروث الثقافي والشباب غير ربحية، وتعتمد على التمويل فقط وهذا يجعل المؤسسات تدور حول نفسها دون تقدم.
الجميع لديه برامج وأنشطة وينفذها باستمرار، لكن كم استطعنا أن نأخذ القدس إلى الأمام من خلال هذه البرامج منذ عام 1990 حتى الآن؟ لا بل إننا شهدنا تراجعا في بعض المساحات ولذلك يجب أن يكون هناك تنسيق بين المؤسسات.
وهل هذا أحد الأسباب التي دفعتكم لتأسيس التجمع السياحي المقدسي؟
صحيح، بدأنا التفكير بتأسيسه عام 2005 وأردنا أن يضم كافة المؤسسات التي تتقاطع مع السياحة من مؤسسات ثقافية ودينية وغيرها، لكن بعض الناس شعروا أن التجمع سيتنافس مع وجودهم، وبالتالي تراجعنا وقررنا أن يستثمر التجمع السياحي في الموروث الثقافي الملموس وغير الملموس من خلال أسس السياحة المجتمعية، فقلنا إن السياحة ليست ملكا للسياحيين بل للمجتمع بأكمله.
ومن خلال هذه المقولة بدأنا نستثمر ونعمل مع فئات مختلفة وهذا الفكر انتشر في بعض المؤسسات التي بدأت تستثمر بهذا الجانب.
مشكلتنا الأساسية التمويل، لأنه لا يمكننا الاستمرار في تحقيق الأهداف الإستراتيجية إذا لم يكن هناك تمويل مستمر، وبمجرد اندلاع أي حرب فإن التمويل المرصود للتنمية يتحول فورا للإغاثة، وهكذا بات القارب يتأرجح والبعض يسقط منه والآخر يتخبط.. وهذا هو حال السياحة.
تواجهون أيضا معضلة زرع الرواية الإسرائيلية المشوهة في عقول السياح عن الأماكن في القدس، كيف تواجهون ذلك؟
نحن ضعفاء أمام هذه الرواية لعدة أسباب أولها أنه لا يوجد تمويل ولا تنظيم ولا مظلة لنا، وحاولنا أن يكون لنا مظلة للقطاع السياحي ونسجلها في القانون الإسرائيلي لنحمي البرنامج لكن الإسرائيليين رفضوا واعتبروا أن هذه المظلة هي ذراع للسلطة الفلسطينية في المدينة.
مشكلة أخرى نواجهها هي أنه بمجرد كتابة المسجد الأقصى في أي محرك بحث على الإنترنت، قد نجد 20 موقعا إلكترونيا إسرائيليا تتحدث عن جماليات المكان وتاريخه من منظور إسرائيلي، ونجد بالمقابل 10 مواقع فلسطينية أو عربية تُدرج أخبار اقتحامات المستوطنين للمسجد والمشكلات التي ترافق اقتحامهم، وبالتالي الصورة التي نُصدّرها للعالم هي غالبا السلبية بينما تُدرج المواقع الإسرائيلية المعلومة الجاذبة.
الاقتحامات والمشاكل والتحديات مهمة لكن إيصال المعلومات التاريخية الجاذبة في مرحلة معينة مهم أيضا ويجب عدم الخلط بينهما.
نستقبل في القدس سياحا يندرجون تحت مظلة السياحة السياسية أو التضامنية، ويريد هؤلاء رؤية المستوطنات والجدار العازل والمخيمات والحواجز العسكرية، لكن السائح العادي لا يريد أن يرى كل ذلك بل يريد أن يسمع عن التاريخ والحضارة ويرى الجماليات وقبل كل ذلك أن يشعر بالأمان.
نريد أن نُعرّف السياح على ثقافتنا وفن أكلاتنا وقصصنا وقصص أجدادنا وإبداعات أبنائنا، لكن كل ذلك يحتاج لتضافر الجهود وللتمويل ولتمرير كنوز القدس إلى الجيل الناشئ من خلال برامج معينة في المدارس.
الوجود الإسرائيلي هو وجود احتلالي والرواية هدفها تمرير وتوزيع أفكار ورسائل معينة من خلال الأدلّاء السياحيين، ونحن لا نقوى على تغيير هذه الرواية بشكل مباشر، لكننا نصطحب السياح إلى مقر الجالية الأفريقية في البلدة القديمة مثلا ونطلب من أبناء الجالية أن يتكلموا عن الواقع ونتركهم يمررون ما يريدون.
في اليوم العالمي للسياحة، كيف يمكن النهوض بهذا القطاع في المدينة المقدسة؟
الأمر يتطلب جهودًا تنسيقية حقيقية وجادة، وهذه الجهود يجب أن تكون مدعومة من صناع القرار خاصة المرتبطين بالتمويل، ودون ذلك سنبقى في دوامة تشتيتٍ نتائجها واضحة منذ تسعينيات القرن الماضي حتى اليوم، وكل جهودنا تأثيرها بطيء.