“مجازر الهدم” بحي البستان في القدس.. الاحتلال يسعى لشطبه من الخارطة وطمس الهوية الفلسطينية
عربي بوست
يشهد حي البستان في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى زيادة ملحوظة في عمليات هدم المنازل الفلسطينية منذ الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، معدلها تزايد مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فمنذ الانتخابات الأمريكية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، شهد الحي زيادة ملحوظة في عمليات الهدم، وخلال النصف الأول من الشهر الماضي، هدمت ثمانية مبانٍ في المنطقة.
وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، أبلغت بلدية القدس اليمينية ثلاث عائلات جديدة في حي البستان ببلدة سلوان بهدم منازلها خلال أسبوعين، اثنتان من المباني تضم ست شقق.
وتشير المعطيات الرسمية الفلسطينية إلى أن الاحتلال هدم أكثر من 183 مبنى في شرقي القدس، بينها 33 في بلدة سلوان التي يقع فيها حي البستان.
ويثير حجم عمليات الهدم مخاوف من أن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس تنويان تنفيذ خطة "حديقة الملك" بالكامل دون النظر في حلول عادلة لسكان الحي.
كما يعزز توقيت عمليات الهدم هذه التصور بأن انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة يُعتبر فرصة لتثبيت واقع جديد على الأرض، حيث تهدف هذه الإجراءات إلى إنشاء منطقة عازلة حول حوض البلدة القديمة يسيطر عليها المستوطنون مع تهجير السكان الفلسطينيين، بحسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية.
وأكدت وزارة شؤون القدس منتصف الشهر الماضي أن عمليات الهدم تصاعدت في شرقي القدس منذ بداية الحرب، مشيرة إلى أن سلطات الاحتلال تمضي بصورة متسارعة في إزالة حي البستان.
قصة حي البستان
يتمتع حي البستان بخصائص سياسية واجتماعية فريدة من نوعها، سيكون لها آثار بعيدة المدى على مستقبل القدس المحتلة.
ويقع الحي في قلب بلدة سلوان مجاوراً للمسجد الأقصى من الجهتين الجنوبية والجنوبية الشرقية، ويبعد عن السور الجنوبي قرابة 300 متر، ويمتد على مساحة 70 دونماً.
وسلوان هي البلدة التي تُلقب بـ"حامية القدس"، إذ تشكل حدودها قوساً يمتد من الناحية الجنوبية الشرقية وحتى الجنوبية الغربية للمدينة.
وتعود تسمية الحي الذي يقطنه نحو 1550 نسمة بـ"البستان" إلى كونه كان في الماضي أرضاً لزرع الأشجار المثمرة، خاصة أشجار التين، التي اختفت بالتدريج منذ احتلال القدس عام 1967.
فقد كان الحي منطقة مخصصة لزراعة الأشجار المثمرة لسكان سلوان، وبعد الاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس، منع الاحتلال البناء فيه. ولكن الناشط فخري أبو دياب يقول إن العديد من البيوت في حي البستان قد بُنيت قبل عام 1962، أي قبل الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس.
ورغم أن عمليات البناء تزايدت في ثمانينيات القرن الماضي، حاول العديد من السكان تقديم مخططات محلية بهدف تسجيل أبنية منازلهم أو الحصول على تراخيص بناء طيلة سنوات، ولكن تم رفضها جميعاً على يد بلدية القدس.
مشروع تهويد الحي
في العام 2005، بدأت بلدية القدس التابعة للاحتلال بإصدار أوامر الهدم إلى سكان حي البستان، وهدمت بالفعل منزلين في وقت لاحق من العام ذاته.
ولكن بسبب الضغوط الدولية عام 2006، تم تأجيل تنفيذ باقي الخطط لحين قيام السكان بـ"ترخيص" منازلهم، حيث أعلن رئيس البلدية في ذلك الوقت أوري لوبوليانسكي أن السكان الفلسطينيين يمكنهم الحصول على تصاريح بأثر رجعي لبناء منازلهم.
وقدم السكان خطة خاصة بهم لإعادة تطوير الحي، ولكن لجنة التخطيط التابعة للاحتلال عام 2009 رفضتها بدعوى ضرورة الحفاظ على المناظر الطبيعية والقيم الثقافية والتاريخية للمنطقة.
وفي العام 2010، قدمت بلدية الاحتلال مخططاً جديداً لإقامة منتزه سياحي "حديقة الملك" في حي البستان، يُزعم أنه مرتبط بتاريخ الملك داوود حسب الرواية التوراتية.
ويهدف المشروع إلى:
تشريد العائلات الفلسطينية.
طمس الهوية الفلسطينية للمنطقة.
عزل بلدة سلوان.
مزاعم إسرائيلية لطرد الفلسطينيين
في التقاليد اليهودية، يُزعم أن المنطقة التي يقع فيها حي البستان هي جزء من مدينة الملك، وهي مدينة مذكورة في النصوص التوراتية باعتبارها العاصمة التي أسسها النبي داود وجعلها مقر حكمه.
مع ذلك، فإن كثيراً من علماء الآثار يؤكدون أن هذه الروايات ليست مدعومة بأدلة أثرية قاطعة، وأن تسييس الأبحاث الأثرية في القدس، خاصة في سلوان، يُستخدم لدعم الروايات الصهيونية وتبرير الاستيطان.
وورد في كتيب عشية الإعلان عن الحديقة وصف للرؤيا المتمثلة في "تحويل حديقة الملك إلى حديقة مزهرة إلى جانب سكني تنشط فيه المطاعم وورش الفنانين وحوانيت التذكارات والفنون المحلية وغيرها".
كما جاء في المخطط أنه يجب هدم المباني القائمة غربي الحي (22 منها على الأقل) من أجل تطوير الحديقة، فيما سيجري تأهيل المباني التي في شرق الحي (نحو 66 مبنى)، وسيجري توسيع حقوق البناء في هذه المنطقة.
وتشير وثيقة لبلدية القدس إلى أن "القدس هي في مدينة الملك داود، فعلى هذا التل والمناطق المحيطة به توجد البقايا الأثرية منذ خمسة آلاف سنة، ولهذه البقايا قيمة كبيرة دولية ووطنية، وتوفر للمدينة مكانتها كواحدة من المدن المهمة بالعالم".
ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أن البقايا الأركيولوجية من العصور القديمة في القسم الجنوبي من البلدة القديمة، باعتبارها توراتية، وأنها تعود إلى عهد مملكة "إسرائيل" و"يهودا".
ومع ذلك، فإن البقايا الأركيولوجية تؤكد على أن مدينة القدس عبر تاريخها الطويل لم تكن مدينة يهودية، كما يذكر الباحث في التاريخ القديم أحمد الدبش.
ورغم عشرات الطبقات الأثرية التي تم التنقيب عنها في مدينة القدس، لم يوجد هناك أي دليل يثبت وجود الملك داود أو يهودا أو أي ملك آخر، فعلم الآثار لا يستطيع ولا يجدر به أن يثبت أو لا يثبت صحة وجود أي ملك في أي موقع أثري.
وهذا ما ذهب إليه أيضاً المؤرخ السويدي، هانس فوروهاغن، في كتابه "الكتاب المقدس وعلماء الآثار"، حيث أكد أنه لا وجود لأي مملكة يهودية بالقدس، فالفترة ما بين 1000 – 900 ق.م فقيرة جداً من حيث المخلفات واللقى الأثرية، والمظنون أن كارثة اجتماعية من نوع ما قد أنهت العصر البرونزي وكانت تبعتها إعادة انتشار سكاني على نطاق واسع.
لقد كان علم الآثار في المنطقة سياسياً على الدوام، ويكشف المؤرخ السويدي أن أهم ممولي الحفريات الأثرية بالقدس (شالم وإلعاد) هدفهما تهجير الفلسطينيين من القدس، وتركز عملهما على حائط البراق وما يسمى بـ"قلعة داود" و"هيكل سليمان".
عربي بوست
يشهد حي البستان في بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى زيادة ملحوظة في عمليات هدم المنازل الفلسطينية منذ الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، معدلها تزايد مع عودة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فمنذ الانتخابات الأمريكية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، شهد الحي زيادة ملحوظة في عمليات الهدم، وخلال النصف الأول من الشهر الماضي، هدمت ثمانية مبانٍ في المنطقة.
وفي 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، أبلغت بلدية القدس اليمينية ثلاث عائلات جديدة في حي البستان ببلدة سلوان بهدم منازلها خلال أسبوعين، اثنتان من المباني تضم ست شقق.
وتشير المعطيات الرسمية الفلسطينية إلى أن الاحتلال هدم أكثر من 183 مبنى في شرقي القدس، بينها 33 في بلدة سلوان التي يقع فيها حي البستان.
ويثير حجم عمليات الهدم مخاوف من أن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس تنويان تنفيذ خطة "حديقة الملك" بالكامل دون النظر في حلول عادلة لسكان الحي.
كما يعزز توقيت عمليات الهدم هذه التصور بأن انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة يُعتبر فرصة لتثبيت واقع جديد على الأرض، حيث تهدف هذه الإجراءات إلى إنشاء منطقة عازلة حول حوض البلدة القديمة يسيطر عليها المستوطنون مع تهجير السكان الفلسطينيين، بحسب منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية.
وأكدت وزارة شؤون القدس منتصف الشهر الماضي أن عمليات الهدم تصاعدت في شرقي القدس منذ بداية الحرب، مشيرة إلى أن سلطات الاحتلال تمضي بصورة متسارعة في إزالة حي البستان.
قصة حي البستان
يتمتع حي البستان بخصائص سياسية واجتماعية فريدة من نوعها، سيكون لها آثار بعيدة المدى على مستقبل القدس المحتلة.
ويقع الحي في قلب بلدة سلوان مجاوراً للمسجد الأقصى من الجهتين الجنوبية والجنوبية الشرقية، ويبعد عن السور الجنوبي قرابة 300 متر، ويمتد على مساحة 70 دونماً.
وسلوان هي البلدة التي تُلقب بـ"حامية القدس"، إذ تشكل حدودها قوساً يمتد من الناحية الجنوبية الشرقية وحتى الجنوبية الغربية للمدينة.
وتعود تسمية الحي الذي يقطنه نحو 1550 نسمة بـ"البستان" إلى كونه كان في الماضي أرضاً لزرع الأشجار المثمرة، خاصة أشجار التين، التي اختفت بالتدريج منذ احتلال القدس عام 1967.
فقد كان الحي منطقة مخصصة لزراعة الأشجار المثمرة لسكان سلوان، وبعد الاحتلال الإسرائيلي لشرقي القدس، منع الاحتلال البناء فيه. ولكن الناشط فخري أبو دياب يقول إن العديد من البيوت في حي البستان قد بُنيت قبل عام 1962، أي قبل الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس.
ورغم أن عمليات البناء تزايدت في ثمانينيات القرن الماضي، حاول العديد من السكان تقديم مخططات محلية بهدف تسجيل أبنية منازلهم أو الحصول على تراخيص بناء طيلة سنوات، ولكن تم رفضها جميعاً على يد بلدية القدس.
مشروع تهويد الحي
في العام 2005، بدأت بلدية القدس التابعة للاحتلال بإصدار أوامر الهدم إلى سكان حي البستان، وهدمت بالفعل منزلين في وقت لاحق من العام ذاته.
ولكن بسبب الضغوط الدولية عام 2006، تم تأجيل تنفيذ باقي الخطط لحين قيام السكان بـ"ترخيص" منازلهم، حيث أعلن رئيس البلدية في ذلك الوقت أوري لوبوليانسكي أن السكان الفلسطينيين يمكنهم الحصول على تصاريح بأثر رجعي لبناء منازلهم.
وقدم السكان خطة خاصة بهم لإعادة تطوير الحي، ولكن لجنة التخطيط التابعة للاحتلال عام 2009 رفضتها بدعوى ضرورة الحفاظ على المناظر الطبيعية والقيم الثقافية والتاريخية للمنطقة.
وفي العام 2010، قدمت بلدية الاحتلال مخططاً جديداً لإقامة منتزه سياحي "حديقة الملك" في حي البستان، يُزعم أنه مرتبط بتاريخ الملك داوود حسب الرواية التوراتية.
ويهدف المشروع إلى:
تشريد العائلات الفلسطينية.
طمس الهوية الفلسطينية للمنطقة.
عزل بلدة سلوان.
مزاعم إسرائيلية لطرد الفلسطينيين
في التقاليد اليهودية، يُزعم أن المنطقة التي يقع فيها حي البستان هي جزء من مدينة الملك، وهي مدينة مذكورة في النصوص التوراتية باعتبارها العاصمة التي أسسها النبي داود وجعلها مقر حكمه.
مع ذلك، فإن كثيراً من علماء الآثار يؤكدون أن هذه الروايات ليست مدعومة بأدلة أثرية قاطعة، وأن تسييس الأبحاث الأثرية في القدس، خاصة في سلوان، يُستخدم لدعم الروايات الصهيونية وتبرير الاستيطان.
وورد في كتيب عشية الإعلان عن الحديقة وصف للرؤيا المتمثلة في "تحويل حديقة الملك إلى حديقة مزهرة إلى جانب سكني تنشط فيه المطاعم وورش الفنانين وحوانيت التذكارات والفنون المحلية وغيرها".
كما جاء في المخطط أنه يجب هدم المباني القائمة غربي الحي (22 منها على الأقل) من أجل تطوير الحديقة، فيما سيجري تأهيل المباني التي في شرق الحي (نحو 66 مبنى)، وسيجري توسيع حقوق البناء في هذه المنطقة.
وتشير وثيقة لبلدية القدس إلى أن "القدس هي في مدينة الملك داود، فعلى هذا التل والمناطق المحيطة به توجد البقايا الأثرية منذ خمسة آلاف سنة، ولهذه البقايا قيمة كبيرة دولية ووطنية، وتوفر للمدينة مكانتها كواحدة من المدن المهمة بالعالم".
ويزعم الاحتلال الإسرائيلي أن البقايا الأركيولوجية من العصور القديمة في القسم الجنوبي من البلدة القديمة، باعتبارها توراتية، وأنها تعود إلى عهد مملكة "إسرائيل" و"يهودا".
ومع ذلك، فإن البقايا الأركيولوجية تؤكد على أن مدينة القدس عبر تاريخها الطويل لم تكن مدينة يهودية، كما يذكر الباحث في التاريخ القديم أحمد الدبش.
ورغم عشرات الطبقات الأثرية التي تم التنقيب عنها في مدينة القدس، لم يوجد هناك أي دليل يثبت وجود الملك داود أو يهودا أو أي ملك آخر، فعلم الآثار لا يستطيع ولا يجدر به أن يثبت أو لا يثبت صحة وجود أي ملك في أي موقع أثري.
وهذا ما ذهب إليه أيضاً المؤرخ السويدي، هانس فوروهاغن، في كتابه "الكتاب المقدس وعلماء الآثار"، حيث أكد أنه لا وجود لأي مملكة يهودية بالقدس، فالفترة ما بين 1000 – 900 ق.م فقيرة جداً من حيث المخلفات واللقى الأثرية، والمظنون أن كارثة اجتماعية من نوع ما قد أنهت العصر البرونزي وكانت تبعتها إعادة انتشار سكاني على نطاق واسع.
لقد كان علم الآثار في المنطقة سياسياً على الدوام، ويكشف المؤرخ السويدي أن أهم ممولي الحفريات الأثرية بالقدس (شالم وإلعاد) هدفهما تهجير الفلسطينيين من القدس، وتركز عملهما على حائط البراق وما يسمى بـ"قلعة داود" و"هيكل سليمان".