المقاومة الفلسطينية .. ومراحل السنة النبوية
من الدفاع العاجز إلى الهجوم الناجز
أجمع كتاب السيرة النبوية على تقسيمها إلى مرحلتين كبيرتين :المرحلة المكية و المرحلة المدنية ،أو مرحلة ما قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يثرب " المدينة المنورة " و ما بعدها، مع الجزم بأن الأولى هي مرحلة استضعاف وانحصار ، فيما تعد الثانية مرحلة تمكين وانتشار لدين الله تعالى في الأرض .
لكننا في الآونة الأخيرة سنجد بعض الاستثناء ،أو بالأحرى قراءات جديدة لسيرته عليه أفضل الصلاة و السلام : حيث تحدث الدكتور علي الصلابي في كتاب: السيرة النبوية – عرض وقائع وتحليل أحداث- ،عن وجود مرحلة وسطى ترمز لبداية الإذن في الجهاد المسلح، تمتد من بداية العمل المسلح بعد الهجرة مباشرة ، وتنتهي في العام الخامس الهجري بعيد غزوة الأحزاب ، وقد سماها مرحلة المدافعة أو التدافع ،وقال إن الدعوة النبوية مرت بثلاث مراحل وليس بمرحلتين :
١ – دعوة دون قتال .
٢- دعوة بقتال من يعتدي على المسلمين .
٣- دعوة بقتال من يقف في وجه الدعوة .
أما د. منير الغضبان مؤلف كتاب المنهج الحركي للسيارة النبوية فقد جعلها خمسة مراحل على الشكل التالي :
١ سرية الدعوة وسرية التنظيم
٢ جهرية الدعوة و جهرية التنظيم
٣ قيام الدولة
٤ الدولة وتثبيت دعائمها.
٥ انتشار الدعوة في الأرض .
نفس التقسيم سيذهب إليه الكاتب عصام البدري مع اختلاف بسيط في تواريخ وكذا عناوين هذه المراحل ، فقال إن الفترة الممتدة
من السنة الحادية عشر وحتى ما قبل موقعة بدر الكبرى يمكن أن تمثل مرحلة قائمة بذاتها لها سمة رئيسية هي : المدافعة غير المسلحة. ،لتكون السنوات التي بعدها ، أي غزوة بدر و أحد و الأحزاب ،سنوات مرحلة المدافعة المسلحة ،
ليتحول الأمر بعد ذلك إلى هجوم وليس دفاعا ،مستدلا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ، عقب انتهاء غزوة الأحزاب ،في الحديث الذي رواه البخاري وأحمد " اليوم نغزوهم ولا يغزوننا " وكان يقصد عليه الصلاة و السلام أن المسلمين اليوم سيبدؤون بالهجوم على أعدائهم ولن ينتظروا أن يأتي الأعداء لحربهم في ديارهم.
لنا في هذه التقسيم شاهدان : أما أولهما فهو الإشارة إلى هذه القراءة النوعية لسيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ،باعتبارها ذات بعد سياسي حركي واستراتيجي قريب مما نعيشه في عصرنا الحالي من أحداث ووقائع ، علاوة على أنها نظرة من عل ،تتيح لنا قراءة الوقائع في شموليتها وحركيتها التاريخية .
أما ثانيهما فهو ما يمكن أن نعتبره دروسا سطرها التاريخ النبوي الإسلامي، بقدر ما تحمل من العبر و الدروس بقدر ما تؤسس لمسار ثابت لحركية صراع الحق والباطل ، تسير دائما وأبدا بالأول من الضعف إلى القوة ومن المهانة إلى التمكين ، مع التنبه إلى أن هذا التمكين قد لا يظهر جليا إلا في المراحل الأخيرة للحركة، لكن مؤشراته تبدو جلية في كل هذه المراحل بل هي هذا الانتقال التصاعدي من مرحلة لأخرى نفسه .
الشيء الذي يجعلنا ننتقل إلى الشاهد الثاني الذي هو مناقشة إمكانية اسقاط إحدى هذه المراحل على المقاومة الفلسطينية اليوم وبالضبط في حربها الأخيرة ضد الكيان الصهيوني الغاصب ،إذ أن المقاومة كانت هي المبادأة بالحرب بعد قصفها للمدن الفلسطينية المحتلة (إسرائيل) خاصة "العاصمة" تلأبيب ، ردا على ما جرى و يجري في القدس المحتلة و حي الشيخ جراح .
نعم لقد استطاعت المقاومة المسلحة في غزة بقيادة حماس ، وفي مرات عديدة، ردع الكيان الصهيوني عبر آلية الصمود تحت وطأة الضربات المتتالية للعدو ،وجعله يعود أدراجه خائبا . لكن الأمر هذه المرة كان هجوما في جبة دفاع، الأمر الذي أكده مجموعة من الكتاب و الصحفيين :
في العربي الجديد اللندنية، قال عمر سمير : إن "هذه الضربات الصاروخية المكثفة، وغير المسبوقة، بمثابة إثبات جدّية المقاومة وقدرتها على المبادأة والمفاجأة..".
مشيرا في الوقت نفسه إلى وجود "معادلة توازن ردع جديدة، تعتمد فيها المقاومة على إمكاناتها الذاتية، وتتأقلم مع أوضاع إقليمية شديدة الخذلان للقضية في معظمها".
وقال عبدالوهاب الشرفي في رأي اليوم، الصحيفة اللندنية أيضا : "نحن أمام مشهد غير عادي، ومشهد ستترتب عليه معادلات جديدة في الصراع الفلسطيني الصهيوني... وسيكون الفعل الصهيوني خاضع لحسابات جديدة وحرجة قبل أن يبدأ بأي اعتداء.
ملمحا إلى أن هذا النهج يتمثل في "تثبيت قواعد الاشتباك مع العدو، بمعنى أن يتم الرد من غزة على ما يرتكبه العدو في الضفة"
أما رامي منصور صحفي القدس الفلسطينية: فقال بأن " فصائل المقاومة في غزة تخوض هذه الأيام معركة عنوانها القدس، واستطاعت فرض قواعد جديدة في الصراع مع الاحتلال، بحيث أصبحت هي الجهة المبادرة وتحدد التوقيت والساعة بالضبط".
الشيء الذي وصفه ثابت عواد في الأهرام المصرية بأنه تطور نوعي في أسلوب وسلاح المقاومة الفلسطينية .
ومهما يكن فإن التصعيد الذي نراه جميعا في غزة والضفة ، وحتى اللحظة، يبدو أقرب ما يكون إلى هبه شعبية خارج غزة، وحرب عليها، ولكن الجديد هنا هو تصدي الفصائل في غزة للمعارك الدائرة في القطاع وخارجه، بعد إعلانها الربط بين ما يحدث في القدس وغزة.
إن الجملة التي بات يرددها أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، منذ 10 مايو الجاري بقوله: «إن عدتم عدنا وإن زدتم زدنا» لا تعبر فقط عن انتهاج المقاومة لسياسة التصعيد بالتصعيد، وأن الممارسات الإسرائيلية لن تمر بدون رد، بل أيضا يعد إعلانا عن استراتيجية جديدة لحماس و الفصائل في مواجهة تجاوز إسرائيل للخطوط الحمر في الحال و المستقبل، من جهة، وداخل كل التراب الفلسطيني من جهة أخرى .