الدراسة الجامعية في المعتقلات.. إنجازٌ آخر للأسرى الفلسطينيين يقهر سجّانهم
نواف العامر - وكالة سند للأنباء
بينما تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى سلب وتقييد حقوق الأسرى الفلسطينيين لديها، وجعل زنازينهم حيزًا معزولًا بشكلٍ كامل عن العالم، يقضي المعتقلون أيام حياتهم داخل السجون بتحدٍ وعزيمة، ينتزعون فيها رغمًا عن السجّان وقوانينه، ما تبقى لهم من حقوق وحريات، وأبرزها التعليم الجامعي.
ووفق معطيات رسمية فلسطينية، فإن الاحتلال الإسرائيلي يعتقل نحو 4700 أسير وأسيرة في معتقلاته، يقضي المئات منهم أحكامًا بالسجن المؤبد، وآخرون رهن الاعتقال الإداري، وكثير منهم عاش سنوات حياته الأولى وشبابه بين أسوار الزنانين بعيدًا عن حياته الطبيعية خارجها.
ويحاول الاحتلال من خلال الملاحقة اليومية للفلسطينيين من مختلف الفئات، بالضفة الغربية والقدس؛ خلق حالة من الجهل والأميّة تحديدًا في وسط الجيل الناشئ، لكنّ ما حدث على النقيض تمامًا، فرغم المعيقات وظروف السجون التي تزداد سوءً وقسوة عامًا بعد آخر، إلا أن الأسرى تمكنوا من العودة إلى مقاعدهم الدراسية، وحققوا طموحهم العلمي.
البداية..
يُجمع الفلسطينيون أن الدراسة الجامعية في سجون الاحتلال، مثلت تحديًا حقيقيًا في بناء الشخصية الفلسطينية، وقهر الوقت المفتوح الذي تصدره إدارة السجون بحق الأسرى كنوعٍ من العقاب ولخلق حالة من الردع، لكن هيهات!
الأسير المحرَّر والمبعد خارج فلسطين عبد الحكيم حنيني، يقول إن فكرة العملية التعليمية الجامعية داخل السجون الإسرائيلية تبلورت لدى الأسرى عام 1994 إبان نشوء السلطة الفلسطينية، وما صاحبها من ظروف سياسية مناسبة لقبول هذا الطلب، ما دفعهم لخوض إضراب للحصول عليه.
هذا الأمر اصطدم في بدايته بالكثير من المعيقات والشروط الإسرائيلية، ويُضيف "حنيني" لـ "وكالة سند للأنباء" أن الدراسة الجامعية بدأت فعليًا في الفترة ما بين 1996- 1997، لكن الموافقة الإسرائيلية على ذلك كانت مشروطة بـ "قبول التعليم لمساقات بعينها، كالعلوم السياسية والديمقراطية، وتاريخ اليهود".
ويُشير إلى أن الهدف الإسرائيلي من تحديد المساقات التي على أسرى دراستها داخل السجون، كان لتغيير انطباعات الأسرى الفدائية ومبادئهم الوطنية.
ويتحدث "حنيني" عن موقف الفصائل الفلسطينية من هذا الأمر قائلًا: "كان التفهم متفاوتًا، البعض في البداية منع عناصره من اتخاذ هذه الخطوة حمايةً لهم من أي مخططات إسرائيلية مخفية، لكن مع الوقت تم الإجماع على الولوج في العملية التربوية الداخلية وتاريخ فلسطين وإسرائيل".
وفي المراحل الأولى احتفظت إدارة السجون، بدراسة الأسرى الجامعية في الجامعة العبرية المفتوحة، إلى أن توقف ذلك عام 2011 بعد أسر الجندي جلعاد شاليط لدى المقاومة في قطاع غزة، حيث فُرضت عقوبات على الأسرى منها، حِرمان الأسرى من التعليم.
لاحقًا، عُقدت اتفاقيات لإكمال الأسرى دراستهم في جامعة القدس أبو ديس، وفي الجامعة العبرية وبعض كليات جامعة الأقصى، وجامعة فلسطين بغزة.
ونال "ضيف سند" درجتي البكالوريوس والماجستير في السجون، وأكمل بعد تحرره من الأسرى، دراسة الدكتوراه في تخصصين بماليزيا وتونس استكمالًا لما وصفه بـ "المشوار الأكاديمي الذي بدأه في زنزانته".
وتسهم الدراسة الجامعية _تبعًا لحنيني_ برفع الروح المعنوية للأسرى، وتعبئة الفراغ بالمفيد وتسهيل الاندماج في المجتمع بعد نيل الحرية، والعثور على قيمتهم الاجتماعية، مسهبًا: "بهذه الإنجازات، يقف الأسرى بنشوة المنتصرين، أمام تهديدات الشاباك لهم بأنهم سيُخرجونهم من الأسرى إلى نقطة الصفر".
ندم ومعيقات..
أبدى "الأمن" الإسرائيلي ندمه على موافقته على التعليم _ وفق حنيني_ عندما شعر بأن هذه الخطوة لم تُحدث التغيير المطلوب لدى الأسرى ثقافيًا، ونفسيا وتربويا، وبناءً عليه شرع الاحتلال بفرض معيقات وعقوبات في محاولة لحرمان الأسرى من حقهم بالتعليم.
ومن أبرز المعيقات التي تفرضها إدارة السجون للحدّ من العملية التعليمية، حظر إدخال الكتب الدراسية والتعليمية إلى أقسام السجون، ورفض توفير القاعات والصفوف الدراسية ومنع الأدوات الدراسية والقرطاسية والألواح، بحسب ما يورده المحرر معتصم سمارة.
ومن ضمن المعيقات أيضًا، التنقلات بين الأسرى من قسم إلى آخر داخل السجن الواحد، عدا عن إجراء بعض التنقُّلات بين الأسرى في مختلف السجون، وحصر الدراسة في معتقلات معينة، إضافة إلى نقص المدرسين في مواقع وأقسام الأسرى.
وتلقى "سمارة" علومه في السجون وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير، ثم عمل لاحقًا كمدرسٍ لمساقات معينة للأسرى في الأقسام.
ويلفت "سمارة" في حديثٍ مع "وكالة سند للأنباء" إلى أن العملية التعليمية لا تقتصر على البكالوريوس والماجستير، بل هناك دراسات وأوراق عليمة يعدّونها ويمكن الاستفادة منها في الجامعات خارج السجن، كما أنهم يطورون أنفسهم في مجال اللغات.
"هداريم مثالًا"..
ويوضح أنه رغم القهر وأساليب الابتزاز التي يُمارسها السجّان على الأسير، إلا أن إرادة الأخيرة جعلته ينتصر ويُسطر نجاحات فارقة في تاريخ الحركة الأسيرة، مشيدًا على وجه الخصوص بالعملية التعليمية في سجن هداريم شمال فلسطين المحتلة.
ويُعد الأسير القائد مروان البرغوثي وهو أحد أبرز قيادات حركة "فتح"، ومحكوم بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، بمثابة العامود الفقري للعملية التعليمية في سجن هداريم، فهو يحمل همها وعبء إدارتها ومتابعتها والتدريس بمراحله المختلفة.
ويُدّعم رأيه: "وجود البرغوثي في السجن أضفى زخمًا، باعتماده بالبحوث، وحثه المستمر للمعتلقين على اغتنام الوقت واستغلاله بالتعليم والتثقيف، ضمن عملية مركزة وتجربة أكثر انضباطًا وجدية".
وتبعًا لـ "سمارة" فإن عدد الكتب الموجودة في سجن هداريم تجاوز الـ6000 كتاب، مشيرًا إلى أن بعضها كان يدخل للأسرى ضمن المساقات التعليمية، وجزء منها يُهرب عبر الزيارات لإثراء فكر وعقل الأسير ثقافيًا وعلميًا ووطنيًا.
دور هيئة شؤون الأسرى..
وعادة ما تكون قاعات الامتحانات هي أماكن الزيارة في السجون، ويقول مدير عام التأهيل والتعليم في هيئة شؤون الأسرى والمحرين محمد البطة، إن العملية التعليمية تسير في السجون ضمن نظام داخلي شفاف وبإشراف رسمي.
ويُكمل "البطة" لـ "وكالة سند للأنباء" إن لجانًا خاصة من الهيئة تُشرف بشكلٍ كامل على سير العملية التعليمية داخل السجون، وأنها أيضًا تتابع عملية إدخال أوراق الامتحانات وإعلان النتائج، وهي من تقوم بتسجيل الطلبة عند التحاقهم في الجامعات بمختلف التخصصات الأدبية والسياسية والتاريخية والعلمية.
وييلغ عدد الأسرى الملتحقين عمومًا بجامعات الضفة الغربية للحصول على درجة البكالوريوس 326 أسيرا، في حين حاز 137 أسيرًا على شهادة الماجستير من جامعة أبوديس، في حين لم يتخرج حتى اللحظة من القدس المفتوحة أحد، وفق معطيات ذكرها "البطة".
نواف العامر - وكالة سند للأنباء
بينما تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى سلب وتقييد حقوق الأسرى الفلسطينيين لديها، وجعل زنازينهم حيزًا معزولًا بشكلٍ كامل عن العالم، يقضي المعتقلون أيام حياتهم داخل السجون بتحدٍ وعزيمة، ينتزعون فيها رغمًا عن السجّان وقوانينه، ما تبقى لهم من حقوق وحريات، وأبرزها التعليم الجامعي.
ووفق معطيات رسمية فلسطينية، فإن الاحتلال الإسرائيلي يعتقل نحو 4700 أسير وأسيرة في معتقلاته، يقضي المئات منهم أحكامًا بالسجن المؤبد، وآخرون رهن الاعتقال الإداري، وكثير منهم عاش سنوات حياته الأولى وشبابه بين أسوار الزنانين بعيدًا عن حياته الطبيعية خارجها.
ويحاول الاحتلال من خلال الملاحقة اليومية للفلسطينيين من مختلف الفئات، بالضفة الغربية والقدس؛ خلق حالة من الجهل والأميّة تحديدًا في وسط الجيل الناشئ، لكنّ ما حدث على النقيض تمامًا، فرغم المعيقات وظروف السجون التي تزداد سوءً وقسوة عامًا بعد آخر، إلا أن الأسرى تمكنوا من العودة إلى مقاعدهم الدراسية، وحققوا طموحهم العلمي.
البداية..
يُجمع الفلسطينيون أن الدراسة الجامعية في سجون الاحتلال، مثلت تحديًا حقيقيًا في بناء الشخصية الفلسطينية، وقهر الوقت المفتوح الذي تصدره إدارة السجون بحق الأسرى كنوعٍ من العقاب ولخلق حالة من الردع، لكن هيهات!
الأسير المحرَّر والمبعد خارج فلسطين عبد الحكيم حنيني، يقول إن فكرة العملية التعليمية الجامعية داخل السجون الإسرائيلية تبلورت لدى الأسرى عام 1994 إبان نشوء السلطة الفلسطينية، وما صاحبها من ظروف سياسية مناسبة لقبول هذا الطلب، ما دفعهم لخوض إضراب للحصول عليه.
هذا الأمر اصطدم في بدايته بالكثير من المعيقات والشروط الإسرائيلية، ويُضيف "حنيني" لـ "وكالة سند للأنباء" أن الدراسة الجامعية بدأت فعليًا في الفترة ما بين 1996- 1997، لكن الموافقة الإسرائيلية على ذلك كانت مشروطة بـ "قبول التعليم لمساقات بعينها، كالعلوم السياسية والديمقراطية، وتاريخ اليهود".
ويُشير إلى أن الهدف الإسرائيلي من تحديد المساقات التي على أسرى دراستها داخل السجون، كان لتغيير انطباعات الأسرى الفدائية ومبادئهم الوطنية.
ويتحدث "حنيني" عن موقف الفصائل الفلسطينية من هذا الأمر قائلًا: "كان التفهم متفاوتًا، البعض في البداية منع عناصره من اتخاذ هذه الخطوة حمايةً لهم من أي مخططات إسرائيلية مخفية، لكن مع الوقت تم الإجماع على الولوج في العملية التربوية الداخلية وتاريخ فلسطين وإسرائيل".
وفي المراحل الأولى احتفظت إدارة السجون، بدراسة الأسرى الجامعية في الجامعة العبرية المفتوحة، إلى أن توقف ذلك عام 2011 بعد أسر الجندي جلعاد شاليط لدى المقاومة في قطاع غزة، حيث فُرضت عقوبات على الأسرى منها، حِرمان الأسرى من التعليم.
لاحقًا، عُقدت اتفاقيات لإكمال الأسرى دراستهم في جامعة القدس أبو ديس، وفي الجامعة العبرية وبعض كليات جامعة الأقصى، وجامعة فلسطين بغزة.
ونال "ضيف سند" درجتي البكالوريوس والماجستير في السجون، وأكمل بعد تحرره من الأسرى، دراسة الدكتوراه في تخصصين بماليزيا وتونس استكمالًا لما وصفه بـ "المشوار الأكاديمي الذي بدأه في زنزانته".
وتسهم الدراسة الجامعية _تبعًا لحنيني_ برفع الروح المعنوية للأسرى، وتعبئة الفراغ بالمفيد وتسهيل الاندماج في المجتمع بعد نيل الحرية، والعثور على قيمتهم الاجتماعية، مسهبًا: "بهذه الإنجازات، يقف الأسرى بنشوة المنتصرين، أمام تهديدات الشاباك لهم بأنهم سيُخرجونهم من الأسرى إلى نقطة الصفر".
ندم ومعيقات..
أبدى "الأمن" الإسرائيلي ندمه على موافقته على التعليم _ وفق حنيني_ عندما شعر بأن هذه الخطوة لم تُحدث التغيير المطلوب لدى الأسرى ثقافيًا، ونفسيا وتربويا، وبناءً عليه شرع الاحتلال بفرض معيقات وعقوبات في محاولة لحرمان الأسرى من حقهم بالتعليم.
ومن أبرز المعيقات التي تفرضها إدارة السجون للحدّ من العملية التعليمية، حظر إدخال الكتب الدراسية والتعليمية إلى أقسام السجون، ورفض توفير القاعات والصفوف الدراسية ومنع الأدوات الدراسية والقرطاسية والألواح، بحسب ما يورده المحرر معتصم سمارة.
ومن ضمن المعيقات أيضًا، التنقلات بين الأسرى من قسم إلى آخر داخل السجن الواحد، عدا عن إجراء بعض التنقُّلات بين الأسرى في مختلف السجون، وحصر الدراسة في معتقلات معينة، إضافة إلى نقص المدرسين في مواقع وأقسام الأسرى.
وتلقى "سمارة" علومه في السجون وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير، ثم عمل لاحقًا كمدرسٍ لمساقات معينة للأسرى في الأقسام.
ويلفت "سمارة" في حديثٍ مع "وكالة سند للأنباء" إلى أن العملية التعليمية لا تقتصر على البكالوريوس والماجستير، بل هناك دراسات وأوراق عليمة يعدّونها ويمكن الاستفادة منها في الجامعات خارج السجن، كما أنهم يطورون أنفسهم في مجال اللغات.
"هداريم مثالًا"..
ويوضح أنه رغم القهر وأساليب الابتزاز التي يُمارسها السجّان على الأسير، إلا أن إرادة الأخيرة جعلته ينتصر ويُسطر نجاحات فارقة في تاريخ الحركة الأسيرة، مشيدًا على وجه الخصوص بالعملية التعليمية في سجن هداريم شمال فلسطين المحتلة.
ويُعد الأسير القائد مروان البرغوثي وهو أحد أبرز قيادات حركة "فتح"، ومحكوم بالسجن المؤبد (مدى الحياة)، بمثابة العامود الفقري للعملية التعليمية في سجن هداريم، فهو يحمل همها وعبء إدارتها ومتابعتها والتدريس بمراحله المختلفة.
ويُدّعم رأيه: "وجود البرغوثي في السجن أضفى زخمًا، باعتماده بالبحوث، وحثه المستمر للمعتلقين على اغتنام الوقت واستغلاله بالتعليم والتثقيف، ضمن عملية مركزة وتجربة أكثر انضباطًا وجدية".
وتبعًا لـ "سمارة" فإن عدد الكتب الموجودة في سجن هداريم تجاوز الـ6000 كتاب، مشيرًا إلى أن بعضها كان يدخل للأسرى ضمن المساقات التعليمية، وجزء منها يُهرب عبر الزيارات لإثراء فكر وعقل الأسير ثقافيًا وعلميًا ووطنيًا.
دور هيئة شؤون الأسرى..
وعادة ما تكون قاعات الامتحانات هي أماكن الزيارة في السجون، ويقول مدير عام التأهيل والتعليم في هيئة شؤون الأسرى والمحرين محمد البطة، إن العملية التعليمية تسير في السجون ضمن نظام داخلي شفاف وبإشراف رسمي.
ويُكمل "البطة" لـ "وكالة سند للأنباء" إن لجانًا خاصة من الهيئة تُشرف بشكلٍ كامل على سير العملية التعليمية داخل السجون، وأنها أيضًا تتابع عملية إدخال أوراق الامتحانات وإعلان النتائج، وهي من تقوم بتسجيل الطلبة عند التحاقهم في الجامعات بمختلف التخصصات الأدبية والسياسية والتاريخية والعلمية.
وييلغ عدد الأسرى الملتحقين عمومًا بجامعات الضفة الغربية للحصول على درجة البكالوريوس 326 أسيرا، في حين حاز 137 أسيرًا على شهادة الماجستير من جامعة أبوديس، في حين لم يتخرج حتى اللحظة من القدس المفتوحة أحد، وفق معطيات ذكرها "البطة".