والد "مصعب اشتية".. وحيد على مائدة الإفطار بلا أبنائه الأربعة
فلسطين أونلاين
نابلس - غزة/ يحيى اليعقوبي: على مائدة إفطار خالية من وجوه أولاده الأربعة وبيت مهجور من أصواتهم، يستقبل عاكف اشتية (60 عامًا) والد "مصعب" المطارد المعتقل لدى جهاز الوقائي التابع للسلطة منذ 185 يومًا، شهر رمضان لأول مرة في حياته بدون لمة عائلية على مائدة واحدة، باستثناء زوجته التي تكسر قيود وحدته.
ففي سجن الوقائي بمدينة بيتونيا برام الله تعتقل السلطة "مصعب" منذ سبعة أشهر، أمضى خمسة منها في سجن أريحا قبل انتقاله لبيتونيا منذ شهرين، ولا يزال "الوقائي" يتجاهل تنفيذ قرارات المحاكم بإخلاء سبيله.
في حين يعتقل الاحتلال ثلاثة من أبنائه في سجن "مجدو" الواقع بشمال فلسطين المحتلة وهم: "أنس" المعتقل منذ عامين ويطالب الاحتلال بسجنه خمسة عشر عامًا، و"خالد" المعتقل منذ أحد عشر شهرًا، و"صهيب" الذي أنهى شهره الخامس الأسر.
بيت مهجور
هلَّ هلال رمضان وبدأ يومه الأول، يُحرم فيه اشتية الأب من لمة عائلية هي أبسط ما يعيشه الناس يوميًّا، فأصبحت أمنيته أن يجتمع مع أبنائه على مائدة واحدة. ويقول لصحيفة "فلسطين" بعد تنهيدة حسرة خرجت من قلبه حينما أوقف سيارة الأجرة التي يعمل عليها: "أصبح البيت مهجورًا من أصواتهم وحضورهم في البيت قبيل ساعات الإفطار".
عن رمضانه الأول بدون فلذات أكباده، تغادر كلمات الحسرة قلبه: "لحظة صعبة أن يكون لديك أربعة أولاد، لا تجدهم بقربك في شهر رمضان وهو شهر صلة الأرحام، فلدي بنت وحيدة متزوجة منذ 13 عامًا، وكنت أصطحب أبنائي لزيارتها إضافة إلى زيارة الأقارب، الآن نُحرم من هذا، وقس على المناسبات العائلية والاجتماعية".
في وجود أبنائه كان اشتية يعمل على سيارته لمدة ساعتين يوميًا، للخروج من أسر جدران منزله وإشغال نفسه قليلًا، فيما يتولى نجله مصعب الذي كان يملك محلًا لبيع الهواتف وشقيقه خالد إعالة المنزل ومساعدته في توفير دخل.
وبعد اعتقاله يضطر للخروج من الساعة السادسة صباحًا، والعمل دون توقف حتى ساعات المساء، يتحدى عمره الذي طرق ستين سنة ويحتاج إلى الراحة، وجسده الذي لم يعد يقوى على هكذا "مشقة"، لأجل توفير دخل يصرف به على أبنائه داخل السجون، من مصاريف كنتينا واحتياجات ملابس وغيرها.
"كنت أعمل على شكل "طقطقة" الآن أصبحت أعمل إجباريًا من الصباح حتى المساء، حتى أوفر قوت يومي ويوم والدتهم، وكذلك لتوفير مبالغ الكانتينا شهريًا والبالغة نحو 2500 شيقل، أرسل لمصعب وحده نحو 1000 شيقل نظرًا لسوء الطعام في معتقل السلطة وحاجته لطعام صحي وعلاج".
داهم صوته السعال غيّر معه مجرى حديثه وقال بعفوية: "رجل بسني مش قدرة يشتغل هيك شغل ويطلع طوال النهار، لكن مجبر عشان أولادي".
قرارات فوق القانون
قانونيًا قضية "مصعب" محلولة بعدما تحصل على قرارات الإفراج، وتكمن المشكلة في رفض وقائي السلطة تنفيذ ذلك، حتى أصبح بالنسبة لوالد مصعب "حكومة تتعالى على تنفيذ القوانين".
في أثناء تواجد مصعب في سجن أريحا، كانت أخبار رفاقه في البلدة القديمة في نابلس مغيبة عنه، ولا يعرف بها إلا من زيارة والده له كل يوم سبت أو من الأحاديث الجانبية بين بعض عناصر السلطة في السجن، والتي مكّنته من معرفة استشهاد رفيق دربه وديع الحوح.
تأخذه الذاكرة لذلك الموقف، ليعود منه بصورة ردة فعل نجله عن خبر استشهاد رفيق دربه: "كان يتأثر كثيرًا بالأخبار التي أنقلها إليه عن استشهاد أصدقائه، كان أصعبها استشهاد وديع الحوح الذي جمعته به علاقة صداقة ومطاردة، وكان أعز الناس على قلبه بعد والديه"، حتى أنه قال لي: "مكاني مش السجن، أهون عليّ أطلع واستشهد ولا أضلني هان بدون كرامة".
وفّرت إدارة سجن الوقائي في بيتونيا شاشة تلفاز يتمكن عبرها مصعب من متابعة مستجدات الأحداث في الخارج، لكن مقابل ذلك عزلته داخل الغرفة وحيدًا، ما "يزيد صعوبة حياة الاعتقال اليومية له، لشاب يجلس وحيدًا داخل غرفة طوال الوقت" والكلام لوالده.
لكن ما يطمئن اشتية الأب ويهدئ من مخاوفه، أنه على مساوئ السجن الحالي إلا أنه "أرحم من المسلخ" كما يصف سجن أريحا، الذي تدهورت فيه صحة مصعب وأصبح لديه تضخم في الغدة الدرقية، بالرغم من أنه لم يشكُ من أي مشاكل صحية قبل اعتقاله، وأصابه تشنج بيده وقدمه اليمنى كذلك نقل على إثرها للمشفى.
بين توفير دخل وقوت يومٍ له ولزوجته، يتابع اشتية ملف أبنائه، يدخلك في تفاصيل حياته المشتتة: "السبت الماضي زرت ابني مصعب، ويوم الاثنين ذهبت لمتابعة محكمة أنس ومكثت طوال النهار، ولم تستطع أمهم زيارتهم في سجن مجدو بسبب ترتيبات رمضان ولا شقيقتهم الوحيدة، علمًا أنني محروم من زيارة أبنائي في سجون الاحتلال منذ ثمانية أشهر بعد سحب تصريح الزيارة مني". بعد طلبات عديدة صرخت بها العائلة ونداءات مؤسسات حقوقية للإفراج عن نجله، طالب والده وقائي السلطة بنقله لسجن في مدينة نابلس للتخفيف عن العائلة في إرسال طعام له في رمضان بسبب سوء الطعام المقدم في السجن، إلا أن قراره قوبل بالرفض.
في اليوم الأول من رمضان، يستحضر صورة مصعب على مائدة الإفطار بصوت مختنق: "في رمضان الماضي أفطر معنا ولم يكن مطاردًا، إذ بدأ الاحتلال ملاحقته بعد انتهاء الشهر الفضيل، كان يتصل بي ليخبرني أنه اشترى الأغراض اللازمة، ويسألني إن كنت أحتاج شيئًا".
اعتقل الاحتلال نجله مصعب أربع سنوات، ورغم طول هذه المدة إلا أن والده كان يلاحظ في الزيارات ابتسامته رغم مرارة السجن وتفاعله معه، وهذا ما لا يتحقق في أي من زيارته له في سجون السلطة، مؤكدًا: "دائمًا يبقى شارد الذهن، وأتمنى أن يعود إلى البيت ويحقق حلمه بالحرية".
فلسطين أونلاين
نابلس - غزة/ يحيى اليعقوبي: على مائدة إفطار خالية من وجوه أولاده الأربعة وبيت مهجور من أصواتهم، يستقبل عاكف اشتية (60 عامًا) والد "مصعب" المطارد المعتقل لدى جهاز الوقائي التابع للسلطة منذ 185 يومًا، شهر رمضان لأول مرة في حياته بدون لمة عائلية على مائدة واحدة، باستثناء زوجته التي تكسر قيود وحدته.
ففي سجن الوقائي بمدينة بيتونيا برام الله تعتقل السلطة "مصعب" منذ سبعة أشهر، أمضى خمسة منها في سجن أريحا قبل انتقاله لبيتونيا منذ شهرين، ولا يزال "الوقائي" يتجاهل تنفيذ قرارات المحاكم بإخلاء سبيله.
في حين يعتقل الاحتلال ثلاثة من أبنائه في سجن "مجدو" الواقع بشمال فلسطين المحتلة وهم: "أنس" المعتقل منذ عامين ويطالب الاحتلال بسجنه خمسة عشر عامًا، و"خالد" المعتقل منذ أحد عشر شهرًا، و"صهيب" الذي أنهى شهره الخامس الأسر.
بيت مهجور
هلَّ هلال رمضان وبدأ يومه الأول، يُحرم فيه اشتية الأب من لمة عائلية هي أبسط ما يعيشه الناس يوميًّا، فأصبحت أمنيته أن يجتمع مع أبنائه على مائدة واحدة. ويقول لصحيفة "فلسطين" بعد تنهيدة حسرة خرجت من قلبه حينما أوقف سيارة الأجرة التي يعمل عليها: "أصبح البيت مهجورًا من أصواتهم وحضورهم في البيت قبيل ساعات الإفطار".
عن رمضانه الأول بدون فلذات أكباده، تغادر كلمات الحسرة قلبه: "لحظة صعبة أن يكون لديك أربعة أولاد، لا تجدهم بقربك في شهر رمضان وهو شهر صلة الأرحام، فلدي بنت وحيدة متزوجة منذ 13 عامًا، وكنت أصطحب أبنائي لزيارتها إضافة إلى زيارة الأقارب، الآن نُحرم من هذا، وقس على المناسبات العائلية والاجتماعية".
في وجود أبنائه كان اشتية يعمل على سيارته لمدة ساعتين يوميًا، للخروج من أسر جدران منزله وإشغال نفسه قليلًا، فيما يتولى نجله مصعب الذي كان يملك محلًا لبيع الهواتف وشقيقه خالد إعالة المنزل ومساعدته في توفير دخل.
وبعد اعتقاله يضطر للخروج من الساعة السادسة صباحًا، والعمل دون توقف حتى ساعات المساء، يتحدى عمره الذي طرق ستين سنة ويحتاج إلى الراحة، وجسده الذي لم يعد يقوى على هكذا "مشقة"، لأجل توفير دخل يصرف به على أبنائه داخل السجون، من مصاريف كنتينا واحتياجات ملابس وغيرها.
"كنت أعمل على شكل "طقطقة" الآن أصبحت أعمل إجباريًا من الصباح حتى المساء، حتى أوفر قوت يومي ويوم والدتهم، وكذلك لتوفير مبالغ الكانتينا شهريًا والبالغة نحو 2500 شيقل، أرسل لمصعب وحده نحو 1000 شيقل نظرًا لسوء الطعام في معتقل السلطة وحاجته لطعام صحي وعلاج".
داهم صوته السعال غيّر معه مجرى حديثه وقال بعفوية: "رجل بسني مش قدرة يشتغل هيك شغل ويطلع طوال النهار، لكن مجبر عشان أولادي".
قرارات فوق القانون
قانونيًا قضية "مصعب" محلولة بعدما تحصل على قرارات الإفراج، وتكمن المشكلة في رفض وقائي السلطة تنفيذ ذلك، حتى أصبح بالنسبة لوالد مصعب "حكومة تتعالى على تنفيذ القوانين".
في أثناء تواجد مصعب في سجن أريحا، كانت أخبار رفاقه في البلدة القديمة في نابلس مغيبة عنه، ولا يعرف بها إلا من زيارة والده له كل يوم سبت أو من الأحاديث الجانبية بين بعض عناصر السلطة في السجن، والتي مكّنته من معرفة استشهاد رفيق دربه وديع الحوح.
تأخذه الذاكرة لذلك الموقف، ليعود منه بصورة ردة فعل نجله عن خبر استشهاد رفيق دربه: "كان يتأثر كثيرًا بالأخبار التي أنقلها إليه عن استشهاد أصدقائه، كان أصعبها استشهاد وديع الحوح الذي جمعته به علاقة صداقة ومطاردة، وكان أعز الناس على قلبه بعد والديه"، حتى أنه قال لي: "مكاني مش السجن، أهون عليّ أطلع واستشهد ولا أضلني هان بدون كرامة".
وفّرت إدارة سجن الوقائي في بيتونيا شاشة تلفاز يتمكن عبرها مصعب من متابعة مستجدات الأحداث في الخارج، لكن مقابل ذلك عزلته داخل الغرفة وحيدًا، ما "يزيد صعوبة حياة الاعتقال اليومية له، لشاب يجلس وحيدًا داخل غرفة طوال الوقت" والكلام لوالده.
لكن ما يطمئن اشتية الأب ويهدئ من مخاوفه، أنه على مساوئ السجن الحالي إلا أنه "أرحم من المسلخ" كما يصف سجن أريحا، الذي تدهورت فيه صحة مصعب وأصبح لديه تضخم في الغدة الدرقية، بالرغم من أنه لم يشكُ من أي مشاكل صحية قبل اعتقاله، وأصابه تشنج بيده وقدمه اليمنى كذلك نقل على إثرها للمشفى.
بين توفير دخل وقوت يومٍ له ولزوجته، يتابع اشتية ملف أبنائه، يدخلك في تفاصيل حياته المشتتة: "السبت الماضي زرت ابني مصعب، ويوم الاثنين ذهبت لمتابعة محكمة أنس ومكثت طوال النهار، ولم تستطع أمهم زيارتهم في سجن مجدو بسبب ترتيبات رمضان ولا شقيقتهم الوحيدة، علمًا أنني محروم من زيارة أبنائي في سجون الاحتلال منذ ثمانية أشهر بعد سحب تصريح الزيارة مني". بعد طلبات عديدة صرخت بها العائلة ونداءات مؤسسات حقوقية للإفراج عن نجله، طالب والده وقائي السلطة بنقله لسجن في مدينة نابلس للتخفيف عن العائلة في إرسال طعام له في رمضان بسبب سوء الطعام المقدم في السجن، إلا أن قراره قوبل بالرفض.
في اليوم الأول من رمضان، يستحضر صورة مصعب على مائدة الإفطار بصوت مختنق: "في رمضان الماضي أفطر معنا ولم يكن مطاردًا، إذ بدأ الاحتلال ملاحقته بعد انتهاء الشهر الفضيل، كان يتصل بي ليخبرني أنه اشترى الأغراض اللازمة، ويسألني إن كنت أحتاج شيئًا".
اعتقل الاحتلال نجله مصعب أربع سنوات، ورغم طول هذه المدة إلا أن والده كان يلاحظ في الزيارات ابتسامته رغم مرارة السجن وتفاعله معه، وهذا ما لا يتحقق في أي من زيارته له في سجون السلطة، مؤكدًا: "دائمًا يبقى شارد الذهن، وأتمنى أن يعود إلى البيت ويحقق حلمه بالحرية".