تحقيق الرسالة -السرطان ينخر أجساد الأسرى والأعداد قيد المجهول
الرسالة نت- مها شهوان
باتت المعتقلات (الإسرائيلية) تربة للأمراض المزمنة التي تلازم الأسير الفلسطيني حتى بعد الإفراج عنه، وقد تكون سببا لإصابته بأمراض نادرة، كما أنها تفتقر للرعاية الإنسانية التي أوجبها القانون
أمراض كثيرة، وأسرى ارتقوا شهداء في السنوات الأخيرة داخل الزنازين بفعل السرطان الذي نهش أجسادهم مقابل "حبة دواء" لتسكين الألم لدقائق معدودة ثم يعود الأسير لتأوهاته، مستغيثا للذهاب إلى الطبيب لكن إدارة السجون "ودن من طين وودن من عجين".
وصل عدد المرضى المصابين بالسرطان داخل سجون الاحتلال العام الماضي لثمانية، بينما بلغ عددهم مؤخرا 28 حالة، مما دفع (الرسالة نت) للتنبيش عن أسباب ارتفاع الإصابات، والطرق القانونية التي يمكن من خلالها التدخل للإفراج عنهم، وكذلك تحسين نوعية العلاج الذي لابد لمريض السرطان من تلقيه من جرعات كيماوي والإقامة في جو صحي سليم.
مهما تخيلنا الوضع لن نصل لواقع الأسرى داخل المعتقلات، فداخل زنزانة لا تتعدى الثلاثة أمتار يعيش أكثر من خمسة أسرى يعانون من أمراض مزمنة تقض مضاجعهم
معايشة لأسير مريض سرطا
وفق إحصائية أخيرة لنادي الأسير، فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة بلغ 236 بينهم 75 استشهدوا نتيجة لجريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء) التي شكلت أبرز الأسباب التي أدت لاستشهاد أسرى خلال السنوات القليلة الماضية.
وهناك ارتفاع ملحوظ في أعداد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال، حيث بلغ عددهم نحو (700)، منهم (200) أسير يعانون أمراضًا مزمنة، من بينهم (28) أسيرًا يعانون من الإصابة بالسرطان والأورام بدرجات مختلفة منهم (وليد دقّة، وعاصف الرفاعي، وأحمد أبو عواد، وموسى صوفان، وعلي الحروب).
لم يكن الوصول إلى ذوي الأسرى مصابي السرطان للتعرف على أوضاعهم صعبا، خاصة وأن أخبارهم تنشر بشكل دائم عبر وسائل الإعلام، فالجميع يتوفر بين يديه معلومات حول الوضع الصحي للأسير دون معرفة التفاصيل المعيشية داخل الزنزانة، وكيف لحبة مسكن تخفف وجعهم؟
بعد حوالي ثلاثة أشهر من الإفراج عن الأسير نبيل مسالمة – 54 عاما- من الخليل، يحكي تجربة معايشة لرفيقه في الأسر علي الحروب المصاب بسرطان الثدي.
يقول مسالمة (للرسالة نت) إنه كان يتردد في سجن النقب على العيادة التي تتبع للسجن لأخذ إبرة الأنسولين كونه مريض سكري، وكان يخرج مع الحروب الذي كان يذهب للفحص بصعوبة ودوما يردد "مش قادر اتنفس" بفعل السرطان المنتشر في صدره وظهره.
ويستذكر أنه حين كان يصرخ الأسير الحروب ويتألم كانت إدارة السجون تستجيب لطلبه للوصول إلى مستشفى "سوروكا" لتلقي العلاج وإجراء بعض الفحوص لكن بعد شهر من الألم والمعاناة.
صمت مسالمه لبرهة من الوقت ثم عاد بذاكرته لعام مضى حين كان يحاول الأسير الحروب كتم ألمه وصوت بكائه من شدة الوجع، فهو لا يريد أن يزعج الأسرى الذين يشاركونه الزنزانة، معلقا "لم نضجر يوما من ألم زميلنا، بل كنا نتشارك معه الوجع ونبكي معه ونحاول التخفيف عنه".
وتحدث بأنه في إحدى المرات سأل الحروب عن الدواء الذي يمنحه إياه الطبيب (الإسرائيلي) لتسكين ألمه، فأخبره أنها حبة دواء، يدعي الطبيب أن ثمنها 5 آلاف شيكل، لكن في الواقع تبين أنها حبة مسكن بسعر زهيد لا علاقة لها بألمه ومرضه.
وذكر أن كثيرا من الأسرى مرضى السرطان، كانوا يعرضون على إدارة السجون العلاج على نفقتهم الشخصية، لكن الاحتلال كان يماطل ويسبب الأذى النفسي للأسير كما الجسدي، مبينا أن الإدارة لم تفرق بين الحالات العادية والطارئة فالجميع سواء وعليه الانتظار وتحمل الألم لأيام.
وفي محاولة لمعرفة الأسباب التي أدت لزيادة حالات السرطان بين صفوف الأسرى، لفت مسالمة إلى أن الظروف الصحية بشكل عام داخل معتقلات الاحتلال تفتقر لأدنى الاحتياجات الإنسانية حيث التهوية الضعيفة والرطوبة المنتشرة في كل مكان، وكذلك الطعام الذي يصلهم وعليه مواد كيماوية واضحة دون غسلها بطرق جيدة
كما تطرق إلى نقطة هامة وهي وقوع سجن النقب الذي يقبع فيه العشرات من الأسرى خاصة المرضى بالقرب من "مفاعل ديمونا" الذي يتسبب بتلوث الهواء في المنطقة.
ووفق مسالمة فإن الخطير كذلك أن عدد الأسرى المصابين والمعلن عنهم هم فقط من تقدموا بطلب عدة مرات عبر محاميهم مقابل دفع مبلغ من المال لمعرفة النتيجة وذلك بعد فترة طويلة من الفحص، مما قد يشير إلى وجود حالات أخرى لم يكشف عنها بفعل إخفاء النتيجة قصدا.
وعن الوضع النفسي للأسير المصاب بالسرطان، أكد مسالمة أن الجميع يلتف حوله ويدعمه ويقوي من عزيمته، مبينا أن بعض المصابين كانوا يخفون عن ذويهم نتائج التحليل خوفا على وضعهم النفسي.
ويختم "علاج الأسير مريض السرطان هو الإفراج عنه".
المعنويات لا تكفي
انتقلنا في البحث لأكثر الحالات خطورة لمرضى السرطان بين الأسرى والمصاب بها عميدهم وليد دقة الذي قضى 38 سنة في الأسر، تقول زوجته سناء: "وضع زوجي حاليا مع العلاج مستقر بحسب ما يقوله الأطباء في مستشفى برزلاي (الإسرائيلي)، لكنه بحاجة إلى متابعة لفترة طويلة لتقييم الحالة".
وتضيف: "لا زلنا بصدد إدخال طبيب من طرفنا لكن هذه الأمور تحتاج لوقت حتى يسمحوا بالحصول على تصريح (..) نحن على إطلاع دائم ومستمر مع المستشفى حول نوعية العلاج الذي يتلقاه وليد".
وأشارت سناء إلى أن سبب تواجد زوجها الأخير في المستشفى يرجع إلى مضاعفات حدثت معه بسبب قصور كلوي ورئوي وليس بفعل مضاعفات سرطان النخاع الشوكي وهذا يشكل خطرا على حياته، لافتة إلى أن حالة وليد لم تصل لمرحلة زراعة حبل شوكي بل هو في حالة طبية مبكرة لكن لن ينتظر حتى تتفاقم حالته.
وعن المطلوب فعله للإفراج عن زوجها، أكدت (للرسالة نت) أنه لا يوجد أي ثغرات قانونية يمكن استغلالها، لكن يتوجب على القيادات السياسية التحرك من أجل أسير أمضى أكثر من ثلاثين سنة، عدا عن ضرورة تنظيم الحملات الشعبية التي بحاجة إلى دعم على المستوى السياسي الرسمي، مؤكدة أن تضافر الجهود سيثمر نتيجة في صالح الأسرى.
وأكدت أن زوجها أبو ميلاد معنوياته عالية رغم الألم الذي ينخر في جسده، لكنه يحاول التغلب على مرضه، مشيرة إلى أنه بحاجه إلى علاج مناسب ومتابعة فالمعنويات وحدها لا تكفي لمواجهة السرطان.
عراقيل في درب الأطباء
وعن قضية الأسرى مرضى السرطان ومدى الخطورة على حياتهم في حال بقائهم داخل زنازين الاحتلال يقول قدري أبو بكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية إن عدد الأسرى المصابين بالسرطان لهذا العام تجاوز الـ 25 أسيرا، موضحا أن عدد العام الماضي كان ثمانية أسرى فقط.
ويرجع سبب ارتفاع الإصابات بالسرطان إلى الإهمال الذي تتعمده مصلحة السجون.
وذكر أبو بكر (للرسالة نت) أن وضع الأسير وليد دقة صعب للغاية، لكن مصلحة السجون ترفض تقديم العلاج المساعد له، مبينا أن الأسير زكريا الزبيدي وكثيرا من أصدقاء وعائلة دقة استعدوا للتبرع له في حال احتاج لزراعة نخاع شوكي لكن إدارة السجون تماطل وترفض.
ولفت إلى أن علاج مريض السرطان من الأسرى هو "حبة مسكن" مما يفاقم حالتهم كثيرا لعدم تقديم العلاج الحقيقي لهم حتى يرتقي المريض شهيدا.
وتطرق إلى نقطة هامة وهي أن من أسباب الإصابة بالسرطان والأمراض الخطيرة الأخرى هو تقديم علاج غير مناسب بشكل عام يفاقم من وضعهم ويصيبهم بأمراض خطيرة.
وقال: حاولنا إدخال أطباء من طرفنا لمعرفة الوضع الصحي العام من الأسير لكن الاحتلال رفض ذلك"، مضيفا: فقط في مرات قليلة سُمح لنا بإدخال طبيب أسنان لمعالجة الأسرى وعلى حسابهم الخاص لكن بشروط تضعها إدارة السجون ومنها أن يكون الطبيب يسكن في الداخل المحتل وخريج الجامعة العبرية.
(الرسالة نت) نقلت دفة التحقيق للحديث مع أحد الأطباء المختصين بعلاج الأسرى داخل المعتقلات (الإسرائيلية)، والذي رفض ذكر اسمه لتجنب حرمانه من الدخول لعلاج الأسرى مرة أخرى.
ولفت إلى أن هناك عراقيل تضعها إدارة السجون كي تسمح للأطباء الفلسطينيين وتحديدا من الداخل المحتل، للحصول على الملف الطبي للأسير المريض، بالإضافة إلى تحكمها في اختيار الطبيب المعالج.
وأكد أنه فور حصوله وزملائه على تصريح لمعالجة الأسير يطلعون على كل صغيرة وكبيرة فيه، ويطالبون بتوفير العلاج اللازم لكن إدارة السجون تقدم الأدوية البسيطة عبر عياداتها (المتهالكة).
وعودة إلى أبو بكر الذي ذكر أن أكثر أنواع السرطان انتشارا بين الأسرى هي البروستاتا، وغالبية المصابين خضعوا لعمليات جراحية عادية ونقلوا فورا إلى غرفة السجن مما يؤدي إلى انتكاسة في جسدهم لعدم توفر بيئة سليمة تناسب مرضهم وبالتالي يصابون بأمراض صعبة كالسرطان والفشل الكلوي.
وعن دورهم في الضغط عبر منظمات حقوقية ودولية للإفراج عن الأسرى المرضى أو إدخال العلاج المناسب لهم، رد: دوما نحاول وآخر مرة كانت قبل استشهاد الأسير ناصر أبو حميد، إذ ناشدنا الاحتلال عبر عدة منظمات دولية لكنها كانت تعتبر نفسها فوق القانون وتطبق قانونها العنصري وهو رفض الإفراج عن أي أسير أمني قبل انتهاء محكوميته حتى لو استشهد فإن جثمانه يقضي في ثلاجات العدو بقية فترة الحكم المقررة".
وفي هذا السياق تواصلت (الرسالة نت) مع ناجي حميد شقيق الشهيد الأسير (ناصر) ليذكر بشكل مقتضب أن وضع عائلته وقت علمهم بمرض شقيقه كان سيئا لا يمكن وصفه، حيث التوتر الذي كان يسود الأجواء لقلة الأخبار التي ترد عن وضعه الصحي.
ولفت إلى أنهم لم يطلبوا الملف الطبي للاطلاع على وضع شقيقه كون العائلة والمحامي يدركون جيدا رفض المحكمة لأنه مصنف تحت بند "قام بعمل يمس (بإسرائيل)".
قوانين عنصرية محظورة دوليا
ما تمارسه مصلحة السجون بحق الأسرى المرضى لاسيما من يحتاجون لعلاج ومتابعة دائمة يخالف القوانين الدولية، خاصة وأن بيئة السجون خصبة لتفاقم الوضع الصحي للمريض كونها غير صالحة للعيش الآدمي.
اليوم بات وضع وليد دقة نموذجا لتفاقم حالته مع مرور الأيام وحاجته لإطلاق سراحه لاسيما وأنه مكث في السجون 38 سنة، ومن المنطقي الإفراج عنه ليقضي بقية حياته مع عائلته، لكن بفعل القوانين العنصرية (الإسرائيلية) سيمضي محكوميته حتى لو استشهد كما حدث مع أسرى كثر ومنهم فارس بارود.
تعقب عبير بكر المحامية بالقول: "وفق قوانين الاحتلال العنصرية يستحيل إطلاق سراح الأسير وليد دقة".
وأضافت:" الأسير دقة ما زال يرقد بالمستشفى بحالة صحية حرجة (..) سأل العديد لماذا لا يتم التعجيل بقضية إطلاق سراحه قانونيًا نظرًا لتردي حالته الصحيّة ونظرًا لعدم تبقي سوى سنتان على موعد إطلاق سراحه بعد أن أمضى (37 سنة) في السجون (الإسرائيلية)".
وترجع بكر عدم السماح بالإفراج عن الأسرى المرضى لأن قوانين الاحتلال لا تنطبق على وضعهم وتصنيفهم.
وأشارت إلى أن قانون الإفراج المبكر لسنة 2001 يتيح الإفراج عن أي سجين لأسباب صحية في حال تعرضت حياته لخطر وأيامه معدودة أو أن استمرار مكوثه بالسجن يشكّل خطرًا على حياته وفقًا للتقارير الطبيّة أو أنه لم يعد يقوى على التنفس بشكل طبيعي ويحتاج لأجهزة تنفس اصطناعية بشكل دائم أو أنه فاقد للوعي أو بحالة "خرف" تلزم رقابة وعناية دائمة.
ونوهت إلى أن القانون يجيز أيضًا إطلاق سراح مؤقت لسجين مريض بالسرطان أو سجين مرشح لزرع عضو معين قد يشكل العلاج الطبي الذي يتخلله خطرًا على حياته أو أنه قد يؤدي إلى تراجع حاد بقدراته على القيام بالمهام الجسدية الأساسية مع معاناة كبيرة.
وأوضحت بكر أن ما سبق هي بالضبط حالة الأسير وليد دقة اليوم، لذا مبدئيًا كان من المفروض أن يستطيع المطالبة بإطلاق سراحه نظرًا لحالته الصحية المترديّة ومرضه بالسرطان والحاجة لزرع نخاع شوكي، إلا أنه لن يستطيع للأسف المطالبة بذلك لوجود عائق قانوني آخر.
ولفتت إلى أن الاحتلال عدل قانون الإرهاب عام 2016 بالشكل الذي يحرم كل سجين أدين بتهمة القتل أو محاولة القتل لأسباب أمنية/ايديولجيّة (بكلمة أخرى فلسطيني) من المطالبة بالإفراج المبكّر.
ويسري هذا القانون بأثر رجعي حيث شمل أيضًا كل من أدين وحوكم قبل سن القانون (بند 40 لقانون الإرهاب لعام 2016).
وفسّرت المحكمة العليا تعديل القانون أعلاه على أنه يسري على كل من يطالب بإطلاق سراح مبكر دون علاقة للسبب وشملت بشكل واضح السجناء الذين يطالبون بإطلاق سراحهم لأسباب صحيّة.
وأكدت بكر أن هدف تعديل قانون الإرهاب المعلن هو الانتقام، لأنه لا يسري على السجين المدني مهما كان عدد القتلى الذين ارتكب بحقهم الجريمة ويتم إطلاق سراحه لأسباب صحية متعلقة بمرض السرطان قبل موعد إطلاق سراحه الرسمي.
وتؤكد الحقوقية أن إبقاء الأسرى المرضى في السجن هو عقوبة انتقامية لا إنسانية، مشيرة إلى أن العقوبة مضاعفة حين يحرم من امتيازات أعطيت لمجرم جنائي (إسرائيلي) لاعتبارات إنسانية بحجة أنه لم يرتكب عملا ضد (إسرائيل)، وهذا تمييز محظور دوليا.
وعن المماطلة في الفحوص وإعلام الأسير بالنتيجة، أشارت إلى أن الإهمال الطبي يبدأ من إهمال أوجاع الأسير البسيطة مثل وجع الرأس أو ألم في البطن، مؤكدة أن تأخر التشخيص الأولي يؤدي إلى تفاقم المرض وتفشيه لو كان سرطانيا.
ولفتت إلى أن مصلحة السجون تماطل في معالجة الأسير وتطالب بإثبات لحاجته للتشخيص، مرجعة مماطلتهم إلى اعتبارات مادية.
وأكدت أن النتيجة تصل لكثير من الأسرى بعد شهور طويلة، وعبر المحامين، موضحة أن الأسير أيضا يحتاج وقتا للوصول لعائلته ومحاميه من أجل المطالبة للحصول على كشف طبي.
ورغم وصول معلومات تتعلق بأوضاع الأسرى الصحية، إلا أن هناك خبايا كثيرة تخفيها إدارة المعتقلات (الإسرائيلية) تتعلق بالملف الصحي لا يتم الكشف عنها إلا بعد الإفراج عنهم حين المتابعة في مستشفيات فلسطينية، لذا يحتاج هذا الملف إلى ضغط على المستوى الشعبي والسياسي الرسمي والدولي للتحرك بشكل جدي للإفراج عن الأسرى المرضى كي لا يكونوا رقما جديدا في قائمة شهداء الحركة الأسيرة.
الرسالة نت- مها شهوان
باتت المعتقلات (الإسرائيلية) تربة للأمراض المزمنة التي تلازم الأسير الفلسطيني حتى بعد الإفراج عنه، وقد تكون سببا لإصابته بأمراض نادرة، كما أنها تفتقر للرعاية الإنسانية التي أوجبها القانون
أمراض كثيرة، وأسرى ارتقوا شهداء في السنوات الأخيرة داخل الزنازين بفعل السرطان الذي نهش أجسادهم مقابل "حبة دواء" لتسكين الألم لدقائق معدودة ثم يعود الأسير لتأوهاته، مستغيثا للذهاب إلى الطبيب لكن إدارة السجون "ودن من طين وودن من عجين".
وصل عدد المرضى المصابين بالسرطان داخل سجون الاحتلال العام الماضي لثمانية، بينما بلغ عددهم مؤخرا 28 حالة، مما دفع (الرسالة نت) للتنبيش عن أسباب ارتفاع الإصابات، والطرق القانونية التي يمكن من خلالها التدخل للإفراج عنهم، وكذلك تحسين نوعية العلاج الذي لابد لمريض السرطان من تلقيه من جرعات كيماوي والإقامة في جو صحي سليم.
مهما تخيلنا الوضع لن نصل لواقع الأسرى داخل المعتقلات، فداخل زنزانة لا تتعدى الثلاثة أمتار يعيش أكثر من خمسة أسرى يعانون من أمراض مزمنة تقض مضاجعهم
معايشة لأسير مريض سرطا
وفق إحصائية أخيرة لنادي الأسير، فإن عدد شهداء الحركة الأسيرة بلغ 236 بينهم 75 استشهدوا نتيجة لجريمة الإهمال الطبي (القتل البطيء) التي شكلت أبرز الأسباب التي أدت لاستشهاد أسرى خلال السنوات القليلة الماضية.
وهناك ارتفاع ملحوظ في أعداد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال، حيث بلغ عددهم نحو (700)، منهم (200) أسير يعانون أمراضًا مزمنة، من بينهم (28) أسيرًا يعانون من الإصابة بالسرطان والأورام بدرجات مختلفة منهم (وليد دقّة، وعاصف الرفاعي، وأحمد أبو عواد، وموسى صوفان، وعلي الحروب).
لم يكن الوصول إلى ذوي الأسرى مصابي السرطان للتعرف على أوضاعهم صعبا، خاصة وأن أخبارهم تنشر بشكل دائم عبر وسائل الإعلام، فالجميع يتوفر بين يديه معلومات حول الوضع الصحي للأسير دون معرفة التفاصيل المعيشية داخل الزنزانة، وكيف لحبة مسكن تخفف وجعهم؟
بعد حوالي ثلاثة أشهر من الإفراج عن الأسير نبيل مسالمة – 54 عاما- من الخليل، يحكي تجربة معايشة لرفيقه في الأسر علي الحروب المصاب بسرطان الثدي.
يقول مسالمة (للرسالة نت) إنه كان يتردد في سجن النقب على العيادة التي تتبع للسجن لأخذ إبرة الأنسولين كونه مريض سكري، وكان يخرج مع الحروب الذي كان يذهب للفحص بصعوبة ودوما يردد "مش قادر اتنفس" بفعل السرطان المنتشر في صدره وظهره.
ويستذكر أنه حين كان يصرخ الأسير الحروب ويتألم كانت إدارة السجون تستجيب لطلبه للوصول إلى مستشفى "سوروكا" لتلقي العلاج وإجراء بعض الفحوص لكن بعد شهر من الألم والمعاناة.
صمت مسالمه لبرهة من الوقت ثم عاد بذاكرته لعام مضى حين كان يحاول الأسير الحروب كتم ألمه وصوت بكائه من شدة الوجع، فهو لا يريد أن يزعج الأسرى الذين يشاركونه الزنزانة، معلقا "لم نضجر يوما من ألم زميلنا، بل كنا نتشارك معه الوجع ونبكي معه ونحاول التخفيف عنه".
وتحدث بأنه في إحدى المرات سأل الحروب عن الدواء الذي يمنحه إياه الطبيب (الإسرائيلي) لتسكين ألمه، فأخبره أنها حبة دواء، يدعي الطبيب أن ثمنها 5 آلاف شيكل، لكن في الواقع تبين أنها حبة مسكن بسعر زهيد لا علاقة لها بألمه ومرضه.
وذكر أن كثيرا من الأسرى مرضى السرطان، كانوا يعرضون على إدارة السجون العلاج على نفقتهم الشخصية، لكن الاحتلال كان يماطل ويسبب الأذى النفسي للأسير كما الجسدي، مبينا أن الإدارة لم تفرق بين الحالات العادية والطارئة فالجميع سواء وعليه الانتظار وتحمل الألم لأيام.
وفي محاولة لمعرفة الأسباب التي أدت لزيادة حالات السرطان بين صفوف الأسرى، لفت مسالمة إلى أن الظروف الصحية بشكل عام داخل معتقلات الاحتلال تفتقر لأدنى الاحتياجات الإنسانية حيث التهوية الضعيفة والرطوبة المنتشرة في كل مكان، وكذلك الطعام الذي يصلهم وعليه مواد كيماوية واضحة دون غسلها بطرق جيدة
كما تطرق إلى نقطة هامة وهي وقوع سجن النقب الذي يقبع فيه العشرات من الأسرى خاصة المرضى بالقرب من "مفاعل ديمونا" الذي يتسبب بتلوث الهواء في المنطقة.
ووفق مسالمة فإن الخطير كذلك أن عدد الأسرى المصابين والمعلن عنهم هم فقط من تقدموا بطلب عدة مرات عبر محاميهم مقابل دفع مبلغ من المال لمعرفة النتيجة وذلك بعد فترة طويلة من الفحص، مما قد يشير إلى وجود حالات أخرى لم يكشف عنها بفعل إخفاء النتيجة قصدا.
وعن الوضع النفسي للأسير المصاب بالسرطان، أكد مسالمة أن الجميع يلتف حوله ويدعمه ويقوي من عزيمته، مبينا أن بعض المصابين كانوا يخفون عن ذويهم نتائج التحليل خوفا على وضعهم النفسي.
ويختم "علاج الأسير مريض السرطان هو الإفراج عنه".
المعنويات لا تكفي
انتقلنا في البحث لأكثر الحالات خطورة لمرضى السرطان بين الأسرى والمصاب بها عميدهم وليد دقة الذي قضى 38 سنة في الأسر، تقول زوجته سناء: "وضع زوجي حاليا مع العلاج مستقر بحسب ما يقوله الأطباء في مستشفى برزلاي (الإسرائيلي)، لكنه بحاجة إلى متابعة لفترة طويلة لتقييم الحالة".
وتضيف: "لا زلنا بصدد إدخال طبيب من طرفنا لكن هذه الأمور تحتاج لوقت حتى يسمحوا بالحصول على تصريح (..) نحن على إطلاع دائم ومستمر مع المستشفى حول نوعية العلاج الذي يتلقاه وليد".
وأشارت سناء إلى أن سبب تواجد زوجها الأخير في المستشفى يرجع إلى مضاعفات حدثت معه بسبب قصور كلوي ورئوي وليس بفعل مضاعفات سرطان النخاع الشوكي وهذا يشكل خطرا على حياته، لافتة إلى أن حالة وليد لم تصل لمرحلة زراعة حبل شوكي بل هو في حالة طبية مبكرة لكن لن ينتظر حتى تتفاقم حالته.
وعن المطلوب فعله للإفراج عن زوجها، أكدت (للرسالة نت) أنه لا يوجد أي ثغرات قانونية يمكن استغلالها، لكن يتوجب على القيادات السياسية التحرك من أجل أسير أمضى أكثر من ثلاثين سنة، عدا عن ضرورة تنظيم الحملات الشعبية التي بحاجة إلى دعم على المستوى السياسي الرسمي، مؤكدة أن تضافر الجهود سيثمر نتيجة في صالح الأسرى.
وأكدت أن زوجها أبو ميلاد معنوياته عالية رغم الألم الذي ينخر في جسده، لكنه يحاول التغلب على مرضه، مشيرة إلى أنه بحاجه إلى علاج مناسب ومتابعة فالمعنويات وحدها لا تكفي لمواجهة السرطان.
عراقيل في درب الأطباء
وعن قضية الأسرى مرضى السرطان ومدى الخطورة على حياتهم في حال بقائهم داخل زنازين الاحتلال يقول قدري أبو بكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية إن عدد الأسرى المصابين بالسرطان لهذا العام تجاوز الـ 25 أسيرا، موضحا أن عدد العام الماضي كان ثمانية أسرى فقط.
ويرجع سبب ارتفاع الإصابات بالسرطان إلى الإهمال الذي تتعمده مصلحة السجون.
وذكر أبو بكر (للرسالة نت) أن وضع الأسير وليد دقة صعب للغاية، لكن مصلحة السجون ترفض تقديم العلاج المساعد له، مبينا أن الأسير زكريا الزبيدي وكثيرا من أصدقاء وعائلة دقة استعدوا للتبرع له في حال احتاج لزراعة نخاع شوكي لكن إدارة السجون تماطل وترفض.
ولفت إلى أن علاج مريض السرطان من الأسرى هو "حبة مسكن" مما يفاقم حالتهم كثيرا لعدم تقديم العلاج الحقيقي لهم حتى يرتقي المريض شهيدا.
وتطرق إلى نقطة هامة وهي أن من أسباب الإصابة بالسرطان والأمراض الخطيرة الأخرى هو تقديم علاج غير مناسب بشكل عام يفاقم من وضعهم ويصيبهم بأمراض خطيرة.
وقال: حاولنا إدخال أطباء من طرفنا لمعرفة الوضع الصحي العام من الأسير لكن الاحتلال رفض ذلك"، مضيفا: فقط في مرات قليلة سُمح لنا بإدخال طبيب أسنان لمعالجة الأسرى وعلى حسابهم الخاص لكن بشروط تضعها إدارة السجون ومنها أن يكون الطبيب يسكن في الداخل المحتل وخريج الجامعة العبرية.
(الرسالة نت) نقلت دفة التحقيق للحديث مع أحد الأطباء المختصين بعلاج الأسرى داخل المعتقلات (الإسرائيلية)، والذي رفض ذكر اسمه لتجنب حرمانه من الدخول لعلاج الأسرى مرة أخرى.
ولفت إلى أن هناك عراقيل تضعها إدارة السجون كي تسمح للأطباء الفلسطينيين وتحديدا من الداخل المحتل، للحصول على الملف الطبي للأسير المريض، بالإضافة إلى تحكمها في اختيار الطبيب المعالج.
وأكد أنه فور حصوله وزملائه على تصريح لمعالجة الأسير يطلعون على كل صغيرة وكبيرة فيه، ويطالبون بتوفير العلاج اللازم لكن إدارة السجون تقدم الأدوية البسيطة عبر عياداتها (المتهالكة).
وعودة إلى أبو بكر الذي ذكر أن أكثر أنواع السرطان انتشارا بين الأسرى هي البروستاتا، وغالبية المصابين خضعوا لعمليات جراحية عادية ونقلوا فورا إلى غرفة السجن مما يؤدي إلى انتكاسة في جسدهم لعدم توفر بيئة سليمة تناسب مرضهم وبالتالي يصابون بأمراض صعبة كالسرطان والفشل الكلوي.
وعن دورهم في الضغط عبر منظمات حقوقية ودولية للإفراج عن الأسرى المرضى أو إدخال العلاج المناسب لهم، رد: دوما نحاول وآخر مرة كانت قبل استشهاد الأسير ناصر أبو حميد، إذ ناشدنا الاحتلال عبر عدة منظمات دولية لكنها كانت تعتبر نفسها فوق القانون وتطبق قانونها العنصري وهو رفض الإفراج عن أي أسير أمني قبل انتهاء محكوميته حتى لو استشهد فإن جثمانه يقضي في ثلاجات العدو بقية فترة الحكم المقررة".
وفي هذا السياق تواصلت (الرسالة نت) مع ناجي حميد شقيق الشهيد الأسير (ناصر) ليذكر بشكل مقتضب أن وضع عائلته وقت علمهم بمرض شقيقه كان سيئا لا يمكن وصفه، حيث التوتر الذي كان يسود الأجواء لقلة الأخبار التي ترد عن وضعه الصحي.
ولفت إلى أنهم لم يطلبوا الملف الطبي للاطلاع على وضع شقيقه كون العائلة والمحامي يدركون جيدا رفض المحكمة لأنه مصنف تحت بند "قام بعمل يمس (بإسرائيل)".
قوانين عنصرية محظورة دوليا
ما تمارسه مصلحة السجون بحق الأسرى المرضى لاسيما من يحتاجون لعلاج ومتابعة دائمة يخالف القوانين الدولية، خاصة وأن بيئة السجون خصبة لتفاقم الوضع الصحي للمريض كونها غير صالحة للعيش الآدمي.
اليوم بات وضع وليد دقة نموذجا لتفاقم حالته مع مرور الأيام وحاجته لإطلاق سراحه لاسيما وأنه مكث في السجون 38 سنة، ومن المنطقي الإفراج عنه ليقضي بقية حياته مع عائلته، لكن بفعل القوانين العنصرية (الإسرائيلية) سيمضي محكوميته حتى لو استشهد كما حدث مع أسرى كثر ومنهم فارس بارود.
تعقب عبير بكر المحامية بالقول: "وفق قوانين الاحتلال العنصرية يستحيل إطلاق سراح الأسير وليد دقة".
وأضافت:" الأسير دقة ما زال يرقد بالمستشفى بحالة صحية حرجة (..) سأل العديد لماذا لا يتم التعجيل بقضية إطلاق سراحه قانونيًا نظرًا لتردي حالته الصحيّة ونظرًا لعدم تبقي سوى سنتان على موعد إطلاق سراحه بعد أن أمضى (37 سنة) في السجون (الإسرائيلية)".
وترجع بكر عدم السماح بالإفراج عن الأسرى المرضى لأن قوانين الاحتلال لا تنطبق على وضعهم وتصنيفهم.
وأشارت إلى أن قانون الإفراج المبكر لسنة 2001 يتيح الإفراج عن أي سجين لأسباب صحية في حال تعرضت حياته لخطر وأيامه معدودة أو أن استمرار مكوثه بالسجن يشكّل خطرًا على حياته وفقًا للتقارير الطبيّة أو أنه لم يعد يقوى على التنفس بشكل طبيعي ويحتاج لأجهزة تنفس اصطناعية بشكل دائم أو أنه فاقد للوعي أو بحالة "خرف" تلزم رقابة وعناية دائمة.
ونوهت إلى أن القانون يجيز أيضًا إطلاق سراح مؤقت لسجين مريض بالسرطان أو سجين مرشح لزرع عضو معين قد يشكل العلاج الطبي الذي يتخلله خطرًا على حياته أو أنه قد يؤدي إلى تراجع حاد بقدراته على القيام بالمهام الجسدية الأساسية مع معاناة كبيرة.
وأوضحت بكر أن ما سبق هي بالضبط حالة الأسير وليد دقة اليوم، لذا مبدئيًا كان من المفروض أن يستطيع المطالبة بإطلاق سراحه نظرًا لحالته الصحية المترديّة ومرضه بالسرطان والحاجة لزرع نخاع شوكي، إلا أنه لن يستطيع للأسف المطالبة بذلك لوجود عائق قانوني آخر.
ولفتت إلى أن الاحتلال عدل قانون الإرهاب عام 2016 بالشكل الذي يحرم كل سجين أدين بتهمة القتل أو محاولة القتل لأسباب أمنية/ايديولجيّة (بكلمة أخرى فلسطيني) من المطالبة بالإفراج المبكّر.
ويسري هذا القانون بأثر رجعي حيث شمل أيضًا كل من أدين وحوكم قبل سن القانون (بند 40 لقانون الإرهاب لعام 2016).
وفسّرت المحكمة العليا تعديل القانون أعلاه على أنه يسري على كل من يطالب بإطلاق سراح مبكر دون علاقة للسبب وشملت بشكل واضح السجناء الذين يطالبون بإطلاق سراحهم لأسباب صحيّة.
وأكدت بكر أن هدف تعديل قانون الإرهاب المعلن هو الانتقام، لأنه لا يسري على السجين المدني مهما كان عدد القتلى الذين ارتكب بحقهم الجريمة ويتم إطلاق سراحه لأسباب صحية متعلقة بمرض السرطان قبل موعد إطلاق سراحه الرسمي.
وتؤكد الحقوقية أن إبقاء الأسرى المرضى في السجن هو عقوبة انتقامية لا إنسانية، مشيرة إلى أن العقوبة مضاعفة حين يحرم من امتيازات أعطيت لمجرم جنائي (إسرائيلي) لاعتبارات إنسانية بحجة أنه لم يرتكب عملا ضد (إسرائيل)، وهذا تمييز محظور دوليا.
وعن المماطلة في الفحوص وإعلام الأسير بالنتيجة، أشارت إلى أن الإهمال الطبي يبدأ من إهمال أوجاع الأسير البسيطة مثل وجع الرأس أو ألم في البطن، مؤكدة أن تأخر التشخيص الأولي يؤدي إلى تفاقم المرض وتفشيه لو كان سرطانيا.
ولفتت إلى أن مصلحة السجون تماطل في معالجة الأسير وتطالب بإثبات لحاجته للتشخيص، مرجعة مماطلتهم إلى اعتبارات مادية.
وأكدت أن النتيجة تصل لكثير من الأسرى بعد شهور طويلة، وعبر المحامين، موضحة أن الأسير أيضا يحتاج وقتا للوصول لعائلته ومحاميه من أجل المطالبة للحصول على كشف طبي.
ورغم وصول معلومات تتعلق بأوضاع الأسرى الصحية، إلا أن هناك خبايا كثيرة تخفيها إدارة المعتقلات (الإسرائيلية) تتعلق بالملف الصحي لا يتم الكشف عنها إلا بعد الإفراج عنهم حين المتابعة في مستشفيات فلسطينية، لذا يحتاج هذا الملف إلى ضغط على المستوى الشعبي والسياسي الرسمي والدولي للتحرك بشكل جدي للإفراج عن الأسرى المرضى كي لا يكونوا رقما جديدا في قائمة شهداء الحركة الأسيرة.