ثقب أسود كبير .. شهادات أسرى تكشف جحيم التعذيب في سجن مجدو

  • الإثنين 01, يناير 2024 09:39 ص
  • ثقب أسود كبير .. شهادات أسرى تكشف جحيم التعذيب في سجن مجدو
يومًا تلو الآخر تتكشف فصول جديدة من جحيم التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي تحولت إلى "ثقب أسود كبير" وفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
تقرير ثقب أسود كبير .. شهادات أسرى تكشف جحيم التعذيب في سجن مجدو
الناصرة - وكالة سند للأنباء
يومًا تلو الآخر تتكشف فصول جديدة من جحيم التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي التي تحولت إلى "ثقب أسود كبير" وفق صحيفة هآرتس الإسرائيلية.
الصحيفة العبرية كشفت عن اعتداءات غير مسبوقة على الأسرى في سجن "مجدو" تصل حد الموت (الاغتيال)، في وقت لا يزال العالم بأسره يغض نظره عن هذا الممارسات الإجرامية.
واستندت هآرتس في تحقيقها لشهادة أسيرين اعتقلا مطلع أكتوبر الماضي من مدينة أم الفحم داخل أراضي 48، بسبب مشاركتهم في فعاليات تطالب بوقف الحرب على غزة.
وأثبت الأسيران أن الأسرى في سجن مجدو يتعرضون يومياً لسلسلة من حالات التعذيب والإساءة من السجانين، بما يشمل التعذيب بالركل واللكم والضرب على عدة مناطق حساسة في الجسم، ناهيك عن عمليات الإذلال التي يفرضها السجان الإسرائيلي على الأسير الفلسطيني، وكل ذلك يتم وأيدي الأسرى مكبلة للخلف.
المنطقة العمياء
وفي شهادته يبين الأسير أحمد خليفة، أن السجانين يسحبون الأسرى إلى " منطقة عمياء" بعيداً عن كاميرات المراقبة الموزعة في السجن ويبدؤون بضربهم دون توقف.
ويبقى الأسرى في مجدو مقيدي الأيدي لساعات طويلة ويجبرهم السجان الاسرائيلي على "الزحف" وهم مطأطئ الرؤوس ومن يرفع رأسه سيتعرض للضرب المباشر على الرأس بالدبسات الحديدية، وفق خليفة.
وروى خليفة -خلال جلسة استماع في المحكمة- أن فتى فلسطينيا (18 عاماً) تعرض للضرب والسحل لأيام متتالية لمجرد أن حارس السجن رآه وهو يبتسم.
وتاريخًا كانت السجون الإسرائيلية عبارة عن مسالخ للتعذيب والتنكيل بالأسرىن غير أن ما يحدث منذ 7 أكتوبر الماضي، يتجاوز كل ما كان يحدث سابقًا، ويعيد السجون إلى السنوات الأولى لتأسيسها قبل أن ينتزع الأسرى الكثير من الحقوق بتضحيات جسيمة.
ويضيف خليفة: في الأيام الأولى كان كل سجان يأتي -في كل نوبة- يسحله لمنطقة "عمياء" معروفة لكل من في السجن ويضربه دون توقف.
ولاحقا أصبح هناك "نوبة واحدة" من الحراس تجر الفتى وتضربه وتدوس على رأسه وصدره.
زنزانة العقاب .. اغتيال الأسير عبد الرحمن مرعي
وشهد خليفة على استشهاد أحد الأسرى في سجن مجدو نتيجة الضرب المبرح الذي تعرض له على ٣ مدار أيام متتالية.
وقال الأسير خليفة: إن "حراس السجن" أحضروا أحد الأسرى إلى "زنزانة العقاب" بدعوى أنه تشاجر مع أحد السجانين ثم بدأ السجانون يتناوبون على ضربه ثلاثة أيام متتالية (خميس وجمعة وسبت) وكان كل من في الزنازين المجاورة يسمع صراخه "رأس، بطني، أمعائي، قدمي" فيما يسمع صوت السجانين وهم يسكتونه "شششش".
وتابع خليفة قائلاً: "ليلة الجمعة، توقف صوت السجين ولم نعد نسمعه حتى يوم السبت عاد صوته مخنوقاً" توقع خليفة أن يؤخذ الأسير للعلاج إلا أنه ترك طوال الليل معزولاً في الزنزانة إلى أن استشهد.
وتابع خليفة شهادته وهو يبكي "لقد مات في الزنزانة المجاورة لي، بقي صامتًا وتوقف عن الصراخ بأن معدته وأمعاءه تؤلمانه، بعد أن توفي طلبوا له الإسعاف".
ويرجح تحقيق هآرتس أن الأسير الذي قصده خليفة هو عبد الرحمن مرعي، حيث أظهرت نتائج التحقيق في استشهاده وتشريح جثمانه، وجود كدمات كثير على صدره كما كُسرت أضلاعه وعظمة القص.
الشهيد-عبد-الرحمن-مرعي.png
وأعلنت مؤسسات الأسرى الفلسطينية استشهاد الأسير عبد الرحمن أحمد محمد مرعي (33 عامًا) من بلدة قراوة بني حسان قضاء سلفيت، المعتقل منذ 25/2/2023، ولا يزال موقوفًا، في 13/11/2023 في سجن مجدو.
ولم يكن مرعي يعاني قبل اعتقاله من أي مشاكل صحية، وهو متزوج وأب لأربعة أبناء أكبرهم 11 عامًا، وأصغرهم 4 سنوات، وللشهيد مرعي شقيق آخر شهيد، وهو محمد مرعي الذي استشهد عام 2005.
كما نقلت هآرتس عن أسير آخر، أفرج عنه وشهد على الاعتداء على مرعي، قوله: إن الشهيد تعرض للضرب على يد 15 حارساً حيث ضرب ضرباً مبرحاً لخمس دقائق دون توقف، ركزوا خلالها على رأسه وصدره ثم أخذوه إلى جهة أخرى ولم يعرف عنه شيئا بعدها.
إذلال وإهانة
وبالعودة إلى شهادة الأسير أحمد خليفة؛ فإن سوء المعاملة والتعذيب يطال كل من يصل إلى "مجدو"، كل أسير يصل جديداً إلى السجن يجر إلى "النقطة العمياء" القريبة من الغرفة رقم 8 ويتم استقبال كل شخص جديد بالضرب ثم الإجبار على جلوس القرفصاء ويبدأ السجانون بغناء أغنية "هالصيصان" ويجبر الأسرى على "النقر بألسنتهم" وسط ضحك السجان - في إمعان للذل والإهانة - ومن لا يستجيب يضرب بقوة إضافية.
ولم تكن شهادة الأسير الفلسطيني محمد جبارين، أقل سوء مما شهده خلفية، فقد قال في جلسة المحكمة: إنه "منذ اليوم الأول لدخول السجن تعرض للإذلال والتهديد والشتائم، وبقيت أيدينا مقيدة خلف ظهورنا لفترات طويلة".
ويضيف في وقت الطعام نُجبر على الجلوس على ركبنا ثم يركلون صحن الطعام بأرجلهم، والطعام هو صحن أرز واحد تخرج منه القاذورات وترى الأوساخ العالقة عليه.
ويتابع: "نحن 16 شخصاً في غرفة بها تسع مراتب فقط ينام معظمنا على الأرض، دون فرش أو غطاء ويصف الغرفة بأنها بلا نوافذ يمكن إغلاقها إنما فتحات عليها بعض البلاستيك الذي يسمح بدخول الرياح والأمطار.
ومنذ 7 أكتوبر الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال نحو (4876) فلسطينيا، ولا يشمل هذا العدد المئات ممن اعتقلوا في قطاع غزة، ولا تزال تلك القوات تخفيهم قسريا.
البوسطة
ولا يقتصر تعذيب الأسرى وإذلالهم على غرف وزنازين السجن بل تمتد إلى "البوسطة" التي تنقل الأسرى إلى جلسات المحاكمة.
يقول جبارين: تصعد إليها (عربة البوسطة) بالضرب والدفع، وطول الطريق يصيح السجانون اخفض رأسك، أنت إرهابي، أنت قاتل وغيرها من الأوصاف والشتائم.
الحرمان الملابس
وشملت شهادة خليفة وجبارين، أنه يمنع على الأسرى الاستحمام ولا يتم تزويدهم بالملابس.
وقال جبارين: "لم أستحم ولم أحلق لمدة شهرين، بقيت في الملابس التي اعتقلت فيها "بنطال وقميص قصير".
وعرضت هآرتس رواية معتقل آخر، اتهم بالتحريض بسبب منشور نشره في بداية الحرب، مؤكدا أن الأسير "لا يجرؤ" على أن يطلب من الحراس ملابس جديدة لأن ردهم سيكون بالضرب.
وتضاف هذه الشهادات إلى شهادات أخرى وصلت "هآرتس" في الأسابيع الأخيرة حول ما يحدث في سجن مجدو، حيث تظهر كل الأدلة أن السجانين يضربون الأسرى حتى ينزفوا ويبقونهم مقيدين بالسلاسل.
الهتاف لإسرائيل
ونقلت الصحيفة العبرية عن أحد السجناء قوله لمحاميه: إنهم أجبروه مع أسرى آخرين على الاستلقاء على الأرض وقول "شعب إسرائيل حيّ"، وكان السجان قد داس على صدورهم وتكرر ذلك عدة مرات.
وقال معتقل آخر: "عندما وصلنا إلى السجن، قسمونا إلى مجموعتين وجاء نحو 40 حارساً وضربونا ضرباً مبرحاً، وبعد ذلك تم تقييدنا إلى الخلف في الزنازين لمدة تسع ساعات.
وفي شهادة أخرى لأسير فلسطيني من مدينة جنين قال: إن العديد من الأسرى مصابون بكسور بمناطق مختلفة من أجسامهم، مؤكدًا أنه ذاته لم يتمكن من الاستلقاء على ظهره مدة 35 يوماً "ربما بسبب كسر ما".
إهانات متكررة
ووصف أسير مقدسي ما يحدث في سجن مجدو بأنها "إهانة تتكرر ثلاث مرات في اليوم على الأقل"، حيث يأتي السجانون للعد ويجبرون الأسرى على الجثو على ركبهم ووجهم للحائط ثم ينهالون عليهم بالضرب يضربك بذريعة "التفتيش".
ويضيف تبقى الإضاءة في الغرفة مضاءة طوال الليل ولا ينطفئ الضوء إلا في السادسة صباحاً ويشير الأسير المقدسي أنه بعد استشهاد أحد الأسرى انخفضت حدة الضرب وتوقفت عن البعض إلا أن السجان يهدد دائما بالعودة إلى الحالة السابقة.
ونقلت هآرتس عن أسير آخر أنه تعرض للضرب المبرح على رأسه أثناء احتجازه في مجدو، وقال آخر إنه تعرض للضرب مع معتقلين آخرين لحظة دخوله السجن، أثناء عملية التصوير والفرز.
وشهد آخر، على الضرب والتهديد الذي يتعرض له الأسرى حيث قال له السجان: "احذر! سجين توفي منذ أسبوع هنا ولم يسأل عنه أحد.. لدينا عيون في المحكمة".
نموذج لما يجري في السجون
وقالت هآرتس في تقريرها: إن عددا من منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك جمعية الحقوق المدنية، عدالة، أطباء من أجل حقوق الإنسان، لجنة مناهضة التعذيب ومركز حماية الفرد، اتصلت بأمين المظالم لتقديم شكاوى خطيرة حول الانتهاكات والعنف في السجون ومراكز التوقيف التابعة لـ "الشباص".
وقال مصدر في منظمة لحقوق الإنسان: إن ما يجري في مجدو هو نموذج لكل ما يحدث في السجون الأخرى وأنهم تلقوا سلسلة من الشكاوى الخطيرة حول تعرض الأسرى لإصابات شديدة في السجون.
ويضيف المصدر "أصبحت السجون بمنزلة ثقب أسود لا يتم مراجعة العنف الذي يحصل فيها والذي يصل إلى التعذيب والقتل، مشيرًا إلى منع الزيارات العائلية، وزيارات الصليب الأحمر"، مستطردا "على حد علمنا لا تزر مؤسسات الدفاع عن المعتقلين ونقابة المحامين إلا نادرا".
وقالت المحامية، التي تمثل عددا من المعتقلين في سجن مجدو، سوسن الزهار: إن رفض إعطاء ملابس نظيفة للأسرى منذ اعتقالهم وحتى اليوم، إلى جانب ظروف اعتقالهم القاسية، يشكل معاملة مهينة وغير إنسانية.