زينة وجمال عمرو.. قصة زوجين مقدسيين كرّسا حياتهما لخدمة الأقصى فعاقبهما الاحتلال بأعز ما يملكانه
الجزيرة نت
أسيل الجندي
كلّما شعرا بحرارة الشوق صعدا إلى سطح المنزل وناجيا قبتيه الذهبية والرصاصية، واعتذرا عن طول الغياب وقلة الحيلة.
هكذا تمر بقسوة على نفوس المقدسيين أيام الإبعاد القسري عن المسجد الأقصى المبارك، تلك الأيام لم تكن الأولى التي يتعرض لها الزوجان المقدسيان زينة وجمال عمرو، وربما لن تكون الأخيرة في ظل سلسلة ملاحقات يتعرضان لها منذ سنوات طويلة، لسبب وحيد أنهما قررا تكريس حياتهما لخدمة الأقصى والرباط فيه.
ينحدر الزوجان من مدينة “دورا” في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، لكنهما قضيا معظم مرحلتي الطفولة والشباب في مدينة القدس قبل زواجهما عام 1982 ثم السفر إلى ألمانيا، حيث تلقى الزوج تعليمه الجامعي وحاز هناك على درجتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة المعمارية.
ولأن قلبه معلق في المسجد الأقصى، قرر جمال إعداد رسالة الدكتوراه عن “العمارة الإسلامية لبيت المقدس”، وهو ما عمّق ارتباطه بالقدس تاريخيا وحضاريا وإنسانيا واجتماعيا، وفق تعبيره.
ولأن قلبيهما ارتبطا بالقدس، فعلى الدرب نفسه سارت زينة لتختار تخصص “دراسات بيت المقدس” لدرجة الماجستير.
الأقصى الوجهة اليومية
الشوق للمسجد الأقصى دفع الزوجين لشد الرحال ومغادرة ألمانيا عام 1993 للاستقرار بالقدس، ومن وقتها والأقصى هو الوجهة اليومية لهما ولأبنائهما.
فبينما يتوجه الأب إلى جامعة بيرزيت ليحاضر في الهندسة المعمارية، تصطحب الأم أبناءها الستة إلى رحاب الأقصى للدراسة واللعب وقضاء أوقات الفراغ.
“شاركت وأولادي في كافة المخيمات الصيفية لتعزيز ارتباطهم في المكان وغرس حبه في قلوبهم، ثم تقدمت عام 2010 بطلب للتدريس في حلقات مصاطب العلم التي أسسها شيخ الأقصى رائد صلاح، وهكذا بدأت مرحلة جديدة من حياتي”، هكذا تحكي زينة عن ارتباط الأسرة بالمسجد المبارك.
استلمت زينة مشروع التعريف بالمسجد الأقصى، فاستقبلت الزوار وطلبة المدارس والجامعات، وعرفتهم على حدود المسجد ومكانته وقضيته والمخاطر التي تحدق به، ونظمت جولات مستمرة في ساحاته، وتعمدت أن تنطلق بها خلال اقتحامات المتطرفين للأقصى، ما جعلها في دائرة الاستهداف مباشرة.
ومنذ عقد ونيف تعددت أشكال الملاحقة، فتعرضت زينة لنحو 17 اعتقالا فضلا عن عشرات الاستدعاءات وجلسات التحقيق، ثم تصدر قرارات بالإبعاد عن المسجد الأقصى لفترات متباينة، وصلت في مجموعها لنحو 4 أعوام، ومُنعت زينة من السفر 3 أعوام وسُلمت قرارا بهدم منزلها كما لوحق أبناؤها بالاعتقال ونُكّل بهم.
وتجرع زوجها مرارة العقوبات ذاتها، حتى قدر الله لهما الاعتقال معا على بوابات الأقصى بعد إلقاء محاضرة للنساء في رحابه، وبعد ساعات من التحقيق تم تمديد اعتقالهما لليوم التالي، فحُوّل الزوج إلى مركز تحقيق المسكوبية والزوجة إلى سجن الرملة.
تقول زينة إن كل ما حدث لها كان يستهدف تحييدها وزوجها عن طريق الأقصى، لكنهما قررا المضي قدما في سبيل الدفاع عن قضية أولى القبلتين.
الأقصى ثم الأسرة
تقول زينة إن وصف الزنزانة الانفرادية وما تعرضت له خلال الاحتجاز، يحتاج ساعات طويلة من الحديث، لذلك فضّلت أن تصف كل ما مرت به بالقول “خلال رحلة رباطي ضُربتُ وسُحلت وكسروا أسناني وكبّلوني وهددوني بأولادي ومنزلي، وفي كل مرة كنت أخرج وأقول إنني أقدّم الأقصى على زوجي وأبنائي وروحي”.
وبنبرة قوية يعلوها الصمود، تحدثت زينة المقدسية عن مواجهة الاحتلال، لكنها لم تضعف سوى عند الحديث حول قسوة عقوبة الإبعاد عن المسجد الأقصى، فقالت “هذه العقوبة كمن ينتزع الرضيع من حضن أمه قسرا، الأقصى بالنسبة لي ليس ساحات ومصليات وليس حجرا وشجرا، بل روح تناجيني وأناجيها وأشعر بقهرها وألمها، لذلك أتيه بالبعد عنه وتمر أيامي بلا نكهة دونه”.
وليس بعيدا عن غصّة زينة، يقول زوجها المهندس المقدسي إنه شعر بقمة القهر خلال عرضه على المحكمة لأيام متتالية، حيث لم يطلق خلالها على المسجد اسم المسجد الأقصى، واقتصرت تسميته على “جبل الهيكل”، مضيفا أن القضاة الثلاثة الذين عُرض عليهم طلبوا من النيابة العامة ترجمة حرفية باللغة العبرية للمحاضرة الأخيرة التي ألقاها.
“من خلال درس ديني ألقيته في مسجدي اتهموني بالتحريض على العنف وتوجيه رسائل إرهاب وبالتشويش على المستوطنين والشرطة في المكان، عدونا الدخيل على هذا المسجد يتصرف كصاحب حق ويريد نسف الوجود الإسلامي فيه”، هكذا قال جمال المقدسي.
الجزيرة نت
أسيل الجندي
كلّما شعرا بحرارة الشوق صعدا إلى سطح المنزل وناجيا قبتيه الذهبية والرصاصية، واعتذرا عن طول الغياب وقلة الحيلة.
هكذا تمر بقسوة على نفوس المقدسيين أيام الإبعاد القسري عن المسجد الأقصى المبارك، تلك الأيام لم تكن الأولى التي يتعرض لها الزوجان المقدسيان زينة وجمال عمرو، وربما لن تكون الأخيرة في ظل سلسلة ملاحقات يتعرضان لها منذ سنوات طويلة، لسبب وحيد أنهما قررا تكريس حياتهما لخدمة الأقصى والرباط فيه.
ينحدر الزوجان من مدينة “دورا” في محافظة الخليل جنوب الضفة الغربية، لكنهما قضيا معظم مرحلتي الطفولة والشباب في مدينة القدس قبل زواجهما عام 1982 ثم السفر إلى ألمانيا، حيث تلقى الزوج تعليمه الجامعي وحاز هناك على درجتي الماجستير والدكتوراه في الهندسة المعمارية.
ولأن قلبه معلق في المسجد الأقصى، قرر جمال إعداد رسالة الدكتوراه عن “العمارة الإسلامية لبيت المقدس”، وهو ما عمّق ارتباطه بالقدس تاريخيا وحضاريا وإنسانيا واجتماعيا، وفق تعبيره.
ولأن قلبيهما ارتبطا بالقدس، فعلى الدرب نفسه سارت زينة لتختار تخصص “دراسات بيت المقدس” لدرجة الماجستير.
الأقصى الوجهة اليومية
الشوق للمسجد الأقصى دفع الزوجين لشد الرحال ومغادرة ألمانيا عام 1993 للاستقرار بالقدس، ومن وقتها والأقصى هو الوجهة اليومية لهما ولأبنائهما.
فبينما يتوجه الأب إلى جامعة بيرزيت ليحاضر في الهندسة المعمارية، تصطحب الأم أبناءها الستة إلى رحاب الأقصى للدراسة واللعب وقضاء أوقات الفراغ.
“شاركت وأولادي في كافة المخيمات الصيفية لتعزيز ارتباطهم في المكان وغرس حبه في قلوبهم، ثم تقدمت عام 2010 بطلب للتدريس في حلقات مصاطب العلم التي أسسها شيخ الأقصى رائد صلاح، وهكذا بدأت مرحلة جديدة من حياتي”، هكذا تحكي زينة عن ارتباط الأسرة بالمسجد المبارك.
استلمت زينة مشروع التعريف بالمسجد الأقصى، فاستقبلت الزوار وطلبة المدارس والجامعات، وعرفتهم على حدود المسجد ومكانته وقضيته والمخاطر التي تحدق به، ونظمت جولات مستمرة في ساحاته، وتعمدت أن تنطلق بها خلال اقتحامات المتطرفين للأقصى، ما جعلها في دائرة الاستهداف مباشرة.
ومنذ عقد ونيف تعددت أشكال الملاحقة، فتعرضت زينة لنحو 17 اعتقالا فضلا عن عشرات الاستدعاءات وجلسات التحقيق، ثم تصدر قرارات بالإبعاد عن المسجد الأقصى لفترات متباينة، وصلت في مجموعها لنحو 4 أعوام، ومُنعت زينة من السفر 3 أعوام وسُلمت قرارا بهدم منزلها كما لوحق أبناؤها بالاعتقال ونُكّل بهم.
وتجرع زوجها مرارة العقوبات ذاتها، حتى قدر الله لهما الاعتقال معا على بوابات الأقصى بعد إلقاء محاضرة للنساء في رحابه، وبعد ساعات من التحقيق تم تمديد اعتقالهما لليوم التالي، فحُوّل الزوج إلى مركز تحقيق المسكوبية والزوجة إلى سجن الرملة.
تقول زينة إن كل ما حدث لها كان يستهدف تحييدها وزوجها عن طريق الأقصى، لكنهما قررا المضي قدما في سبيل الدفاع عن قضية أولى القبلتين.
الأقصى ثم الأسرة
تقول زينة إن وصف الزنزانة الانفرادية وما تعرضت له خلال الاحتجاز، يحتاج ساعات طويلة من الحديث، لذلك فضّلت أن تصف كل ما مرت به بالقول “خلال رحلة رباطي ضُربتُ وسُحلت وكسروا أسناني وكبّلوني وهددوني بأولادي ومنزلي، وفي كل مرة كنت أخرج وأقول إنني أقدّم الأقصى على زوجي وأبنائي وروحي”.
وبنبرة قوية يعلوها الصمود، تحدثت زينة المقدسية عن مواجهة الاحتلال، لكنها لم تضعف سوى عند الحديث حول قسوة عقوبة الإبعاد عن المسجد الأقصى، فقالت “هذه العقوبة كمن ينتزع الرضيع من حضن أمه قسرا، الأقصى بالنسبة لي ليس ساحات ومصليات وليس حجرا وشجرا، بل روح تناجيني وأناجيها وأشعر بقهرها وألمها، لذلك أتيه بالبعد عنه وتمر أيامي بلا نكهة دونه”.
وليس بعيدا عن غصّة زينة، يقول زوجها المهندس المقدسي إنه شعر بقمة القهر خلال عرضه على المحكمة لأيام متتالية، حيث لم يطلق خلالها على المسجد اسم المسجد الأقصى، واقتصرت تسميته على “جبل الهيكل”، مضيفا أن القضاة الثلاثة الذين عُرض عليهم طلبوا من النيابة العامة ترجمة حرفية باللغة العبرية للمحاضرة الأخيرة التي ألقاها.
“من خلال درس ديني ألقيته في مسجدي اتهموني بالتحريض على العنف وتوجيه رسائل إرهاب وبالتشويش على المستوطنين والشرطة في المكان، عدونا الدخيل على هذا المسجد يتصرف كصاحب حق ويريد نسف الوجود الإسلامي فيه”، هكذا قال جمال المقدسي.