طوفان الأقصى : فواتح التحرير
د. عبدالله الغيلاني
ما يجري على أرض غزة منذ السابع من أكتوبر (2023) أصبح خارج نطاق التحليل البشري . فمن درس قواعد التحليل السياسي و أوتي حظاً من النظر الإستراتيجي، يدرك أن تداعيات الحدث تيمم شطر نهايات مرسومة و مقاصد قد حددها القدر .
ما أحسب أن العقل الإستراتيجي في كتائب القسام كان يدرك على وجه الدقة مآلات المعركة. لا ريب أن قيادة الكتائب كان لديها تقديراً للمآلات و حصراً للإرتدادات المتوقعة، و لكن مسارات المعركة سلكت إتجاهات هي خارج نطاق المخيال الإستراتيجي.
أقول لك بيقين : نحن نعيش أياماً كيوم بدر و الأحزاب و حنين ….. ذات السنن تتنزل و ذات النواميس تحكم مسارات المعركة . و مالم تستصحب هذه القاعدة الإرشادية في التحليل فسيستغلق عليك فهم الحقائق على الارض و يعسر عليك إستشراف المآلات.
لست أدعو إلى إستبعاد العناصر المادية ، هي حاضرة بلا شك و إنعكاسها على موازين القوى ثابت بلا ريب . و لكن الوقائع على الأرض تشي أن ثمة قوة غير محسوسة Invisible تحسم النتائج !
إنها المرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني التي تنتقل فيها القيادة العسكرية و السياسية إلى الأيدي المتوضئة ، و تلك أولى فواتح التحرير. و ما قبل ذلك كان أضاليل و مسرحيات هزيلة الإخراج هوت بالأمة إلى قاع سحيق. كان أبطالها يشتمون اليهود نهاراً و يسامرونهم ليلاً . إن ظهور المقاومة ، و بهذا المستوى من الإستبسال القتاليّ و البصيرة السياسية، يعكس تحولاً إستراتيجياً في إتجاهات الصراع و يعبر عن نهاية حقبة و بداية حقبة أخرى عنوانها؛ “وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ”.
إندثار مشروع أوسلو هو ثاني فواتح التحرير . ذلك المشروع البغيض الذي سعى إلى تسويق الوهم و إجهاض المقاومة و بلغ حداً من الإبتذال و الهوان حتى مجّه داعموه و لفظه الشعب الفلسطيني، ثم جاء الطوفان لينسف بنيانه من القواعد “فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
أما ثالثة الفواتح فهي إنكسار مسارات التطبيع التي أريد لها هذه المرة أن تعيد تموضع “إسرائيل” في العقل العربي و أن تعيد تشكيل الوجدان العربي فلا يجد حرجاً و لا غضاضة في التصالح مع يهود و المسارعة فيهم.
و أما الرابعة فهي تحرير الضمير العالمي من تراكمات التجهيل و التضليل الذي تولى كبره أجهزة التفكير و منصات الإعلام الغربي سنين عدداً. ما كان للرأي العام العالمي أن يشهد إنقلاباً بهذه الحدة لولا تداعيات الطوفان التي هتكت ستر الصهاينة و نزعت عنهم ثوب الزور الذي تدثروا به حينا طويلاً من الدهر . حالة التحول هذه ليست ومضة عابرة ، بل هي حالة أصيلة بدأت تستقر في الوجدان الغربي و تشكل قناعاته الجيوسياسية، و إستطلاعات الرأي تشير ليس إلى رفض العدوان الإسرائيلي فحسب، بل إلى مخاطر الوجود الإسرائيلي ذاته و تهديده للسلام العالمي.
و خامسة حسنة جميلة ، هي تحرير الأمة من “الوهن” ، ذلك الداء العضال الذي حذر منه النبي – صلى عليه وسلم- و جعله سببا مفتاحياً للسقوط الحضاري. قدمت فصائل المقاومة أنموذجاً بليغاً للصمود و كسر الرهانات الزائفة و حولت مرامات الوحي ،من ثبات و صدق و يقين و بذل و إقبال على الآخرة، إلى مصاديق حيّة، هذا الأنموذج صنع حالة مبهرة ما فتئت تعيد تشكيل العقل المسلم و تحرره من القنوط و العجز و ترسم له النهايات الحتمية؛ “وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”.
مسار التحرير طويل و لكنه بدأ، و دروبه وعرة متعرجة و لكنها تسير نحو وجهتها المرسومة بخطى ثابتة . ستشهد الأيام القادمة كثيراً من الآلام و الفواجع و العثرات ، و لكنها معركة الضرورة التي لا مناص من خوضها: “إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”. كما أن الأيام حبلى ببشائر النصر و إرهاصات التحرير .
قطع السابع من أكتوبر مع مرحلة التيه و الوهن و الغي و دشن مرحلة عنوانها الرشد و إستعادة الوعي القرآني .
معركة التحرير هذه ليست معركة “حماس ” و لا معركة فصائل المقاومة، بل هي معركة الأمة بأسرها، و لا عذر إلا لعاجز قد أقعده عجزه. فعلى كل مؤمن من غير أولي الضرر أن يعيد تموضعه و يحدد موقعه و كل ميسر لما خلق له؛ “وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا”.
د. عبدالله الغيلاني
ما يجري على أرض غزة منذ السابع من أكتوبر (2023) أصبح خارج نطاق التحليل البشري . فمن درس قواعد التحليل السياسي و أوتي حظاً من النظر الإستراتيجي، يدرك أن تداعيات الحدث تيمم شطر نهايات مرسومة و مقاصد قد حددها القدر .
ما أحسب أن العقل الإستراتيجي في كتائب القسام كان يدرك على وجه الدقة مآلات المعركة. لا ريب أن قيادة الكتائب كان لديها تقديراً للمآلات و حصراً للإرتدادات المتوقعة، و لكن مسارات المعركة سلكت إتجاهات هي خارج نطاق المخيال الإستراتيجي.
أقول لك بيقين : نحن نعيش أياماً كيوم بدر و الأحزاب و حنين ….. ذات السنن تتنزل و ذات النواميس تحكم مسارات المعركة . و مالم تستصحب هذه القاعدة الإرشادية في التحليل فسيستغلق عليك فهم الحقائق على الارض و يعسر عليك إستشراف المآلات.
لست أدعو إلى إستبعاد العناصر المادية ، هي حاضرة بلا شك و إنعكاسها على موازين القوى ثابت بلا ريب . و لكن الوقائع على الأرض تشي أن ثمة قوة غير محسوسة Invisible تحسم النتائج !
إنها المرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني التي تنتقل فيها القيادة العسكرية و السياسية إلى الأيدي المتوضئة ، و تلك أولى فواتح التحرير. و ما قبل ذلك كان أضاليل و مسرحيات هزيلة الإخراج هوت بالأمة إلى قاع سحيق. كان أبطالها يشتمون اليهود نهاراً و يسامرونهم ليلاً . إن ظهور المقاومة ، و بهذا المستوى من الإستبسال القتاليّ و البصيرة السياسية، يعكس تحولاً إستراتيجياً في إتجاهات الصراع و يعبر عن نهاية حقبة و بداية حقبة أخرى عنوانها؛ “وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَٰلِبُونَ”.
إندثار مشروع أوسلو هو ثاني فواتح التحرير . ذلك المشروع البغيض الذي سعى إلى تسويق الوهم و إجهاض المقاومة و بلغ حداً من الإبتذال و الهوان حتى مجّه داعموه و لفظه الشعب الفلسطيني، ثم جاء الطوفان لينسف بنيانه من القواعد “فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
أما ثالثة الفواتح فهي إنكسار مسارات التطبيع التي أريد لها هذه المرة أن تعيد تموضع “إسرائيل” في العقل العربي و أن تعيد تشكيل الوجدان العربي فلا يجد حرجاً و لا غضاضة في التصالح مع يهود و المسارعة فيهم.
و أما الرابعة فهي تحرير الضمير العالمي من تراكمات التجهيل و التضليل الذي تولى كبره أجهزة التفكير و منصات الإعلام الغربي سنين عدداً. ما كان للرأي العام العالمي أن يشهد إنقلاباً بهذه الحدة لولا تداعيات الطوفان التي هتكت ستر الصهاينة و نزعت عنهم ثوب الزور الذي تدثروا به حينا طويلاً من الدهر . حالة التحول هذه ليست ومضة عابرة ، بل هي حالة أصيلة بدأت تستقر في الوجدان الغربي و تشكل قناعاته الجيوسياسية، و إستطلاعات الرأي تشير ليس إلى رفض العدوان الإسرائيلي فحسب، بل إلى مخاطر الوجود الإسرائيلي ذاته و تهديده للسلام العالمي.
و خامسة حسنة جميلة ، هي تحرير الأمة من “الوهن” ، ذلك الداء العضال الذي حذر منه النبي – صلى عليه وسلم- و جعله سببا مفتاحياً للسقوط الحضاري. قدمت فصائل المقاومة أنموذجاً بليغاً للصمود و كسر الرهانات الزائفة و حولت مرامات الوحي ،من ثبات و صدق و يقين و بذل و إقبال على الآخرة، إلى مصاديق حيّة، هذا الأنموذج صنع حالة مبهرة ما فتئت تعيد تشكيل العقل المسلم و تحرره من القنوط و العجز و ترسم له النهايات الحتمية؛ “وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”.
مسار التحرير طويل و لكنه بدأ، و دروبه وعرة متعرجة و لكنها تسير نحو وجهتها المرسومة بخطى ثابتة . ستشهد الأيام القادمة كثيراً من الآلام و الفواجع و العثرات ، و لكنها معركة الضرورة التي لا مناص من خوضها: “إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا”. كما أن الأيام حبلى ببشائر النصر و إرهاصات التحرير .
قطع السابع من أكتوبر مع مرحلة التيه و الوهن و الغي و دشن مرحلة عنوانها الرشد و إستعادة الوعي القرآني .
معركة التحرير هذه ليست معركة “حماس ” و لا معركة فصائل المقاومة، بل هي معركة الأمة بأسرها، و لا عذر إلا لعاجز قد أقعده عجزه. فعلى كل مؤمن من غير أولي الضرر أن يعيد تموضعه و يحدد موقعه و كل ميسر لما خلق له؛ “وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا”.