الضفة القادمة… 11 عاملا تغيّر
محمد القيق
تعيش الضفة الغربية عزلة نفسية بين السلطة والاحتلال، وواقعا جغرافياً ممزقاً في إطار الاستيطان، ومشهدا يوميا على وقع الاقتحامات، ولكن منذ الحديث عن خطة الضم عام 2020 إلى اليوم باتت لدينا متغيرات ترسم الضفة الغربية القادمة.
هذه العوامل يعتمد عليها الاحتلال لتنفيذ حلمه الاستراتيجي، بينما الواقع يروي أحداثا مغايرة لا تشي بهدوء، أبرزها:
* عملية 7 أكتوبر نسفت أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية التي كانت متبعة في الضفة الغربية، والتي كانت تهدف لتخدير المواطنين بالعمل والاقتصاد وترهيبهم بالردع وقوة النار والتكنولوجيا الأمنية والاستيلاء على أراضيهم بحجة "أوسلو" وتقسيماتها وعربدة المستوطنين، فجاءت طوفان الأقصى صدمةً ثقافية عرقلت مسار الضفة الذي يبنونه للوصول لهدفهم.
* بعد الطوفان وفشل الاحتلال في منعه وقع الإسرائيلي في خطأ أكبر وهو ارتكاب المجازر والإبادة في قطاع غزة، حيث أزالت حواجز متينة بنتها "إسرائيل" من خلال نظريات الانقسام الداخلي الفلسطيني وحالة الحصار لغزة واستعراض الردع الذي ظن الإسرائيلي أنه من خلال هذه العناصر الثلاثة تمكن من السيطرة وفرض معادلته التاريخية بتصفية القضية الفلسطينية، فكانت الإبادة عنصرا محفزا لا رادعاً للضفة.
* وصول الطريق السياسي لأفق مسدود مع رصيد كبير لصالح الاحتلال، ما أعطى حالة غضب متزامنة مع قناعة الأجيال الجديدة بأن السلام طريق الضياع وأن المقاومة لم تعد خيارا بقدر ما هي قرار.
* انتهاء حالة التعايش في السجون التي كانت مبنية على قاعدة الهدوء والاستقرار بتوافق ضمني بين الأسرى ومصلحة السجون، حيث أن الإسرائيلي في محاولة لتعزيز الردع خسر هدوء السجون ما ستكون نتائجه مستقبلية، وما يحدث مع الأسرى الآن هو كسر حواجز بنتها حالة التعايش المنعكسة على الهدوء في الضفة الغربية بحكم أن غالبية الأسرى من الضفة، وأيضا سيعزز مدرسة القرار الصارم في الحركة الأسيرة ضد مقايضة الحياة اليومية باستقرار على حساب التعبئة والإعداد النفسي والثقافي والوطني التي انعدمت مؤخرا.
* فساد السلطة الفلسطينية حسب تقارير دولية واستفراد بالحكم دون انتخابات دفع بالتزامن مع تغيرات كثيرة إلى تفكير واسع بضرورة الانتقال من المربع الحالي نحو الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون بين شعب واحتلال، وهذا كسر كبير نفسي لفكرة "أوسلو" الأساسية وهي الترويض.
* الاحتكاك اليومي والاقتحامات هي عامل تغيير يرسم معالم الضفة القادمة، حيث أن الاحتلال كان يسعى لتجنب الاحتكاك داخل المدن، وهذا يقلل المواجهة والانتقام والدماء ويعطي فرصة للاستيطان على الأطراف، لكن هذه السياسة وهذا العامل تغير فباتت الضفة الغربية ترتسم معالمها بدءا من جنين وكتيبتها ونابلس ومجموعاتها والمخيمات مرورا بطولكرم وطوباس وقلقيلية، ما يعني أن المشهد انقلب وعاد لطبيعته والخاسر فيه من كان يحمل مشروع الترويض.
* التشديد في الحياة اليومية للفلسطينيين يوسع شريحة الغاضبين ويشجع على تغذية روح الانتقام، فمن تجاهل المذكور أعلاه في برنامج حياته لم يستطع أن يصبر على مصادرة أرضه على يد الجيش من جهة ولا على إحراق محصوله أو منزله أو قتل ابنه على يد المستوطنين الذين تتصاعد فعالهم بطريقة ممنهجة من جهة أخرى، فباتت الطريق لمنزله حتى في الظروف السابقة غير منطقية ومحفوفة بخطر الاستقرار والأمن التائه والعربدة بالسلاح، وهذه الشريحة كان بعض من فئاتها غير منخرط في الحالة الوطنية بل فرضت عليه المعادلة من باب ممتلكاته وضياعها.
* عامل آخر بات عنصرا مهما في رسم المشهد القادم؛ حيث قرر الاحتلال أن مناطق "ب" بحسب اتفاقية "أوسلو" تعود إدارتها ورخص البناء فيها والتحكم بكل إدارياتها للاحتلال، ما زاد الشريحة المتضررة مباشرة، كذلك عزز الاحتكاك العسكري الذي سيكون لاحقا حصنا لمستوطنات تلتهم مزيدا من الأرض.
* قرار الكنيسيت منع إقامة دولة فلسطينية وأن ما يتم الحديث عنه بأحسن الظروف تجمعات سكانية فلسطينية لا حدود لها ولا سيادة ولا معابر، وفقط يتم توفير الطعام والشراب لسكانها؛ جعل تشكل المشهد القادم يحمل الكثير من التطورات غير المتوقعة في المرحلة المقبلة.
* البوابات والإغلاق شبه الدائم للقرى والمدن والمخيمات من عوامل الذهاب للتصعيد النفسي في عقلية الفلسطيني، حيث الإسرائيلي يراها أمنا وأولويته أهم من تحرك وحياة الفلسطينيين، بينما يراها الفلسطيني إهانة وإذلالاً وتحكما ومقدمة لسجن لا يسمح فيه إلا بالأكل والشراب حسب مزاج المستوطنين.
* ومن بين العوامل المتسارعة ما يهم كل إنسان وهو المياه؛ حيث اليأس والعطش يعم شوارع الضفة ومدنها ومحاصيلها ليس بعد قرار تخفيض نسبة المياه فهذا زاد المأساة، بل منذ سنوات بات الجحيم يطارد الكل.
ختاما… تغيرت العوامل التي ترسم الضفة القادمة بين متفاخر بالطوفان وغاضب من الإبادة ويائس من التغيير وإحلال الديمقراطية وإعلاء صوته ومصمم على الوجود في أرضه ومنع الاستيطان ومناد بوحدة وطنية وعاتب على المجتمع الدولي وعارف جيدا أن خياره الوحيد المواجهة، بعد أن كان الإسرائيلي بفكرة "أوسلو" يأخذ الضفة إلى هناك حيث الضم والتصفية والنسيان.
الميدان في قادم الأيام بحسب تقارير أمنية إسرائيلية ذاهب للتصعيد والمواجهة بشكل أكثر مما عليه الآن، ومعالم الضفة تتغير بتوقيت المقاومة من جهة أخرى بحسب تقديراتهم، وكل هذا توقعات واحتمالات بينما الثابت الآن أن الضفة لن تبقى كما كانت والكل يسعى لأخذها للمربع الذي من أجله انطلق بمشروعه.
محمد القيق
تعيش الضفة الغربية عزلة نفسية بين السلطة والاحتلال، وواقعا جغرافياً ممزقاً في إطار الاستيطان، ومشهدا يوميا على وقع الاقتحامات، ولكن منذ الحديث عن خطة الضم عام 2020 إلى اليوم باتت لدينا متغيرات ترسم الضفة الغربية القادمة.
هذه العوامل يعتمد عليها الاحتلال لتنفيذ حلمه الاستراتيجي، بينما الواقع يروي أحداثا مغايرة لا تشي بهدوء، أبرزها:
* عملية 7 أكتوبر نسفت أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية التي كانت متبعة في الضفة الغربية، والتي كانت تهدف لتخدير المواطنين بالعمل والاقتصاد وترهيبهم بالردع وقوة النار والتكنولوجيا الأمنية والاستيلاء على أراضيهم بحجة "أوسلو" وتقسيماتها وعربدة المستوطنين، فجاءت طوفان الأقصى صدمةً ثقافية عرقلت مسار الضفة الذي يبنونه للوصول لهدفهم.
* بعد الطوفان وفشل الاحتلال في منعه وقع الإسرائيلي في خطأ أكبر وهو ارتكاب المجازر والإبادة في قطاع غزة، حيث أزالت حواجز متينة بنتها "إسرائيل" من خلال نظريات الانقسام الداخلي الفلسطيني وحالة الحصار لغزة واستعراض الردع الذي ظن الإسرائيلي أنه من خلال هذه العناصر الثلاثة تمكن من السيطرة وفرض معادلته التاريخية بتصفية القضية الفلسطينية، فكانت الإبادة عنصرا محفزا لا رادعاً للضفة.
* وصول الطريق السياسي لأفق مسدود مع رصيد كبير لصالح الاحتلال، ما أعطى حالة غضب متزامنة مع قناعة الأجيال الجديدة بأن السلام طريق الضياع وأن المقاومة لم تعد خيارا بقدر ما هي قرار.
* انتهاء حالة التعايش في السجون التي كانت مبنية على قاعدة الهدوء والاستقرار بتوافق ضمني بين الأسرى ومصلحة السجون، حيث أن الإسرائيلي في محاولة لتعزيز الردع خسر هدوء السجون ما ستكون نتائجه مستقبلية، وما يحدث مع الأسرى الآن هو كسر حواجز بنتها حالة التعايش المنعكسة على الهدوء في الضفة الغربية بحكم أن غالبية الأسرى من الضفة، وأيضا سيعزز مدرسة القرار الصارم في الحركة الأسيرة ضد مقايضة الحياة اليومية باستقرار على حساب التعبئة والإعداد النفسي والثقافي والوطني التي انعدمت مؤخرا.
* فساد السلطة الفلسطينية حسب تقارير دولية واستفراد بالحكم دون انتخابات دفع بالتزامن مع تغيرات كثيرة إلى تفكير واسع بضرورة الانتقال من المربع الحالي نحو الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون بين شعب واحتلال، وهذا كسر كبير نفسي لفكرة "أوسلو" الأساسية وهي الترويض.
* الاحتكاك اليومي والاقتحامات هي عامل تغيير يرسم معالم الضفة القادمة، حيث أن الاحتلال كان يسعى لتجنب الاحتكاك داخل المدن، وهذا يقلل المواجهة والانتقام والدماء ويعطي فرصة للاستيطان على الأطراف، لكن هذه السياسة وهذا العامل تغير فباتت الضفة الغربية ترتسم معالمها بدءا من جنين وكتيبتها ونابلس ومجموعاتها والمخيمات مرورا بطولكرم وطوباس وقلقيلية، ما يعني أن المشهد انقلب وعاد لطبيعته والخاسر فيه من كان يحمل مشروع الترويض.
* التشديد في الحياة اليومية للفلسطينيين يوسع شريحة الغاضبين ويشجع على تغذية روح الانتقام، فمن تجاهل المذكور أعلاه في برنامج حياته لم يستطع أن يصبر على مصادرة أرضه على يد الجيش من جهة ولا على إحراق محصوله أو منزله أو قتل ابنه على يد المستوطنين الذين تتصاعد فعالهم بطريقة ممنهجة من جهة أخرى، فباتت الطريق لمنزله حتى في الظروف السابقة غير منطقية ومحفوفة بخطر الاستقرار والأمن التائه والعربدة بالسلاح، وهذه الشريحة كان بعض من فئاتها غير منخرط في الحالة الوطنية بل فرضت عليه المعادلة من باب ممتلكاته وضياعها.
* عامل آخر بات عنصرا مهما في رسم المشهد القادم؛ حيث قرر الاحتلال أن مناطق "ب" بحسب اتفاقية "أوسلو" تعود إدارتها ورخص البناء فيها والتحكم بكل إدارياتها للاحتلال، ما زاد الشريحة المتضررة مباشرة، كذلك عزز الاحتكاك العسكري الذي سيكون لاحقا حصنا لمستوطنات تلتهم مزيدا من الأرض.
* قرار الكنيسيت منع إقامة دولة فلسطينية وأن ما يتم الحديث عنه بأحسن الظروف تجمعات سكانية فلسطينية لا حدود لها ولا سيادة ولا معابر، وفقط يتم توفير الطعام والشراب لسكانها؛ جعل تشكل المشهد القادم يحمل الكثير من التطورات غير المتوقعة في المرحلة المقبلة.
* البوابات والإغلاق شبه الدائم للقرى والمدن والمخيمات من عوامل الذهاب للتصعيد النفسي في عقلية الفلسطيني، حيث الإسرائيلي يراها أمنا وأولويته أهم من تحرك وحياة الفلسطينيين، بينما يراها الفلسطيني إهانة وإذلالاً وتحكما ومقدمة لسجن لا يسمح فيه إلا بالأكل والشراب حسب مزاج المستوطنين.
* ومن بين العوامل المتسارعة ما يهم كل إنسان وهو المياه؛ حيث اليأس والعطش يعم شوارع الضفة ومدنها ومحاصيلها ليس بعد قرار تخفيض نسبة المياه فهذا زاد المأساة، بل منذ سنوات بات الجحيم يطارد الكل.
ختاما… تغيرت العوامل التي ترسم الضفة القادمة بين متفاخر بالطوفان وغاضب من الإبادة ويائس من التغيير وإحلال الديمقراطية وإعلاء صوته ومصمم على الوجود في أرضه ومنع الاستيطان ومناد بوحدة وطنية وعاتب على المجتمع الدولي وعارف جيدا أن خياره الوحيد المواجهة، بعد أن كان الإسرائيلي بفكرة "أوسلو" يأخذ الضفة إلى هناك حيث الضم والتصفية والنسيان.
الميدان في قادم الأيام بحسب تقارير أمنية إسرائيلية ذاهب للتصعيد والمواجهة بشكل أكثر مما عليه الآن، ومعالم الضفة تتغير بتوقيت المقاومة من جهة أخرى بحسب تقديراتهم، وكل هذا توقعات واحتمالات بينما الثابت الآن أن الضفة لن تبقى كما كانت والكل يسعى لأخذها للمربع الذي من أجله انطلق بمشروعه.