“البروباغندا” المأجورة.. عندما يتجرد الصحفي من المصداقية خدمة لرواية الاحتلال الكاذبة
فلسطين المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام
مع انطلاق طوفان الأقصى وتلقي جيش الاحتلال لأكثر هزائمه إذلالاً، بدأت الآلة الإعلامية الضخمة الداعمة لدولة الاحتلال العمل بأقصى طاقاتها، في محاولات مُستميتة لترميم صورة الاحتلال وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية ولو بالكذب والتدليس.
وقد أصبحت العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية طرفاً في الصراع، وضحّت بجزء كبير من مصداقيتها ورأسمالها الرمزي القائم أساسا على “الثقة” و”حرية التعبير”، عندما انحازت للاحتلال الإسرائيلي، ودعمت روايته ومعلوماته المضللة الكاذبة فيما يتعلق بجرائمه في قطاع غزة.
آلة التضليل الإعلامي الإسرائيلية
ذكر موقع “بولتيكس توداي” أنّ حرب إسرائيل على غزة صاحبتها حرب أخرى على شبكة الإنترنت، أغرقت خلالها مواقع التواصل الاجتماعي بالمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، في حملات دعائية تقودها حسابات وهمية تستخدم سياسة التضليل والأكاذيب لخداع الرأي العام العالمي.
والحقيقة أنّ ذلك النهج المُتمثل في نشر المعلومات الكاذبة والمضللة، يتبعه الكيان الصهيوني منذ زمن بعيد عبر شبكة واسعة ومتشعبة من المنصات والمنافذ الإعلامية، التي يهدف من خلالها للتحكم في سردية الأحداث، والهيمنة على الرواية السائدة خاصة في الإعلام الغربي، والقضاء على الأصوات معارضة.
ففي عام 2015، نشرت الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية (IJAN) تقريرا استقصائيا يتناول نظام الدعم المالي والمؤسساتي خلال الفترة بين 2009 و 2012، لبيان جهود المنظمات الداعمة للصهيونية في قمع أي نشاط دولي وعالمي مؤيد لفلسطين في الولايات المتحدة وسائر العالم.
ووفقا للتقرير، فإنّ “مؤسسة عائلة أديلسون” تعدّ من أكبر المؤسسات الداعمة لكيان الاحتلال، وقد ضخَّت خلال الفترة بين أكثر من 300 مليون دولار في الدعاية الإعلامية والتجسس والحروب القانونية، التي تهدف بصورة مباشرة إلى قمع أي تضامن مع قضية فلسطين.
ويشير التقرير إلى عشرات المؤسسات الأخرى التي يربطها دعمها الصريح لإسرائيل، ومنها مجموعة “كوخ براذرز”، ومؤسسات “بيكر” و”سكيف” و”كوريت” و “عائلة شوسترمان” و “عائلة كلارمان” و “بيري” و “برادلي” و “موسكوفيتز” و ” فيربروك”. وامتلكت هذه المؤسسات مجتمعة حينها أصولا بقيمة 10 مليارات دولار.
ونشر موقع “مينت برس نيوز” الأميركي تقريراً في شهر يوليو/ تموز الماضي، تحدث فيه عن الصهيوني الأسترالي “روبرت مردوخ”، وعلاقته القوية بـ إسرائيل وامتلاكه وسائل الإعلام الأكثر تأثيراً في الغرب، وكيف يسخّرها لدعم إسرائيل وتمجيدها، ولتعمل كذراع غير رسمي لآلة الدعاية الإسرائيلية.
وتتجاوز آلة “مردوخ” 100 صحيفة، فضلاً عن عشرات القنوات التليفزيونية، ففي بريطانيا يمتلك ربع الصحف المتداولة في البلاد، ومن ضمنها صحف “ذا صن”، و”ذا تايمز”، و”صنداي تايمز”. أمّا في الولايات المتحدة، فيمتلك وسائل إعلامية مؤثرة، مثل صحيفتي “وول ستريت جورنال” و”نيويورك بوست”، وجزءاً كبيراً من شبكة “فوكس”.
الإعلام الغربي المنحاز
أثار تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” جدلاً واسعاً، عندما كشف تورّط أحد الصحفيين في نشر أخبار كاذبة في مجلة بريطانية ليدعم الرواية الإسرائيلية فيما يخص الحرب التي يشنّها الاحتلال على غزة.
وتعرّضت مجلة “جويش كرونيكل” البريطانية اليهودية لانتقادات لنشر كاتب لديها تقارير مفبركة داعمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ووفقاً لتقرير بصحيفة “الغارديان”، فإن نتنياهو وأعضاء من حكومته استشهدوا بتقارير تلك المجلة كما نشرها مناصروه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وذكر التقرير الذي أعدّه “بيتر بومونت”، أنّ الكاتب المستقل “إيلون بيري” نشر سلسلة تقارير “حساسة” طوال الشهور الماضية عن الحرب بناء على مصادر أمنية ادعى امتلاكها، لكن عدداً من وسائل الإعلام الإسرائيلية أفادت بأن تقاريره تستند إلى معلومات مزيفة وأنه كان “يكذب”.
وأشار “بومونت” إلى أن تقارير “بيري” عادة ما كانت تؤكد ادعاءات نتنياهو، وذكر كمثال على ذلك قول نتنياهو في مؤتمر صحفي إنّ السنوار قد يهرب مع بعض الأسرى الإسرائيليين خارج غزة عبر محور فيلادلفيا إذا لم يكن المحور تحت السيطرة الإسرائيلية، وفي اليوم التالي نشر “بيري” مقالاً في “جويش كرونيكل” يحوّل ادّعاء نتنياهو إلى حقيقة، استناداً إلى مصادر أمنية، الأمر الذي كذّب متحدث باسم الجيش الإسرائيلي.
وكان “مركز الرصد الإعلامي” التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا كشف في تقرير نشر في مارس/ آذار الماضي أنّ وسائل الإعلام البريطانية استخدمت لغة منحازة لإسرائيل بخصوص الهجمات على قطاع غزة.
وجاء في التقرير الذي تناول منشورات 28 وسيلة إعلام خلال الشهر الأول من الحرب على غزة، أنّ وسائل الإعلام المذكورة استعملت عبارات “مجزرة ومذبحة ووحشية” لوصف الهجمات ضد الإسرائيليين، في 70% من نحو 177 ألف خبر مصور، مقابل عبارة “ما يقال إنها مجزرة” لوصف الاعتداءات على الفلسطينيين.
وأشار التقرير إلى أنّ وسائل الإعلام المذكورة وصفت الهجمات الإسرائيلية على غزة بنسبة 76% على أنها “حرب بين إسرائيل وحركة حماس”، فيما ظهرت عبارة “غزة المحتلة” 28 مرة فقط في جميع الأخبار. ولفت التقرير إلى أنّ التصريحات المتعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها كانت 5 أضعاف تلك المتعلقة بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم.
كما أوضح التقرير أن مزاعم “قطع حماس رؤوس رضع” وردت في نحو 360 خبراً مصوراً، 47% بالمئة منها نشرتها وسائل إعلام يمينية متطرفة مثل “سكاي نيوز” و “توك تي في” و “جي بي نيوز”.
نماذج صارخة من التحيز الإعلامي
في تصريح سابق لها، أكّدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين أن عدّة وسائل إعلام غربية تورطت في بث أكاذيب صارخة لصالح الحكومة الإسرائيلية، وساعدتها في تبرير العدوان وجرائم القتل ضد الفلسطينيين في غزة.
وذكر تقرير صادر عن النقابة أنّ كبرى وسائل الإعلام الغربية التي تدعي المهنية ارتكبت انتهاكات خطيرة دون تحقق وبشكل مقصود، وأشار التقرير إلى أنّ بعض تلك الوسائل الإعلامية تراجعت بعد انكشاف كذبها واعتذرت، والبعض الآخر لم يتراجع ولم يعتذر رغم انكشاف التزييف والخداع.
وذكرت تقارير صحفية أنّ بعض وسائل الإعلام الغربية تفرض على صحفييها ضغوطاً للامتثال لسياسة مالكيها. فعلى سبيل المثال، طلبت صحيفة “نيويورك تايمز” من مراسليها عدم استخدام كلمات مثل “إبادة جماعية” و”مذبحة” و”تطهير عرقي” عند مناقشة تصرفات إسرائيل. كما حظرت استخدام مصطلحات مثل “مخيم اللاجئين”، أو “الأراضي المحتلة”، أو حتى “فلسطين”.
ومن الأمثلة على التحيز الإعلامي ما نقلته صحيفة “بي بي إس” الأمريكية من ادعاءات تبين لاحقاً أنها كاذبة، ولكن جرى ترويجها على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول وقوع حالات اغتصاب وحرق في صفوف النساء اللواتي تمّ أسرهن، وجرى التأكد لاحقاً من كذب هذه الرواية، وتراجع متحدث الجيش الإسرائيلي عما ذكره رئيس وزرائه.
ومن نماذج الانتهاكات والسقطات الإعلامية الكبرى في وسائل الإعلام تقارير إخبارية على قناة “I24” الإسرائيلية حيث أشارت مراسلتها “نيكول زيديك” إلى وجود عدد من الرضع عثر عليهم مقطوعي الرأس في مستوطنة “كفار عزا”، وتم تناقل الخبر حتى على لسان الرئيس الامريكي جو بايدن الذي تبنى الرواية وكررها، وهذا قبل أن تتراجع المراسلة نفسها عن ادعاءاتها.
وكذّب الصحافي الإسرائيلي “أورن زائيف” من خلال صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي ما حدث، مؤكدا أنه شارك في الجولة الإعلامية، ونافيا وجود أي دليل على قتل “حماس” للرضع، وأوضح قائلاً: “الضباط الإسرائيليون لم يذكروا أي حادث من هذا القبيل”.
وفي الإعلام البريطاني، ادعت صحيفة “ذا ميرور” مقتل فنانة على يد من وصفتهم بـ”الإرهابيين”، لتخرج والدتها وتتحدث لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية قائلة إنّ ابنتها على قيد الحياة في مستشفى بغزة.
كما انحازت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إلى الرواية الإسرائيلية في مرّات عديدة، فقد استخدمت أثناء تغطيتها للحرب كلمة “ماتوا” للإشارة إلى من الشهداء الفلسطينيين في غزة، وكلمة “قُتلوا” لوصف القتلى الإسرائيليين.
أمّا شبكة “سي إن إن”، فقد نشرت بتاريخ 12 أكتوبر أنّ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نشر عبر حسابه على منصة “إكس” 3 صور، يقول إنّها “صور مروعة لأطفال قتلوا وحرقوا”، ولاحقا فضح الكذبة الصحافي الأمريكي “جاكسون هينكل” الذي أثبت أنّها صورة لكلب في عيادة طبيب بيطري تم تزييفها باستخدام التكنولوجيا”.
ونشرت “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية أخباراً غير موثقة عن عمليات اغتصاب للنساء، وصحيفة “ديلي ميل” البريطانية نقلت أخباراً كاذبة عن مراسلة إحدى القنوات الإسرائيلية بأن مسؤولين إسرائيليين قالوا “إنهم عثروا على جثث لأربعين رضيعاً برؤوس مقطوعة في مستوطنة كفار عزا”، دون التدقيق من قبل الصحيفة البريطانية.
وكشف تحقيق أجراه موقع “ذا غراي زون” الأميركي المستقل، أن ادعاء قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين مصدره جندي إسرائيلي يُدعى “ديفيد بن صهيون”، وقد تم التعريف به خلال مقابلة أجرتها معه “I24” الإسرائيلية بصفته “زعيماً استيطانياً متطرفاً”، وأشار التحقيق إلى تراجع وسائل إعلام وصحفيين عن تقارير أولية بهذا الشأن بعد أن تعذر إثبات الادعاء بقطع رؤوس الأطفال، من بينها صحيفة “الإندبندنت” البريطانية وقناة “سي إن إن” الأميركية.
وفي تحيّز واضح مصحوب بصور مضللة، نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريراً يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تحت عنوان كبير: “إسرائيل تعرض صور أطفال مشوهين”، وأظهرت الصورة الرئيسية للتقرير أطفالاً مصابين، بينما كان التعليق أسفل الصورة بخط صغير: “أطفال فلسطينيون أصيبوا بقصف جوي يجلسون في مستشفى الشفاء”.
أطفال فلسطينيون نقلوا إلى مستشفى الشفاء بغزة بعد إصابتهم بقصف إسرائيلي
وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استهدفت غارة جوية إسرائيلية كنيسة القديس “برفيريوس” في مدينة غزة، حيث لجأ مئات النازحين. وفي وصفها للهجوم، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” عنواناً رئيساً “وقوع انفجار في حرم الكنيسة الأرثوذكسية في غزة”، محوّلة أحد أسوأ الاعتداءات الإسرائيلية إلى حادث مؤسف، دون الإشارة أو التلميح إلى أنّ “الانفجار” قد يكون ناتجاً من هجوم للجيش الإسرائيلي.
وبالرغم من كل الجهود التي يبذلها والأموال التي ينفقها في مجال التضليل الإعلامي، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يستطيع أن يخفي جرائمه التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، كما لا ننسى دور “الإعلام المقاوم” الذي يساهم في بيان الحقيقة وفضح افتراءات الاحتلال.
فلسطين المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام
مع انطلاق طوفان الأقصى وتلقي جيش الاحتلال لأكثر هزائمه إذلالاً، بدأت الآلة الإعلامية الضخمة الداعمة لدولة الاحتلال العمل بأقصى طاقاتها، في محاولات مُستميتة لترميم صورة الاحتلال وتشويه صورة المقاومة الفلسطينية ولو بالكذب والتدليس.
وقد أصبحت العديد من المؤسسات الإعلامية الغربية طرفاً في الصراع، وضحّت بجزء كبير من مصداقيتها ورأسمالها الرمزي القائم أساسا على “الثقة” و”حرية التعبير”، عندما انحازت للاحتلال الإسرائيلي، ودعمت روايته ومعلوماته المضللة الكاذبة فيما يتعلق بجرائمه في قطاع غزة.
آلة التضليل الإعلامي الإسرائيلية
ذكر موقع “بولتيكس توداي” أنّ حرب إسرائيل على غزة صاحبتها حرب أخرى على شبكة الإنترنت، أغرقت خلالها مواقع التواصل الاجتماعي بالمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، في حملات دعائية تقودها حسابات وهمية تستخدم سياسة التضليل والأكاذيب لخداع الرأي العام العالمي.
والحقيقة أنّ ذلك النهج المُتمثل في نشر المعلومات الكاذبة والمضللة، يتبعه الكيان الصهيوني منذ زمن بعيد عبر شبكة واسعة ومتشعبة من المنصات والمنافذ الإعلامية، التي يهدف من خلالها للتحكم في سردية الأحداث، والهيمنة على الرواية السائدة خاصة في الإعلام الغربي، والقضاء على الأصوات معارضة.
ففي عام 2015، نشرت الشبكة اليهودية الدولية المناهضة للصهيونية (IJAN) تقريرا استقصائيا يتناول نظام الدعم المالي والمؤسساتي خلال الفترة بين 2009 و 2012، لبيان جهود المنظمات الداعمة للصهيونية في قمع أي نشاط دولي وعالمي مؤيد لفلسطين في الولايات المتحدة وسائر العالم.
ووفقا للتقرير، فإنّ “مؤسسة عائلة أديلسون” تعدّ من أكبر المؤسسات الداعمة لكيان الاحتلال، وقد ضخَّت خلال الفترة بين أكثر من 300 مليون دولار في الدعاية الإعلامية والتجسس والحروب القانونية، التي تهدف بصورة مباشرة إلى قمع أي تضامن مع قضية فلسطين.
ويشير التقرير إلى عشرات المؤسسات الأخرى التي يربطها دعمها الصريح لإسرائيل، ومنها مجموعة “كوخ براذرز”، ومؤسسات “بيكر” و”سكيف” و”كوريت” و “عائلة شوسترمان” و “عائلة كلارمان” و “بيري” و “برادلي” و “موسكوفيتز” و ” فيربروك”. وامتلكت هذه المؤسسات مجتمعة حينها أصولا بقيمة 10 مليارات دولار.
ونشر موقع “مينت برس نيوز” الأميركي تقريراً في شهر يوليو/ تموز الماضي، تحدث فيه عن الصهيوني الأسترالي “روبرت مردوخ”، وعلاقته القوية بـ إسرائيل وامتلاكه وسائل الإعلام الأكثر تأثيراً في الغرب، وكيف يسخّرها لدعم إسرائيل وتمجيدها، ولتعمل كذراع غير رسمي لآلة الدعاية الإسرائيلية.
وتتجاوز آلة “مردوخ” 100 صحيفة، فضلاً عن عشرات القنوات التليفزيونية، ففي بريطانيا يمتلك ربع الصحف المتداولة في البلاد، ومن ضمنها صحف “ذا صن”، و”ذا تايمز”، و”صنداي تايمز”. أمّا في الولايات المتحدة، فيمتلك وسائل إعلامية مؤثرة، مثل صحيفتي “وول ستريت جورنال” و”نيويورك بوست”، وجزءاً كبيراً من شبكة “فوكس”.
الإعلام الغربي المنحاز
أثار تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” جدلاً واسعاً، عندما كشف تورّط أحد الصحفيين في نشر أخبار كاذبة في مجلة بريطانية ليدعم الرواية الإسرائيلية فيما يخص الحرب التي يشنّها الاحتلال على غزة.
وتعرّضت مجلة “جويش كرونيكل” البريطانية اليهودية لانتقادات لنشر كاتب لديها تقارير مفبركة داعمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ووفقاً لتقرير بصحيفة “الغارديان”، فإن نتنياهو وأعضاء من حكومته استشهدوا بتقارير تلك المجلة كما نشرها مناصروه على وسائل التواصل الاجتماعي.
وذكر التقرير الذي أعدّه “بيتر بومونت”، أنّ الكاتب المستقل “إيلون بيري” نشر سلسلة تقارير “حساسة” طوال الشهور الماضية عن الحرب بناء على مصادر أمنية ادعى امتلاكها، لكن عدداً من وسائل الإعلام الإسرائيلية أفادت بأن تقاريره تستند إلى معلومات مزيفة وأنه كان “يكذب”.
وأشار “بومونت” إلى أن تقارير “بيري” عادة ما كانت تؤكد ادعاءات نتنياهو، وذكر كمثال على ذلك قول نتنياهو في مؤتمر صحفي إنّ السنوار قد يهرب مع بعض الأسرى الإسرائيليين خارج غزة عبر محور فيلادلفيا إذا لم يكن المحور تحت السيطرة الإسرائيلية، وفي اليوم التالي نشر “بيري” مقالاً في “جويش كرونيكل” يحوّل ادّعاء نتنياهو إلى حقيقة، استناداً إلى مصادر أمنية، الأمر الذي كذّب متحدث باسم الجيش الإسرائيلي.
وكان “مركز الرصد الإعلامي” التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا كشف في تقرير نشر في مارس/ آذار الماضي أنّ وسائل الإعلام البريطانية استخدمت لغة منحازة لإسرائيل بخصوص الهجمات على قطاع غزة.
وجاء في التقرير الذي تناول منشورات 28 وسيلة إعلام خلال الشهر الأول من الحرب على غزة، أنّ وسائل الإعلام المذكورة استعملت عبارات “مجزرة ومذبحة ووحشية” لوصف الهجمات ضد الإسرائيليين، في 70% من نحو 177 ألف خبر مصور، مقابل عبارة “ما يقال إنها مجزرة” لوصف الاعتداءات على الفلسطينيين.
وأشار التقرير إلى أنّ وسائل الإعلام المذكورة وصفت الهجمات الإسرائيلية على غزة بنسبة 76% على أنها “حرب بين إسرائيل وحركة حماس”، فيما ظهرت عبارة “غزة المحتلة” 28 مرة فقط في جميع الأخبار. ولفت التقرير إلى أنّ التصريحات المتعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها كانت 5 أضعاف تلك المتعلقة بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم.
كما أوضح التقرير أن مزاعم “قطع حماس رؤوس رضع” وردت في نحو 360 خبراً مصوراً، 47% بالمئة منها نشرتها وسائل إعلام يمينية متطرفة مثل “سكاي نيوز” و “توك تي في” و “جي بي نيوز”.
نماذج صارخة من التحيز الإعلامي
في تصريح سابق لها، أكّدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين أن عدّة وسائل إعلام غربية تورطت في بث أكاذيب صارخة لصالح الحكومة الإسرائيلية، وساعدتها في تبرير العدوان وجرائم القتل ضد الفلسطينيين في غزة.
وذكر تقرير صادر عن النقابة أنّ كبرى وسائل الإعلام الغربية التي تدعي المهنية ارتكبت انتهاكات خطيرة دون تحقق وبشكل مقصود، وأشار التقرير إلى أنّ بعض تلك الوسائل الإعلامية تراجعت بعد انكشاف كذبها واعتذرت، والبعض الآخر لم يتراجع ولم يعتذر رغم انكشاف التزييف والخداع.
وذكرت تقارير صحفية أنّ بعض وسائل الإعلام الغربية تفرض على صحفييها ضغوطاً للامتثال لسياسة مالكيها. فعلى سبيل المثال، طلبت صحيفة “نيويورك تايمز” من مراسليها عدم استخدام كلمات مثل “إبادة جماعية” و”مذبحة” و”تطهير عرقي” عند مناقشة تصرفات إسرائيل. كما حظرت استخدام مصطلحات مثل “مخيم اللاجئين”، أو “الأراضي المحتلة”، أو حتى “فلسطين”.
ومن الأمثلة على التحيز الإعلامي ما نقلته صحيفة “بي بي إس” الأمريكية من ادعاءات تبين لاحقاً أنها كاذبة، ولكن جرى ترويجها على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حول وقوع حالات اغتصاب وحرق في صفوف النساء اللواتي تمّ أسرهن، وجرى التأكد لاحقاً من كذب هذه الرواية، وتراجع متحدث الجيش الإسرائيلي عما ذكره رئيس وزرائه.
ومن نماذج الانتهاكات والسقطات الإعلامية الكبرى في وسائل الإعلام تقارير إخبارية على قناة “I24” الإسرائيلية حيث أشارت مراسلتها “نيكول زيديك” إلى وجود عدد من الرضع عثر عليهم مقطوعي الرأس في مستوطنة “كفار عزا”، وتم تناقل الخبر حتى على لسان الرئيس الامريكي جو بايدن الذي تبنى الرواية وكررها، وهذا قبل أن تتراجع المراسلة نفسها عن ادعاءاتها.
وكذّب الصحافي الإسرائيلي “أورن زائيف” من خلال صفحته في مواقع التواصل الاجتماعي ما حدث، مؤكدا أنه شارك في الجولة الإعلامية، ونافيا وجود أي دليل على قتل “حماس” للرضع، وأوضح قائلاً: “الضباط الإسرائيليون لم يذكروا أي حادث من هذا القبيل”.
وفي الإعلام البريطاني، ادعت صحيفة “ذا ميرور” مقتل فنانة على يد من وصفتهم بـ”الإرهابيين”، لتخرج والدتها وتتحدث لصحيفة “الإندبندنت” البريطانية قائلة إنّ ابنتها على قيد الحياة في مستشفى بغزة.
كما انحازت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إلى الرواية الإسرائيلية في مرّات عديدة، فقد استخدمت أثناء تغطيتها للحرب كلمة “ماتوا” للإشارة إلى من الشهداء الفلسطينيين في غزة، وكلمة “قُتلوا” لوصف القتلى الإسرائيليين.
أمّا شبكة “سي إن إن”، فقد نشرت بتاريخ 12 أكتوبر أنّ مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نشر عبر حسابه على منصة “إكس” 3 صور، يقول إنّها “صور مروعة لأطفال قتلوا وحرقوا”، ولاحقا فضح الكذبة الصحافي الأمريكي “جاكسون هينكل” الذي أثبت أنّها صورة لكلب في عيادة طبيب بيطري تم تزييفها باستخدام التكنولوجيا”.
ونشرت “لوس أنجلوس تايمز” الأمريكية أخباراً غير موثقة عن عمليات اغتصاب للنساء، وصحيفة “ديلي ميل” البريطانية نقلت أخباراً كاذبة عن مراسلة إحدى القنوات الإسرائيلية بأن مسؤولين إسرائيليين قالوا “إنهم عثروا على جثث لأربعين رضيعاً برؤوس مقطوعة في مستوطنة كفار عزا”، دون التدقيق من قبل الصحيفة البريطانية.
وكشف تحقيق أجراه موقع “ذا غراي زون” الأميركي المستقل، أن ادعاء قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين مصدره جندي إسرائيلي يُدعى “ديفيد بن صهيون”، وقد تم التعريف به خلال مقابلة أجرتها معه “I24” الإسرائيلية بصفته “زعيماً استيطانياً متطرفاً”، وأشار التحقيق إلى تراجع وسائل إعلام وصحفيين عن تقارير أولية بهذا الشأن بعد أن تعذر إثبات الادعاء بقطع رؤوس الأطفال، من بينها صحيفة “الإندبندنت” البريطانية وقناة “سي إن إن” الأميركية.
وفي تحيّز واضح مصحوب بصور مضللة، نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريراً يوم 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تحت عنوان كبير: “إسرائيل تعرض صور أطفال مشوهين”، وأظهرت الصورة الرئيسية للتقرير أطفالاً مصابين، بينما كان التعليق أسفل الصورة بخط صغير: “أطفال فلسطينيون أصيبوا بقصف جوي يجلسون في مستشفى الشفاء”.
أطفال فلسطينيون نقلوا إلى مستشفى الشفاء بغزة بعد إصابتهم بقصف إسرائيلي
وفي 19 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، استهدفت غارة جوية إسرائيلية كنيسة القديس “برفيريوس” في مدينة غزة، حيث لجأ مئات النازحين. وفي وصفها للهجوم، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” عنواناً رئيساً “وقوع انفجار في حرم الكنيسة الأرثوذكسية في غزة”، محوّلة أحد أسوأ الاعتداءات الإسرائيلية إلى حادث مؤسف، دون الإشارة أو التلميح إلى أنّ “الانفجار” قد يكون ناتجاً من هجوم للجيش الإسرائيلي.
وبالرغم من كل الجهود التي يبذلها والأموال التي ينفقها في مجال التضليل الإعلامي، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي لا يستطيع أن يخفي جرائمه التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، كما لا ننسى دور “الإعلام المقاوم” الذي يساهم في بيان الحقيقة وفضح افتراءات الاحتلال.