المثقف في زمن المقاومة بين النقد المسؤول والانحياز الأخلاقي
رامي الشقرة
في لحظات المواجهة الحاسمة التي تخوضها الشعوب المستعمَرة ضد قوى الاحتلال والإبادة، يُستدعى المثقف إلى موقعه الطبيعي والتاريخي، لا كمراقب على الهامش، بل كفاعل مشارك في معركة الوعي والموقف. لم يعد كافيًا للمثقف أن يلوذ بمناطق الراحة الفكرية أو أن يتذرّع بالموضوعية الحيادية، فهذه الحيادية في زمن القتل تصبح موقفًا سياسيًا بحد ذاتها، وأحيانًا خيانة مقنّعة.
حين يكون العدو واضحًا في عدوانه، لا يكتفي باحتلال الأرض بل يسعى إلى سحق الشعب ومحو هويته، فإن للمثقف دورًا مركزيًا في مواجهة هذا المشروع، ليس فقط عبر الدفاع عن حق المقاومة، بل عبر خوض معركة الوعي والتأريخ والتأويل. هنا، لا تُقاس ثقافة المثقف بكمّ الكتب التي قرأها أو ألّفها، بل بقدر انحيازه للناس، للعدالة، ولحلم التحرر.
ومع ذلك، فإن الانحياز لا يعني تعليق الوظيفة النقدية للمثقف، بل يستدعي إعادة تعريفها ضمن السياق النضالي. فالمثقف الثوري لا يكون بوقًا للمقاومة، بل عقلها الناقد، وضميرها الذي يحرس مسارها من الانحراف أو الاستغلال. النقد هنا لا يُمارَس من موقع فوقي أو ادعاء بالتفوق الأخلاقي، بل من موقع الشراكة والمسؤولية. المقاومة ليست معصومة من الخطأ، فهي فعل بشري، يتعثر ويخطئ، لكن محاسبته لا تكون على رؤوس الأشهاد أو في توقيت يُستثمر فيه النقد لتقويض شرعيتها.
لقد شهدنا في تجارب متعددة كيف تحوّل بعض المثقفين إلى أدوات في يد القوى المعادية، حين استغلوا أخطاء المقاومة أو انحرافات بعض فصائلها لتسفيه المشروع برمّته. هؤلاء لا يمارسون النقد، بل يمارسون الهدم الممنهج. وهم بذلك يخونون ليس فقط قضية شعبهم، بل جوهر الثقافة التي يفترض أن تُبنى على الموقف الأخلاقي لا على الحسابات الفئوية أو الأجندات الممولة.
المثقف النبيل، في المقابل، يدرك أن معركته ليست مع البندقية التي تواجه العدو، بل مع الجهل، مع التزييف، مع خطاب المساواة الزائفة بين الجلاد والضحية. يدرك أن كلمته سلاح، وأن صمته موقف، وأن الحياد المستتر تواطؤ صريح. لذا، حين تقاتل المقاومة، يُنتظر من المثقف أن يكتب لا ليزين المشهد، بل ليمنحه العمق، أن ينتقد لا ليتشفى، بل ليصلح، وأن يصرخ لا ليسمع صدى صوته، بل ليكسر الصمت المتواطئ.
والأهم من ذلك، أن المثقف لا يكتفي بتوصيف الواقع أو انتقاد الأداء، بل يسهم في بناء الوعي الجمعي، في تثبيت السردية الوطنية، في كشف الأكاذيب التي يصوغها العدو عبر إعلامه ومؤسساته وأتباعه. إن معركة الرواية لا تقل أهمية عن معركة الميدان، والمثقف هو خط الدفاع الأول في هذه المعركة. فكل رواية مزيفة تمر، وكل تهمة تُغرس في وعي الناس ضد مقاوميهم، هي رصاصة أخرى في صدور الضحايا.
إن العلاقة بين المثقف والمقاومة يجب أن تُبنى على الوضوح والثقة. فالمثقف لا يجب أن يهادن الفساد داخل الصف الوطني، ولا أن يُطوّع ضميره لخدمة حزب أو فصيل. لكن عليه أن يدرك في الوقت ذاته أن مقاومة تُقاتل نيابة عن الجميع، وتدفع الثمن بدمها، تستحق أن تُنتقد بحب، وتُقوَّم من داخل الخندق، لا من خارج الساحة.
في المحصلة، إن المثقف الحقيقي هو المثقف الذي لا تضلّ بوصلته، الذي يظل وفيًّا لشعبه، ويعرف أن الكلمة موقف، وأن الموقف سلاح، وأن كل لحظة يختار فيها الصمت في وجه العدوان، هي لحظة خسر فيها شرف الكلمة. فإما أن يكون المثقف صوتًا للحرية، أو مجرد صدى للهيمنة
رامي الشقرة
في لحظات المواجهة الحاسمة التي تخوضها الشعوب المستعمَرة ضد قوى الاحتلال والإبادة، يُستدعى المثقف إلى موقعه الطبيعي والتاريخي، لا كمراقب على الهامش، بل كفاعل مشارك في معركة الوعي والموقف. لم يعد كافيًا للمثقف أن يلوذ بمناطق الراحة الفكرية أو أن يتذرّع بالموضوعية الحيادية، فهذه الحيادية في زمن القتل تصبح موقفًا سياسيًا بحد ذاتها، وأحيانًا خيانة مقنّعة.
حين يكون العدو واضحًا في عدوانه، لا يكتفي باحتلال الأرض بل يسعى إلى سحق الشعب ومحو هويته، فإن للمثقف دورًا مركزيًا في مواجهة هذا المشروع، ليس فقط عبر الدفاع عن حق المقاومة، بل عبر خوض معركة الوعي والتأريخ والتأويل. هنا، لا تُقاس ثقافة المثقف بكمّ الكتب التي قرأها أو ألّفها، بل بقدر انحيازه للناس، للعدالة، ولحلم التحرر.
ومع ذلك، فإن الانحياز لا يعني تعليق الوظيفة النقدية للمثقف، بل يستدعي إعادة تعريفها ضمن السياق النضالي. فالمثقف الثوري لا يكون بوقًا للمقاومة، بل عقلها الناقد، وضميرها الذي يحرس مسارها من الانحراف أو الاستغلال. النقد هنا لا يُمارَس من موقع فوقي أو ادعاء بالتفوق الأخلاقي، بل من موقع الشراكة والمسؤولية. المقاومة ليست معصومة من الخطأ، فهي فعل بشري، يتعثر ويخطئ، لكن محاسبته لا تكون على رؤوس الأشهاد أو في توقيت يُستثمر فيه النقد لتقويض شرعيتها.
لقد شهدنا في تجارب متعددة كيف تحوّل بعض المثقفين إلى أدوات في يد القوى المعادية، حين استغلوا أخطاء المقاومة أو انحرافات بعض فصائلها لتسفيه المشروع برمّته. هؤلاء لا يمارسون النقد، بل يمارسون الهدم الممنهج. وهم بذلك يخونون ليس فقط قضية شعبهم، بل جوهر الثقافة التي يفترض أن تُبنى على الموقف الأخلاقي لا على الحسابات الفئوية أو الأجندات الممولة.
المثقف النبيل، في المقابل، يدرك أن معركته ليست مع البندقية التي تواجه العدو، بل مع الجهل، مع التزييف، مع خطاب المساواة الزائفة بين الجلاد والضحية. يدرك أن كلمته سلاح، وأن صمته موقف، وأن الحياد المستتر تواطؤ صريح. لذا، حين تقاتل المقاومة، يُنتظر من المثقف أن يكتب لا ليزين المشهد، بل ليمنحه العمق، أن ينتقد لا ليتشفى، بل ليصلح، وأن يصرخ لا ليسمع صدى صوته، بل ليكسر الصمت المتواطئ.
والأهم من ذلك، أن المثقف لا يكتفي بتوصيف الواقع أو انتقاد الأداء، بل يسهم في بناء الوعي الجمعي، في تثبيت السردية الوطنية، في كشف الأكاذيب التي يصوغها العدو عبر إعلامه ومؤسساته وأتباعه. إن معركة الرواية لا تقل أهمية عن معركة الميدان، والمثقف هو خط الدفاع الأول في هذه المعركة. فكل رواية مزيفة تمر، وكل تهمة تُغرس في وعي الناس ضد مقاوميهم، هي رصاصة أخرى في صدور الضحايا.
إن العلاقة بين المثقف والمقاومة يجب أن تُبنى على الوضوح والثقة. فالمثقف لا يجب أن يهادن الفساد داخل الصف الوطني، ولا أن يُطوّع ضميره لخدمة حزب أو فصيل. لكن عليه أن يدرك في الوقت ذاته أن مقاومة تُقاتل نيابة عن الجميع، وتدفع الثمن بدمها، تستحق أن تُنتقد بحب، وتُقوَّم من داخل الخندق، لا من خارج الساحة.
في المحصلة، إن المثقف الحقيقي هو المثقف الذي لا تضلّ بوصلته، الذي يظل وفيًّا لشعبه، ويعرف أن الكلمة موقف، وأن الموقف سلاح، وأن كل لحظة يختار فيها الصمت في وجه العدوان، هي لحظة خسر فيها شرف الكلمة. فإما أن يكون المثقف صوتًا للحرية، أو مجرد صدى للهيمنة