تحريض إسرائيلي على الأعمال الخيرية لتركيا في القدس المحتلة
عربي 21
رغم التطبيع التدريجي للعلاقات التركية الإسرائيلية بعد سنوات طويلة من التوتر والقطيعة، فإن دولة الاحتلال لا تخفي قلقها من جهود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استثمار المليارات، وتحويل شوارع كاملة في القدس المحتلة إلى معاقل لدعمه، من خلال وكالة المساعدات التركية المرتبطة بعلاقات بشخصيات معادية للاحتلال.
بداية التحريض الإسرائيلي تكمن في أن جولة سريعة في الأزقة الضيقة للحي الإسلامي بالمدينة القديمة في القدس المحتلة، تكشف عن حجم انتشار الأعلام التركية، وصور أردوغان، والملصقات والكتب بالخط التركي، والرمز الأحمر مع الهلال والنجمة الذي يزين كل متر مربع على الجدران..
حتى إن أحد الشوارع المركزية في شرق المدينة، وربما الأكثر ازدحامًا خارج جدران المدينة القديمة، شارع صلاح الدين، أصبح بشكل أكثر وضوحًا يزخر بالأعلام التركية في الشوارع، وشراء الكباب والشاورما التركية في المطاعم المحلية، بل تعلم اللغة التركية في المدرسة القريبة، والاستمتاع بالموسيقى التركية التقليدية.
يانون شالوم يتاح مراسل موقع "واللا" العبري ذكر أن "هذا الواقع ليس جديدًا، فقد ظهرت التقارير الأولى عن الآثار التركية في القدس المحتلة منذ أكثر من عقدين، وبات المقدسيون يرون أردوغان آخر رجل في الشرق الأوسط، مستمرا على خطى الإمبراطورية العثمانية، والنظر إليه كزعيم إسلامي تاريخي، وفقا لما يوضحه ديفيد كورين رئيس أبحاث السياسات بمعهد القدس.. والمبالغ التي يستثمرها هنا تتناسب تمامًا مع أيديولوجيته كمن يحتاج لحماية رموز الإسلام بنفسه".
وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أن "المقدسيين ينظرون إلى أردوغان على أنه منقذهم وحاميهم، فهم لا يتعاطفون مع إسرائيل من جهة، وفي الوقت ذاته غاضبون من السلطة الفلسطينية، والزعيم التركي ينجح في دخول الفراغ الناشئ بأناقة، ولذلك فهم يعتبرونه آخر رجل في الشرق الأوسط، الوحيد القادر على تغيير الأشياء ونقلها من الصورة الأسطورية التي بناها لنفسه، إلى واقع ميداني من خلال إحياء محركاته، ولأكثر من عقدين من الزمن اختار استثمار المليارات في شرق القدس، وترميم المنازل التي هي على وشك الانهيار، وتمويل المخيمات الصيفية للأسر ذات الدخل المنخفض، ودعم الأعمال التجارية التي تترنح تحت العبء الاقتصادي".
وأوضح أن "الأموال التركية يتم تحويلها عبر وكالة المعونة التركية "تيكا" التي تتدفق أموالها للمقدسيين، وارتبط اسمها بمنظمات معادية لإسرائيل خاصة IHH لحقوق الإنسان والحريات والمساعدات الإنسانية، المسؤولة عن أسطول مرمرة نحو غزة 2010، وأنجزت مئات المشاريع في أنحاء القدس، منها افتتاح مركز "يبوس" للثقافة التركية، ووجبات إفطار مشتركة في رمضان مع كبار الشخصيات المقدسية، وخاصة الشيخ عكرمة صبري".
وأشار إلى أن "مؤسسات الدعم التركية تقوم بترميم منازل على وشك الانهيار في البلدة القديمة بالقدس، ودعم مدارس الأيتام والأرامل، ومساعدة الأطفال في الفصول الدراسية، وعرض منح دراسية عليهم، وفقا لما كشفه ران يشاي السفير الإسرائيلي السابق لدى كازاخستان، الذي اتهم أردوغان بتعزيز الموقف الفلسطيني ضد محاولات إضفاء الطابع الإسرائيلي على المدينة المقدسة"، وقال: "صحيح أنه لا ينوي أحد صبّ الماء المغلي على الوضع بين تركيا وإسرائيل، لكن اللهب يتصاعد تحت السطح، والمرجل آخذ بالسخونة تدريجياً".
وأوضح أن "أردوغان يعتبر إنفاق الأموال في القدس مهمة وطنية، لأنه يستهدف ثلاثمائة ألف مقدسي، كمن يجلس على منجم ذهب استراتيجي، فالسيطرة على القدس عابرة للحدود الدولية، والجميع يريد وضع أمواله في الأراضي المقدسة، بدءًا بالكنيسة الروسية، والآثار الإغريقية، والنفوذ الألماني والإيطالي، فتجديد الشوارع يتم بأموال أردنية، وصندوق صيانة الأرض بأموال مغربية، وتجديد المساجد بأموال قطرية، مع تقارير عن نفوذ سعودي، لكن أردوغان نجح في الحصول على تعاطف المقدسيين، وباتت لديه معاقل كاملة بينهم، مثل حي الطور".
وكشف أنه "منذ تدهور الوضع الاقتصادي في تركيا فقد تناقصت قدرتها المالية على تمويل أنشطتها الخارجية، ومنها القدس، لكن المشكلة الإسرائيلية ليست في إيقاف مشاركة "تيكا" في مؤسسات خيرية بالقدس، بل في إحضار البديل المناسب الذي يهتم بهم، وبعد عامين صعبين نسبيًا في الاقتصاد التركي بسبب الأزمة المالية وفيروس كورونا ظهر شعور إسرائيلي بأنهم اتخذوا خطوة للوراء، لكن تركيا تعود بشكل كبير، بتقديم المساعدة الاجتماعية، وترميم المنازل، ومساعدة الفقراء، وهي مسألة وقت فقط كي نكشف حجم التدخل التركي في القدس المحتلة، الذي لا يمر مرور الكرام دون ملاحظة وزارة الخارجية".
موشيه كانفي نائب القنصل العام السابق في إسطنبول، زعم أن "زيادة النفوذ التركي في القدس المحتلة تثير "توازن رعب" بين إسرائيل وتركيا، بعيدا عن علاقات الحب والكراهية، فهما تفهمان أنهما يدينان لبعضهما، تدرك تركيا مدى أهمية ذلك لها، فيما ردت وزارة الخارجية على هذا التقرير بالقول إن الموضوع قيد البحث، والسياسة الرسمية تكمن في منع أي تدخل خارجي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".
تكمن دوافع التحريض الإسرائيلي على النشاط التركي في القدس المحتلة في أن تأثيره بين المقدسيين يثير قلق الاحتلال منذ سنوات، بحيث يمكن رؤية الأعلام التركية في المواقع المقدسية، والمطاعم التي تحمل أسماء إسطنبول، وفي السنوات الأخيرة باتت تركيا الوجهة المفضلة لعشرات آلاف الفلسطينيين من سكان القدس.
مع العلم أن هناك توافقا بين مختلف دوائر صنع القرار الإسرائيلي حولها، ما يجعل من هذا النشاط تهديداً للأمن القومي للاحتلال، وهي قد تصبّ مزيدا من الزيت على نار العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في العديد من الملفات الشائكة، رغم أنها في طور التطبيع التدريجي.
عربي 21
رغم التطبيع التدريجي للعلاقات التركية الإسرائيلية بعد سنوات طويلة من التوتر والقطيعة، فإن دولة الاحتلال لا تخفي قلقها من جهود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في استثمار المليارات، وتحويل شوارع كاملة في القدس المحتلة إلى معاقل لدعمه، من خلال وكالة المساعدات التركية المرتبطة بعلاقات بشخصيات معادية للاحتلال.
بداية التحريض الإسرائيلي تكمن في أن جولة سريعة في الأزقة الضيقة للحي الإسلامي بالمدينة القديمة في القدس المحتلة، تكشف عن حجم انتشار الأعلام التركية، وصور أردوغان، والملصقات والكتب بالخط التركي، والرمز الأحمر مع الهلال والنجمة الذي يزين كل متر مربع على الجدران..
حتى إن أحد الشوارع المركزية في شرق المدينة، وربما الأكثر ازدحامًا خارج جدران المدينة القديمة، شارع صلاح الدين، أصبح بشكل أكثر وضوحًا يزخر بالأعلام التركية في الشوارع، وشراء الكباب والشاورما التركية في المطاعم المحلية، بل تعلم اللغة التركية في المدرسة القريبة، والاستمتاع بالموسيقى التركية التقليدية.
يانون شالوم يتاح مراسل موقع "واللا" العبري ذكر أن "هذا الواقع ليس جديدًا، فقد ظهرت التقارير الأولى عن الآثار التركية في القدس المحتلة منذ أكثر من عقدين، وبات المقدسيون يرون أردوغان آخر رجل في الشرق الأوسط، مستمرا على خطى الإمبراطورية العثمانية، والنظر إليه كزعيم إسلامي تاريخي، وفقا لما يوضحه ديفيد كورين رئيس أبحاث السياسات بمعهد القدس.. والمبالغ التي يستثمرها هنا تتناسب تمامًا مع أيديولوجيته كمن يحتاج لحماية رموز الإسلام بنفسه".
وأضاف في تقرير ترجمته "عربي21" أن "المقدسيين ينظرون إلى أردوغان على أنه منقذهم وحاميهم، فهم لا يتعاطفون مع إسرائيل من جهة، وفي الوقت ذاته غاضبون من السلطة الفلسطينية، والزعيم التركي ينجح في دخول الفراغ الناشئ بأناقة، ولذلك فهم يعتبرونه آخر رجل في الشرق الأوسط، الوحيد القادر على تغيير الأشياء ونقلها من الصورة الأسطورية التي بناها لنفسه، إلى واقع ميداني من خلال إحياء محركاته، ولأكثر من عقدين من الزمن اختار استثمار المليارات في شرق القدس، وترميم المنازل التي هي على وشك الانهيار، وتمويل المخيمات الصيفية للأسر ذات الدخل المنخفض، ودعم الأعمال التجارية التي تترنح تحت العبء الاقتصادي".
وأوضح أن "الأموال التركية يتم تحويلها عبر وكالة المعونة التركية "تيكا" التي تتدفق أموالها للمقدسيين، وارتبط اسمها بمنظمات معادية لإسرائيل خاصة IHH لحقوق الإنسان والحريات والمساعدات الإنسانية، المسؤولة عن أسطول مرمرة نحو غزة 2010، وأنجزت مئات المشاريع في أنحاء القدس، منها افتتاح مركز "يبوس" للثقافة التركية، ووجبات إفطار مشتركة في رمضان مع كبار الشخصيات المقدسية، وخاصة الشيخ عكرمة صبري".
وأشار إلى أن "مؤسسات الدعم التركية تقوم بترميم منازل على وشك الانهيار في البلدة القديمة بالقدس، ودعم مدارس الأيتام والأرامل، ومساعدة الأطفال في الفصول الدراسية، وعرض منح دراسية عليهم، وفقا لما كشفه ران يشاي السفير الإسرائيلي السابق لدى كازاخستان، الذي اتهم أردوغان بتعزيز الموقف الفلسطيني ضد محاولات إضفاء الطابع الإسرائيلي على المدينة المقدسة"، وقال: "صحيح أنه لا ينوي أحد صبّ الماء المغلي على الوضع بين تركيا وإسرائيل، لكن اللهب يتصاعد تحت السطح، والمرجل آخذ بالسخونة تدريجياً".
وأوضح أن "أردوغان يعتبر إنفاق الأموال في القدس مهمة وطنية، لأنه يستهدف ثلاثمائة ألف مقدسي، كمن يجلس على منجم ذهب استراتيجي، فالسيطرة على القدس عابرة للحدود الدولية، والجميع يريد وضع أمواله في الأراضي المقدسة، بدءًا بالكنيسة الروسية، والآثار الإغريقية، والنفوذ الألماني والإيطالي، فتجديد الشوارع يتم بأموال أردنية، وصندوق صيانة الأرض بأموال مغربية، وتجديد المساجد بأموال قطرية، مع تقارير عن نفوذ سعودي، لكن أردوغان نجح في الحصول على تعاطف المقدسيين، وباتت لديه معاقل كاملة بينهم، مثل حي الطور".
وكشف أنه "منذ تدهور الوضع الاقتصادي في تركيا فقد تناقصت قدرتها المالية على تمويل أنشطتها الخارجية، ومنها القدس، لكن المشكلة الإسرائيلية ليست في إيقاف مشاركة "تيكا" في مؤسسات خيرية بالقدس، بل في إحضار البديل المناسب الذي يهتم بهم، وبعد عامين صعبين نسبيًا في الاقتصاد التركي بسبب الأزمة المالية وفيروس كورونا ظهر شعور إسرائيلي بأنهم اتخذوا خطوة للوراء، لكن تركيا تعود بشكل كبير، بتقديم المساعدة الاجتماعية، وترميم المنازل، ومساعدة الفقراء، وهي مسألة وقت فقط كي نكشف حجم التدخل التركي في القدس المحتلة، الذي لا يمر مرور الكرام دون ملاحظة وزارة الخارجية".
موشيه كانفي نائب القنصل العام السابق في إسطنبول، زعم أن "زيادة النفوذ التركي في القدس المحتلة تثير "توازن رعب" بين إسرائيل وتركيا، بعيدا عن علاقات الحب والكراهية، فهما تفهمان أنهما يدينان لبعضهما، تدرك تركيا مدى أهمية ذلك لها، فيما ردت وزارة الخارجية على هذا التقرير بالقول إن الموضوع قيد البحث، والسياسة الرسمية تكمن في منع أي تدخل خارجي في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني".
تكمن دوافع التحريض الإسرائيلي على النشاط التركي في القدس المحتلة في أن تأثيره بين المقدسيين يثير قلق الاحتلال منذ سنوات، بحيث يمكن رؤية الأعلام التركية في المواقع المقدسية، والمطاعم التي تحمل أسماء إسطنبول، وفي السنوات الأخيرة باتت تركيا الوجهة المفضلة لعشرات آلاف الفلسطينيين من سكان القدس.
مع العلم أن هناك توافقا بين مختلف دوائر صنع القرار الإسرائيلي حولها، ما يجعل من هذا النشاط تهديداً للأمن القومي للاحتلال، وهي قد تصبّ مزيدا من الزيت على نار العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في العديد من الملفات الشائكة، رغم أنها في طور التطبيع التدريجي.