بسم الله الرحمن الرحيم
أرض الطمأنينة .. قصة للفتيان .. للكاتب الروائي زياد غزال فريحات
في غابة جميلة مليئة بالأشجار المثمرة ، والأنهار التي تجري خلالها ، كانت تعيش مجموعات من القرود يتميزون بالأخلاق الكريمة ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف ، فهذه الصفات جعلتهم جماعة متماسكة ومتعاطفة مع بعضها البعض ، وفي ليلة غاب عنها القمر اجتمع القرود في ساحة كبيرة في طرف الغابة تسمى ساحة النصر ، ففي هذه الساحة دارت معركة انتصر فيها القرود على الغزاة وطردوهم من الغابة ، وبينما يحتفل القرود بذكرى النصر مسرورين ، يجلس قسم منهم على جبل شاهق يعتبر نهاية الغابة ، والقسم الأخر في الساحة ، تضيء عتمة ليلهم نيران كبيرة وضعت في زوايا الساحة ، وفي غمرة الاحتفال هبت ريح اشتدت شيئاً فشيئاً ، وأخذت النيران تنطفئ واحدة تلو الأخرى ، حتى خيم ظلام دامس على الغابة بأسرها والرياح تزداد قوة ، فبدأت بعض القرود بالصراخ ، ومع الظلام الدامس وقوة الرياح ازدادت وتيرة الصراخ ، وفي وسط الصراخ صاح أحد القرود:
- : ما هذا إنه وحش كبير.
وعند سماع كلمة وحش كبير وسط الظلام الحالك والرياح القوية ، صاحت بعض القرود خائفةً :
- : ماذا وحش كبير ... إني لا أراه .
-: هذا ليس وحشاً إنه غول ... غول
... : إني لا أرى شيئاً .
- : غول .. غول .. اهربوا خلف الجبل ، اهربوا خلف الجبل .. حتى لا يأكلكم الغول ، اهربوا خلف الجبل بسرعـــــة .
وهرب الجميع من الغابة ، خلف الجبل المحاذي لغابتهم وتجمعوا عند الفجر حول شجرة كبيرة في وادي أشجاره قليلة ومياهه شحيحة ، ومضت الأيام وهم في الوادي لا يقتربون من غابتهم التي تبعد عنهم مسافة قليلة خوفاً من الغول ، وأصبح اليوم الذي خرجوا فيه من غابتهم ذكرى يتذاكرونها كل عام ، وفي الذكرى الخامسة لهذا اليوم اجتمع القرود حول الشجرة وتقدم عجوز ببطء ثم وقف على جذع شجرة مرتفع عن الأرض وخاطب الجميع قائلاً :
-: في هذا اليوم الذي أنجانا الله فيه من الموت ، نحتفل في كل عام ونتذكر إخواننا الذين أكلهم الغول ونقوم بغسل الشجرة المباركة التي حمتنا طوال هذه السنوات ، أيتها القرود الأبطال علينا أن نجدد العهد الذي أخذناه على أنفسنا بعدم الذهاب إلى غابتنا التي يسكنها الغول حيث النهر الصافي والأشجار المثمرة لأن الذهاب إلى هناك يعني الموت.
بقي القرد العجوز واقفاً على جذع الشجرة ، وبعض القرود تؤكد كلامه وتتضامن مع موقفه بشدة .
- مســــرع : لن يجرؤ أحد على الذهاب إلى الغول بقدميه فالنهر الصافي والأشجار اليانعة أصبح المساس بها يعني إثارة غضب الغول .
- نافــــــز : ونحن لا نريد إثارة غضبه ، فغضبه لا يقاوم .
- ناهـــض : حتى لو حاول أحد الذهاب سوف نمنعه جميعاً ونقف سداً منيعا لصده .
- العجوز : لن يحاول أحد ذلك أنظر في وجوه القرود صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً ترى الخوف والرعب بادياً على وجوههم وما في قلوبهم أشد وأكبر .
وبينما هم كذلك دخل عليهم أحد القرود مستغيثاً ، يملؤه الخوف والفزع .
-: يا الوادي... أنقذوني ... أنقذوا بيتي .. بيتي يحترق .. بيتي يحترق .
ورغم الاستغاثة المحزنة للقرد إلا أن القرود استقبلتها ببرود شديد وعدم مبالاة ، فاتجه نحو القرد العجوز وأمسك بيده متوسلاً .
*- : أطلب من القرود أن يأتوا معي لإطفاء البيت ... أرجوك .
- القرد العجوز : أيتها القرود من يستطيع منكم الذهاب فليذهب ومن يتبق يغسل معنا الشجرة المباركة .
ولكن القرود بقيت واقفة ، والقرد ينظر إليها بحسرة ، فنهره القرد ناهض قائلاً :
- : لقد قال لك القرد العجوز .. إننا نريد أن نغسل الشجرة المباركة .
وعندما أدرك القرد عدم جدوى استغاثاته ، صرخ بالجميع .
*- كلكم ستغسلون الشجرة المباركة ، لماذا قلوبكم ميتة ، ما هذه الأنانية التي أغرقتكم ، ما هذه اللامبالة التي غطتكم ، ألا تحسون أن أجسادكم باردة جداً ؟
ومشى القرد الحزين ليغادر ، فناداه اسمه قائم أثّر فيه الموقف و الكلمات ، وقرر أن يذهب معه لمحاولة إخماد الحريق ، وبعد أن غادر القردين سخر منهما بعض القرود بقولهم :
*-: أنا لست أنانياً ولكن أخشى أن تحرقني النار ، كما أنني لا أجيد إطفاء الحرائق .
- : لا أدري لماذا جاء يستغيث وهو يعلم أن الوادي تعودت الابتعاد عن كل ما فيه خطر ، هذا أصبح طبعاً فينا جميعاً.
- القرد العجوز : هيا لنبدأ بغسل الشجرة المباركة ولنغني أغنية الأمان.
- القرد ناهض : لا أدري لولا هذه الشجرة كيف أصبح حالنا فربما أصبحنا في بطن الغول ، يجب علينا أن نحافظ على هذه الشجرة كما نحافظ على أبنائنا ولنغن أغنية الأمان . ويبدؤون غسل الشجرة وينشدون معا ً:
نكره نكره من يجازف
يتصدى للموج الجارف
ويحاول أن يصبح بطلا
ونحب المنهزم الخائف
نقنع بالنظر إلى الأسفل
لا نحلم بالأفق الأجمل
ونحب العيش بلا أمل
لا نطمع أن نصبح أفضل
نتقن مشيا نحو الخلف
نتمسك دوما بالخوف
ونخاف طموحا ومسيرا
لأمام نخشى من طيف
نكره أن نصبح أبطالا
أو نصعد للمجد جبالا
ونخبئ في الأرض رؤوسا
كنعام تختبئ رمالا
هذه الإنشودة تعبر عما أحدث فيهم الخوف من غير الله عز وجل ، فبعد أن كانوا يتميزون بالنخوة والشهامة والتعاطف فيما بينهم انقلبوا إلى العكس بسبب الخوف من غير الله عز وجل .
ومضت الأيام وجاء موسم خفت فيه الأمطار ، فدب الرعب في قلوبهم فهم أصبحوا يخافون ، من مجرد الاحتمالات فقط ، فقال القرد العجوز لمن حوله:
*- : إذا لم ينزل المطر خلال هذه السنة بكثافة فإن ماء البئر لن يكفينا .
- القرد نافز : وبالتالي لن تكفينا أوراق الأشجار وأعشاب الوادي لا بد أن نفكر في شيء بديل .
وأثناء حديثهم يدخل قرد ليس من أهل الوادي ، يمشي ببطء وتثاقل ، ينظر في وجوه القرود مستغرباً وكأنه يبحث عن شيء ما أو أحد ما .. يقترب من القرد العجوز ، وينظر في وجهه فيصرخ العجوز بأعلى صوته مرتعباً .
*- : ابتعدوا .. ابتعدوا ابتعدوا سريعاً هذه روح القرد ضارب الذي أكله الغول ، إنها روح مؤذية .
فيبتعد الجميع مذعورين ولكن القرد ضارب يناديهم : إلى أين تذهبون ، أنا ضارب لماذا تبتعد يا صديقي العجوز كاسر ، تعال إلي يا ناهض ، اقترب يا نافز ، الحمد الله وجدت أهلي ، ما بالكم ، ولماذا أتيتم إلى هنا .
يقترب ضارب شيئاً فشيئاً من القرد العجوز فيمسكه ويحتضنه فيبتعد العجوز خائفاً ، ويركض إلى الشجرة الكبيرة ، طالباً منها الحماية و يناجيها والخوف يملؤ قلبه .
-: أيتها الشجرة المباركة أبعدي عنا الأرواح الشريرة أبعدي عنا الشر والخطر ..... ماذا تريدين أيتها الروح ..؟ قولي .
-القرد ضارب : روح ماذا ؟ وشجر ماذا ؟ ما بالكم ، هل فقدتم صوابكم ؟ ما هذا الخوف والفزع الذي يبدو عليكم من قرد عجوز مثلي أنا القرد ضارب بلحمي ودمي ، لست روحاً أو جناً ،أنا قرد مثلكم ولست روحاً شريرة .
وظل القرد ضارب يحاول إقناعهم أنه ليس روحاً بل جسد ولكن دون جدوى فقد منعهم الخوف من غير الله عز وجل من استخدام عقولهم ، وجعلهم يلجؤون لشجرة جامدة لا تضر ولا تنفع ، فاضطر ضارب إلى إخراج سكين ، وجرح يده ليقنعهم أنه جسد وليس روح ، فشهقت القرود خوفاً وهي ترى الدماء تقطر على الأرض ونظر إلى القرود وقال :
- بعد هذه الدماء ، هل أنا جسد أم روح.
فاقترب منه القرد قائم الذي شارك في إطفاء حريق بيت أحد القرود ، اقترب منه بحذر شديد ، وأمسكه بيديه ، ولمس الدماء ، وقال بصوت تسمعه كل القرود .
- : نعم أنت قرد مثلنا ، ودمك مثل دمنا ، إنك جسد وليست روح ، ولكن من أنت .
*- : ألم تعرفني أنا عمك يا قائم .
يتفحص قائم عمه فيدرك أنه عمه الكبير فقد تغير شكله كثيراً خلال خمس سنوات ، فيحضنه بهدوء ، ولكن عمه القرد يضع يده على رأسه ويشد رأسه إلى صدره بانفعال شديد ، فأحس قائم بحرارة المشاعر المفقودة في الوادي .
- القرد ضارب : أين أبوك .. أخي الصغير ؟
- القرد قائم : لقد توفي .
- القرد ضارب : وهل أنجب أبوك قرود .. غيرك ؟
- القرد قائم : نعم لي ثلاثة أخوة صغار سوف يسرون برؤيتك هيا لنذهب إليهم .
- القرد ضارب : قبل أن نذهب أريد أن أعرف لماذا تركتم المقام بجانب النهر والأشجار المثمرة وأتيتم إلى هذا الوادي الشحيح بالماء والأمطار
- القرد العجوز : حتــــــى لا يأكلـــنا الغـــــــول .
- القرد ضارب : أي غول؟؟!!
- القرد العجوز : الغول الذي هاجمنا في تلك الليلة التي فارقتنا فيها ، وأكل من أكل من أخواننا ولولا هذه الشجرة لأكلنا جميعاً .
- القرد ضارب : من هاجمنا في تلك الليلة ليس غولاً بل مجموعة من الصيادين وقد أسروا عددا من القرود كنت من بينهم ، ثم وضعونا في حديقة للحيوانات ينظر البشر إلينا ويقذفون لنا الطعام .
- القرد ناهض : وأين باقي القرود ، أين آباؤنا وأجدادنا ؟
- القرد ضارب : لقد توفوا جميعاً ، وفي حفلة أقيمت لمدير الحديقة بمناسبة انتهاء خدمته أهدوني إليه وهو من أطلقني على مسافة قصيرة من هنا فهو يعرف موطني .
- القرد قائم : إذا لا يوجد غول يا عمي !!!
- القرد ضارب : أبداً ... لا يوجد غول وقبل أن أجدكم ذهبت إلى حيث كنا نسكن وشربت من ماء النهر وشراب جوز الهند وأكلت الموز وسبحت بمياه النهر البارة الصافية .
في تلك اللحظة أحس جميع القرود بالصدمة ، ولكن الخوف من غير الله عزوجل جعلهم مترددين ، فرغم ما أثبته لهم القرد ضارب من عدم وجود الغول إلا أنهم لم يجرؤوا على التفكير بحرية لأن الخوف من غير الله عز وجل وضع عقولهم في سجن ، وفي نفس الوقت هم لا يستطيعوا تجاهل ما قاله القرد ضارب ، ومن الذين تجرؤوا على الكلام هو القرد قائم فتسائل :
*- : هل يعقل أننا كنا نعيش في وهم الخوف والرعب الذي كان يملؤنا ، كان من لا شيء .. هل يعقل هذا ؟؟
- القرد ناهض : أنا لا أصدق ذلك ، ربما أن الغول لم يرَ عمنا وهذا لا يعني أن الغول غير موجود .
- القرد العجوز : نعم ، هذا لا يعني أن الغول غير موجود
- القرد قائم : ولكن يجب علينا أن نتأكد هل نحن في وهم أم في حقيقة ، وهل خوفنا له مبرر أم هو مرض أصابنا جميعاً .
- القرد ضارب : واجهوا الأخطار بالتصدي لها ، والوهم باليقين والخوف بروح التحدي والمجازفة بدل اللجوء إلى شجرة عمياء صماء الجؤوا إلى ربكم الذي خلقكم واطلبوا منه العون والسداد .
وظل ضارب يحاول إقناعهم بعدم وجود الغول وأن عليهم الذهاب إلى غابتهم ليتأكدوا من ذلك ولكنهم ظلوا مترددين ، لايستطيعون أن يمشوا خطوة إلى الأمام ، لأن الخوف من غير الله يدمر العقول ، ويصغر النفوس ويهبط بالأخلاق إلى أسفل ، في إحدى الأيام رأى ضارب القرود تتبرك بالشجرة الكبيرة وتطلب منها الحماية من الغول
فخاطبهم بحسرة :
*- : خسارة لقد قتل الخوف والرعب فيكم أشياء كثيرة ودمر الوهم فيكم أشياء أكثر ، ولم يكن آباؤكم وأجدادكم يحملون هذه الصفات .
ثم يذهب إلى الشجرة الكبيرة ويقطع منها غصناً بغضب ، فتصرخ القرود خوفاً ، ويتراجع الجميع فيقول لهم ضارب :
*-: هذه الشجرة الخرساء العجزاء سوف تحميكم ؟! هل أفقدكم الوهم عقولكم؟!
ثم يكسر غصنا آخر بعنف أشد من السابق ، فيزداد صراخ القرود ويتراجعون أكثر فيصرخ فيهم ضارب بغضب .
*-هل أفقدكم الخوف والرعب إيمانكم ألم تخلقوا لتسبحوا بحمد ربكم وليس بحمد هذه الشجرة الصماء لماذا تخافون من غير خالقكم ؟!
ومع كل ما فعله وقاله ضارب ولكن دون أي استجابة ، ولكنه لم ييأس وظل يدعوهم للخروج من الوهم ، وإلى الخوف من الله فقط ، لأن الخوف من الله عز وجل يملؤ القلوب شجاعة . وبعد ثلاثة شهور من دعوته لهم ، قرر البعض الذهاب معه ، ليكتشفوا مدى صدق أقواله وعندما أرادوا الخروج قال لهم القرد العجوز :
*- : سأذهب أنا مع بعض كبار القوم ولكننا سنبتعد مسافة كبيرة بحيث نراكم ، فإن رأيناكم في أمان لحقنا بكم وإن لا سمح الله نالكم مكروه رجعنا سالمين ، هيا اسبقونا أنتم .
وغادر ضارب ومن معه في الصباح الباكر وبقي أكثر القرود في الوادي ينتظرون وهم مرعوبين مما سيجري ، وعند الغروب جاء ضارب ومن معه مسرورين يبشرون الجميع بعدم وجود أي أثر للغول وأخذوا يقصون للجميع ماذا جرى معهم ويقولون :
*- : بالفعل لا يوجد غول .. لقد كنا في وهم ، لقد كان خوفنا وفزعنا خلال هذه السنوات الطوال من لا شيء
- : لقد أضاع الوهم والفزع طمانينتنا , وكسر قلوبنا وحطم حماس شبابنا ...... خســــــــــارة ، لقد فقدنا الكثير .
- القرد ضارب : لم يضع إلا القليل ... الآن عليكم أن تعملوا بأضعاف مضاعفة حتى تعوضوا مافاتكم .
ويصيح ضارب بفرح شديد :
*-على الجميع أن يستعد للرحيل ... إلى النهر العذب.
القرد نافز : إلى الأشجار المثمرة ... إلى شراب جوز الهند إلى قطوف الموز .
القرد قائم : إلى حياة بلا خوف ولا فزع ولا وهم ... هيا
الجميـــــع (( هيااااااا .....هيااااااا ))
ويبدأ الجميع بالغناء :
هيا نتحدى الأخطار
شجعانا نقتحم النار
أبطالا والواحد منا
يتقدم أسدا مغوار
لا نعرف في الحق الخوف
نشبه في الإقدام السيف
نتسابق بالعوم وننسى
تأجيل الإقدام وسوف
سنواصل سيراً للقمة
ونزيد مع القوة همة
ونبدد أوهام الخوف
ما عدنا نشعر بالعتمة
أبطال مثل الأباء
نمضي في عزم وإباء
ونشق عباب الأهوال
نسمو فوق نجوم فضاء
بعد الغناء بلحظات وإذا بصخرة تدحرج من أعلى الجبل إلى طرف الوادي
- ناهض والقرد مسرع : الغول ... الغول .... ( بفزع ) .... الغول فليهرب الجميع ... وهم يرددون .
*- الغول قادم ....الغول سينتقم .
ثم يتجمعون حول الشجرة الضخمة والقرد العجوز يناجي الشجرة وهو خائف.
*- : أيتها الشجرة المباركة احمي قرود الوادي .. وأبعدي الغول عنا ، اصرفي بصره عنا ، احفظي أهل الوادي ، كما حفظتيهم من قبل.
- القرد ضارب : (( بصراخ هائل)) ... كفى ... كفى .. كفى خوفاً ... كفى رعباً .. كفاً وهماً أنتم لا تتعلمون .
ولكن القرد ناهض تقدم نحو ضارب موجهاً الكلام له بانفعال .
*- بل كفى أنت ... كفى تهوراً ... كفى استهتاراً بالأخطار .
- القرد ضارب : بدل أن تلجؤوا الى ربكم لجأتم إلى شجرة لا تستطيع أن تحمي نفسها ، فبدل أن تواجهوا الأخطار صنعتم أوهام زلزلت قلوبكم
- القرد العجوز : هل هذه الصخرة التي تدحرجت وهم .. هل تريدنا أن نكذب أنفسنا لكي ترضى .
- القرد قائم : هل سألنا أنفسنا عن سبب انهيار الصخرة ؟
في كل سنة تقريباً تنهار صخرة من أعلى الجبل كنا نظن أن الغول يقذفها علينا .. فربما يكون أمراً طبيعياً .
- القرد ناهض : بل قذفها علينا الغول لأننا ذهبنا إلى مكانه .. إن هذه الصخرة لم تصبنا بأذى ولاندري الصخرة الأخرى كم بيتاً ستهدم وكم قرداً ستقتل .
- القرد نافز : علينا كما قال العم ضارب ... أن نواجه الأخطار حتى لو كان غولاً علينا أن نواجهه .
- القرد ضارب : أنا سأذهب لأتبين سبب انهيار الصخرة غداً في الصباح و من يريد المجيء معي فموعدنا هنا عند شروق الشمس .
وفي الصباح خرج ضارب برفقه عدد من القرود الشباب إلى غابتهم المهجورة ، فيكتشفوا وجود تصدع في أعلى الجبل وأن هناك بعض الصخور الأخرى القابلة للسقوط ، وأن الوادي أصبح غير آمن وطاف ضارب ومن معه في الغابة وأكلوا من ثمارها وشربوا من نهرها ورجعوا إلى الوادي بعد ثلاثة أيام وأخبروا القرود بما شاهدوه وطلبوا من الجميع أن يستعدوا للرحيل غداً في الصباح وفي الصباح انقسم أهل الوادي بين مؤيد للرحيل ومعارض له ، فضارب وكثير من القرود الشباب استعدوا للرحيل والقرد العجوز والباقي قرروا البقاء في الوادي ، رحل ضارب ومن معه وعاشوا في الغابة في طمأنينة وسرور ، وقد أدركوا ماذا يجر عليهم الخوف من غير الله من ويلات .
وبعد ستة شهور تساقطت بعض الصخور على الوادي فقتلت عدداً من القرود من بينهم القرد العجوز ، فهرع ضارب ومن معه إلى الوادي ليجدوا الجميع جالسين والحزن والكابة تعلو وجوههم ، وهم يشاهدون القتلى والجميع حولهم ، فيخاطبهم ضارب :
*- : إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا معشر القرود إني أعزيكم وأعزي نفسي بمصابنا بفقدان كبيرنا القرد العجوز كاسر و باقي من توفي ، وأخبركم بأن الصخور التي تدحرجت عليكم كانت نتيجة لتصدع في أعلى الجبل ولا يوجد غول إطلاقاً إنما الغول صنعته أوهامكم فيجب أن نرحل .. إلى حيث يجب أن نكون .
- القرد قائم : فلنرحل ولندفن جدنا القرد كاسر وباقي الموتى في أرض الطمأنينة ولندفن معهم خوفنا وفزعنا وأوهامنا .
- القرد نافز : ولندفن معه أمراض الماضي ... فليستعد الجميع للرحيل .
- القرد قائم : فليستعد الجميع للرحيل.
- القرد ضارب : قبل أن نرحل يجب أن نقطع هذه الشجرة حتى نقطع رجاءنا ولجوءنا لغير ربنا .. رب السماوات والأرض ، فلنقطع الشجرة ، ونقطع معها خوفنا من غير خالقنا فهو وحده من يضر وينفع .
فقطع ضارب ومن معه من الشباب الشجرة ، بحماس .
- القرد قائم : وداعا أيها الخوف ... وداعاً يا أرض الوهم.
- القرد ضارب : قادمون يا أرض الطمانينة.
فغادروا الوادي إلى غير رجعة ودفنوا موتاهم في غابتهم ، وعاشوا يحاربون الخوف من غير الله وأصبح نشيدهم في كل مناسباتهم هو :
وداعاً للخوف من غير الله ، وبعد سنة من رجوعهم إلى غابتهم اجتمعوا في ساحة النصر وأنشدوا :
وداعاً أيها الخوف
وداعاً أرض أحلامي
وداعاً لا لقاء له
فقد أدركت إقدامي
وداعاً أيها الخوف
سأقطعها جذور الوهم
لن تبقى لترعبني
وأعمل دائما بالفهم
عقلي سوف يرشدني
وداعاً أيها الخوف
إلى الرحمن ملجأنا
وليس لغيره نلجأ
فبالبركات يحفظنا
وشرَّ نفوسنا يدرأ
وداعاً أيها الخوف
إلى أرض الطمأنينة
سنمضي نطرد الوجلَ
وعين الله تحمينا
وننشر للدنى الأملَ
وداعاً أيها الخوف
النهايــــــة