أم مقدسية روت معاناتهم للجزيرة نت.. أطفال القدس في غياهب مؤسسات الاحتجاز الإسرائيلية
أسيل الجندي – الجزيرة نت
القدس – لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عند سرقة ماضي فلسطين وتدمير حاضر سكانها، بل وصل إلى محاولة تشويه مستقبل أبنائها بوسائل عدة، منها مؤسسات احتجاز الأطفال.
ففي مؤسسة احتجاز الأحداث المغلقة التي قرر قاضي المحكمة المركزية في القدس تحويلهما إليها، يجهل الطفلان محمود عليوات ومحمد الزلباني تفاصيل الحياة اليومية التي تنتظرهما، والأخطر ماذا عن مستقبلهما، خاصة أن القرار نص على بقائهما في المؤسسة حتى يبلغا سن الـ14، ليتمكن القاضي بعدها من تحويلهما إلى السجون.
وجاء قرار القاضي بعد اتهام محمود عليوات (13 عاما) بتنفيذ إطلاق نار في بلدة سلوان أسفر عن إصابة مستوطنيْن، أحدهما جراحه خطيرة، واتهام محمد الزلباني (13 عاما) بتنفيذ عملية طعن على حاجز مخيم شعفاط.
ورغم أن قرار تحويل الطفلين إلى هذه المؤسسة قد يبدو في ظاهره خيارا جيدا، فإن تجارب الأطفال وذويهم ممن حُولوا إلى هذه المؤسسات سابقا تُؤكد أن تحويلهم إلى السجون الأمنية رغم قساوة ظروفها هو أفضل الخيارات المُرّة.
أفكار دخيلة
للتعرف أكثر على معاناة الأطفال في تلك المؤسسات، التقت الجزيرة نت بوالدة شادي فرّاح، الذي كان يبلغ من العمر 12 عاما عندما اعتقل مع صديقه أحمد الزعتري (13 عاما) عام 2015 بتهمة حيازة سكاكين في القدس.
وبسبب صغر سنهما حُوّل الطفلان لمؤسسة لاحتجاز الأحداث في مدينة طمرة بالداخل الفلسطيني، ومكث شادي 3 أعوام متنقلا بينها وبين مؤسسة أخرى في مدينة عكا، حيث خرج بشخصية مختلفة عن التي دخل بها، وفقا لما تؤكد والدته فريهان فرّاح.
الصدمة الأولى التي يتعرض لها الأطفال وذووهم في هذه المؤسسات، هي احتجازهم مع معتقلين على خلفيات جنائية، وليس مع أطفال فلسطينيين يعتقلون على خلفية مقاومة الاحتلال، وهكذا ينفتح الطفل -المسلوخ عن بيئته قسرا- على قضايا خطيرة كالسرقة والقتل والاغتصاب وغيرها.
وشبهت فريهان رحلة طفلها في المؤسستين بالحرب التي لم يهدأ قتالهم فيها على مدى 3 أعوام، فكان يبوح شادي لها بكل تفاصيل يومه، وأقساها على والدته تلك المتعقلة بقصص النزلاء الجدد الذين حُولوا إلى المؤسسة بتهمة اغتصاب أو قتل أحد أفراد العائلة.
تغلغل خشن وناعم
إلى جانب الانفتاح على عادات وثقافات غريبة عن المجتمع الفلسطيني، تطرقت فريهان فرّاح إلى خطورة ما يتعرض له الأطفال المقدسيون في هذه المؤسسات من محاولات مستمرة لسلخهم عن واقعهم الفلسطيني ومسخ وعيهم عبر سياسة الحديد والنار تارة، وأدوات التغلغل الناعم تارة أخرى.
وفي التفاصيل، أضافت والدة شادي "يتعلم الأطفال المنهاج الإسرائيلي وتُزرع في عقولهم فكرة نبذ العمل المقاوم، وكنتُ أقابل ذلك بتزويد شادي بقصص وكتب معينة لم ينجح بعضها في اجتياز رقابة المؤسسة، لكنني حصنته بالمفاهيم الصحيحة خلال الزيارات أيضا".
عاش هذا الطفل -وفقا لوالدته- صراعا دائما وأجبر على تناول الأدوية المهدئة، وخلفت هذه المحطة آثارا سلبية لاحظتها أسرته بعد تحرره، مثل اضطرابات النوم، والميل إلى العزلة، والعصبية المفرطة أحيانا، والإدمان على التدخين.
لكن فريهان تصر حتى الآن على التركيز على الجانب المشرق من تجربة طفلها الذي غدا شابا، وتقول إنه خرج بوعي سياسي عالٍ ومعبأ وطنيا وأصر على إكمال مسيرته التعليمية، ويعود ذلك إلى وعي أسرته العميق بخطورة هذه المؤسسات.
التعذيب النفسي
المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة تحدث للجزيرة نت عن خطورة هذه المؤسسات التي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية، وما تمارسه على الأطفال ليتنكروا لهويتهم الوطنية وروايتهم الفلسطينية.
وأوضح زبارقة أن تحويل الأطفال لهذه المؤسسات هو الخيار الوحيد أمام القاضي إذا لم يتجاوزوا سن 14 عاما، لكن هذا لا يعني أن هذا هو الخيار السليم.
وأضاف "يفترض أن تعمل هذه المؤسسات على تأهيل الأطفال ورعايتهم، لكن يجب على الجميع أن يتساءل وفق أي منظومة أخلاقية يؤهل هؤلاء؟ والإجابة أنهم يؤهلون وفق منظومة ضبابية بعيدة عن عاداتهم وتقاليدهم".
زبارقة تطرق إلى حالة الطفل أحمد مناصرة الذي مكث في هذه المؤسسات قبل أن يحوّل إلى السجون، ولا يستبعد أن تكون قد ساهمت في تدهور صحته النفسية بشكل خطير لأنه لم يتلق الرعاية الصحيحة، بل تعاملوا معه على أنه "طفل إرهابي يجب قمعه وقلب مفاهيمه بشكل جذري".
"التعذيب النفسي الخفي" هو أخطر ما يمارس في هذه المؤسسات، بالإضافة أفعال أخرى تتنافى مع العادات والتقاليد الفلسطينية، وفقا لزبارقة الذي اختتم حديثه للجزيرة نت بالقول "شكليا هي مؤسسات تأهيلية، ومضمونا تتعامل هذه المؤسسات مع الفلسطيني المتهم بقضايا سياسية بشكل عنصري، فتعذبه وتعبث بوعيه كي لا يخرج إلى العالم مجددا كبطل أو رمز".
أسيل الجندي – الجزيرة نت
القدس – لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عند سرقة ماضي فلسطين وتدمير حاضر سكانها، بل وصل إلى محاولة تشويه مستقبل أبنائها بوسائل عدة، منها مؤسسات احتجاز الأطفال.
ففي مؤسسة احتجاز الأحداث المغلقة التي قرر قاضي المحكمة المركزية في القدس تحويلهما إليها، يجهل الطفلان محمود عليوات ومحمد الزلباني تفاصيل الحياة اليومية التي تنتظرهما، والأخطر ماذا عن مستقبلهما، خاصة أن القرار نص على بقائهما في المؤسسة حتى يبلغا سن الـ14، ليتمكن القاضي بعدها من تحويلهما إلى السجون.
وجاء قرار القاضي بعد اتهام محمود عليوات (13 عاما) بتنفيذ إطلاق نار في بلدة سلوان أسفر عن إصابة مستوطنيْن، أحدهما جراحه خطيرة، واتهام محمد الزلباني (13 عاما) بتنفيذ عملية طعن على حاجز مخيم شعفاط.
ورغم أن قرار تحويل الطفلين إلى هذه المؤسسة قد يبدو في ظاهره خيارا جيدا، فإن تجارب الأطفال وذويهم ممن حُولوا إلى هذه المؤسسات سابقا تُؤكد أن تحويلهم إلى السجون الأمنية رغم قساوة ظروفها هو أفضل الخيارات المُرّة.
أفكار دخيلة
للتعرف أكثر على معاناة الأطفال في تلك المؤسسات، التقت الجزيرة نت بوالدة شادي فرّاح، الذي كان يبلغ من العمر 12 عاما عندما اعتقل مع صديقه أحمد الزعتري (13 عاما) عام 2015 بتهمة حيازة سكاكين في القدس.
وبسبب صغر سنهما حُوّل الطفلان لمؤسسة لاحتجاز الأحداث في مدينة طمرة بالداخل الفلسطيني، ومكث شادي 3 أعوام متنقلا بينها وبين مؤسسة أخرى في مدينة عكا، حيث خرج بشخصية مختلفة عن التي دخل بها، وفقا لما تؤكد والدته فريهان فرّاح.
الصدمة الأولى التي يتعرض لها الأطفال وذووهم في هذه المؤسسات، هي احتجازهم مع معتقلين على خلفيات جنائية، وليس مع أطفال فلسطينيين يعتقلون على خلفية مقاومة الاحتلال، وهكذا ينفتح الطفل -المسلوخ عن بيئته قسرا- على قضايا خطيرة كالسرقة والقتل والاغتصاب وغيرها.
وشبهت فريهان رحلة طفلها في المؤسستين بالحرب التي لم يهدأ قتالهم فيها على مدى 3 أعوام، فكان يبوح شادي لها بكل تفاصيل يومه، وأقساها على والدته تلك المتعقلة بقصص النزلاء الجدد الذين حُولوا إلى المؤسسة بتهمة اغتصاب أو قتل أحد أفراد العائلة.
تغلغل خشن وناعم
إلى جانب الانفتاح على عادات وثقافات غريبة عن المجتمع الفلسطيني، تطرقت فريهان فرّاح إلى خطورة ما يتعرض له الأطفال المقدسيون في هذه المؤسسات من محاولات مستمرة لسلخهم عن واقعهم الفلسطيني ومسخ وعيهم عبر سياسة الحديد والنار تارة، وأدوات التغلغل الناعم تارة أخرى.
وفي التفاصيل، أضافت والدة شادي "يتعلم الأطفال المنهاج الإسرائيلي وتُزرع في عقولهم فكرة نبذ العمل المقاوم، وكنتُ أقابل ذلك بتزويد شادي بقصص وكتب معينة لم ينجح بعضها في اجتياز رقابة المؤسسة، لكنني حصنته بالمفاهيم الصحيحة خلال الزيارات أيضا".
عاش هذا الطفل -وفقا لوالدته- صراعا دائما وأجبر على تناول الأدوية المهدئة، وخلفت هذه المحطة آثارا سلبية لاحظتها أسرته بعد تحرره، مثل اضطرابات النوم، والميل إلى العزلة، والعصبية المفرطة أحيانا، والإدمان على التدخين.
لكن فريهان تصر حتى الآن على التركيز على الجانب المشرق من تجربة طفلها الذي غدا شابا، وتقول إنه خرج بوعي سياسي عالٍ ومعبأ وطنيا وأصر على إكمال مسيرته التعليمية، ويعود ذلك إلى وعي أسرته العميق بخطورة هذه المؤسسات.
التعذيب النفسي
المحامي المختص في قضايا القدس خالد زبارقة تحدث للجزيرة نت عن خطورة هذه المؤسسات التي تتبع لوزارة الشؤون الاجتماعية الإسرائيلية، وما تمارسه على الأطفال ليتنكروا لهويتهم الوطنية وروايتهم الفلسطينية.
وأوضح زبارقة أن تحويل الأطفال لهذه المؤسسات هو الخيار الوحيد أمام القاضي إذا لم يتجاوزوا سن 14 عاما، لكن هذا لا يعني أن هذا هو الخيار السليم.
وأضاف "يفترض أن تعمل هذه المؤسسات على تأهيل الأطفال ورعايتهم، لكن يجب على الجميع أن يتساءل وفق أي منظومة أخلاقية يؤهل هؤلاء؟ والإجابة أنهم يؤهلون وفق منظومة ضبابية بعيدة عن عاداتهم وتقاليدهم".
زبارقة تطرق إلى حالة الطفل أحمد مناصرة الذي مكث في هذه المؤسسات قبل أن يحوّل إلى السجون، ولا يستبعد أن تكون قد ساهمت في تدهور صحته النفسية بشكل خطير لأنه لم يتلق الرعاية الصحيحة، بل تعاملوا معه على أنه "طفل إرهابي يجب قمعه وقلب مفاهيمه بشكل جذري".
"التعذيب النفسي الخفي" هو أخطر ما يمارس في هذه المؤسسات، بالإضافة أفعال أخرى تتنافى مع العادات والتقاليد الفلسطينية، وفقا لزبارقة الذي اختتم حديثه للجزيرة نت بالقول "شكليا هي مؤسسات تأهيلية، ومضمونا تتعامل هذه المؤسسات مع الفلسطيني المتهم بقضايا سياسية بشكل عنصري، فتعذبه وتعبث بوعيه كي لا يخرج إلى العالم مجددا كبطل أو رمز".