اجتياز الجدار الفاصل.. مغامرة وعواقب وخيمة للعمال الفلسطينيين

  • الخميس 19, ديسمبر 2024 09:38 ص
  • اجتياز الجدار الفاصل.. مغامرة وعواقب وخيمة للعمال الفلسطينيين
شباب في مقتل العمر، ضاقت بهم السبل وتراكمت عليهم الديون، خاضوا مغامرات خطيرة سعيا للحصول على عمل أو مصدر رزق يسد حاجة أسرهم، لكن الرياح جرت بما لا يشتهون؛ فعادوا إما شهداء أو مصابين بكسور في القدمين أو الحوض أو العمود الفقري وبعضهم بعاهات دائمة.
اجتياز الجدار الفاصل.. مغامرة وعواقب وخيمة للعمال الفلسطينيين
الجزيرة نت
شباب في مقتل العمر، ضاقت بهم السبل وتراكمت عليهم الديون، خاضوا مغامرات خطيرة سعيا للحصول على عمل أو مصدر رزق يسد حاجة أسرهم، لكن الرياح جرت بما لا يشتهون؛ فعادوا إما شهداء أو مصابين بكسور في القدمين أو الحوض أو العمود الفقري وبعضهم بعاهات دائمة.
هؤلاء عمال من الضفة الغربية، كانوا يعتمدون في توفير دخلهم على العمل داخل الخطر الأخضر في قطاعات البناء والزراعة والصناعة وغيرها، لكن الاحتلال منع عودتهم إلى أعمالهم مع بدء عدوانه على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونظرا لإغلاق المعابر التي تربط الضفة بأراضي عام 1948، يخوض العمال مغامرة الصعود إلى الجدار الفاصل عبر سلالم، يوفرها أشخاص يتقاضون أجرا، يصل ارتفاعها إلى 9 أمتار ثم النزول إلى الجانب الآخر عبر حبل مربوط بأعلى الجدار.
في مغامرة القفز عن الجدار يواجه العمال عدة تحديات منها انقطاع الحبل بهم أثناء النزول، ولا يكاد يمر يوم من دون إصابات تصل مستشفيات الضفة، إضافة إلى الملاحقة من قبل جيش الاحتلال ومن ثم الاعتداء بالضرب والاعتقال.
وكان آخر الضحايا عاملان استشهدا أمس الثلاثاء قرب الجدار الفاصل في مدينة قلقيلية، شمالي الضفة، خلال محاولتهما اجتياز الجدار بحثا عن عمل.
قصة حقيقية
حتى أكتوبر/تشرين الأول 2023، ظل سامر الشحاتيت (38 عاما) يعتمد في توفير دخله على عمله مع مقاول فلسطيني داخل الخط الأخضر يوفر له عائدا شهريا لا يقل عن ألفي دولار، لكن مع منع دخول العمال توقف دخله بشكل كامل.
انتظر الشحاتيت شهورا طويلة على أمل أن يسمح للعمال بالعودة إلى أعمالهم، فتراكمت عليه الديون، وبات عاجزا عن توفير أدنى احتياجات عائلته المكونة من 8 أفراد، ولم يكن أمامه سوى خوض تجربة تسلق الجدار والقفز عنه، لكنه يعاني من سمنة زائدة، وكان صعوده السلم ونزوله على الحبل مغامرة محفوفة بالمخاطر.
قرر سامر وبمساعدة والده إجراء عملية قص للمعدة لتخفيض وزنه، وبالفعل نجح في تخفيض 50 كيلوغراما خلال 4 أشهر، وشعر أنه بات قادرا على صعود السلم والنزول عبر الحبل رغم ما يحيط بالمغامرة من مخاطر: السقوط عن الجدار أو الاعتقال.
ما توقعه الشاب حصل، فقد فلت الحبل من يده على ارتفاع 3 أمتار، فسقط واقفا، وخلال دقائق بدأ يشعر بالآلام ولم يعد قادرا على الوقوف نتيجة كسرين في القدمين، فتدبر أمره وعاد أدراجه إلى أقرب مستشفى فلسطيني.
مكث الشحاتيت 8 أيام في المستشفى، ووفق توصية الأطباء لا يستطيع العودة إلى السير على قدميه قبل 3 أشهر، ما يشكل عبئا إضافيا عليه نتيجة مصاريف العلاج.
وأوضح أن أسرته وأمثالها تحتاج على الأقل 5 آلاف شيكل (نحو 1400 دولار) لتوفير احتياجاتها الأساسية، في وقت يفتقد فيه العمال لجهات تساعدهم.
أول محاولة
من جهته، يقول الشاب “أحمد”، مفضلا عدم الكشف عن اسمه كاملا، إنه وجد في العمل داخل إسرائيل فرصة لتوفير دخل يزيد على ضعف ما يجنيه موظف حكومي متوسط الدخل بالضفة، وسرعان ما تزوج وأسس أسرة ورزق بطفلة.
وبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حاول “أحمد” البحث عن عمل في الضفة وانتظر قرابة 14 شهرا من دون جدوى، فتراكمت عليه الديون والتزامات عائلته، فقرر خوض مغامرة القفز عن الجدار للالتحاق بالعمل مع مقاول من فلسطينيي 48، لكن مشواره توقف على ارتفاع 4 أمتار، فانقطع حبل التسلق وسقط أرضا، فأصيب بكسور في العمود الفقري، وبدأ مشوار علاج طويل، من دون أي مصدر للدخل.
ويسجل هذا النوع من الإصابات تحت بند “إصابات الاحتلال” ويعالج أصحابها مجانا في المشافي الحكومية الفلسطينية.
وفي حالة “حمزة”، وهو أب لـ4 أبناء وفي أواخر العشرينيات من العمر، ضاقت به السبل، فحاول اجتياز الجدار، لكنه سقط عن ارتفاع مماثل وأصيب إصابة بالغة في إحدى قدميه ورضوض في الأخرى، ليصبح عاجزا عن الحركة تماما.
ومما زاد مأساة “حمزة” وصول دورية لجيش الاحتلال لحظة سقوطه؛ حيث قامت باعتقاله وسحله إلى المركبة العسكرية من دون الأخذ بعين الاعتبار إصابته، ثم ألقي به قرب حاجز عسكري خارج الجدار لتنقله سيارة إسعاف فلسطينية إلى المستشفى.
يقول حمزة “لم يؤلمني السقوط بقدر ما آلمني سحلي من الجنود، شعرت كأن قدمي قطعت ولم يتبق سوى الجلد”.
مئات الفلسطينيين سقطوا خلال نزولهم عن الجدار مستخدمين الحبال
10 شهداء
ووفق تقدير الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين فإن 10 عمال على الأقل استشهدوا خلال محاولتهم الوصول إلى أماكن عملهم و7 خلال الاعتقال، وهم من بين 49 فلسطينيا قضوا في حوادث عمل خلال بحثهم عن لقمة العيش داخل الخط الأخضر وفي الضفة منذ بداية العام الجاري 2024.
وقال سعيد عمران، وهو منسق إعلامي في الاتحاد، إن مئات العمال أصيبوا بكسور ورضوض في أنحاء الضفة الغربية نتيجة السقوط عن الجدار أو إطلاق النار عليهم خلال محاولتهم اجتياز الجدار من الضفة إلى داخل الخط الأخضر، آخرهم الشهيدان ضياء شريف سلمي (32 عاما) ومحمد زكي الأشقر (31 عاما) من مدينة قلقيلية، أمس الثلاثاء.
وأضاف أن اتصالات تجريها النقابة مع جهات حكومية لمساعدة العمال، لكن دورها كان بارزا في إيواء عمال غزة الذي تقطعت بهم السبل وأبعدوا إلى الضفة الغربية عند بدء الحرب على القطاع، وتوفير احتياجاتهم ودفعات مالية. أما عن عمال الضفة فأشار إلى توفير تأمين صحي مجاني لهم.
وتواصل الاتحاد مع سلطة النقد الفلسطينية لإعفاء العمال من رسوم إعادة الشيكات التي تتقاضاها البنوك وتقديم سلف مالية لهم بضمانات بسبب توقف عملهم ومنعهم من الوصول إلى ورشاتهم في إسرائيل، لكن البنوك لم تلتزم.
وقال إن الوضع المالي للسلطة صعب، ومع ذلك تم الإعلان عن مبادرة بتقديم قروض من دون فوائد استفاد منها نحو 6 آلاف عامل، لكن هذا العدد لا يزيد على 1% من العاطلين عن العمل.
مقاضاة إسرائيل
وقال عمران إن هناك تحركا لدى منظمة العمل الدولية لمطالبة إسرائيل بتعويض نحو 205 آلاف عامل تعطّلوا عن عملهم منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. وكشف عن أن العمال الفلسطينيين يشكلون نحو 20% من الأيدي العاملة في إسرائيل.
ويفيد تقرير لمنظمة العمل الدولية نشر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بفقدان أكثر من نصف مليون وظيفة في فلسطين بعد الحرب على غزة؛ نحو 200 ألف منها في غزة ونحو 300 ألف في الضفة الغربية، ما تسبب في خسائر يومية بلغت 21.7 مليون دولار.
في حين تشير معطيات الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين إلى خسارة شهرية تقدر بنحو مليار و250 مليون شيكل شهريا (نحو 350 مليون دولار) نتيجة عدم تمكن العمال من العودة إلى أعمالهم في إسرائيل.