"فلسطين أون لاين" تحاورُ زوجة د. حسام أبو صفية: أيقونة الصُّمود

  • الأربعاء 15, يناير 2025 12:36 م
  • "فلسطين أون لاين" تحاورُ زوجة د. حسام أبو صفية: أيقونة الصُّمود
لم تكن تعرف فلسطين ولا غزة، إلا عندما تزوجت الدكتور حسام أبو صفية قادمة من كازاخستان أثناء دراسته للطب هنا.
"فلسطين أون لاين" تحاورُ زوجة د. حسام أبو صفية: أيقونة الصُّمود والعمل الإنسانيِّ
فلسطين اون لاين
غزة/ حوار يحيى اليعقوبي
لم تكن تعرف فلسطين ولا غزة، إلا عندما تزوجت الدكتور حسام أبو صفية قادمة من كازاخستان أثناء دراسته للطب هنا.
فكان لها وطنًا وشريك حياةٍ وهبته قلبها كما وهبت غزة حبها وعاشت فيها عمرًا وحياة.
رافقته بمحطات كثيرة وحروبٍ عديدة، عاشت معه التجويع والتشرد والحصار حتى آخر اللحظات بمستشفى كمال عدوان.
كانت شاهدةً على تفاني زوجها وإخلاصه في عمله، فلم يترك المرضى والمصابين وأصرَّ على توفير "ممر آمن لهم".
فقدت نجلهما إبراهيم (20 عامًا) وواصل عمله حتى اعتقاله.
قلب الإبادة
في قلب الإبادة وبمحيط سكني مدمر أصبح مهجورًا بلا معالم حياة، وقف الطبيب أبو صفية كالجبل لم يتزحزح، يعكس وجهًا من أوجه صمود غزة أمام الإبادة.
بعدما تركه العالم لثلاثة أشهر وحيدًا يعالج وطاقمه الطبي المرضى والمصابين بلا مقومات حياة من دواء وطعام وماء، قال في آخر صرخة له:
"نحن نموت ولا أحد يشعر بنا"، محاولًا كسر جدار الصمت العالمي وتذكير المنظمات الدولية بما كانوا يرددونه من شعارات وبنود قوانين حقوقية تكفل حق المستشفيات بتقديم الخدمة، ثبت زيفها على أرض الواقع، وأنها حبرٌ على ورق.
"في 27 ديسمبر/ كانون أول 2024، كان الوضع صعبًا، وكان لدينا تنسيق مع منظمة الصحة العالمية وجيش الاحتلال الإسرائيلي بأننا سننتقل مع المرضى والمصابين للمستشفى الإندونيسي بتوفير سيارات إسعاف وإكمال عملنا هناك.
وكنا جاهزين للخروج، وقبلها بليلة كان القصف شديدًا بمحيط المستشفى واستهدف أقسام الأرشيف والمختبر والصيانة وغرف العمليات بالمشفى".
هذه واحدة من أصعب ليال الحصار التي عاشتها إلبينا سعد الله أبو صفية مع زوجها د. حسام، تروي تفاصيلها في حوارها مع "فلسطين أون لاين" عن زوجها الذي أصبح أيقونة للصمود والعمل الإنساني.
الاعتقال والدرع البشري
مغرب اليوم، وصلت سيارة إسعاف لمستشفى كمال عدوان لنقل التمريض والنساء والمرضى، وشاحنة لنقل المولد الكهربائي والوقود وبعض الأدوية.
لكن الاحتلال غير من تفاصيل الاتفاق، تقول:
"طلبوا من النساء التوجه للإندونيسي، وأخبرونا أن زوجي د. حسام سيلتحق بنا مع المرضى، فخرجنا الساعة السابعة والنصف صباحًا، ووصلنا المشفى، وبقينا ننتظر حضور الطاقم كاملا".
الساعة العاشرة والنصف ليلاً، توقفت حافلة أمام مشفى الإندونيسي الخالي من أي مقومات حياة أو معدات.
"وصلت الحافلة التي تحمل المولد والوقود، سألنا السائق عن مصير الطاقم الطبي وزوجي د. حسام والمصابين والمرضى، فأخبرنا أن جيش الاحتلال اعتقلهم وأرسلهم إلى مدرسة الفاخورة للتحقيق"، تضيف.
محاولات اغتيال
تعرض زوجها لأربع محاولات اغتيال متعمدة.
بالمرة الأولى أسقط الاحتلال قنبلة من طائرة مسيرّة (كواد كابتر)، فغير مكان مكتبه، فقاموا بإرسال مسيرّة أخرى وألقت قنبلة تعرض خلالها للإصابة بقدمه.
ورغم انتقاله لمكان ثالث إلا أنهم كانوا يراقبون تحركه فأطلقوا عليه قنبلة نجى منها، فنقل مكتبه للمخزن وجرى استهدافه بقنبلة رابعة.
هذا ما يجعل زوجته غير مطمئنة على وجوده بالمعتقل، يغلف القلق صوتها: "بداخل المشفى لاحقوه ودائما تأتي المسيرات للنوافذ التي يتواجد بقربها.
كان الهدف اغتياله، فقط لأن له مطلب إنساني يطلب منهم تأمين خروج المرضى والمصابين".
فقدان الابن إبراهيم
رزق الزوجان بستة أبناء كانوا ثمرة ارتباط امتد لأكثر من 27 عامًا عاشا فيها في حبٍ وصبر وتضحية.
في 24 أكتوبر/ تشرين أول 2024، عندما أرسلت نجلها "إبراهيم" لإحضار بعض الأغراض من السوق في وقت العصر، وكان محيط المشفى وقتها مليء بالأهالي والنازحين، حدث استهدافات مستمرة من الاحتلال للسوق وبيت مجاور المستشفى خلف شهداء ومصابين، وانقطع اتصالها بنجلها.
مع صعوبة الخروج من المشفى بسبب استمرار القصف وإطلاق النار من مسيرّات الاحتلال، دق القلق مساميره بداخل قلبها خوفًا على نجلها رغم أن البيت المستهدف لا يبعد سوى 100 متر عن المشفى.
تطبق التفاصيل على أنفاس ذاكرتها: "ونحن نعيش القلق، والساعة الثالثة والنصف فجرًا، يوم 25 أكتوبر ذاته، اقتحموا المشفى من كل الجهات ورافقه قصف وإطلاق نار، فأخرجوا النازحين ومرافقي المرضى، وبقي المرضى ممن لا يستطيعوا المشي بدون مرافقين، وفتشوا المشفى".
تشعر بعمق الحزن الذي يحتل قلبها، تحكي: "صباح السبت الموافق 26 أكتوبر، بدأ الناس ينقلون جثامين الشهداء الساعة العاشرة صباحًا، بدأ الناس ينادون على الدكتور بعدما أحضروا جثمان ابني "إبراهيم"، كانت صدمة كبيرة لنا.
استشهد بقصف المبنى الذي دخل إليه بعد قصف السوق، لو بقي معنا قبلها بيوم لكان نزح مع المرافقين والنازحين الذين أخرجهم الاحتلال من المشفى ومن بينهم أخوته إلياس وإدريس".
بداية الارتباط
درس د. حسام أبو صفية، الطب العام في كازاخستان عام 1996، وأكمل دراسة الماجستير والدكتوراه عامي 2003 و 2004 في الولادة الحديثة وحضانة الأطفال وحصل على البورد الفلسطيني عام 2015 في طب الأطفال.
أجبرته الحرب بسبب نزوح الطواقم الطبية، المشاركة بإسعاف المصابين، وشارك في الشهرين الآخرين، وفق زوجته، بإجراء عمليات جراحية رفقة الدكتور سعيد جودة الذي استشهد في 12 ديسمبر الماضي، وهو طبيب متقاعد تطوع في إجراء العمليات، وقاموا بإجراء عمليات ضرورية، وتخدير وغيرها من العمليات.
طيب مثقف
تتأمل إلبينا في حياتها مع زوجها، فتصفه بكلمات يرقد الفخر بين نبراتها، بأنه "رجل طيب، حنون، معاملته صادقة، متواضع، مثقف، يحب دراسته، مجتهد بالتعليم والقراءة فكان دائما يشتري الكتب، ويحب عمله، وكان يرسلني لزيارة أهلي كل ثلاث أو خمس سنوات، وأجت أمي هنا مرتين".
ترحل لذكريات الارتباط الأولى، وتقول بصوت مليء بالرضا:
"كنت أحب عائلة زوجي، فكانت عائلة كبيرة، عشت حياة جميلة في فلسطين".
ولا تخفي أبو صفية قلقها الكبير على زوجها، كونه مصاب بقدمه ولم يكمل علاجه ويعاني من ارتفاع ضغط الدم المزمن، مطالبة منظمة الصحة العالمية ومنظمات حقوق الإنسان بمعرفة مصيره، كون المعلومات متضاربة حول مكان وجوده، وأن أحد المحامين أخبرهم أنه في "سديه تيمان" وآخر أفاد بأنه في "عوفر".