يوم التروية في غزة.. بين قداسة الشعائر وقسوة الحرب

  • الأربعاء 04, يونيو 2025 09:41 ص
  • يوم التروية في غزة.. بين قداسة الشعائر وقسوة الحرب
بينما يتوجه ملايين المسلمين في العالم الإسلامي إلى منى استعدادًا ليوم عرفة، كان ليوم التروية هذا العام وجه مختلف في غزة، وجه لا يحمل قداسة الطقوس، بل وجع المحرومين منها.
يوم التروية في غزة.. بين قداسة الشعائر وقسوة الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
بينما يتوجه ملايين المسلمين في العالم الإسلامي إلى منى استعدادًا ليوم عرفة، كان ليوم التروية هذا العام وجه مختلف في غزة، وجه لا يحمل قداسة الطقوس، بل وجع المحرومين منها.
ففي الوقت الذي كانت فيه جموع الحجاج تهتف “لبيك اللهم لبيك”، كانت غزة تصرخ “يا الله… أنقذنا”، وسط ركام البيوت وحرائق الغارات وألم النزوح.
يوم التروية الذي يعني في جوهره “الري” من الماء استعدادًا لمناسك الحج، لم يعرفه الغزيون منذ أشهر. ليس هناك من ماء يُروى، ولا راحة تُنال، ولا شعائر تُقام، ما يُروى هناك هو الأرض بالدم، والهواء بالبارود، والمآذن بالصمت القسري.
ماء مفقود… ودماء مسفوكة
في غزة، حيث لا ماء صالح للشرب في معظم المناطق، أصبحت “التروية” أمنية مستحيلة.
تشير تقارير صادرة عن مؤسسات محلية إلى أن أكثر من 90% من السكان لا يحصلون على مياه نظيفة، لا لغسل الوجه، ولا حتى لارتواء أطفالهم.
ومع انقطاع الكهرباء والوقود، خرجت معظم محطات التحلية من الخدمة، تاركة السكان في مواجهة العطش والمرض.
أم رائد (40 عامًا)، وهي نازحة من حي الشجاعية، تقول: “لم أستطع حتى غسل وجوه أطفالي هذا الصباح. كل ما لدينا هو دلو واحد من الماء الملوث، أتذكر يوم التروية عندما كنا نصوم ونُكثر من الذكر، اليوم نحن نركض بين الأنقاض نحاول النجاة”.
بدل التلبية.. صرخات الأطفال
في مكة، يُردد الحجيج: “لبيك اللهم لبيك”، أما في غزة، فالصوت السائد هو صفارات سيارات الإسعاف، وانفجارات القذائف، وصرخات الجرحى.
المستشفيات تعمل فوق طاقتها، وغرف العمليات تكتظ بالمصابين، حتى الطواقم الطبية لا تجد ما يكفي من الإمدادات أو الكهرباء، ومع ذلك تواصل العمل بإصرار أشبه بالمعجزة.
أين منى؟ أين الطمأنينة؟
في مثل هذا اليوم من كل عام، كانت شاشات التلفاز في غزة تبث مشاهد الحجاج في منى، تنقل الأمل وتُنعش القلوب، حتى وإن كان أهل غزة لا يملكون تذاكر السفر، هذا العام، لا شاشات، لا كهرباء، ولا حتى رغيف خبز كافٍ.
في أحد مراكز الإيواء شمال غزة، قابلنا خالد (55 عامًا)، وهو رب أسرة نزحت منذ أكثر من شهر.
يقول: “أعرف أن المسلمين في العالم يُلبون اليوم ويتهيأون للوقوف بعرفة، ونحن نتهيأ للوقوف على أطلال منازلنا، فرق شاسع، ومؤلم”.
غزة تحجّ إلى الصبر
رغم كل هذا الألم، لا تزال غزة تقف، ليس على جبل عرفات، بل على جبل الصبر، تحجّ إلى الله بدموعها، وتدعو ليس لطلب المغفرة فقط، بل للنجاة من الإبادة.
تقف خاشعة في خنادق الحياة، موقنة بأن الرحمة لا بد أن تنزل، وأن الليل مهما طال، لا بد أن يعقبه فجر.
في أحد المساجد المدمرة، جلس الشيخ عادل يقرأ بصوت خافت من مصحف وجدَه بين الركام.
يقول: “كان يوم التروية يوماً من أعظم أيام الله… أما الآن فهو يوم للصبر، للدعاء، للثبات، نأمل أن تصل أصواتنا كما تصل أصوات الحجيج”.
رسالة إلى العالم الإسلامي
بين منى وغزة، طريقان مختلفان. طريق الطمأنينة، وطريق الموت، لكن الدعاء مشترك، والقلوب مرفوعة إلى نفس السماء. في يوم التروية، لا تطلب غزة شيئًا معجزًا؛ فقط تريد أن تعيش، أن تجد ماءً لأطفالها، وأمانًا يحفظهم من نار الحرب.