كيف يُحلل بعضهم؟
د. عبد الله المشوخي
في خضم المواجهات المتلاحقة بين الكيان الغاصب والمقاومة الفلسطينية في غزة الصمود، وما أعقبها من تفاعلات مع حزب الله، ثم مع إيران، تبرز إلى السطح إشكالية فكرية عميقة، تكشف خللًا بيّنًا في أدوات التحليل لدى كثير من المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي. فجلّ ما يُطرح من قراءات ومواقف إنما هو نتاج لعدسات مشوَّهة، تصبغ الواقع بألوان الأهواء، لا بأضواء المعرفة.
إنّ من ينظر إلى الأحداث بعينٍ سوداء، لا يرى إلا ظلامًا، ومن يرتدي نظارةً حمراء لا يبصر إلا الدم والنار. وبين هذا وذاك، تضيع الرؤية المتّزنة، ويغيب المنهج العلمي الرصين الذي يجب أن يكون أساس كل تحليل.
وتكمن الأزمة الحقيقية في أن كثيرًا من التحليلات في واقعنا العربي تتكئ على العاطفة أكثر مما تستند إلى العقل، وتُبنى على الرغبات والتمنيات بدلًا من الوقائع والمعطيات. فنجد من يُهوّل الصغير ويُهَوِّن العظيم، لا لشيء إلا لأنه يوافق هوى في النفس، لا لأن ذلك ما تقتضيه الحقيقة.
وقد أصبح مألوفًا أن تطالعنا منابر الفكر والثقافة ببعض القراءات السطحية التي تُذكّرنا بذلك المثال البسيط: دائرةٌ تُرسم على الورق، فيراها الجائع رغيفًا، ويحسبها المُتخم كرة قدم! أما من يُكابر المنطق ويُعاند البديهيات، فحالُه كمن يتمسك بقول: “عنز ولو طارت” – عنادٌ لا يُبقي للبصيرة مجالًا، ولا للحقيقة منفذًا.
وإذا كان من المقبول – على مضض – أن تصدر تلك الانفعالات من أفرادٍ غلب عليهم التحيز، فإنه لا يُعقل أن يُمنح الوزن والاعتبار لأبواقٍ إعلامية لا تتجاوز كونها أدوات صدى، تردد ما يُملى عليها دون تروٍّ أو تمحيص. تلك الأبواق لا تختلف عن طبول مجوّفة، أو أجهزة اتصال تعمل ببطارية المال لا بتيار العقل. ومن العجب أن يُدرج بعضهم في قائمة “المحللين”، فيذكّروننا بالمثل الشعبي: “قالوا للخيول نريد منكم من يحدو، فمدّ الفأر قدمه!”… فأي حظٍّ للفئران أن تركب صهوات الخيول؟
إن المعركة التي نخوضها اليوم، ليست معركة بندقية فحسب، بل هي معركة وعي، ومعركة وعي لا تنتصر فيها الشعوب ما لم يتصدّر المشهد فيها أهل البصيرة والعقل، لا أصحاب الشعارات الجوفاء والألسنة المأجورة.
وما لم نُحسن فهم الواقع، وتحليله بعينٍ ترى، وعقلٍ يُدرك، ومنهجٍ يُنضّج، فإننا سنبقى ندور في حلقة الوهم، ونخوض معاركنا ونحن معصوبو البصيرة، مجردون من سلاح الوعي.
د. عبد الله المشوخي
في خضم المواجهات المتلاحقة بين الكيان الغاصب والمقاومة الفلسطينية في غزة الصمود، وما أعقبها من تفاعلات مع حزب الله، ثم مع إيران، تبرز إلى السطح إشكالية فكرية عميقة، تكشف خللًا بيّنًا في أدوات التحليل لدى كثير من المراقبين والمهتمين بالشأن السياسي. فجلّ ما يُطرح من قراءات ومواقف إنما هو نتاج لعدسات مشوَّهة، تصبغ الواقع بألوان الأهواء، لا بأضواء المعرفة.
إنّ من ينظر إلى الأحداث بعينٍ سوداء، لا يرى إلا ظلامًا، ومن يرتدي نظارةً حمراء لا يبصر إلا الدم والنار. وبين هذا وذاك، تضيع الرؤية المتّزنة، ويغيب المنهج العلمي الرصين الذي يجب أن يكون أساس كل تحليل.
وتكمن الأزمة الحقيقية في أن كثيرًا من التحليلات في واقعنا العربي تتكئ على العاطفة أكثر مما تستند إلى العقل، وتُبنى على الرغبات والتمنيات بدلًا من الوقائع والمعطيات. فنجد من يُهوّل الصغير ويُهَوِّن العظيم، لا لشيء إلا لأنه يوافق هوى في النفس، لا لأن ذلك ما تقتضيه الحقيقة.
وقد أصبح مألوفًا أن تطالعنا منابر الفكر والثقافة ببعض القراءات السطحية التي تُذكّرنا بذلك المثال البسيط: دائرةٌ تُرسم على الورق، فيراها الجائع رغيفًا، ويحسبها المُتخم كرة قدم! أما من يُكابر المنطق ويُعاند البديهيات، فحالُه كمن يتمسك بقول: “عنز ولو طارت” – عنادٌ لا يُبقي للبصيرة مجالًا، ولا للحقيقة منفذًا.
وإذا كان من المقبول – على مضض – أن تصدر تلك الانفعالات من أفرادٍ غلب عليهم التحيز، فإنه لا يُعقل أن يُمنح الوزن والاعتبار لأبواقٍ إعلامية لا تتجاوز كونها أدوات صدى، تردد ما يُملى عليها دون تروٍّ أو تمحيص. تلك الأبواق لا تختلف عن طبول مجوّفة، أو أجهزة اتصال تعمل ببطارية المال لا بتيار العقل. ومن العجب أن يُدرج بعضهم في قائمة “المحللين”، فيذكّروننا بالمثل الشعبي: “قالوا للخيول نريد منكم من يحدو، فمدّ الفأر قدمه!”… فأي حظٍّ للفئران أن تركب صهوات الخيول؟
إن المعركة التي نخوضها اليوم، ليست معركة بندقية فحسب، بل هي معركة وعي، ومعركة وعي لا تنتصر فيها الشعوب ما لم يتصدّر المشهد فيها أهل البصيرة والعقل، لا أصحاب الشعارات الجوفاء والألسنة المأجورة.
وما لم نُحسن فهم الواقع، وتحليله بعينٍ ترى، وعقلٍ يُدرك، ومنهجٍ يُنضّج، فإننا سنبقى ندور في حلقة الوهم، ونخوض معاركنا ونحن معصوبو البصيرة، مجردون من سلاح الوعي.