خطة الضم ومعارك السلطة الجانبية

  • الأربعاء 10, سبتمبر 2025 10:42 ص
  • خطة الضم ومعارك السلطة الجانبية
لم تعد ما تسمى بخط الضم أو فرض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية مجرد مخططات أو تهديدات تتردد على ألسنة الساسة الصهاينة، أو تُدرج في البرامج الانتخابية لقادة أحزاب الصهيونية الدينية، فالوقائع على الأرض تقول إن كيان الاحتلال يسابق الزمن للهيمنة المطلقة على الضفة الغربية، ولكن بشكل متدرج ومتصاعد في الوقت نفسه، وبما يحقق الهيمنة على كل المساحات المفتوحة والحيوية والموارد المائية، ويدفع بالسكان إلى الانكفاء داخل المراكز السكانية الكبرى.
خطة الضم ومعارك السلطة الجانبية
لمى خاطر
لم تعد ما تسمى بخط الضم أو فرض السيادة الصهيونية على الضفة الغربية مجرد مخططات أو تهديدات تتردد على ألسنة الساسة الصهاينة، أو تُدرج في البرامج الانتخابية لقادة أحزاب الصهيونية الدينية، فالوقائع على الأرض تقول إن كيان الاحتلال يسابق الزمن للهيمنة المطلقة على الضفة الغربية، ولكن بشكل متدرج ومتصاعد في الوقت نفسه، وبما يحقق الهيمنة على كل المساحات المفتوحة والحيوية والموارد المائية، ويدفع بالسكان إلى الانكفاء داخل المراكز السكانية الكبرى.
أما المستوطنون اليهود في الضفة الغربية فهم رأس حربة تنفيذ هذا المشروع، وهجماتهم على القرى الفلسطينية والأراضي المفتوحة وتلك القريبة من المستوطنات باتت سلوكاً يومياً ممنهجاً يشارك فيه حتى أطفالهم، وينفذون اعتداءات تتراوح بين الاستهداف المباشر للفلسطينيين العزل بالرصاص والحجارة وغيرهما، وإحراق وتخريب ممتلكاتهم وحقولهم الزراعية، وإقامة البؤر الاستيطانية العشوائية في السهول والجبال، في ظل حالة غير مسبوقة من استشعارهم بالأمان والاطمئنان إلى انتفاء إمكانية مواجهتهم أو التصدي لهم في الوقت الراهن، وهو ما سيفضي إلى مزيد من الشراهة في تطبيق خطوات الضم على الأرض، وإنهاء فكرة الكيان السياسي الفلسطيني إلى الأبد.
في المقابل، ثمة حالة من الصمت المطبق واللاموقف تلوذ بها السلطة وقادتها وأجهزها الأمنية وإعلامها تجاه ما يجري، وكأنها تعول فقط على اعتقادها بأن النظام الدولي لن يسمح بإنهاء الكيان السياسي للسلطة، وبأن نية عدد من الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطينية يمكن أن يفشل هذه الخطة، رغم أن الخطة تترجم يومياً على الأرض، مسنودة بضوء أخضر أمريكي واضح وإنكار صريح لفكرة الدولة أو الكيان السياسي الفلسطيني.
السلطة عملياً لا تملك أي مظهر من مظاهر السيادة الفعلية على الأرض في الضفة الغربية، باستثناء الشعارات والرمزيات الوطنية الجامدة، وهذا حالها منذ سنوات، بمعنى أنها مجرد كيان إداري محدود الصلاحيات، وبأجهزة أمنية تخدم سياسات عدوها أكثر مما ترعى أمن الفلسطينيين الداخلي، ولكن الواضح اليوم أنه حتى هذا الدور البائس لم يعد مقبولاً من الحكومة الصهيونية المتطرفة، وهي تريد إدارات مدنية مفككة ترعى شؤون فلسطينيي الضفة بعد تطبيق السيادة الكاملة عليها، تابعة بشكل مباشر للحكم العسكري الإسرائيلي، وبدون طموح أو مشروع سياسي حتى لو كان مجرد شعارات أو دولة على الورق.
ومع كل ذلك، فإن السلطة الفلسطينية في الضفة تبدو اليوم مكبلة بعدم إدراكها لمدى جدية المخطط الصهيوني في الضفة أولاً، وبعجزها وشللها التامّين ثانياً، وبفقدها لكل أوراق وأدوات القوة ثالثا، وبانتفاء إرادة المواجهة أو التحشيد للمواجهة رابعا. وهي لذلك تهرب باتجاه المعارك الجانبية الداخلية التي تبرع في إدارتها وصرف اهتمام جمهورها وأبواقها وأجهزتها إليها، كالاستمرار في إدانة المقاومة في غزة، بل وفي تهشيم جدوى فكرة المقاومة عموماً في وعي الناس، وإبراز الخسائر المترتبة عليها، وإشاعة فكر الهزيمة والاستسلام في الشارع الفلسطيني.
يضاف إلى ذلك حملة إعلامية ترعاها السلطة وحزبها في الضفة، قوامها تذكير الناس ببركات السلطة ومنافعها، وتخويفهم مما يمكن أن يخسروه في حال سقوطها، وكأن أهل فلسطين هم من ثاروا عليها مطالبين بإسقاطها!
هذه أمثلة على المعارك الجانبية التي تفتعلها السلطة وتشغل الناس بها، متناسية أن واجب الوقت هو أن تسأل نفسها ثم تقول للناس ماذا ستفعل لمواجهة تهديدات إنهائها، أي تهديدات حكومة الاحتلال بذلك، وأي خطاب عليها أن تتبنى مقابل العدوان المتصاعد على الضفة، بدلاً من تفريغ غضبها في عامة الناس والمنّ عليهم بالخدمات والرواتب التي تقدمها لهم، رغم أنها لا تدفعها من جيبها الخاص.
كل هذا لا يغني عن ضرورة نظرها في مرآة الواقع لتجيب على سؤال اليوم: ماذا بعد؟ إلا إن كانت تراهن على كونها مكتسباً لن يفرط به كيان الاحتلال، وقد يعيد تدويره وتوظيفه ليلائم سياسته الجديدة في الضفة، ويكيفه ويطوعه لينهض بمهمات ما بعد خطة الضم.