إسرائيل الكبرى الرقمية.. "هل لديك هواتف محمولة هنا؟"
احمد بشير العيلة
هل لديك هواتف محمولة هنا؟ أنت تحمل قطعة من إسرائيل! بهذه العبارة للإرهابي نتنياهو التي أثارها أمام وفد يقوده وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مؤخراً في القدس الغربية، يتحول الفكر الصهيوني من مشروع استيطاني-جغرافي تقليدي إلى مشروع هيمنة تكنولوجية رقمية شاملة.
وقد أظهرت كيف تم تحويل تلكم العقيدة الاستيطانية التوراتية إلى قوة تخترق السيادة الوطنية للدول الأخرى وتجعل العالم بأسره ساحة للتوسع والنفوذ الإسرائيلي، (أو هكذا أراد أن يوهم نتنياهو العالم)، من أجل تحقق حلم، أو وهم "إسرائيل الكبرى"، ليس على الأرض وحسب، بل وفي الفضاء الرقمي المحيط بها.
ومن هنا فإن عبارة نتنياهو لم تُطلق جزافاً، بل هي بيان استراتيجي صهيوني يحمل في طياته رسالة سياسية عميقة.
فهي تشير إلى حقيقة مفادها أن الهواتف المحمولة، كغيرها من الأجهزة التكنولوجية الحديثة، قد تحتوي على مكونات أو برامج أو تقنيات تم تطويرها أو تصنيعها في دولة الكيان اللقيط، أو بإشرافه، وبالتالي، تتحول وفقًا لهذا المنطق من أداة بريئة إلى آلة تخويف تطال الجميع.
ومن خلال قراءة متأنية في هذه العبارة؛ فإننا نستنتج أن هناك توقيتاً دقيقاً في طرحها في سوق التأثير الدولي، فقد جاءت رداً على الرفض العالمي للمشروع الصهيوني، فالرفض العالمي المتصاعد للمشروع الصهيوني، وصعود الخطاب النقدي في وسائل الإعلام والجامعات العالمي، الذي خلق حالة من الحصار الدبلوماسي والشعبي حول إسرائيل.
يدفع بعبارة نتنياهو للتحول من مجرد التباهي إلى إستراتيجية هجومية لقلب طاولة الرفض على المحتجين، وإعادة تعريف معادلة جديدة للقوة. وتعمل آلية التخويف هذه بتذكير الخصم، والذي هو هنا ضمير العالم، وخاصة الغربي، بأنه لا يمكن أن يستغني عن (هذه القطعة التقنية)، ولا يمكنهم الهروب من سيطرتها، فالتقنية التي تحكم اقتصادك وأمنك القومي وتواصلك الاجتماعي هي من صنعنا.
ومقاطعتكم بالتالي سطحية وهشة. وهذه تعد محاولة في خلق شعور بالعجز والازدواجية لدى المحتج.
ويحاول الإرهابي نتنياهو بهذه العبارة تحويل التهديد الوجودي إلى ورقة ضغط، فالمشروع الصهيوني قائم على فكرة التهديد الوجودي.
هنا، يقوم الثعلب نتنياهو هذه الفكرة، وكأنه يقول: "نحن لسنا الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى حماية. نحن الطرف الذي يمسك بأوتار التقنية التي يعتمد عليها عالمكم.
وتهديدكم لنا قد يكون مكلفًا لكم أنتم أيضًا"، وفي هذا محاولة يائسة لنزع سلاح حركة المقاطعة من خلال إظهار أنها مستحيلة عمليًا وستضر بمصالح الدول نفسها.
ويجاول المجرم نتنياهو أيضاً من خلال حديثه عن الهواتف؛ إضعاف إرادة المقاومة؛ فالعبارة تهدف إلى بث الإحباط واليأس في صفوفهم، ملوحاً بفشل مقاومتهم وشل حركتها وإقناعهم بأن المعركة غير متكافئة إلى درجة يستحيل معها الفوز، فتقنية تواصلكم مع العالم تحت سيطرتنا.
إن استعراض القوة أمام حليفٍ قوي مثل وزير الخارجية الأمريكي، يعد؛ حتى للحلفاء الآخرين، رسالة تحذيرية وغير مباشرة فحواها أن دعمكم لنا ليس منّة منكم، بل هو استثمار في مصلحتكم.
كون قوتنا هي قوتكم، وضعفنا أو غضبنا قد يكون مضرًا لمصالحكم التكنولوجية والأمنية، وبهذا الأسلوب تتأكد التبعية المتبادلة وإخبار الحليف بأن قيمة إسرائيل تتجاوز كونها مجرد حاملة لواء الديمقراطية في المنطقة، بل هي شريك استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه في مجال الأمن السيبراني والاستخبارات.
لقد استخدم نتنياهو العبارة السامة حول الهواتف وعلاقتها بالكيان الصهيوني، كسلاح نفسي وسياسي لمحاولة إضعاف ديناميكية الرفض العالمي.
بدلاً من الدفاع عن المشروع الصهيوني في ساحة الرأي العام (حيث يخسر تدريجيًا)، وقام بنقل المعركة إلى ساحة أخرى يملك فيها تفوقًا نسبياً؛ وهي ساحة التكنولوجيا والتبعية العالمية لها.
إنه لم يقل "انظروا كم نحن مبدعون" ، بل قال: "انظروا كم أنتم معتمدون علينا، وكم سيكون ثمن معارضتكم باهظًا".
إن الرفض العالمي – في نظره - لا يهم عندما يكون العالم مكبلًا بسلاسل التقنية التي نتحكم بها، فالتقنية إستراتيجية تستبدل الشرعية الأخلاقية بسلطة القوة التكنولوجية القاهرة، وتجعل من "إسرائيل الكبرى الرقمية" حصنًا منيعًا ضد محاولات محاسبتها أو مقاطعتها.
وعلينا أن نتعمق أكثر من الناحية الدلالية، فهذه العبارة تعمل على تفكيك الحاجز بين اليومي والسياسي، بين الخاص والعام.
فـ"الهاتف المحمول"، رمز الحياة العصرية والاتصال الشخصي، يُسحب قسرًا إلى دائرة الصراع الجيوسياسي. ولا يفوتنا أن ننوه أن استخدام كلمة (هنا) في العبارة، يجعل التهديد الرمزي المبطن قريبًا وملموسًا. وكلمة (تحمل) لا تعني فقط الامتلاك المادي، بل تحمل هذه الكلمة دلالة الاضطلاع بمسؤولية غير مرغوب فيها – مسؤولية التواطؤ غير المباشر.
احمد بشير العيلة
هل لديك هواتف محمولة هنا؟ أنت تحمل قطعة من إسرائيل! بهذه العبارة للإرهابي نتنياهو التي أثارها أمام وفد يقوده وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو مؤخراً في القدس الغربية، يتحول الفكر الصهيوني من مشروع استيطاني-جغرافي تقليدي إلى مشروع هيمنة تكنولوجية رقمية شاملة.
وقد أظهرت كيف تم تحويل تلكم العقيدة الاستيطانية التوراتية إلى قوة تخترق السيادة الوطنية للدول الأخرى وتجعل العالم بأسره ساحة للتوسع والنفوذ الإسرائيلي، (أو هكذا أراد أن يوهم نتنياهو العالم)، من أجل تحقق حلم، أو وهم "إسرائيل الكبرى"، ليس على الأرض وحسب، بل وفي الفضاء الرقمي المحيط بها.
ومن هنا فإن عبارة نتنياهو لم تُطلق جزافاً، بل هي بيان استراتيجي صهيوني يحمل في طياته رسالة سياسية عميقة.
فهي تشير إلى حقيقة مفادها أن الهواتف المحمولة، كغيرها من الأجهزة التكنولوجية الحديثة، قد تحتوي على مكونات أو برامج أو تقنيات تم تطويرها أو تصنيعها في دولة الكيان اللقيط، أو بإشرافه، وبالتالي، تتحول وفقًا لهذا المنطق من أداة بريئة إلى آلة تخويف تطال الجميع.
ومن خلال قراءة متأنية في هذه العبارة؛ فإننا نستنتج أن هناك توقيتاً دقيقاً في طرحها في سوق التأثير الدولي، فقد جاءت رداً على الرفض العالمي للمشروع الصهيوني، فالرفض العالمي المتصاعد للمشروع الصهيوني، وصعود الخطاب النقدي في وسائل الإعلام والجامعات العالمي، الذي خلق حالة من الحصار الدبلوماسي والشعبي حول إسرائيل.
يدفع بعبارة نتنياهو للتحول من مجرد التباهي إلى إستراتيجية هجومية لقلب طاولة الرفض على المحتجين، وإعادة تعريف معادلة جديدة للقوة. وتعمل آلية التخويف هذه بتذكير الخصم، والذي هو هنا ضمير العالم، وخاصة الغربي، بأنه لا يمكن أن يستغني عن (هذه القطعة التقنية)، ولا يمكنهم الهروب من سيطرتها، فالتقنية التي تحكم اقتصادك وأمنك القومي وتواصلك الاجتماعي هي من صنعنا.
ومقاطعتكم بالتالي سطحية وهشة. وهذه تعد محاولة في خلق شعور بالعجز والازدواجية لدى المحتج.
ويحاول الإرهابي نتنياهو بهذه العبارة تحويل التهديد الوجودي إلى ورقة ضغط، فالمشروع الصهيوني قائم على فكرة التهديد الوجودي.
هنا، يقوم الثعلب نتنياهو هذه الفكرة، وكأنه يقول: "نحن لسنا الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى حماية. نحن الطرف الذي يمسك بأوتار التقنية التي يعتمد عليها عالمكم.
وتهديدكم لنا قد يكون مكلفًا لكم أنتم أيضًا"، وفي هذا محاولة يائسة لنزع سلاح حركة المقاطعة من خلال إظهار أنها مستحيلة عمليًا وستضر بمصالح الدول نفسها.
ويجاول المجرم نتنياهو أيضاً من خلال حديثه عن الهواتف؛ إضعاف إرادة المقاومة؛ فالعبارة تهدف إلى بث الإحباط واليأس في صفوفهم، ملوحاً بفشل مقاومتهم وشل حركتها وإقناعهم بأن المعركة غير متكافئة إلى درجة يستحيل معها الفوز، فتقنية تواصلكم مع العالم تحت سيطرتنا.
إن استعراض القوة أمام حليفٍ قوي مثل وزير الخارجية الأمريكي، يعد؛ حتى للحلفاء الآخرين، رسالة تحذيرية وغير مباشرة فحواها أن دعمكم لنا ليس منّة منكم، بل هو استثمار في مصلحتكم.
كون قوتنا هي قوتكم، وضعفنا أو غضبنا قد يكون مضرًا لمصالحكم التكنولوجية والأمنية، وبهذا الأسلوب تتأكد التبعية المتبادلة وإخبار الحليف بأن قيمة إسرائيل تتجاوز كونها مجرد حاملة لواء الديمقراطية في المنطقة، بل هي شريك استراتيجي لا يمكن الاستغناء عنه في مجال الأمن السيبراني والاستخبارات.
لقد استخدم نتنياهو العبارة السامة حول الهواتف وعلاقتها بالكيان الصهيوني، كسلاح نفسي وسياسي لمحاولة إضعاف ديناميكية الرفض العالمي.
بدلاً من الدفاع عن المشروع الصهيوني في ساحة الرأي العام (حيث يخسر تدريجيًا)، وقام بنقل المعركة إلى ساحة أخرى يملك فيها تفوقًا نسبياً؛ وهي ساحة التكنولوجيا والتبعية العالمية لها.
إنه لم يقل "انظروا كم نحن مبدعون" ، بل قال: "انظروا كم أنتم معتمدون علينا، وكم سيكون ثمن معارضتكم باهظًا".
إن الرفض العالمي – في نظره - لا يهم عندما يكون العالم مكبلًا بسلاسل التقنية التي نتحكم بها، فالتقنية إستراتيجية تستبدل الشرعية الأخلاقية بسلطة القوة التكنولوجية القاهرة، وتجعل من "إسرائيل الكبرى الرقمية" حصنًا منيعًا ضد محاولات محاسبتها أو مقاطعتها.
وعلينا أن نتعمق أكثر من الناحية الدلالية، فهذه العبارة تعمل على تفكيك الحاجز بين اليومي والسياسي، بين الخاص والعام.
فـ"الهاتف المحمول"، رمز الحياة العصرية والاتصال الشخصي، يُسحب قسرًا إلى دائرة الصراع الجيوسياسي. ولا يفوتنا أن ننوه أن استخدام كلمة (هنا) في العبارة، يجعل التهديد الرمزي المبطن قريبًا وملموسًا. وكلمة (تحمل) لا تعني فقط الامتلاك المادي، بل تحمل هذه الكلمة دلالة الاضطلاع بمسؤولية غير مرغوب فيها – مسؤولية التواطؤ غير المباشر.