توقيت دقيق في العمل الفلسطيني المقاوم

  • الأحد 09, أبريل 2023 10:29 ص
  • توقيت دقيق في العمل الفلسطيني المقاوم
لكل فعل سياسي عنيفا كان أو سلميا بعد هام يتمثل في البعد الزمني الخاص باختيار لحظة الفعل وتوقيتها، وأعتقد أن تصعيد الفعل المقاوم في فلسطين المحتلة جاء ضمن حسابات دقيقة للغاية لأن القرار تناغم مع المعطيات المحلية والإقليمية والدولية كما يتضح في المؤشرات التالية:
توقيت دقيق في العمل الفلسطيني المقاوم
د. وليد عبد الحي
لكل فعل سياسي عنيفا كان أو سلميا بعد هام يتمثل في البعد الزمني الخاص باختيار لحظة الفعل وتوقيتها، وأعتقد أن تصعيد الفعل المقاوم في فلسطين المحتلة جاء ضمن حسابات دقيقة للغاية لأن القرار تناغم مع المعطيات المحلية والإقليمية والدولية كما يتضح في المؤشرات التالية:
أولا: على الصعيد المحلي: تعيش إسرائيل أزمة بنيوية في نظامها السياسي، فالصراعات بين الأجنحة السياسية يسارا ويمينا، متدينين وعلمانيين، عسكريين ومدنيين، حكومة ومعارضة، وبين عقلانيين ومهووسين، واضحة للعيان، إلى الحد أن العديد من نخبهم من شرائح مختلفة ومن الصفوف الأولى عسكريا وسياسيا واكاديميا بدأ يلمح أو يصرح بأن إسرائيل تقف على عتبة حرب أهلية، وبغض النظر عن مدى دقة هذا التنبؤ، إلا انه يعكس توجسا وجوديا لا يمكن أغفاله.
من هنا فان قرار المقاومة بالتصعيد جاء في لحظة هي الأقل تناغما بين أجهزة السلطة في إسرائيل، ومن حق المقاومة أن تحسب ذلك وتستثمره لأنه يشكل نقطة ضعف بنيوية من ناحية بل وقد يزيد الوضع الإسرائيلي الداخلي تأزما من ناحية أخرى، وإن النهش في الجسد الإسرائيلي برشقات الصواريخ على حواف الدولة الصهيونية من جنوب لبنان ومن غزة يعلي وتيرة التوتر في السلطة والمجتمع ، ومع تنامي أفعال المقاومة وضرباتها في أماكن متناثرة من الجسد الإسرائيلي يزيد الأمور تعقيدا، ناهيك عن تكاليف اقتصادية واجتماعية تنجزها المقاومة، فالسياحة والاستثمار وقيمة العملة تتضرر، وتعميق الإنهاك النفسي يزداد وهو ما يتضح في أن اعلى نسب الانتحار في المجتمع الإسرائيلي هي في مستوطنات غلاف غزة تليها المستوطنات المحاذية للجنوب اللبناني، ناهيك عن استدعاء الاحتياطي العسكري والذي يعني امتصاص الأيدي العاملة وتحويلها من عامل منتج إلى عسكري غير منتج ، بل ويقود إلى زيادة التوظيف في قطاعات الحراسات الأمنية في كل شارع وعند كل مدرسة وسينما وملعب رياضي وسوق ومول …الخ، وهي تكاليف تتوارى في الإعلام بخاصة العربي وراء عدد القتلى ولا يتم إيلاءها العناية الكافية من المتابعة والتحليل.
من الجانب الفلسطيني، فان الفعل المقاوم هو من أربك الحسابات وأجج الخلاف في البنية الإسرائيلية وليس “التنسيق الأمني المقدس” والغبي، ولا التوجه للشباب الإسرائيلي، ولا التهديد بالذهاب للمحاكم الدولية، فالمقاومة هي قابلة التاريخ، كل ذلك يعزز خيار المقاومة على حساب غوايات السلام الكاذب وغوايات سياسات الاسترضاء، فالمقاومون اقرب للوحدة من عشاق تسيفي ليفني وعسس الطلقة الأولى.
ثانيا: على الصعيد الإقليمي: أعاد الفعل المقاوم للقضية الفلسطينية القها، ووضع زجالي التطبيع والاعتراف في زاوية ضيقة ، ووضع رجال الدين وحركاتهم الدينية السياسية موضع الحرج التام، ففي ظل ما يجري في الأقصى بات الحلال بيناً أكثر والحرام بينا اكثر، فماذا أضاف التطبيع والاعتراف والسلام الكاذب للعالم العربي إلا زيادة في الفقر والقتل والتشرذم والتخلف العلمي والاستبداد وتكريسا لأنظمة سياسية عماد انتقال السلطة فيها هو العصبية المنتنة، كل ذلك في تقديري إنجاز وكشف للمستور أكثر، لقد تحققت وحدة الساحات بالفعل المقاوم لا بفعل مناورات ومؤتمرات القمة وبيانات مرضى الظهور الإعلامي وأبطال الشاشات، وسفراء إدانة إندونيسيا لأنها منعت المشاركة الرياضية الإسرائيلية في ملاعبها..
ثالثا: على المستوى الدولي: استثمرت المقاومة لحظة انقسم فيها المجتمع الدولي إلى ثلاثة أقسام بخصوص الموضوع الفلسطيني: قسم حمل المسؤولية بوضوح لإسرائيل وانتهاكها للمقدسات ولكل القرارات الدولية بخاصة المتعلقة بالقدس، وقسم خجول يلمح بطريقة أو أخرى إلى “عتاب لإسرائيل” في أنها أججت الشرق الأوسط في وقت يحتاج حلفاؤها فيها قدرا من الهدوء ليتفرغوا لأوكرانيا وروسيا وتايوان والصين والأزمات الاقتصادية التي تعض بقسوة على اقتصاداتهم ، وهو ما نراه في الولايات المتحدة وأوروبا…أما القسم الثالث فهو من آثر الصمت لأن الأمر لا يعنيه أو لأن الخوف من ردود الفعل على أي موقف يعميه…كل ذلك يوحي أن المشهد الدولي في هذا الجانب بالتحديد وفي هذا الوقت بالتحديد ودون مبالغة(أكرر دون مبالغة) هو اقرب للموقف الفلسطيني.
لقد برهنتُ في دراسة منشورة قبل أكثر من سنة وبالحساب الرياضي ولفترة طويلة أن التأييد الدولي والتصويت في المنظمات الدولية لصالح فلسطين كان يزداد وبشكل لا لبس فيه في فترات اشتداد الفعل المقاوم، وان غدا لناظره قريب..
إن بواكير الاستدارة العربية شرقا تمثل الخيار الاستراتيجي الأفضل، وحان الفرز لكل المواقف، إن مساندة تنظيمات المقاومة تستوجب على كل الحركات السياسية بخاصة الدينية ذات الوزن الأثقل أن تحدد موقفها لا من خلال البيانات، بل من خلال الدعم المالي والمعنوي للمقاومة، والضغط على حكوماتها المطبعة والمعترفة بتغيير النهج…. وكل استدارة عربية شرقا ناقصة، بل ومقلقة ومريبة إذا أعطت ظهرها لفلسطين وأقصاها وبقيت القواعد العسكرية الأمريكية فيها.
لا أحلم، وأعرف الواقع جيدا، ولكن لنتخيل الآتي (أقول وأكرر لنتخيل): لو أن القمة العربية القادمة في الرياض تتخذ القرار التالي: إذا لم تعد إسرائيل إلى حدود 1967 خلال ستة شهور، فإن جميع الدول العربية ستقطع كل العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية مباشرة مع إسرائيل وتقوم بتفعيل مكاتب المقاطعة العربية على غرار ما كان قبل حرب 1967….ما الذي سيخسره العرب…؟
أتمنى من أي حاكم عربي أن يقول لي ما ذا سيخسر العرب من قرار كهذا، أظن أنهم لن يخسروا عُشر ما خسروه في ربيعهم البائس، وبشهادة رئيس وزراء قطر السابق الذي قال بوضوح أنه تم رصد 2 تريليون (نعم 2 تريليون) للربيع دفع منها 137 مليار ” وطارت الصيدة”…فماذا ستخسرون من قطع العلاقة مع إسرائيل.. الم تكون مقطوعة لعشرات السنين…؟