العيد في نابلس.. غاب "أسود العرين" وحضرت ذكرياتهم

  • السبت 22, أبريل 2023 11:42 ص
  • العيد في نابلس.. غاب "أسود العرين" وحضرت ذكرياتهم
عيد حزين مثقل بالهموم والآلام يحل هذا العام على بيوت غاب أبناؤها عنها، ليفتح جروحاً لم تندمل بعد، ويكوي قلوبًا فقدت نبض الحياة بفقدان أحبتها.
العيد في نابلس.. غاب "أسود العرين" وحضرت ذكرياتهم
نابلس - وكالة سند للأنباء
عيد حزين مثقل بالهموم والآلام يحل هذا العام على بيوت غاب أبناؤها عنها، ليفتح جروحاً لم تندمل بعد، ويكوي قلوبًا فقدت نبض الحياة بفقدان أحبتها.
في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، التي ودّعت خلال العام الأخير عشرات الشهداء، لم تجد الفرحة طريقها إلى بيوتهم، فكان كل يومٍ يُقربهم إلى عيد الفطر، يزديهم حزنًا وألما.
وفي هذه المادة طرقت "وكالة سند للأنباء" أبواب عدد من عائلات الشهداء، ترصد حالهم، وتلامس جراحهم التي كانت تتفتح كل يوم على مائدة الإفطار في شهر رمضان الفضيل، لتزداد عمقًا مع حلول العيد.
طقوس غابت معهم..
"كان سائد هو من يزيّن البيت في رمضان والعيد، كان يساعدني حتى في تحضير المعمول، لكنه رحل ورحلت معه فرحة العيد"، بتلك الكلمات بدأت السيدة "أم سعدي" والدي الشهيد سائد الكوني حديثها معنا، وهي تستذكر حضور ابنها الشهيد خلال فترة العيد.
وتضيف: "كان سائد صاحب الحضور الكبير في الأعياد، وبعد رحيله، ومثلما غابت بهجة رمضان، تغيب بهجة العيد، فهو الذي كان دائما المبادر لتزيين البيت وخلق الأجواء الرمضانية وأجواء العيد".
تطلق تنهيدة تبث فيها شيئا من وجعها، وتتساءل: "كيف تكون هناك بهجة للعيد وابني شهيد وهناك عشرات البيوت فيها شهداء؟"، وتكمل بصوت هدّه الوجع: "عيدهم أحلى في الجنة، هم قدموا لنا أحلى هدية، وربنا أكرمهم بالشهادة وهم أكرمونا بشهادتهم".
تصمت قليلًا وكأنها تسترجع شريط حياة فقيدها بتفاصيله، وتسرد: "كان يمضي اليوم السابق للعيد مع أصحابه، فيذهب لشراء الملابس ويختم اليوم عند الحلاق، ومع ذلك فلا ينقطع اتصاله بي وسؤالي إن كنت أحتاج أي شيء لتجهيزات العيد".
وبلهفة كلهفة الأطفال، كان الشهيد سائد يحضر ملابس العيد ليريها لوالدته، عدا عن حرصه على مرافقة والده في صباح العيد، والوقوف إلى جانب أهالي الشهداء أثناء زيارتهم لقبور أبنائهم، حسب والدته.
وبصوت تخنقه الذكريات والعبرات، تواصل: "عندما يرجع كان يحضنني ويقبل يدي، ويحتار ماذا يفعل ليدخل السعادة إلى قلبي".
وعن وجبته المفضلة صبيحة العيد، تخبرنا "أم سعدي": "كانت أكلته المفضلة في العيد هي السمك المملح "الفسيخ"، وكان يبادر دائمًا لشرائه بنفسه من السوق".
وتردف: "كان رحمه الله صاحب حضر كبير، لكن استشهاد أصدقاءه من قبله أثر عليه جدًا، وغيابه الآن، ترك فراغًا كبيرًا وشعورًا مؤلما لنا ولأصدقائه وأبناء الحي، كل جزء في البيت يفتقد سائد".
واستشهد الكوني في أيلول/ سبتمبر 2022 بكمين للاحتلال خلال توجهه برفقة مقاومين لاستهداف مستوطنة "براخا" المقامة على جبل جرزيم، ولا زال الاحتلال يحتجز جثمانه.
ذكريات لا تُنسى..
والدة الشهيد محمد عبد الفتاح أبو بكر، فقد جاء عليها العيد هذا العام صعبا وقاسيا، وهي تفتقد فيه ابناً شهيدا والآخر في سجون الاحتلال
وتقول لنا: "لا شك أن غياب محمد هذا العيد صعب علينا؛ فنحن اعتدنا أن يكون معنا ويلبي احتياجاتنا، رغم أني أشعر أنه معي طوال الوقت، لكن بدون محمد لا يوجد أي مظاهر للعيد إلا ما يأمرنا به ديننا".
وتلفت أم الشهيد أن عيد الفطر هذا العام هو الثاني دون محمد، حيث أمضى عيد الفطر الماضي وهو بالأسر.
وبقلب الأم الذي لا ينسى أدق التفاصيل، تحدثنا عن فقيدها: "أفتقد كل شيء بغياب محمد، كان سندا لإخوته، هو الروح للبيت والركن الأساسي فيه، والمسؤول عني وعن إخوته وتدبير أمور البيت".
وبصوت تتسلل معه عبراتها تسرد: "محمد كان كل شيء بالنسبة لي، وهو الذي يلبي كل طلباتي وهو الذي يضحكنا وهو الذي ينبهنا للسحور وهو من يختار المأكل والملبس".
ومحمد المقاوم الذي استشهد وهو مشتبك مع القوات الخاصة في 22 شباط/ فبراير الماضي، كان في عيني أمه كالطفل في استعداده للعيد، وعن ذلك تقول: "كان يستعد ليوم العيد مثل استعداد الأطفال ويفرح بالعيد كفرح الأطفال، كان يحب كعك العيد من صنع يدي، ويقول لي: بدون كعك العيد من صنع يديك لا طعم للعيد".
أما ليلة العيد وما تحمله من ذكريات، تسرد ضيفتنا: "في ليلة العيد، اعتاد محمد على قضاء الساعات مع أصحابه، والذهاب بصحبتهم لشراء ملابس العيد، ويحرص أصحابه أن يكون معهم ليختار لهم ملابسهم على ذوقه".
وفي صبيحة العيد، كان محمد يصطحب والدته لصلاة العيد وزيارة القبور، ويزور أهالي الشهداء والأسرى، قبل أن ينطلق لزيارة أرحامه وأقاربه، ومع حلول المساء، كان شهيدنا يصطحب أخواته للترويح عنهن".
فراق بعد اجتماع
وفي بيت آخر، تجلس والدة الشهيد مصعب عويص أمام صور ابنها المعلقة على جدران منزله في مخيم بلاطة بنابلس، مشيرة إلى أنه ليس العيد الأول الذي يمر دونه، لكنه أمضى العيدان الأخيران معهما، بعد أن أمضى أربع سنوات ونصف في الاعتقال.
تتابع حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "في عيد الفطر الماضي كانت فرحتي كبيرة باجتماع كل العائلة بعد خروج مصعب وشقيقه من سجون الاحتلال، لكن سرعان ما تبددت سعادتنا هذا العيد مرة أخرى".
وعن تفاصيل فقيدها خلال العيد تقول: "قبل العيد كان يتفقد احتياجات البيت ويلح عليّ أن أطلب أي شيء ليأتيني به، ويشتري من أصناف الضيافة الفخمة وغالية الثمن
وتردف: "حتى عندما كان أسيرًا في سجون الاحتلال، كان يتصل قبل العيد ليتأكد أنه لا ينقصنا شيء، ويطلب منا شراء كل شيء، وإذا شعر بأي نقص كان يطلب من أصحابه خارج السجن أن يحضروه لنا".
وبحنان الأم وقلبها الذي اكتسى بالحزن، تحدثنا: "كل أبنائي غاليين لكن مصعب كان متميزا، وربي اختبرني بأحب أبنائي".
وعن تفاصيله بالعيد تحكي: "كان مصعب يمتاز بتنظيم وقته، وفي العيدين الماضيين رافق والده وأخوه لزيارة بيوت أقربائه في مخيم بلاطة والقرى في يوم واحد للمعايدة عليهم"
وبنبرة لا تخلو من الحزن والدموع تقول: "كان يحب حلوى المعمول الذي أصنعه في البيت، لهذا كنت أخصص له حصة من المعمول".
وتختم بالقول: "اعتدت في كل عيد أن أزور قبور والدي وأقربائي، أما اليوم فسأزور قبر فلذة كبدي ومهجة قلبي، وبعد أن حلّ شهر رمضان صعبا علينا، يأتي العيد صعبا كذلك، لكن إن شاء الله العيد أحلى عند رب العالمين".