أعمال مشبوهة

  • السبت 13, أبريل 2024 09:24 ص
  • أعمال مشبوهة
في الوقت الذي تواصل فيه غزة انتصارها على التحالف الصهيو-أميركي، وقد امتد ذلك على مدى الأشهر الستة الماضية وما يزال، نجد أن كثيراً من الألسنة والأقلام التي ألجمتها دهشة الانتصار وهول الإبادة الجماعية، قد انطلقت لتصبّ سمومها السوداء وأحقادها الدفينة على حركة “حماس” والمقاومة المسلحة، التي تخوض أشرف معركة عرفها التاريخ الفلسطيني والعربي منذ بداية القضية قبل أكثر من ١٢٠ عاماً.
أعمال مشبوهة
محمود عبد الهادي - مدونة العرب
في الوقت الذي تواصل فيه غزة انتصارها على التحالف الصهيو-أميركي، وقد امتد ذلك على مدى الأشهر الستة الماضية وما يزال، نجد أن كثيراً من الألسنة والأقلام التي ألجمتها دهشة الانتصار وهول الإبادة الجماعية، قد انطلقت لتصبّ سمومها السوداء وأحقادها الدفينة على حركة “حماس” والمقاومة المسلحة، التي تخوض أشرف معركة عرفها التاريخ الفلسطيني والعربي منذ بداية القضية قبل أكثر من ١٢٠ عاماً.
وبدلاً من أن يوجه هؤلاء سهامهم ورصاصهم إلى صدور جيش الكيان الصهيوني، وحكومته المتطرفة، ورئيسها المجرم الفاشي الدموي، وشركائه في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، نجدهم يوجّهونها إلى صدور المقاومة، ويتسابقون في تحميلها المسؤولية عما حدث للشعب الفلسطيني في قطاع غزة من دمار وقتل ومعاناة، متعلّلين بأن المهنية الإعلامية والمعالجة الموضوعية تقتضي منهم القيام بذلك، متناسين أنهم بذلك إنما يعززون جبهة الكيان الصهيوني، ويبررون لها ما قامت به، بل ويقدمون لها مسوغات مواصلة التوحّش الذي يقوم به الكيان لتنفيذ مخططاته، المعلنة منها وغير المعلنة.
كان الأولى بهم، إذا كان الحزن والألم قد اشتدّا عليهم، أن يشدّوا على أسنانهم ويقضموا ألسنتهم، حتى لا يتفوهوا بكلمة واحدة تصبّ في صالح أعداء الشعب الفلسطيني الذي يقاتل من أجل استعادة حقوقه السليبة.
– دوافع مكشوفة
إن هذه الظاهرة العربية، التي تخيّم على العديد من القنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي، ظاهرة مفجعة، وتثير الكثير من التساؤلات حول حقيقة انتماء هؤلاء المتحدثين، وحول دوافعهم من فتح هذه المعركة الجانبية، في الوقت الذي تتواصل فيه حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية دون هوادة، ضاربة عرض الحائط بكافة المنظمات والمؤسسات والمواثيق والاتفاقيات الدولية والإنسانية، في استباحة كاملة لكل شيء من الحجر إلى البشر، دون حساب لقريب أو بعيد.
إن دوافع هؤلاء المتحدثين لا تكاد تخرج عما يأتي:
1. مساندة التحالف الصهيو-أميركي مباشرة في تفكيك الصمود الشعبي في قطاع غزة، والتفاف الجماهير حول حركة حماس والمقاومة رغم كل ما تتعرض له من إجرام.
2. المشاركة في المعركة الخلفية التي تقوم بها بعض الأطراف العربية لمساعدة التحالف الصهيو-أميركي في القضاء على حركة حماس والمقاومة المسلحة.
3. التنفيس عن الحقد الحزبي أو الفكري ضد حركة حماس، واستغلال المأساة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزة، بإلقاء المسؤولية على حماس، بهدف إضعافها سياسياً وفكرياً واجتماعياً.
4. الارتزاق من المشاركة فيما بات يُعرف بـ “الحرب على الإخوان”، والتشهير بهم، وتحطيم قواعدهم، وكشف عوراتهم، وتضخيم أخطائهم، حيث تلتقي حماس في جذورها الفكرية والتنظيمية مع حركة الإخوان المسلمين، التي تصنفها دول عربية عديدة كجماعة إرهابية. وقد بات معروفاً أن من يريد التقرب من هذه الدول ومسؤوليها ومؤسساتها؛ يكفيه أن يُشْهر لسانه وقلمه ضد حماس والإخوان المسلمين.
أما تذرّع هؤلاء الكتاب والمتحدثين بالموضوعية والمهنية والمصالح الوطنية، فهي مجرد شعارات يخفون وراءها نواياهم الحقيقية ودوافعهم الضّالة، فإن من يساند الاحتلال وحلفاءه، في هذه المرحلة الحساسة، لا يمكن التسليم بنزاهة نواياه، ومثل هذه الأحاديث لا تصب إلا في مصلحة التحالف الصهيو-أميركي.
كان الأولى بهؤلاء أن يستعرضوا مهاراتهم وقدراتهم التعبيرية في فضح الجرائم الصهيو-أميركية، وحرب الإبادة الجماعية التي يشنّونها على الشعب الفلسطيني.
كان الأولى بهم أن يفضحوا المخططات الصهيو-أميركية في قطاع غزة ضد الشعب الفلسطيني والقدس والضفة الغربية.
كان الأولى بهم أن يوضّحوا للعالم عدالة القضية الفلسطينية، وحق القوى الفلسطينية في ممارسة حقها المشروع دولياً في مقاومة الاحتلال واستعادة حقوقها المغتصبة.
وكان الأولى بهم إذا كان الحزن والألم قد اشتدّا عليهم بسبب ما يحدث للمدنيين في قطاع غزة؛ أن يشدّوا على أسنانهم ويقضموا ألسنتهم، حتى لا يتفوهوا بكلمة واحدة تصبّ في صالح أعداء الشعب الفلسطيني، الذي يقاتل من أجل استعادة حقوقه السليبة.
إن غزة تنتصر يومياً على التحالف الصهيو-أميركي، الذي ينهزم يومياً، عسكرياً وسياسياً وقانونياً وإنسانياً وأخلاقياً ليس في غزة وحسب، بل في العالم أجمع، وقد فتحت معركة طوفان الأقصى صفحة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية، لا تشبه ما قبلها، لكافة أطرافها
– ثوابت غائبة
إن هذه الظاهرة تقتضي منا توضيح جملة من الثوابت التي لا بد من استحضارها والتقيّد بها والانطلاق منها، عند الحديث عما يدور في قطاع غزة، وفي مقدمة هذه الثوابت:
1. أن حركة حماس، ومعها جميع حركات المقاومة المسلحة التي تواجه جيش الكيان الصهيوني، هي حركات وطنية فلسطينية، تعمل بكل الوسائل المتاحة لديها من أجل مقاومة الاحتلال الصهيوني، والانتصار للحقوق الفلسطينية السليبة.
2. أن الكيان الصهيوني كيان غاصب، ليس له أي سند شرعي في كل ما يقوم به داخل الأراضي الفلسطينية التاريخية، وأن حقائق الواقع الراهن، وعلاقاته السياسية التطبيعية مع بعض الدول العربية لن تغيّر هذه الحقيقة، حتى لو دخلت جميع الدول العربية في علاقات مع الكيان الصهيوني.
3. أن المعركة الدائرة في قطاع غزة حالياً هي أكبر معركة حقيقية ضد الكيان الصهيوني منذ بداية القضية، وأن الكيان الصهيوني يشعر لأول مرة منذ نشأته بأن استقراره على المحك، وأن أصحاب الحق ما زالوا يطالبون به.
4. أن هذه المعركة؛ يكفيها شرفاً أن حماس وفصائل المقاومة تخوض فيها حرباً عاتية ضد أكبر جبروت عالمي إقليمي؛ الولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
5. أن هذه المعركة لم تزل دائرة، وأن نتائجها لم تحسم بعد، وأي حديث تقويمي لها أو عن مرحلة ما بعدها لا يجدي نفعاً.
6. أن غزة تنتصر يومياً على التحالف الصهيو-أميركي، وأن المقاومة أعلنت أنها لن تستسلم حتى يتحقق لها النصر الكامل في هذه المعركة، مهما بلغت التضحيات.
7. أن التحالف الصهيو-أميركي ينهزم يومياً، عسكرياً وسياسياً وقانونياً وإنسانياً وأخلاقياً ليس في غزة وحسب، بل في العالم أجمع.
8. أن الكيان الصهيوني يدفع في هذه المعركة ثمناً لم يسبق له أن عاشه منذ احتلاله لفلسطين.
9. أن هذه المعركة فتحت صفحة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية، ولن يكون ما بعدها شبيهاً بما قبلها، لكافة أطرافها.
لو استحضر هؤلاء الكتاب والمتحدثون هذه الثوابت، ووضعوها نصب أعينهم، لكظموا غيظهم وكفكفوا دمعهم، ولربتوا على أكتاف حماس والمقاومة وشدّوا على أياديهم بدلاً من أن يسلخوا ظهورهم.