الخديعة الأميركية الكبرى

  • الثلاثاء 16, أبريل 2024 11:11 ص
  • الخديعة الأميركية الكبرى
التصريحات الخطيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في واشنطن هذا الأسبوع؛ كشفت عن جملة من الحقائق التي ينبغي الوقوف عندها، والتعامل مع ما يدور في غزة على أساسها.
الخديعة الأميركية الكبرى
محمود عبد الهادي – الجزيرة نت
التصريحات الخطيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مؤتمره الصحفي مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون في واشنطن هذا الأسبوع؛ كشفت عن جملة من الحقائق التي ينبغي الوقوف عندها، والتعامل مع ما يدور في غزة على أساسها.
فلأول مرة يصرح بلينكن، بكل وضوح، وبما لا يدع مجالا للتفسير أو التأويل، أن على حركة "حماس" تحرير الأسرى وتسليم السلاح والاستسلام. ورغم أن هذا الموقف ليس جديدا من الإدارة الأميركية، التي دأب المتحدثون باسمها على القول بأن إيقاف الحرب بيد حماس إذا استسلمت.
إلا أن الوزير بلينكن (المراوغ) تجنب التصريح بهذا الموقف في جولاته المكوكية في الشرق الأوسط، في محاولة لتجنب المزيد من التوتر والاستفزاز الشعبي في الشارع العربي والإسلامي، وإعطاء مزيدا من الوقت للكيان الصهيوني لتنفيذ الأهداف الصهيو-أميركية المشتركة، والتي لم يتمكن من تحقيقها حتى الآن.
لا بديل عن الحسم العسكري
أخيرا، وبعد ستة أشهر من حرب الإبادة الجماعية الصهيو-أميركية في قطاع غزة، بدأت تتجلى معالم الخديعة الكبرى للإدارة الأميركية التي تدير بها هذه الحرب بكل وحشية، دون اعتبار لمكانتها الدولية، وللنظام العالمي، والقوانين الدولية والإنسانية، فهذه التصريحات التي صدرت عن رأس هرم الدبلوماسية الأميركية تشير بكل وضوح إلى ما يأتي:
حجم الخداع والكذب والمراوغة التي كانت تتدفق على ألسنة مسؤولي الإدارة الأميركية، للتمويه على حقيقة الموقف الأميركي، الذي كان واضحا منذ اليوم الأول في التشديد على القضاء على حركة حماس، وقدم للكيان الصهيوني النصائح اللازمة للقيام بذلك بالاستفادة من خبرة الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان.
هذه التصريحات رسالة واضحة لحركة حماس، وللدول العربية والإسلامية وللأمم المتحدة بكل مؤسساتها، من أجل الضغط على حركة حماس لتستجيب للمطالب الصهيو-أميركية، وتحذيرها من أن المعركة في المرحلة القادمة ستختلف عنها في الأشهر الستة السابقة.
ويأتي في هذا السياق استهداف عائلة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في مدينة غزة أمس. أن مفاوضات القاهرة الجارية حاليا، هي في حكم المنتهية، وأنه لن يعلو صوت في الأيام القادمة فوق صوت المعركة، وأن الولايات المتحدة لا بديل أمامها عن الحسم العسكري، وأنها ستساهم بكل ثقلها لتمكين الكيان الصهيوني من الانتصار.

وجولات المفاوضات المكوكية في القاهرة والدوحة بحضور قيادات أجهزة المخابرات والأمن في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ليست من أجل المدنيين الفلسطينيين، وإنما من أجل إحكام خطة القضاء على حركة حماس والمقاومة المسلحة. ولو أرادت الإدارة الأميركية الحفاظ على أرواح المدنيين الفلسطينيين لفعلت ذلك.
إن جميع أزمات إيصال المساعدات الإنسانية وإدارتها، كانت أزمات مفتعلة، ليست فقط بهدف الضغط على حماس، وإنما بهدف دفع الأمور على الأرض لتسير في صالح المخططات الصهيو-أميركية في قطاع غزة والمنطقة. وأن معركة رفح وتوسيع العمل العسكري؛ باتت وشيكة، وتنتظر الانتهاء من الرصيف البحري الأميركي العائم، ومراكز إيواء النازحين، الذين من المتوقع أن يعبر عدد منهم الحدود مع مصر. إن الولايات المتحدة لا تريد حلولا سياسية مع حركة حماس، ولو أرادت ذلك لفعلت، كما فعلت في تعاملها مع حزب الله وجماعة الحوثي تحت مبررات وذرائع يمكن استعمالها تماما في إيجاد حل سياسي مع حماس.
إن هذه الخديعة لا تقف عند حدود القضاء على حركة حماس، وإنما تتجاوز ذلك إلى التفريغ التدريجي لقطاع غزة، وأن إنشاء الرصيف العائم والتهديد بمعركة رفح القادمة يصب في هذا السياق، بهدف إجبار النازحين على الانتقال إلى مراكز الإيواء التي يجري إعدادها لهم على شواطئ قطاع غزة، بمشاركة عدد من الدول الغربية والعربية، وستخضع لإشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
كما أن عددا من دول المنطقة على علم بتفاصيل هذه الخديعة، وأنها تساهم مع الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في تنفيذها بهدف التخلص من حماس، وهي بذلك تساهم -عن قصد أو عن غير قصد- في تنفيذ مخطط التهجير الطوعي التدريجي لسكان قطاع غزة، أو معظمهم على الأقل.
التاريخ لن يرحمكم
هل نقول إن هذه التصريحات التي أدلى بها الوزير بلينكن بحاجة إلى وقفة جديدة من الدول العربية والإسلامية، تجاه السيناريو القادم؟ أم أنها تؤيد من الأساس مطالب بلينكن؟
إن هذه التصريحات تدعو بشكل عاجل الدول العربية والإسلامية المحورية، مثل مصر والسعودية وتركيا وإيران، للاجتماع من أجل تدارس تبعات هذه التصريحات والخروج بموقف مشترك يتجاوز المناشدات والإدانات والحديث عن المساعدات الإنسانية، إلى اتخاذ موقف عملي صريح ومباشر يحول دون استكمال فصول الإبادة الجماعية الجارية، والضغط على التحالف الصهيو-أميركي من أجل الإيقاف الدائم لإطلاق النار والتركيز على الحلول السياسية للأزمة، مع الاستفادة في ذلك من الدول المعارضة لحرب الإبادة الصهيو-أميركية في غزة مثل جنوب أفريقيا وإسبانيا وإيرلندا والبرازيل.
لديكم الكثير من الأوراق السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي يمكنكم استخدامها، فلا تتخلفوا عن متطلبات المرحلة القادمة. تعرفون جيداً أن حركة حماس والمقاومة المسلحة لن تتراجع عن موقفها، ولن تلقي السلاح وتنسحب من المعركة، وستواصل مقاومتها حتى يقضي الله أمراً من عنده، فلا تتركوا التحالف الصهيو-أميركي يتجبر في قطاع غزة أكثر من ذلك، ولا تمكنّوه من تنفيذ مخطط الحرب القادمة، فالتاريخ لن يرحمكم.