والآن جاء دور الضفة الغربية
ساهر غزاوي
وإن كانت العمليات العسكرية التي يُنفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية المحتلة لا تحظى بذات الزخم الإعلامي والاهتمام الرسمي والشعبي كالتي تحظى به جبهتا الحرب على غزة ولبنان، إلا أن ذلك لا يُلغي واقع الحرب الحقيقية التي يتعرض لها الفلسطينيون في مناطق الضفة المحتلة مع عدم الإعلان عنها صراحة. ولا يُلغي حقيقة هدف المشروع الاحتلالي التكاملي مع حرب الإبادة على غزة، التي أوشكت على إنهاء عامها الأول، الساعي لتغيير الواقع السكاني للفلسطينيين في الضفة المحتلة وإجبارهم على النزوح القسري كمقدمات لمشروع “الوطن البديل” في الأردن.
يتقاطع ما ذكر مع الأصوات الإسرائيلية التي لا تزال تتعالى في الآونة الأخيرة، خاصّة أصوات من الأحزاب الدينية التي جاءت من رحم أجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية، أمثال وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، الذي يمثل الصهيونية على حقيقتها ومن دون قناع مزيف ومن غير رتوش تجميلية. هذه الأصوات لا تفتأ التذكير، صباحًا ومساءً، باستغلال أية فرصة لإكمال مشروع التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، كما أن هذه الأصوات غدت تعيد وتكرر علنًا وصراحة التذكير بطموحاتها في طرح فكرة “وطن بديل” للفلسطينيين أو أن “الأردن دولة للفلسطينيين” كحل للصراع القائم.
وليس بعيدًا عن ذلك، تلك المنصة التي اعتلاها الوزير الإسرائيلي سموتريتش في باريس في آذار 2023 ومرسوم عليها خريطة جغرافية ما تسمى “خارطة أرض إسرائيل” وتضم فلسطين والأردن وأجزاء من سورية حتى دمشق، كما أن “سموتريتش” الذي أنكر حينها في خطابه بشكل علني وصريح وجود الشعب الفلسطيني، ويعتبره مجرد شعب مخترع لم يكن موجودًا قبل نشأة المشروع الصهيوني، ينفي قطعًا وجود أرض فلسطين التي هي مجرد اسم -حسب تصوره- “أُطلقت على “أرض إسرائيل” لمحو ذكر اليهود عن هذه الأرض”، ومن هنا فهو يدعو لاعتماد منهج جديد، أي “حسم الصراع”، بدلًا من منهج “إدارة الصراع” الذي ظل مُتبعًا منذ عام 1967.
وهذا ما يؤكد مرة تلو الأخرى على أن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية قد وضعت أمامها هدفًا استراتيجيًا منذ تسلمها مقاليد الحكم، وهو هدف الانتقال من مرحلة إدارة الصراع إلى حسم الصراع مع الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس والمسجد الأقصى. وليس الداخل الفلسطيني بمنأى عن هذا كله، وفق المفهوم الإسرائيلي وأجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية.
في سياق الحرب الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، يقودنا تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” إلى خطة التدمير الممنهج للبنية التحتية في الضفة المحتلة التي يُراد منها دفع الفلسطينيين لحالة من اليأس للهجرة غير المباشرة من الأراضي الفلسطينية. فمع بدء العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الأوسع منذ عملية “السور الواقي” في عام 2002، على مستوى الأسلحة والقوات العسكرية، قال “كاتس” إنه “يجب التعامل مع التهديد في الضفة الغربية تمامًا كما تم التعامل مع قطاع غزة”.
بعد ذلك، تأتي آلة الإعلام الإسرائيلية لتذكر في عناوينها البارزة، أن خلال العملية العسكرية في الضفة المحتلة من المحتمل “تنفيذ إجلاء منظم للسكان الفلسطينيين المدنيين وفقًا لمراكز القتال المتوقعة”. وهكذا يتم تهيئة الوعي العربي والفلسطيني لقبول واقع تهجير وطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة خلف ستار الحرب والعمليات العسكرية. وتحت ذريعة “اجتثاث المقاومة” يجري تنفيذ مخطط اقتلاع الفلسطينيين وتهجير سكان غزة والضفة معًا خلال هذه الحرب. تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، ومن قطاع غزة إلى مصر، وفقًا للمخطط.
لقد سبق هذه العملية العسكرية الواسعة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها في هذه الأيام، تنفيذ “مخطط الحسم والضم والترحيل”، الذي يهدف إلى توسيع الاستيطان الإسرائيلي وزيادة مساحة السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية. وما يجري اليوم في الضفة الغربية يدخل ضمن المخطط الذي تسعى هذه الحكومة التي تعتمد منهج “حسم الصراع”، بدلًا من منهج “إدارة الصراع”، إلى تهجير الفلسطينيين وإقامة “دولة المستوطنين”، لا سيّما وأن عدد المستوطنين في الضفة وصل اليوم إلى 800 ألف وتسيطر المستوطنات فعليًا على ما يزيد عن 20% من مساحة الضفة الغربية، في حين قامت الحكومة الإسرائيلية بالفعل بضم مناطق “باء” و”جيم” والحد من صلاحيات السلطة الفلسطينية (أكثر مما هي محدودة).
بناء على ما تقدم وفي ظل الحرب الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، وفي ظل منهج “حسم الصراع”، لا بدّ من طرح بعض الأسئلة؛ أولًا: حول ما تبقى من فكرة “حل الدولتين” لتطبيقها على أرض الواقع؟ وثانيًا: أين السلطة الفلسطينية وأين دورها فيما يجري بالضفة؟ ومن حسن التوفيق أن الإجابات على مثل هذه الأسئلة سهلة جدًا جدًا.. ففكرة “حل الدولتين” أصبحت منتهية الصلاحية ويستحيل تطبيقها على أرض الواقع، فهي مثل الجثة التي يتم إخراجها من المشرحة من حين لآخر، كما يصفها إيلان بابيه، خاصّة وأن الموقف الإسرائيلي يستند من هذه الرؤية والفكرة إلى الاعتبارات الدينية والاستراتيجية والتاريخية والأمنية والسياسية والاقتصادية والأيدلوجية على حد سواء. وغالبية الأحزاب والتيارات السياسية دينية أم غير ذلك في إسرائيل، ترى بأن فلسطين هي كلها أرض إسرائيل، بل إن بعض الحاخامات اليهود قاموا بإصدار فتاوى تحرم الانسحاب من الضفة الغربية وتدعو إلى ضم الضفة الغربية كاملة إلى إسرائيل، وهذا بالضبط ما تفعله الحكومة الحالية التي تعتمد منهج “حسم الصراع”. أما السؤال الثاني فإجابته: (الضرب في الميت حرام). ولا فائدة ترجى من الضرب والإهانة في سلطة ميتة على أرض الواقع، وتعتبر إسرائيليًا منتهية الصلاحية، وفلسطينيًا فاقدة الشرعية ومقومات السيادة والحكم.
ساهر غزاوي
وإن كانت العمليات العسكرية التي يُنفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مناطق الضفة الغربية المحتلة لا تحظى بذات الزخم الإعلامي والاهتمام الرسمي والشعبي كالتي تحظى به جبهتا الحرب على غزة ولبنان، إلا أن ذلك لا يُلغي واقع الحرب الحقيقية التي يتعرض لها الفلسطينيون في مناطق الضفة المحتلة مع عدم الإعلان عنها صراحة. ولا يُلغي حقيقة هدف المشروع الاحتلالي التكاملي مع حرب الإبادة على غزة، التي أوشكت على إنهاء عامها الأول، الساعي لتغيير الواقع السكاني للفلسطينيين في الضفة المحتلة وإجبارهم على النزوح القسري كمقدمات لمشروع “الوطن البديل” في الأردن.
يتقاطع ما ذكر مع الأصوات الإسرائيلية التي لا تزال تتعالى في الآونة الأخيرة، خاصّة أصوات من الأحزاب الدينية التي جاءت من رحم أجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية، أمثال وزير المالية ورئيس حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش، الذي يمثل الصهيونية على حقيقتها ومن دون قناع مزيف ومن غير رتوش تجميلية. هذه الأصوات لا تفتأ التذكير، صباحًا ومساءً، باستغلال أية فرصة لإكمال مشروع التطهير العرقي بحق الفلسطينيين، كما أن هذه الأصوات غدت تعيد وتكرر علنًا وصراحة التذكير بطموحاتها في طرح فكرة “وطن بديل” للفلسطينيين أو أن “الأردن دولة للفلسطينيين” كحل للصراع القائم.
وليس بعيدًا عن ذلك، تلك المنصة التي اعتلاها الوزير الإسرائيلي سموتريتش في باريس في آذار 2023 ومرسوم عليها خريطة جغرافية ما تسمى “خارطة أرض إسرائيل” وتضم فلسطين والأردن وأجزاء من سورية حتى دمشق، كما أن “سموتريتش” الذي أنكر حينها في خطابه بشكل علني وصريح وجود الشعب الفلسطيني، ويعتبره مجرد شعب مخترع لم يكن موجودًا قبل نشأة المشروع الصهيوني، ينفي قطعًا وجود أرض فلسطين التي هي مجرد اسم -حسب تصوره- “أُطلقت على “أرض إسرائيل” لمحو ذكر اليهود عن هذه الأرض”، ومن هنا فهو يدعو لاعتماد منهج جديد، أي “حسم الصراع”، بدلًا من منهج “إدارة الصراع” الذي ظل مُتبعًا منذ عام 1967.
وهذا ما يؤكد مرة تلو الأخرى على أن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية قد وضعت أمامها هدفًا استراتيجيًا منذ تسلمها مقاليد الحكم، وهو هدف الانتقال من مرحلة إدارة الصراع إلى حسم الصراع مع الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس والمسجد الأقصى. وليس الداخل الفلسطيني بمنأى عن هذا كله، وفق المفهوم الإسرائيلي وأجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية.
في سياق الحرب الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، يقودنا تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” إلى خطة التدمير الممنهج للبنية التحتية في الضفة المحتلة التي يُراد منها دفع الفلسطينيين لحالة من اليأس للهجرة غير المباشرة من الأراضي الفلسطينية. فمع بدء العملية العسكرية للجيش الإسرائيلي في مناطق الضفة الأوسع منذ عملية “السور الواقي” في عام 2002، على مستوى الأسلحة والقوات العسكرية، قال “كاتس” إنه “يجب التعامل مع التهديد في الضفة الغربية تمامًا كما تم التعامل مع قطاع غزة”.
بعد ذلك، تأتي آلة الإعلام الإسرائيلية لتذكر في عناوينها البارزة، أن خلال العملية العسكرية في الضفة المحتلة من المحتمل “تنفيذ إجلاء منظم للسكان الفلسطينيين المدنيين وفقًا لمراكز القتال المتوقعة”. وهكذا يتم تهيئة الوعي العربي والفلسطيني لقبول واقع تهجير وطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة خلف ستار الحرب والعمليات العسكرية. وتحت ذريعة “اجتثاث المقاومة” يجري تنفيذ مخطط اقتلاع الفلسطينيين وتهجير سكان غزة والضفة معًا خلال هذه الحرب. تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، ومن قطاع غزة إلى مصر، وفقًا للمخطط.
لقد سبق هذه العملية العسكرية الواسعة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية المحتلة ومخيماتها في هذه الأيام، تنفيذ “مخطط الحسم والضم والترحيل”، الذي يهدف إلى توسيع الاستيطان الإسرائيلي وزيادة مساحة السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية. وما يجري اليوم في الضفة الغربية يدخل ضمن المخطط الذي تسعى هذه الحكومة التي تعتمد منهج “حسم الصراع”، بدلًا من منهج “إدارة الصراع”، إلى تهجير الفلسطينيين وإقامة “دولة المستوطنين”، لا سيّما وأن عدد المستوطنين في الضفة وصل اليوم إلى 800 ألف وتسيطر المستوطنات فعليًا على ما يزيد عن 20% من مساحة الضفة الغربية، في حين قامت الحكومة الإسرائيلية بالفعل بضم مناطق “باء” و”جيم” والحد من صلاحيات السلطة الفلسطينية (أكثر مما هي محدودة).
بناء على ما تقدم وفي ظل الحرب الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة، وفي ظل منهج “حسم الصراع”، لا بدّ من طرح بعض الأسئلة؛ أولًا: حول ما تبقى من فكرة “حل الدولتين” لتطبيقها على أرض الواقع؟ وثانيًا: أين السلطة الفلسطينية وأين دورها فيما يجري بالضفة؟ ومن حسن التوفيق أن الإجابات على مثل هذه الأسئلة سهلة جدًا جدًا.. ففكرة “حل الدولتين” أصبحت منتهية الصلاحية ويستحيل تطبيقها على أرض الواقع، فهي مثل الجثة التي يتم إخراجها من المشرحة من حين لآخر، كما يصفها إيلان بابيه، خاصّة وأن الموقف الإسرائيلي يستند من هذه الرؤية والفكرة إلى الاعتبارات الدينية والاستراتيجية والتاريخية والأمنية والسياسية والاقتصادية والأيدلوجية على حد سواء. وغالبية الأحزاب والتيارات السياسية دينية أم غير ذلك في إسرائيل، ترى بأن فلسطين هي كلها أرض إسرائيل، بل إن بعض الحاخامات اليهود قاموا بإصدار فتاوى تحرم الانسحاب من الضفة الغربية وتدعو إلى ضم الضفة الغربية كاملة إلى إسرائيل، وهذا بالضبط ما تفعله الحكومة الحالية التي تعتمد منهج “حسم الصراع”. أما السؤال الثاني فإجابته: (الضرب في الميت حرام). ولا فائدة ترجى من الضرب والإهانة في سلطة ميتة على أرض الواقع، وتعتبر إسرائيليًا منتهية الصلاحية، وفلسطينيًا فاقدة الشرعية ومقومات السيادة والحكم.