غزة تحتفل بالمولد على طريقتها
د. أحمد شحروري
ينشغل الناس كلما اقتربت ذكرى مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم بالحديث عن حكم الاحتفال بها، فمن مبدّع للمحتفلين إلى داعٍ للاحتفال حريص عليه، وجموع الفريقين هم من القاعدين، وهؤلاء عادة يتفتّقون عن مسائل فرعية ينزلونها منزلة الأصول والعقائد، لأنهم قاعدون، فعلمهم نظريّ ووقتهم بحاجة إلى ما يملؤه، ولا بأس عندهم إن ملأَه بعضهم بالتفسيق والتبديع، وبعضهم باجتراح مسائل وتفريعات لم تُعهَد من قبلهم، إنهم مفرّغون من الشواغل التي تنفع دينهم ودنياهم وتشعرهم بطعم الحياة الكريمة التي ضلّوا طريقها.
عندما زرت غزة قبل أكثر من عقد علمت كيف يكون الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم، علمت أن حراس الثغور يجب أن يكونوا من حفظة كتاب الله، وأن حياة الشباب مليئة بالعمل لا فراغ فيها، فهم في النهار في أعمالهم أطباء ومهندسين ومتعهدين وتجارا، وفي الليل جنود عاملون على حفظ وجودهم وحدودهم، ماضون في صنع توازن الرعب بينهم وبين عدوهم، ومنهم من وصل الليل بالنهار يحفر الأنفاق ويجهزها ليوم كريهة وسداد ثغر، وربما كان النفق آخر ما رآه من دنياه فلم يخرج منه إلا محمولا إثر انفجار قهري أو انهدام حفرة مفاجئ.
أهل غزة يذكرون ولادة النبي عليه الصلاة والسلام ويستحضرونها وهم يُخرِجون كتائبهم المقاومة إلى النور، فكما ولد الحبيب في ليل مكة المظلِم بالشّرك فأضاءها بالتوحيد، ولدت كتائب عز الدين القسام فأحالت ذلّ المستسلمين الخانعين إلى عز المجاهدين الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم سراجا لقنديل الليل الذي تغشّى فلسطين عقودا طويلة.
وأهل غزة وهم يذكرون عذابات المسلمين الأوائل في رمضاء مكة وفوق رمالها الملتهبة يعانون من ظَلَمة قومهم تعذيبا في سجون تُنسب إلى الثورة زورا، وكما حوصر المصطفى في شعب أبي طالب حوصرت المقاومة في غزة أضعاف زمان حصار الشِّعب، ولئن كان حصار مؤمني مكة من قِبَلِ كفارها فلقد جاء حصار أهل غزة بجهد ظالم من المنتسبين إلى دينهم وعقيدتهم.
يستذكر المسلمون في ذكرى المولد حدَثَ الهجرة النبوية كما يستذكرون هجرتنا بعد قرون من الزمان، أما هجرة المصطفى فقد كانت لبناء دولة يصلح مناخها لزرع بذور عزّة الإسلام الأبدية، وأما هجرتنا فقد كانت تشريدا وذلاّ ونكبة ثم نكسة ثم ضياعا مفتوحا إلى أن يكون عهد”طائفة من أمتي لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”، ونحن في أفيائه اليوم ولن تكون عاقبته إلا خيرا بإذن الله.
من أهل غزة ومن كتائب المقاومة في الضفة يجب أن نتعلم أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس أغنية لحنُها يرقّص ولا مديحا كلماته تُطرِب، لكن الاحتفال الذي تجري وقائعه اليوم في غزة والضفة هو صاروخ ينزل قرب مطار الصهاينة فيطير معه صوابهم، وقناص تدخل رصاصته في ضابطين متواليين فتنهي حياتهما، وكمين يربض لراجلِين من المعتدين فيخلع أكبادهم وقلوبهم من صدورهم.
لا وقت عند أهل غزة يقضونه في احتفال مديح نبوي، فهم يُصَلّون صلاة الخائف ويذكرون ذكر الهاتف ويدعون دعاء المستغيث بربه المستقوي بكنفه، وهم أصلا لا يعتدّون بحياتهم إلا بقدر ما يشغلهم من الاقتداء بحياة نبيهم، ولا يسعَوْن إلا إلى ميتة تلحقهم به على درب ثباته وجهاده صلى الله عليه وسلم
في ذكرى ولادته عليه الصلاة والسلام ترى المقاومةُ صورةَ إسرائه ومعراجه فتنشغل بمشروع تحرير مسراه ليعود إليه ألقه الذي أعاده إليه أول مرة فاروق الأمة عمر رضي الله عنه، وإنّ من أهم ما قامت عليه المقاومة من أركان أن تسعى لتحرير الأرض والإنسان، ولا سبيل إلى ذلك إلا باجتثاث مشروع الصهاينة الذي يقوم عليه جهدهم في المكان والزمان لتحقيق هزيمتنا فيهما معا ليخرجونا من الحاضر ويطمسوا من ذاكرة الوجود ماضيا يذكّرهم بذلهم وعزّنا،ويقطعوا صلتنا بالمستقبل فيحكموا علينا فيما يخططون بالفناء، ولهذا سيبقى في ساحة الحدث أسرعنا إنجازا وأقوانا للمجد إحرازا، فلا بد أن يظل المولد في ذاكرتنا حاضرا حضوره في ذاكرة سلفنا لنكون من أهل المجد كما كانوا، وهذا هو ما يقوم عليه مشروع المقاومة. وصلى الله على صاحب الذكرى وسلَّم تسليما كثيرا.
د. أحمد شحروري
ينشغل الناس كلما اقتربت ذكرى مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم بالحديث عن حكم الاحتفال بها، فمن مبدّع للمحتفلين إلى داعٍ للاحتفال حريص عليه، وجموع الفريقين هم من القاعدين، وهؤلاء عادة يتفتّقون عن مسائل فرعية ينزلونها منزلة الأصول والعقائد، لأنهم قاعدون، فعلمهم نظريّ ووقتهم بحاجة إلى ما يملؤه، ولا بأس عندهم إن ملأَه بعضهم بالتفسيق والتبديع، وبعضهم باجتراح مسائل وتفريعات لم تُعهَد من قبلهم، إنهم مفرّغون من الشواغل التي تنفع دينهم ودنياهم وتشعرهم بطعم الحياة الكريمة التي ضلّوا طريقها.
عندما زرت غزة قبل أكثر من عقد علمت كيف يكون الاحتفال بالنبي صلى الله عليه وسلم، علمت أن حراس الثغور يجب أن يكونوا من حفظة كتاب الله، وأن حياة الشباب مليئة بالعمل لا فراغ فيها، فهم في النهار في أعمالهم أطباء ومهندسين ومتعهدين وتجارا، وفي الليل جنود عاملون على حفظ وجودهم وحدودهم، ماضون في صنع توازن الرعب بينهم وبين عدوهم، ومنهم من وصل الليل بالنهار يحفر الأنفاق ويجهزها ليوم كريهة وسداد ثغر، وربما كان النفق آخر ما رآه من دنياه فلم يخرج منه إلا محمولا إثر انفجار قهري أو انهدام حفرة مفاجئ.
أهل غزة يذكرون ولادة النبي عليه الصلاة والسلام ويستحضرونها وهم يُخرِجون كتائبهم المقاومة إلى النور، فكما ولد الحبيب في ليل مكة المظلِم بالشّرك فأضاءها بالتوحيد، ولدت كتائب عز الدين القسام فأحالت ذلّ المستسلمين الخانعين إلى عز المجاهدين الذين بذلوا أرواحهم ودماءهم سراجا لقنديل الليل الذي تغشّى فلسطين عقودا طويلة.
وأهل غزة وهم يذكرون عذابات المسلمين الأوائل في رمضاء مكة وفوق رمالها الملتهبة يعانون من ظَلَمة قومهم تعذيبا في سجون تُنسب إلى الثورة زورا، وكما حوصر المصطفى في شعب أبي طالب حوصرت المقاومة في غزة أضعاف زمان حصار الشِّعب، ولئن كان حصار مؤمني مكة من قِبَلِ كفارها فلقد جاء حصار أهل غزة بجهد ظالم من المنتسبين إلى دينهم وعقيدتهم.
يستذكر المسلمون في ذكرى المولد حدَثَ الهجرة النبوية كما يستذكرون هجرتنا بعد قرون من الزمان، أما هجرة المصطفى فقد كانت لبناء دولة يصلح مناخها لزرع بذور عزّة الإسلام الأبدية، وأما هجرتنا فقد كانت تشريدا وذلاّ ونكبة ثم نكسة ثم ضياعا مفتوحا إلى أن يكون عهد”طائفة من أمتي لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”، ونحن في أفيائه اليوم ولن تكون عاقبته إلا خيرا بإذن الله.
من أهل غزة ومن كتائب المقاومة في الضفة يجب أن نتعلم أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس أغنية لحنُها يرقّص ولا مديحا كلماته تُطرِب، لكن الاحتفال الذي تجري وقائعه اليوم في غزة والضفة هو صاروخ ينزل قرب مطار الصهاينة فيطير معه صوابهم، وقناص تدخل رصاصته في ضابطين متواليين فتنهي حياتهما، وكمين يربض لراجلِين من المعتدين فيخلع أكبادهم وقلوبهم من صدورهم.
لا وقت عند أهل غزة يقضونه في احتفال مديح نبوي، فهم يُصَلّون صلاة الخائف ويذكرون ذكر الهاتف ويدعون دعاء المستغيث بربه المستقوي بكنفه، وهم أصلا لا يعتدّون بحياتهم إلا بقدر ما يشغلهم من الاقتداء بحياة نبيهم، ولا يسعَوْن إلا إلى ميتة تلحقهم به على درب ثباته وجهاده صلى الله عليه وسلم
في ذكرى ولادته عليه الصلاة والسلام ترى المقاومةُ صورةَ إسرائه ومعراجه فتنشغل بمشروع تحرير مسراه ليعود إليه ألقه الذي أعاده إليه أول مرة فاروق الأمة عمر رضي الله عنه، وإنّ من أهم ما قامت عليه المقاومة من أركان أن تسعى لتحرير الأرض والإنسان، ولا سبيل إلى ذلك إلا باجتثاث مشروع الصهاينة الذي يقوم عليه جهدهم في المكان والزمان لتحقيق هزيمتنا فيهما معا ليخرجونا من الحاضر ويطمسوا من ذاكرة الوجود ماضيا يذكّرهم بذلهم وعزّنا،ويقطعوا صلتنا بالمستقبل فيحكموا علينا فيما يخططون بالفناء، ولهذا سيبقى في ساحة الحدث أسرعنا إنجازا وأقوانا للمجد إحرازا، فلا بد أن يظل المولد في ذاكرتنا حاضرا حضوره في ذاكرة سلفنا لنكون من أهل المجد كما كانوا، وهذا هو ما يقوم عليه مشروع المقاومة. وصلى الله على صاحب الذكرى وسلَّم تسليما كثيرا.