بين موت الشخص وموت الفكر
د .أحمد الشحروري
كما يتوهم عدونا أنه بقتل قادتنا وكوادرنا المؤثرة يمكن أن يؤثر في مسيرة مقاومتنا ، نتوهم إن ظننّا أن هدفنا يتحقق بقتل خنزير من خنازيرهم، لكنها العاطفة، فكثير منا يتمنى أن نحرق قلوب يهود بالنيل من قادتهم ورموزهم المجرمة، وربّما تعكس رؤانا ومناماتنا هذه الأمنيات، فلقد رأيت فيما يرى النائم أن النتن قد قُتِل وأن العدوّ قد ارتبك بمقتله، فهل سيرتبك العدو فعلا إذا قُتِل النتن أو أي قائد آخر من قادة الموت والدمار منهم؟
لقد سكن في وجدان العربي منذ عقود متطاولة أن القائد هو الأمة، وأن الأمة إذا خسرت القائد كُسر شراع سفينتها وسهُل على عدوها النيل منها، هكذا علّمونا، ألقوا في رُوعِنا أن الأمة كلها يجب أن تكون فداء للقائد، وأن مقدرات البلاد هي ملكٌ للقائد، وأن ما يصيب المواطن منها هو منحة القائد وهبته ومكرمته، أجهزة الدولة كلها تعمل لصالح القائد، والنصر ينسب للقائد، والإنجاز لا يتحقق لولا إلهام القائد، والقائد لا يُسأل عما يفعل ولا يتحمل وزر خطأ في قرار ولا فشل في نتيجة.
لقد كانت أدبيات القرآن الكريم مغايرة لهذه الثقافة الصدئة، فقد حمّل القرآنُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تبعة أفعاله وهو القائد النبي الذي يوحى إليه : “وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَیۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِیلِ. لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡیَمِینِ. ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِینَ. فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَـٰجِزِینَ”،
“وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكَ وَلَا یَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذࣰا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ”، لقد ربط المستحيل بالمستحيل فيمتنع منه الشّرك عليه الصلاة والسلام ويمتنع وصفه بالظلم، ولكن الخطاب من خلفه لأمته فهو قدوتها وهو المكلف الأول فيها فمسؤوليته مضاعفة، وشرف مقامه لا يرفع خطر مسؤوليته ولا يلغيها كما هي ثقافة الجاهلين.
لقد سطر قادة المقاومة منذ ما يزيد على القرن أروع الدروس في القدوة فكانوا في مقدمة الصفوف، ودفعوا أرواحهم ثمنا لإصرارهم على تقدم خطا جنودهم، فصنعوا النصر وخَلَفَهم قادة مثلهم، ولم تسقط راية الجهاد والمقاومة حتى الساعة.
إن أهلية أي قائد لا تثبت إلا بقدر محافظته على فكرته وفدائه لأمته وإنكاره لذاته ونجاحه في أن يكون قدوة صالحة للناس في مكارم الأخلاق كلها، فالأمة التي تعاني من أزمة الإخلاص لا يُصلحها إلا قائد أمين مخلص، والأمة التي تشتكي الفقر لا بغنيها إلا قائد عفيف يجوع كما يجوع شعبه ويجترح الخطط ليشبعوا قبل أن يشبع : “عففت فعفّوا ولو رتعت لرتعوا”.
الأمة التي تعاني من تحدّي عدوها لوجودها تحتاج إلى قائد يبتكر خطط المواجهة من خارج الصندوق، ويصبغ أمته بصبغة التعبئة التي لا تعرف الغفلة ولا تنسى الألم.
يؤلمني أشدّ الألم أن يعمل النتن عمل جيش بأكمله، جيش من الدبلوماسيين وجيش من العسكر، ويركب رأسه ويخالف محيطه الصهيوني لأنه يرى أن الفرصة مواتية له إزاء ضعف الكيان العربي ليُنفّذ مخططات أجداده في صناعة إسرائيل الكبرى، فلا يعود النتن مجرد قائد شخص، وإني لأرجو أن يكون موته الحسّيّ أو المعنوي هو موت مشروعه ومشروع أجداده، لأن موت المشروع القائم على فِكر وعقيدة و أبلغ من موت الناس أجمعين.
د .أحمد الشحروري
كما يتوهم عدونا أنه بقتل قادتنا وكوادرنا المؤثرة يمكن أن يؤثر في مسيرة مقاومتنا ، نتوهم إن ظننّا أن هدفنا يتحقق بقتل خنزير من خنازيرهم، لكنها العاطفة، فكثير منا يتمنى أن نحرق قلوب يهود بالنيل من قادتهم ورموزهم المجرمة، وربّما تعكس رؤانا ومناماتنا هذه الأمنيات، فلقد رأيت فيما يرى النائم أن النتن قد قُتِل وأن العدوّ قد ارتبك بمقتله، فهل سيرتبك العدو فعلا إذا قُتِل النتن أو أي قائد آخر من قادة الموت والدمار منهم؟
لقد سكن في وجدان العربي منذ عقود متطاولة أن القائد هو الأمة، وأن الأمة إذا خسرت القائد كُسر شراع سفينتها وسهُل على عدوها النيل منها، هكذا علّمونا، ألقوا في رُوعِنا أن الأمة كلها يجب أن تكون فداء للقائد، وأن مقدرات البلاد هي ملكٌ للقائد، وأن ما يصيب المواطن منها هو منحة القائد وهبته ومكرمته، أجهزة الدولة كلها تعمل لصالح القائد، والنصر ينسب للقائد، والإنجاز لا يتحقق لولا إلهام القائد، والقائد لا يُسأل عما يفعل ولا يتحمل وزر خطأ في قرار ولا فشل في نتيجة.
لقد كانت أدبيات القرآن الكريم مغايرة لهذه الثقافة الصدئة، فقد حمّل القرآنُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تبعة أفعاله وهو القائد النبي الذي يوحى إليه : “وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَیۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِیلِ. لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡیَمِینِ. ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِینَ. فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَـٰجِزِینَ”،
“وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا یَنفَعُكَ وَلَا یَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذࣰا مِّنَ ٱلظَّـٰلِمِینَ”، لقد ربط المستحيل بالمستحيل فيمتنع منه الشّرك عليه الصلاة والسلام ويمتنع وصفه بالظلم، ولكن الخطاب من خلفه لأمته فهو قدوتها وهو المكلف الأول فيها فمسؤوليته مضاعفة، وشرف مقامه لا يرفع خطر مسؤوليته ولا يلغيها كما هي ثقافة الجاهلين.
لقد سطر قادة المقاومة منذ ما يزيد على القرن أروع الدروس في القدوة فكانوا في مقدمة الصفوف، ودفعوا أرواحهم ثمنا لإصرارهم على تقدم خطا جنودهم، فصنعوا النصر وخَلَفَهم قادة مثلهم، ولم تسقط راية الجهاد والمقاومة حتى الساعة.
إن أهلية أي قائد لا تثبت إلا بقدر محافظته على فكرته وفدائه لأمته وإنكاره لذاته ونجاحه في أن يكون قدوة صالحة للناس في مكارم الأخلاق كلها، فالأمة التي تعاني من أزمة الإخلاص لا يُصلحها إلا قائد أمين مخلص، والأمة التي تشتكي الفقر لا بغنيها إلا قائد عفيف يجوع كما يجوع شعبه ويجترح الخطط ليشبعوا قبل أن يشبع : “عففت فعفّوا ولو رتعت لرتعوا”.
الأمة التي تعاني من تحدّي عدوها لوجودها تحتاج إلى قائد يبتكر خطط المواجهة من خارج الصندوق، ويصبغ أمته بصبغة التعبئة التي لا تعرف الغفلة ولا تنسى الألم.
يؤلمني أشدّ الألم أن يعمل النتن عمل جيش بأكمله، جيش من الدبلوماسيين وجيش من العسكر، ويركب رأسه ويخالف محيطه الصهيوني لأنه يرى أن الفرصة مواتية له إزاء ضعف الكيان العربي ليُنفّذ مخططات أجداده في صناعة إسرائيل الكبرى، فلا يعود النتن مجرد قائد شخص، وإني لأرجو أن يكون موته الحسّيّ أو المعنوي هو موت مشروعه ومشروع أجداده، لأن موت المشروع القائم على فِكر وعقيدة و أبلغ من موت الناس أجمعين.