عز الدين السنوار
وائل قنديل
الأبطال التاريخيون، ولأنّهم تاريخيون، لا يكون موتهم موتًا، بل يكون ميلاداُ جديداُ، لذا لا تظنّوا أنّ رحيل الشهيد يحيى السنوار موتٌ، وكذا مع الشهيد حسن نصر الله في لبنان.
يخطئ الاحتلال والراعي الأميركي، ويخطئ الصغار المتربّحون من أعمال الوساطة في بورصة الدم الفلسطيني إن ظنّوا أنّ استشهاد السنوار ضربة قاصمة للمقاومة، بل هو إيذان بانبعاثٍ جديدٍ لها أقوى وأشدّ. وليس هذا من باب الإفراط في تفاؤلٍ ساذج، أو أنّه ترويج أوهام وأحلام مستحيلة التحقيق، بل تسنده أدلة التاريخين، البعيد والحاضر القريب، وها هي المقاومة اللبنانية، بعد استشهاد بطلها التاريخي، حسن نصر الله، تقول للجميع إنّ المقاومة، كما الثورة، مثل العنقاء كلّما ماتت انبعثت، وكلّما احترقت أضاءت وأنتجت مقاومات وثورات.
من كان يظنّ أنّ الشهيد عز الدين القسّام سيصبح أكثر حضوراً وإسهاماً في ميدان معركة التحرير ممّا كان قبل استشهاده منذ تسعين عامًا؟
كلُّ أجيال الكفاح الفلسطيني سعيًا إلى التحرير مواليد شرعيون لعزّ الدين القسّام، قائد الثورة الفلسطينية الأولى في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته، والسنوار مثل القسّام أنجب وسوف يُنجب على طريق التحرير أجيالاً أكثر إصراراً على الانتصار وأكثر امتلاكاً لأدواته، والتشابه بين حالتي القسّام والسنوار يكاد يكون كاملًا، كلاهما عنيد وكلاهما مؤمن بالانتصار وكلاهما لا يستعجله، وكلاهما مؤسّس لمراحل قادمة من الكفاح.
قاوم القسّام الاحتلال الفرنسي في سورية في بدايات القرن الماضي، حتى صدر الحكم بإعدامه وضاق الخناق عليه، فقرّر الانتقال إلى فلسطين لمقاومة الاحتلال البريطاني الذي كان قد شرع في جلب عصابات الهجرة الصهيونية وتسليحها وإطلاقها لاحتلال فلسطين، وفي بداية العام 1921 وصل عز الدين القسّام إلى فلسطين، وقرّر الإقامة في حيفا، كونها مركز العمل والعمّال، عداده وعتاده في مقاومة المحتل، ومعهم عشرات الآلاف من الفقراء سكان الخيام الذين اغتُصبت قراهم، فضلًا عن أنّ حيفا قاعدة للأسطول البريطاني وواحدة من قواعد التهويد.
كان القسّام مُحتشداً بخبراتِ الكفاح والمقاومة، استمدّها من الثورة العرابية في مصر حيث كان يدرس، فمارس ما خبر ضدّ الانتداب البريطاني الذي فرضته عصبة الأمم في 11 سبتمبر/ أيلول 1922 بهدف تنفيذ وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
أطلق القسّام شرارة المقاومة سرًا، حتى جاء العام 1935 فقرّر إعلان الحركة القسّامية وانطلاق الثورة في ظلّ تزايد معدلات الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين.
يبدو من السياق التاريخي أنّ إعلان القسّامية وانطلاق الثورة الشاملة في أكتوبر/ تشرين الأوّل كان خطوة استباقية ضرورية من قبل الشهيد عز الدين القسّام، تمامًا كما أنّ إطلاق الشهيد السنوار طوفان الأقصى في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إجراءً كفاحيّاً استباقيّاً لازماً، بعد أن بان أنّ الاحتلال الصهيوني، مدعوماً بالأميركي، قرّر التحرّك لالتهام ما تبقى من جغرافيا فلسطين.
ألقى القسّام آخر خطبه في جامع الاستقلال بحيفا فقال: “أيها الناس، لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد”، ثمّ توجّه إلى جنين، مقاومًا ومحاربًا ضدّ الاحتلال حتى استشهد في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 بعد بسالةٍ أخيرة خاضها في القتال بمواجهة قوّةٍ هائلةٍ من الاحتلال، في معركةٍ امتدّت من الصباح حتى العصر واستشهد برصاصةٍ في جبينه ومعه ثلاثة من المقاومين.
يحيى السنوار استُشهد بالطريقة ذاتها تقريبًا، إذ خاض معركة طويلة ضدّ الاحتلال الصهيوني حتى لفظ أنفاسه وسلاحه بيده، ومعه اثنان أو ثلاثة من المقاومين، وكأنّ التاريخ يعود بكامل أحداثه وأبطاله، إذ تجد المسافة بين إعلان القسّام ثورته وبين استشهاده عامًا واحدا وعدّة أيام، هي المسافة نفسها بين إعلان السنوار طوفان الأقصى واستشهاده، كلاهما كذلك اختار أكتوبر موعدًا للثورة، وكأنّ أكتوبر بات رديف البطولة والنصر.
استشهد القسّام فكانت كتائب باسلة حملت اسم عز الدين القسّام، وأذهلت العالم ببطولاتها ولا تزال، وكذلك الحال مع استشهاد يحيى السنوار، ستكون كتائب الشهيد يحيى السنوار وستحارب ببسالة حتى التحرير.. كلاهما عز الدين وكلاهما ثورة.
وائل قنديل
الأبطال التاريخيون، ولأنّهم تاريخيون، لا يكون موتهم موتًا، بل يكون ميلاداُ جديداُ، لذا لا تظنّوا أنّ رحيل الشهيد يحيى السنوار موتٌ، وكذا مع الشهيد حسن نصر الله في لبنان.
يخطئ الاحتلال والراعي الأميركي، ويخطئ الصغار المتربّحون من أعمال الوساطة في بورصة الدم الفلسطيني إن ظنّوا أنّ استشهاد السنوار ضربة قاصمة للمقاومة، بل هو إيذان بانبعاثٍ جديدٍ لها أقوى وأشدّ. وليس هذا من باب الإفراط في تفاؤلٍ ساذج، أو أنّه ترويج أوهام وأحلام مستحيلة التحقيق، بل تسنده أدلة التاريخين، البعيد والحاضر القريب، وها هي المقاومة اللبنانية، بعد استشهاد بطلها التاريخي، حسن نصر الله، تقول للجميع إنّ المقاومة، كما الثورة، مثل العنقاء كلّما ماتت انبعثت، وكلّما احترقت أضاءت وأنتجت مقاومات وثورات.
من كان يظنّ أنّ الشهيد عز الدين القسّام سيصبح أكثر حضوراً وإسهاماً في ميدان معركة التحرير ممّا كان قبل استشهاده منذ تسعين عامًا؟
كلُّ أجيال الكفاح الفلسطيني سعيًا إلى التحرير مواليد شرعيون لعزّ الدين القسّام، قائد الثورة الفلسطينية الأولى في عشرينيات القرن العشرين وثلاثينياته، والسنوار مثل القسّام أنجب وسوف يُنجب على طريق التحرير أجيالاً أكثر إصراراً على الانتصار وأكثر امتلاكاً لأدواته، والتشابه بين حالتي القسّام والسنوار يكاد يكون كاملًا، كلاهما عنيد وكلاهما مؤمن بالانتصار وكلاهما لا يستعجله، وكلاهما مؤسّس لمراحل قادمة من الكفاح.
قاوم القسّام الاحتلال الفرنسي في سورية في بدايات القرن الماضي، حتى صدر الحكم بإعدامه وضاق الخناق عليه، فقرّر الانتقال إلى فلسطين لمقاومة الاحتلال البريطاني الذي كان قد شرع في جلب عصابات الهجرة الصهيونية وتسليحها وإطلاقها لاحتلال فلسطين، وفي بداية العام 1921 وصل عز الدين القسّام إلى فلسطين، وقرّر الإقامة في حيفا، كونها مركز العمل والعمّال، عداده وعتاده في مقاومة المحتل، ومعهم عشرات الآلاف من الفقراء سكان الخيام الذين اغتُصبت قراهم، فضلًا عن أنّ حيفا قاعدة للأسطول البريطاني وواحدة من قواعد التهويد.
كان القسّام مُحتشداً بخبراتِ الكفاح والمقاومة، استمدّها من الثورة العرابية في مصر حيث كان يدرس، فمارس ما خبر ضدّ الانتداب البريطاني الذي فرضته عصبة الأمم في 11 سبتمبر/ أيلول 1922 بهدف تنفيذ وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
أطلق القسّام شرارة المقاومة سرًا، حتى جاء العام 1935 فقرّر إعلان الحركة القسّامية وانطلاق الثورة في ظلّ تزايد معدلات الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين.
يبدو من السياق التاريخي أنّ إعلان القسّامية وانطلاق الثورة الشاملة في أكتوبر/ تشرين الأوّل كان خطوة استباقية ضرورية من قبل الشهيد عز الدين القسّام، تمامًا كما أنّ إطلاق الشهيد السنوار طوفان الأقصى في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إجراءً كفاحيّاً استباقيّاً لازماً، بعد أن بان أنّ الاحتلال الصهيوني، مدعوماً بالأميركي، قرّر التحرّك لالتهام ما تبقى من جغرافيا فلسطين.
ألقى القسّام آخر خطبه في جامع الاستقلال بحيفا فقال: “أيها الناس، لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد”، ثمّ توجّه إلى جنين، مقاومًا ومحاربًا ضدّ الاحتلال حتى استشهد في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 بعد بسالةٍ أخيرة خاضها في القتال بمواجهة قوّةٍ هائلةٍ من الاحتلال، في معركةٍ امتدّت من الصباح حتى العصر واستشهد برصاصةٍ في جبينه ومعه ثلاثة من المقاومين.
يحيى السنوار استُشهد بالطريقة ذاتها تقريبًا، إذ خاض معركة طويلة ضدّ الاحتلال الصهيوني حتى لفظ أنفاسه وسلاحه بيده، ومعه اثنان أو ثلاثة من المقاومين، وكأنّ التاريخ يعود بكامل أحداثه وأبطاله، إذ تجد المسافة بين إعلان القسّام ثورته وبين استشهاده عامًا واحدا وعدّة أيام، هي المسافة نفسها بين إعلان السنوار طوفان الأقصى واستشهاده، كلاهما كذلك اختار أكتوبر موعدًا للثورة، وكأنّ أكتوبر بات رديف البطولة والنصر.
استشهد القسّام فكانت كتائب باسلة حملت اسم عز الدين القسّام، وأذهلت العالم ببطولاتها ولا تزال، وكذلك الحال مع استشهاد يحيى السنوار، ستكون كتائب الشهيد يحيى السنوار وستحارب ببسالة حتى التحرير.. كلاهما عز الدين وكلاهما ثورة.