يحيى السّنوار من ثائر إلى أسْطورة

  • الجمعة 25, أكتوبر 2024 10:28 ص
  • يحيى السّنوار من ثائر إلى أسْطورة
كلما غفوت قليلًا ظهر لي الرجل وهو جالس على أريكة يلتفت بصعوبة نحو اليمين من شدة الألم، ويرفع عصا بيده اليسرى ويقذف بها نحو المسيّرة المرسلة من أعدائه. ولعله في تلك اللحظات تذكر بيتا من قصيدة "سقط القناع" لمحمود درويش "سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك لا مفر". هكذا تحول يحيى السنوار من قائد عسكري وسياسي إلى أسطورة تتجاوز رمزيتها الدائرة الفلسطينية والعربية، لتحتل مكانة بارزة في الميثولوجيا العالمية. وتكفي الإشارة إلى استحضار بعض وسائل الإعلام اليابانية شخصية الساموراي في تراثهم عندما تعرضوا لحادثة استشهاد السنوار. لقد تحدى الشهيد الإرهاب الصهيوني والتكنولوجيا المدمرة والمقدمة من البيت الأبيض بنظرة استعلائية، وبإرادة ميتافيزيقية متعالية لا يكتسبها الإنسان العادي.
يحيى السّنوار من ثائر إلى أسْطورة
صلاح الدينالجورشي
كلما غفوت قليلًا ظهر لي الرجل وهو جالس على أريكة يلتفت بصعوبة نحو اليمين من شدة الألم، ويرفع عصا بيده اليسرى ويقذف بها نحو المسيّرة المرسلة من أعدائه. ولعله في تلك اللحظات تذكر بيتا من قصيدة "سقط القناع" لمحمود درويش "سقطت ذراعك فالتقطها واضرب عدوك لا مفر". هكذا تحول يحيى السنوار من قائد عسكري وسياسي إلى أسطورة تتجاوز رمزيتها الدائرة الفلسطينية والعربية، لتحتل مكانة بارزة في الميثولوجيا العالمية. وتكفي الإشارة إلى استحضار بعض وسائل الإعلام اليابانية شخصية الساموراي في تراثهم عندما تعرضوا لحادثة استشهاد السنوار. لقد تحدى الشهيد الإرهاب الصهيوني والتكنولوجيا المدمرة والمقدمة من البيت الأبيض بنظرة استعلائية، وبإرادة ميتافيزيقية متعالية لا يكتسبها الإنسان العادي.
يعلم الصهاينة كيف تصنع الأساطير الملهمة، فالكثير منهم مارسوا هذه الصناعة سواء من خلال توظيف التاريخ وفي أحيان كثيرة يتم اللجوء إلى تزويره، أو عبر التحكم في الإعلام وتقنيات السينما وبقية الفنون من أجل تحويل ضحاياهم في المحرقة النازية إلى مادة سياسية وأيديولوجية؛ يبررون من خلالها ما يرتكبونه حاليا من فظائع في حق الفلسطينيين. لكن هذه المرة، بدل أن يوظفوا التكنولوجيا لصالحهم، حصل العكس تماما، حيث حققوا دون رغبة أو تخطيط منهم الأمنية التي طالما عبر عنها هذا الثائر الاستثنائي، فجعلوا منه القدوة التي ستلهم الفلسطينيين وغيرهم الأبعاد الثورية مثلما حصل مع شخصيات رسّخها التاريخ في ذاكرة الشعوب، مثل شي جيفارا الذي حوله الاغتيال إلى قوة ملهمة لملايين الشباب، أو عمر المختار الذي واجه الموت بشجاعة نادرة فداء لشعبه.
فرح "الإسرائيليون" بجريمتهم، وظن نتنياهو ومن معه بأن هذا "الإنجاز" يوفر لهم فرصة لإذلال المقاومة وتركيع مقاتليها، فطلب من قيادتها تسليم الأسرى والتنازل عن أسلحتهم وأرضهم مقابل أن يتركهم أحياء!! فأثبت بذلك جهله بالتحولات الكبرى في التاريخ. لم يكن الإسرائيليون وحدهم الذين فكروا بهذه الطريقة، وإنما سايرهم في ذلك أبرز قادة العالم؛ بدءا من الرئيس الأمريكي جو بايدن وصولا إلى زعماء الاتحاد الأوروبي وطيف واسع من الحكام العرب الذين اعتبروا الوقت قد حان لإيقاف الحرب. هؤلاء بدون استثناء لهم منطقهم ومصالحهم ونظرتهم للحياة وللسياسة التي تختلف كليا عن الواقع الموضوعي والذاتي الذي يتحكم في مسار كل مجاهد احتُلت أرضه، ولم يجد من سبيل لاستعادة حقه والدفاع عن شعبه سوى المقاومة حتى الشهادة أو النصر. ومن له خطة أخرى فليعرضها تحت الشمس، فهم يعلمون أن قرار عدم توقف الحرب ليس في غزة أو في لبنان، إنه في تل أبيب، وبيد نتنياهو تحديدا.
هم يريدون فلسطين بدون مقاومين، أما الخطوة الموالية التي لا يمكن تجاهلها أو إنكارها فتتمثل في كونهم يعملون بوعي أو غير وعي من أجل فلسطين بدون فلسطينيين. ليس هذا بالضرورة موقف الحكام العرب، لكن سياساتهم تقود حتما إلى هذه النتيجة وفق التخطيط الصهيوني المعلن.
المنطقة مقبلة على معارك مفتوحة على مختلف الجبهات الإيرانية واللبنانية والفلسطينية التي ستراجع بالتأكيد تكتيكاتها، لكنها ستتمسك باختياراتها الاستراتيجية، وما أثبتته الأحداث المتتالية أن حركة حماس تحديدا يتميز خطها السياسي وبنيتها التنظيمية بالاستمرارية مهما كانت التحديات، وما حصل يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لم يكن قرارا فرديا مرتبطا بوجود السنوار في القيادة، بقدر ما كان اختيارا جماعيا. لذلك، من كان يتوقع أن اختفاء القائد كاف لتغيير الاتجاه وانهيار التنظيم، تبيّن له بأن هذه الفرضية خاطئة، وأن ما يطالب به "الإسرائيليون" لن يحصلوا عليه إلا عن طريق التفاوض.