النكبة الثالثة
د. محمد المدهون
مشهد محرقة غزة يعكس ما يعيشه الشعب الفلسطيني والمستضعفون في الأرض تحت عدوان نازي بربري تقوده عصابات صهيونية تستند إلى عقدة تفوق عرقي ونرجسية خرافية تجاه غير اليهود (الجوييم).
هذه العصابات جُلبت إلى فلسطين بدعم بريطاني ورعاية أمريكية حتى حدود السقوط الأخلاقي والإنساني الكامل. لقد هجّرت هذه العصابات الشعب الفلسطيني من أرضه، ولا تزال آثار وعد بلفور المشؤوم ماثلة، ويسعى اليوم بايدن وزمرته من ورثة بلفور وسايكس بيكو لتمديد هذا الظلم. وهو ما يستدعي وقفة وعي متجددة لترسيخ مشروع التحرر والحق الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة، تستثمر ملحمة غزة الأسطورية وتضحياتها.
* لقد تبنت المنظومة الاستعمارية العالمية منذ القرن التاسع عشر فكرة إنشاء كيان يهودي سياسي في فلسطين، يُبقيه خاضعًا لنفوذها ويكون أداة لتفتيت المنطقة، فكانت اتفاقية سايكس-بيكو، ثم جاء وعد بلفور عام 1917 كتتويج لهذه السياسة الاستعمارية، مقابل موقف العرب الداعم لبريطانيا ضد الدولة العثمانية. وقد منح الوعد لليهود حق إقامة وطن في فلسطين، مع الحفاظ على امتيازاتهم السياسية في بلدانهم الأصلية، مما شجع على الهجرة دون خسارة حقوق المواطنة، وهو ما حمل بذور زوال الكيان، إذ ساهمت الصراعات القاسية في دفع الهجرة المعاكسة.
وتُعد ملحمة غزة الجارية اليوم أحد فصول هذا الصراع، وقد تكون مؤشرًا على سقوط المشروع الاستيطاني، حيث يتهاوى تحت دماء الأطفال والنساء الأبرياء. إن وعد بلفور صدر عن قوة لا تملك، فقد كانت فلسطين تحت السيادة العثمانية التي رفضت ذلك الوعد، وبريطانيا لم تملك حق منح الأرض لليهود. والأسطورة القائلة بأن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» تتناقض مع الواقع؛ إذ كان الفلسطينيون يشكلون حينها أكثر من 98 % من السكان. ورغم أن الوعد منح أقلية مهاجرة حق إقامة كيان، إلا أنه تجاهل تمامًا حقوق الأغلبية التاريخية من الشعب الفلسطيني.
* مستقبل القضية الفلسطينية لا ينفصل عن محيطها العربي والإقليمي والدولي، بل يُصاغ في قلب هذا التفاعل، وتجسّده اليوم ملحمة غزة التي تعمّق حضور فلسطين في الوجدان الإنساني العربي والإسلامي والعالمي. فقد شكّل وعد بلفور نقطة تحوّل مأساوية في تاريخ فلسطين، حين منحت بريطانيا، بدعم منظومة الظلم الدولية، ما لا تملك لمن لا يستحق، لتكرّس وجود العصابات الصهيونية على أرض فلسطين منذ أكثر من قرن.
ومن هذا السياق، نؤكد أن من واجب بريطانيا وأمريكا ومنظومة الهيمنة الدولية الاعتذار عن وعد بلفور وما ترتب عليه من سياسات الإبادة والاحتلال والتهجير التي بلغت ذروتها في محرقة غزة الجارية، بكل ما لذلك من تبعات قانونية وسياسية ومعنوية. إن استمرار المشروع الصهيوني يرتبط بمحاولات تجديد نكبة ثالثة، تُستعمل فيها أدوات التطبيع وإعادة ترسيم خرائط المنطقة وفق رؤية استعمارية تقوم على التقسيم الجغرافي والطائفي، لإدراج المنطقة ضمن «الحظيرة الإسرائيلية» في زمن الهيمنة الأمريكية.
ومن النكبة الأولى عام 1917 إلى النكبة الثانية في 1948، وحتى المحرقة المتجددة اليوم، يواصل الشعب الفلسطيني صموده وانتقاله من ثورة إلى انتفاضة، ومن تهجير إلى مقاومة، مقدماً الشهداء والجرحى والمعتقلين واللاجئين، في مواجهة منظومة دولية منحازة، تتغاضى عن المجازر والدمار والجرائم في غزة، التي تحولت إلى مقبرة جماعية تُقصف فيها المساجد والكنائس والمشافي والمدارس.
ورغم كل ذلك، أسقط أبناء غزة، في لحظة واحدة، أوهام المشاريع الممتدة من بلفور إلى بايدن وترامب، وجعلوا الكيان الوظيفي يجثو على ركبتيه في أولى دقائق «الطوفان»، لتنكشف هشاشته ويظهر للعالم أن جيشه «الذي لا يُقهر» يحتاج لحماية الأساطيل والجيوش الأجنبية، وأنه مجرد أداة في يد قوى الهيمنة والظلم.
د. محمد المدهون
مشهد محرقة غزة يعكس ما يعيشه الشعب الفلسطيني والمستضعفون في الأرض تحت عدوان نازي بربري تقوده عصابات صهيونية تستند إلى عقدة تفوق عرقي ونرجسية خرافية تجاه غير اليهود (الجوييم).
هذه العصابات جُلبت إلى فلسطين بدعم بريطاني ورعاية أمريكية حتى حدود السقوط الأخلاقي والإنساني الكامل. لقد هجّرت هذه العصابات الشعب الفلسطيني من أرضه، ولا تزال آثار وعد بلفور المشؤوم ماثلة، ويسعى اليوم بايدن وزمرته من ورثة بلفور وسايكس بيكو لتمديد هذا الظلم. وهو ما يستدعي وقفة وعي متجددة لترسيخ مشروع التحرر والحق الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة، تستثمر ملحمة غزة الأسطورية وتضحياتها.
* لقد تبنت المنظومة الاستعمارية العالمية منذ القرن التاسع عشر فكرة إنشاء كيان يهودي سياسي في فلسطين، يُبقيه خاضعًا لنفوذها ويكون أداة لتفتيت المنطقة، فكانت اتفاقية سايكس-بيكو، ثم جاء وعد بلفور عام 1917 كتتويج لهذه السياسة الاستعمارية، مقابل موقف العرب الداعم لبريطانيا ضد الدولة العثمانية. وقد منح الوعد لليهود حق إقامة وطن في فلسطين، مع الحفاظ على امتيازاتهم السياسية في بلدانهم الأصلية، مما شجع على الهجرة دون خسارة حقوق المواطنة، وهو ما حمل بذور زوال الكيان، إذ ساهمت الصراعات القاسية في دفع الهجرة المعاكسة.
وتُعد ملحمة غزة الجارية اليوم أحد فصول هذا الصراع، وقد تكون مؤشرًا على سقوط المشروع الاستيطاني، حيث يتهاوى تحت دماء الأطفال والنساء الأبرياء. إن وعد بلفور صدر عن قوة لا تملك، فقد كانت فلسطين تحت السيادة العثمانية التي رفضت ذلك الوعد، وبريطانيا لم تملك حق منح الأرض لليهود. والأسطورة القائلة بأن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض» تتناقض مع الواقع؛ إذ كان الفلسطينيون يشكلون حينها أكثر من 98 % من السكان. ورغم أن الوعد منح أقلية مهاجرة حق إقامة كيان، إلا أنه تجاهل تمامًا حقوق الأغلبية التاريخية من الشعب الفلسطيني.
* مستقبل القضية الفلسطينية لا ينفصل عن محيطها العربي والإقليمي والدولي، بل يُصاغ في قلب هذا التفاعل، وتجسّده اليوم ملحمة غزة التي تعمّق حضور فلسطين في الوجدان الإنساني العربي والإسلامي والعالمي. فقد شكّل وعد بلفور نقطة تحوّل مأساوية في تاريخ فلسطين، حين منحت بريطانيا، بدعم منظومة الظلم الدولية، ما لا تملك لمن لا يستحق، لتكرّس وجود العصابات الصهيونية على أرض فلسطين منذ أكثر من قرن.
ومن هذا السياق، نؤكد أن من واجب بريطانيا وأمريكا ومنظومة الهيمنة الدولية الاعتذار عن وعد بلفور وما ترتب عليه من سياسات الإبادة والاحتلال والتهجير التي بلغت ذروتها في محرقة غزة الجارية، بكل ما لذلك من تبعات قانونية وسياسية ومعنوية. إن استمرار المشروع الصهيوني يرتبط بمحاولات تجديد نكبة ثالثة، تُستعمل فيها أدوات التطبيع وإعادة ترسيم خرائط المنطقة وفق رؤية استعمارية تقوم على التقسيم الجغرافي والطائفي، لإدراج المنطقة ضمن «الحظيرة الإسرائيلية» في زمن الهيمنة الأمريكية.
ومن النكبة الأولى عام 1917 إلى النكبة الثانية في 1948، وحتى المحرقة المتجددة اليوم، يواصل الشعب الفلسطيني صموده وانتقاله من ثورة إلى انتفاضة، ومن تهجير إلى مقاومة، مقدماً الشهداء والجرحى والمعتقلين واللاجئين، في مواجهة منظومة دولية منحازة، تتغاضى عن المجازر والدمار والجرائم في غزة، التي تحولت إلى مقبرة جماعية تُقصف فيها المساجد والكنائس والمشافي والمدارس.
ورغم كل ذلك، أسقط أبناء غزة، في لحظة واحدة، أوهام المشاريع الممتدة من بلفور إلى بايدن وترامب، وجعلوا الكيان الوظيفي يجثو على ركبتيه في أولى دقائق «الطوفان»، لتنكشف هشاشته ويظهر للعالم أن جيشه «الذي لا يُقهر» يحتاج لحماية الأساطيل والجيوش الأجنبية، وأنه مجرد أداة في يد قوى الهيمنة والظلم.