️حين تُروى شجرة نوبل من دماء الأطفال
✍️زياد فرحان المجالي
جائزة نوبل للسلام، تلك الجائزة التي أوصى بها الصناعي السويدي ألفريد نوبل عام 1895، كانت في الأصل تكريمًا للذين يسهمون في تقريب الإنسانية من العدالة وإنهاء الحروب. تمنحها لجنة نرويجية مستقلة، واختير لها أن تكون واحدة من أرفع الجوائز الدولية، ترمز إلى الشرف الأخلاقي أكثر من التكريم الرسمي.
غير أن هذه الجائزة، التي حملت أسماء مناضلين حقيقيين كمانديلا ومارتن لوثر كينغ، بدأت تفقد بوصلتها حين دخلت أروقة السياسة، وصارت تُمنح أحيانًا على وقع صفقات خلف الأبواب المغلقة، أو رغبة في إعادة تلميع وجوه متّهمة لا بمنع الحروب، بل بإدارتها.
قبل أيام، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، وأمام الكاميرات، سلّم رسميًا كتاب ترشيح دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام. لم يكن الحدث بروتوكوليًا عابرًا، بل رسالة مدروسة التوقيت والمضمون، جاءت في خضم حرب مفتوحة على غزة، ومناورات عسكرية متصاعدة ضد إيران.
من الناحية الرسمية، لا يملك نتنياهو الحق القانوني بترشيح ترامب، إذ إن اللائحة التي تسمح بترشيح أسماء للجائزة محصورة بأعضاء برلمانات وطنية، رؤساء دول، أساتذة جامعات مختصين، أو أعضاء سابقين في لجنة نوبل النرويجية. ما فعله نتنياهو لم يكن ترشيحًا ضمن الأطر القانونية، بل تزكية سياسية، ورسالة دعائية حاول من خلالها دفع حليفه الأقرب إلى دائرة “الرسل الجدد للسلام”، في وقتٍ لا يزال فيه الأطفال في غزة يُنتشلون من تحت الركام.
زيارة نتنياهو إلى واشنطن لم تكن لحشد الدعم من أجل هدنة إنسانية أو خطة لوقف إطلاق النار، بل لتمديد عمر الحرب سياسيًا، ومنع أي مساعٍ دولية لوقفها. لقد عاد إلى تل أبيب وهو يردد لمحيطه بأنه "بذل كل جهده لإبقاء الجبهة مشتعلة"، كأن مهمته لم تكن إطفاء الحريق، بل ضبط توقيت اشتعاله على إيقاع المصالح الثنائية مع إدارة ترامب.
أما ترامب، المرشح الآن لسلامٍ لم يأتِ، فهو نفسه الذي افتتح ولايته الثانية بخطاب تصعيدي ضد طهران، وشراكة مطلقة مع تل أبيب، دون أي محاولة لتقييد آلة الحرب، أو حتى التظاهر بالتوازن الأخلاقي. أي سلام هذا الذي يُبنى على الصمت عن المجازر؟ وأي جائزة تُمنح لرجل يرى الأطفال ضجيجًا إعلاميًا يجب أن يتوقف؟
وسط هذه الصورة القاتمة، لم يعد المشهد ساخرًا فقط، بل قاتمًا إلى حد الفاجعة. أن يُروّج لسلام مصطنع، فيما الحضانات في غزة تفقد طاقتها وأطفال الخُدّج يموتون اختناقًا، هو قمة التزييف الأخلاقي.
في هذا الزمن، تُروى شجرة نوبل ليس بعرق الساعين إلى المصالحة، بل بدماء الأبرياء. وقد باتت بعض الترشيحات تُمنح لا لمن أوقف الحروب، بل لمن أحسن تبرير استمرارها.
لقد تحوّلت الجائزة، التي أرادها مؤسسها تكفيرًا عن صناعة الموت، إلى وسيلة لتجميل وجه هذا الموت، بشرط أن يكون القاتل مرتّب الياقة، حاضرًا أمام الكاميرا، ويملك دعمًا سياسياً صاخبًا.
في غزة، لا يُكتب السلام بالحبر، بل بالدم.
ومن البيت الأبيض، لا تُطلق مبادرات سلام، بل أوراق اعتماد جديدة لاستمرار المذبحة… باسم الجائزة نفسها التي وُلدت كي تمنعه
✍️زياد فرحان المجالي
جائزة نوبل للسلام، تلك الجائزة التي أوصى بها الصناعي السويدي ألفريد نوبل عام 1895، كانت في الأصل تكريمًا للذين يسهمون في تقريب الإنسانية من العدالة وإنهاء الحروب. تمنحها لجنة نرويجية مستقلة، واختير لها أن تكون واحدة من أرفع الجوائز الدولية، ترمز إلى الشرف الأخلاقي أكثر من التكريم الرسمي.
غير أن هذه الجائزة، التي حملت أسماء مناضلين حقيقيين كمانديلا ومارتن لوثر كينغ، بدأت تفقد بوصلتها حين دخلت أروقة السياسة، وصارت تُمنح أحيانًا على وقع صفقات خلف الأبواب المغلقة، أو رغبة في إعادة تلميع وجوه متّهمة لا بمنع الحروب، بل بإدارتها.
قبل أيام، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، وأمام الكاميرات، سلّم رسميًا كتاب ترشيح دونالد ترامب لجائزة نوبل للسلام. لم يكن الحدث بروتوكوليًا عابرًا، بل رسالة مدروسة التوقيت والمضمون، جاءت في خضم حرب مفتوحة على غزة، ومناورات عسكرية متصاعدة ضد إيران.
من الناحية الرسمية، لا يملك نتنياهو الحق القانوني بترشيح ترامب، إذ إن اللائحة التي تسمح بترشيح أسماء للجائزة محصورة بأعضاء برلمانات وطنية، رؤساء دول، أساتذة جامعات مختصين، أو أعضاء سابقين في لجنة نوبل النرويجية. ما فعله نتنياهو لم يكن ترشيحًا ضمن الأطر القانونية، بل تزكية سياسية، ورسالة دعائية حاول من خلالها دفع حليفه الأقرب إلى دائرة “الرسل الجدد للسلام”، في وقتٍ لا يزال فيه الأطفال في غزة يُنتشلون من تحت الركام.
زيارة نتنياهو إلى واشنطن لم تكن لحشد الدعم من أجل هدنة إنسانية أو خطة لوقف إطلاق النار، بل لتمديد عمر الحرب سياسيًا، ومنع أي مساعٍ دولية لوقفها. لقد عاد إلى تل أبيب وهو يردد لمحيطه بأنه "بذل كل جهده لإبقاء الجبهة مشتعلة"، كأن مهمته لم تكن إطفاء الحريق، بل ضبط توقيت اشتعاله على إيقاع المصالح الثنائية مع إدارة ترامب.
أما ترامب، المرشح الآن لسلامٍ لم يأتِ، فهو نفسه الذي افتتح ولايته الثانية بخطاب تصعيدي ضد طهران، وشراكة مطلقة مع تل أبيب، دون أي محاولة لتقييد آلة الحرب، أو حتى التظاهر بالتوازن الأخلاقي. أي سلام هذا الذي يُبنى على الصمت عن المجازر؟ وأي جائزة تُمنح لرجل يرى الأطفال ضجيجًا إعلاميًا يجب أن يتوقف؟
وسط هذه الصورة القاتمة، لم يعد المشهد ساخرًا فقط، بل قاتمًا إلى حد الفاجعة. أن يُروّج لسلام مصطنع، فيما الحضانات في غزة تفقد طاقتها وأطفال الخُدّج يموتون اختناقًا، هو قمة التزييف الأخلاقي.
في هذا الزمن، تُروى شجرة نوبل ليس بعرق الساعين إلى المصالحة، بل بدماء الأبرياء. وقد باتت بعض الترشيحات تُمنح لا لمن أوقف الحروب، بل لمن أحسن تبرير استمرارها.
لقد تحوّلت الجائزة، التي أرادها مؤسسها تكفيرًا عن صناعة الموت، إلى وسيلة لتجميل وجه هذا الموت، بشرط أن يكون القاتل مرتّب الياقة، حاضرًا أمام الكاميرا، ويملك دعمًا سياسياً صاخبًا.
في غزة، لا يُكتب السلام بالحبر، بل بالدم.
ومن البيت الأبيض، لا تُطلق مبادرات سلام، بل أوراق اعتماد جديدة لاستمرار المذبحة… باسم الجائزة نفسها التي وُلدت كي تمنعه