"عائشة" المغربية.. رباط في زاوية الحجيج بالقدس
أحلام عبدالله – وكالة سند للأنباء
لا يتمثل اليُتم في فقدان الأم والأب فقط، فإذا ما تلفتّ في حواري بلدة القدس القديمة، واقتادتك قدماك إلى حارة المغاربة أو ما تبقى منها، فستجد أنواعا شتى من اليُتم هناك.
لا نغوص في هذا التقرير عن يُتم هذه الحارة من الفلسطينيين، بل فيما هو أعمق، هو حرمان الحارة من أبنائها المغاربة الذين سكنوها منذ عهد صلاح الدين الأيوبي.
داخل غرفتها في "زاوية المغاربة" استضافت "وكالة سند للأنباء" المقدسية ذات الأصول المغربية عائشة المصلوحي، لتروي قصة حي المغاربة وصموده بمدينة القدس بعد احتلالها.
والزاوية، مكان معد للعبادة والإيواء وإطعام الواردين والقاصدين، وتعرف بأنها مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة، تكونت واشتهرت في العصور الإسلامية المختلفة.
أصل الحكاية
تقول "المصلوحي": "ولدت في حي المغاربة بالقدس عام 1946، من أب مغربي وأم مقدسية، وكان الحي آنذاك يحتضن 138 عائلة من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب".
ووطأت أقدام المغاربة مدينة القدس قبل 800 عام، حين طلب صلاح الدين الأيوبي من سلطان المغرب يعقوب المنصور تزويده بأساطيل بحرية لتسانده في تحرير المدينة من الصليبيين.
فجهّز سلطان المغرب أسطولا ضخما لمساندة الجيش الإسلامي في المشرق العربي، وكان ذلك عام 1187.
وتتابع: "شيخ الصوفية أبو مدين الغوث كان أول من استجاب لنداء الجهاد لمحاربة الصليبيين في بيت المقدس، وفقد ذراعه أثناء المعركة ودُفنت في مسجد زاويته وما يزال المقام الذي يحتضن يده ماثلا حتى اليوم".
واشتهر المجاهدون المغاربة ببسالتهم وصلابتهم، وخُلّد اسم "الغوث" في مدينة القدس، وسُميت زاوية المغاربة بزاوية أبي مدين الغوث نسبة له.
وتستطرد "المصلوحي": "بعد تحرير القدس كرّم صلاح الدين المجاهدين من بلاد المغرب العربي بإسكانهم في المدينة، وقال حينها "أسكنت هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة"، بحسب ما تحكي الروايات.
وخلال استضافتها لـ"وكالة سند للأنباء"، في غرفتها بزاوية أبي مدين الغوث، قالت "من أنكر أصله فلا أصل له، أعتز بجذوري المغربية لكنني مقدسية المولد والانتماء".
وتتابع: "نشأ والدي في قرية "تمصلوحيت" بمراكش في المغرب، ورست أقدامه فيما بعد في مدينة القدس بعد عودته من أداء فريضة الحج".
وتضيف: "كان لدى الحجاج المغاربة عادة تتمثل في وجوب التوجه بعد الانتهاء من الفريضة إلى المسجد الأقصى ثم الرجوع إلى بلادهم، وفضّل بعضهم البقاء في القدس خاصة مع وجود حي كبير للمغاربة فيها".
وتسرتسل: "كانت هذه الزاوية قبل حرب 67 مخصصة لاستقبال الحجاج المغاربة وإيوائهم والتكفل بمأكلهم، وكان للزاوية عدة أوقاف في المدن الفلسطينية، تموّل احتياجاتها من أجل خدمة الحجاج".
وفضّل والد "المصلوحي" مجاورة المسجد الأقصى المبارك، وتزوج من مقدسية وأنجب "عائشة" التي لا زالت تحتفظ بهويتها المقدسية وبوثائقها الشخصية المغربية.
نزوح قسري
"غصة في القلب لم يمحُها مرور سبعة عقود"، تقول "ضيفة سند"، مضيفة: "بعد حرب 1967 تبقت الآن تسع عائلات مغربية في الزاوية ولكل عائلة غرفة واحدة فقط مع منافعها".
وتشير "المصلوحي" إلى تفرق سكان 120 منزلا ملتصقا كانوا يشكلون حارة المغاربة لم يعد لهم أثر، فمنهم من نزح إلى المملكة الأردنية وما زال يعيش فيها".
ولم تتمكن حرب عام 1967 من تدمير ذاكرة سكان حارة المغاربة رغم تسوية منازلهم بالأرض، وتستذكر "المصلوحي" كلما أطلت من نافذة غرفتها على ساحة البراق تفاصيل الحي.
ودمّر الاحتلال حي المغاربة بشكل كامل عند احتلال القدس، وحوّلها لساحة صلاة لليهود بالقرب من حائط البراق.
وتستطرد ضيفتنا: "ذكريات حارة المغاربة التي لا تمحى، جمعت تفاصيل حياة حارتنا الدقيقة التي بعثرتها سلطات الاحتلال في ذاكرتي، أقوم بمراجعتها كل يوم بمخيلتي".
مايقات
هذا الواقع الصعب بالإضافة لتطاول المستوطنين المتطرفين وشرطة الاحتلال على من يسكنون الزاوية، تورد "المصلوحي" أنه "طوال فترة الأعياد اليهودية يتحول مدخل بيتي إلى ثكنة عسكرية وأتعرض للتفتيش الدقيق قبل السماح لي بالمرور".
لكنها تعتبر مكوثها في الزاوية "رباط وتشريف وتكليف بحماية القدس والمسجد الأقصى المبارك".
وتضيف:"لا أحد من العائلات المغربية الموجودة في الزاوية يريد مغادرتها، رغم مساحتها الضيقة فنحن ننتمي لهذا المكان".
وتربط الشعب المغربي مشاعر حب واهتمام بالقضية الفلسطينية، وترجم ذلك زيارة للمغرب لخمس سنوات للمقدسية "المصلوحي".
وعن تطبيع المغرب مع إسرائيل، تقول "عائشة" بابتسامة استهزاء: "هذا التطبيع هو تطبيع سياسي محض، والمستوى الشعبي يرفض هذا التطبيع ولا يمت له بصلة".
وترفض "المصلوحي" مغادرة القدس والاستقرار في المغرب رغم حملها للجنسية المغربية، قائلة:"أنا ما بترك القدس مسقط رأسي ومكان تربيتي غالي علي، والقدس ما إلها بديل".
أحلام عبدالله – وكالة سند للأنباء
لا يتمثل اليُتم في فقدان الأم والأب فقط، فإذا ما تلفتّ في حواري بلدة القدس القديمة، واقتادتك قدماك إلى حارة المغاربة أو ما تبقى منها، فستجد أنواعا شتى من اليُتم هناك.
لا نغوص في هذا التقرير عن يُتم هذه الحارة من الفلسطينيين، بل فيما هو أعمق، هو حرمان الحارة من أبنائها المغاربة الذين سكنوها منذ عهد صلاح الدين الأيوبي.
داخل غرفتها في "زاوية المغاربة" استضافت "وكالة سند للأنباء" المقدسية ذات الأصول المغربية عائشة المصلوحي، لتروي قصة حي المغاربة وصموده بمدينة القدس بعد احتلالها.
والزاوية، مكان معد للعبادة والإيواء وإطعام الواردين والقاصدين، وتعرف بأنها مدرسة دينية ودار مجانية للضيافة، تكونت واشتهرت في العصور الإسلامية المختلفة.
أصل الحكاية
تقول "المصلوحي": "ولدت في حي المغاربة بالقدس عام 1946، من أب مغربي وأم مقدسية، وكان الحي آنذاك يحتضن 138 عائلة من ليبيا والجزائر وتونس والمغرب".
ووطأت أقدام المغاربة مدينة القدس قبل 800 عام، حين طلب صلاح الدين الأيوبي من سلطان المغرب يعقوب المنصور تزويده بأساطيل بحرية لتسانده في تحرير المدينة من الصليبيين.
فجهّز سلطان المغرب أسطولا ضخما لمساندة الجيش الإسلامي في المشرق العربي، وكان ذلك عام 1187.
وتتابع: "شيخ الصوفية أبو مدين الغوث كان أول من استجاب لنداء الجهاد لمحاربة الصليبيين في بيت المقدس، وفقد ذراعه أثناء المعركة ودُفنت في مسجد زاويته وما يزال المقام الذي يحتضن يده ماثلا حتى اليوم".
واشتهر المجاهدون المغاربة ببسالتهم وصلابتهم، وخُلّد اسم "الغوث" في مدينة القدس، وسُميت زاوية المغاربة بزاوية أبي مدين الغوث نسبة له.
وتستطرد "المصلوحي": "بعد تحرير القدس كرّم صلاح الدين المجاهدين من بلاد المغرب العربي بإسكانهم في المدينة، وقال حينها "أسكنت هنا من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة"، بحسب ما تحكي الروايات.
وخلال استضافتها لـ"وكالة سند للأنباء"، في غرفتها بزاوية أبي مدين الغوث، قالت "من أنكر أصله فلا أصل له، أعتز بجذوري المغربية لكنني مقدسية المولد والانتماء".
وتتابع: "نشأ والدي في قرية "تمصلوحيت" بمراكش في المغرب، ورست أقدامه فيما بعد في مدينة القدس بعد عودته من أداء فريضة الحج".
وتضيف: "كان لدى الحجاج المغاربة عادة تتمثل في وجوب التوجه بعد الانتهاء من الفريضة إلى المسجد الأقصى ثم الرجوع إلى بلادهم، وفضّل بعضهم البقاء في القدس خاصة مع وجود حي كبير للمغاربة فيها".
وتسرتسل: "كانت هذه الزاوية قبل حرب 67 مخصصة لاستقبال الحجاج المغاربة وإيوائهم والتكفل بمأكلهم، وكان للزاوية عدة أوقاف في المدن الفلسطينية، تموّل احتياجاتها من أجل خدمة الحجاج".
وفضّل والد "المصلوحي" مجاورة المسجد الأقصى المبارك، وتزوج من مقدسية وأنجب "عائشة" التي لا زالت تحتفظ بهويتها المقدسية وبوثائقها الشخصية المغربية.
نزوح قسري
"غصة في القلب لم يمحُها مرور سبعة عقود"، تقول "ضيفة سند"، مضيفة: "بعد حرب 1967 تبقت الآن تسع عائلات مغربية في الزاوية ولكل عائلة غرفة واحدة فقط مع منافعها".
وتشير "المصلوحي" إلى تفرق سكان 120 منزلا ملتصقا كانوا يشكلون حارة المغاربة لم يعد لهم أثر، فمنهم من نزح إلى المملكة الأردنية وما زال يعيش فيها".
ولم تتمكن حرب عام 1967 من تدمير ذاكرة سكان حارة المغاربة رغم تسوية منازلهم بالأرض، وتستذكر "المصلوحي" كلما أطلت من نافذة غرفتها على ساحة البراق تفاصيل الحي.
ودمّر الاحتلال حي المغاربة بشكل كامل عند احتلال القدس، وحوّلها لساحة صلاة لليهود بالقرب من حائط البراق.
وتستطرد ضيفتنا: "ذكريات حارة المغاربة التي لا تمحى، جمعت تفاصيل حياة حارتنا الدقيقة التي بعثرتها سلطات الاحتلال في ذاكرتي، أقوم بمراجعتها كل يوم بمخيلتي".
مايقات
هذا الواقع الصعب بالإضافة لتطاول المستوطنين المتطرفين وشرطة الاحتلال على من يسكنون الزاوية، تورد "المصلوحي" أنه "طوال فترة الأعياد اليهودية يتحول مدخل بيتي إلى ثكنة عسكرية وأتعرض للتفتيش الدقيق قبل السماح لي بالمرور".
لكنها تعتبر مكوثها في الزاوية "رباط وتشريف وتكليف بحماية القدس والمسجد الأقصى المبارك".
وتضيف:"لا أحد من العائلات المغربية الموجودة في الزاوية يريد مغادرتها، رغم مساحتها الضيقة فنحن ننتمي لهذا المكان".
وتربط الشعب المغربي مشاعر حب واهتمام بالقضية الفلسطينية، وترجم ذلك زيارة للمغرب لخمس سنوات للمقدسية "المصلوحي".
وعن تطبيع المغرب مع إسرائيل، تقول "عائشة" بابتسامة استهزاء: "هذا التطبيع هو تطبيع سياسي محض، والمستوى الشعبي يرفض هذا التطبيع ولا يمت له بصلة".
وترفض "المصلوحي" مغادرة القدس والاستقرار في المغرب رغم حملها للجنسية المغربية، قائلة:"أنا ما بترك القدس مسقط رأسي ومكان تربيتي غالي علي، والقدس ما إلها بديل".