هنادي الحلواني.. رحلة علم ورباط وملاحقة في سبيل المسجد الأقصى
مسيرة هنادي الحلواني حافلة بالألم والتضحيات وعدم الاستقرار، ولا تكاد تدخل الأقصى أياما معدودة حتى يعاد اعتقالها وتحويلها للمحكمة وإبعادها مجددا عن مهوى قلبها المسجد الأقصى
الجزيرة نت - القدس المحتلة
منذ سنوات بات من البديهي أن يصادف كل زائر للمسجد الأقصى المبارك المرابطة والمعلمة في المسجد هنادي الحلواني ترابط على أبوابه وفي أروقته، تقرأ القرآن تارة وتنطلق ببث مباشر لوقائع الأذان من رحابه، وتصلي خارجه قسرا مع بلوغ عدد سنوات إبعادها عنه حتى الآن 7 سنين.
بابتسامة رقيقة، ترد على من يلقي عليها التحية، وتخفي خلفها فصول حكاية طويلة من ألم بعدها عن مهوى قلبها وتحديها وإصرارها على إكمال مسيرتها في نصرة ونشر قضية المسجد الأقصى.
ولدت المقدسية هنادي الحلواني عام 1980، وترعرعت في حي وادي الجوز بمنزل تطل شرفته الخارجية على الأقصى، وبدأ تعلقها بالمكان منذ نعومة أظفارها لمرافقتها الدائمة لجدتها لهذا المكان المقدس، الذي كان يعتبر المكان الأساسي لاجتماع الجيران والأقارب لأداء العبادات والترفيه.
عندما بلغت هنادي سن الثامنة كانت تجلس على الشرفة وتغني، ففوجئت بجدتها تبكي وعندما سألتها عن السبب أجابت الجدة "أتمنى أن أسمع صوتك الجميل هذا يصدح بالقرآن الكريم في المسجد الأقصى يوما".
لازمت هذه العبارة الطفلة حتى غدت شابة، وبعد زواجها التحقت بتخصص الخدمة الاجتماعية والأسرية في جامعة القدس المفتوحة، لكن صدى العبارة ظل يتردد في ذاكرتها خاصة وأن جدتها كانت تقول لها في صغرها إنها تتمنى لو أتيحت لها الفرصة لتعلم القرآن.
رحلة العلم والرباط
عام 2007 قررت الحلواني الالتحاق بدار القرآن في المسجد الأقصى، وكانت حينها حاملا بطفلها الأصغر حمزة الذي أكمل معها منذ ولادته مسيرة تعلم القرآن على مدى الشهور الستة الأولى من حياته.
وعن تلك الفترة قالت "حصلت على الإجازة القرآنية الأولى في ذلك العام، وواظبت على التوجه للأقصى، وقررت أنني بمجرد دخول حمزة للمدرسة سأهب وقتي للرباط في المسجد خلال وجود أبنائي بالدوام المدرسي".
أمنية الرباط في أولى القبلتين تحققت عام 2011 بالفعل مع انطلاق مشروع مصاطب العلم الذي سمعت عنه بالصدفة وقررت الانضمام إليه بأي وسيلة، وتقدمت بطلب للالتحاق به مُدرسة، وحين سُئلت عن سبب التقدم للمشروع في المقابلة قالت "حبي وعشقي للمسجد الأقصى" فتم قبولها مباشرة.
بدأت هنادي بنصاب حصة يوميا، لكنها كانت ترفض مغادرة المسجد وترابط فيه من السابعة صباحا حتى الثالثة عصرا، فشهدت على ولادة المشروع وتوسعه لاحقا بانضمام 600 امرأة لحلقات العلم.
وتحوّلت خلال عام من مدرّسة للقرآن إلى مركّزة مشروع مصاطب العلم في المسجد الأقصى والذي انبثقت عنه مشاريع أخرى كالمخيمات الصيفية التي ضمّت ألف طفل في المسجد خلال تلقي أمهاتهم علوم الدين المختلفة.
هكذا بدأت المخابرات وشرطة الاحتلال الإسرائيلية بملاحقة المرابطة الحلواني، وكانت باكورة الملاحقات تهديدها من ضابط مخابرات داخل المسجد الأقصى، حيث قال لها "أنا هنا لأقول لك إن وظيفتي الحفاظ على الهدوء في مكان للديانات الثلاث وليس للمسلمين وحدهم وأنت تثيرين الشغب فيه".
لم ترضخ لتهديداته ولم يتوقف هو عنها بالمقابل، فوسّع الدائرة بالاتصال بزوجها ووالدها وشقيقها وتهديدهم بضرورة ترك عملها في الأقصى، وعن ذلك قالت "أرهبهم دوري في المسجد من خلال توزيع حلقات العلم في الأماكن الحساسة التي يستهدفها المتطرفون داخل المسجد، ومن خلال حث النساء على الاعتراض على الاقتحامات وعدم الصمت".
في أواخر عام 2012 تم استدعاء الحلواني للتحقيق للمرة الأولى، وهُددت حينها بمنعها من السفر والعلاج، وقال لها الضابط حينها "حرام ابنتك آلاء تتزوج وأنت بعيدة عنها لأننا سننفيك إلى غزة أو تركيا ولن تدخلي القدس مجددا"، تقول الحلواني "وفي العام ذاته سلموني قرارا بالإبعاد شهرين عن الأقصى".
إصرار وثبات
ردّت الحلواني على قرار إبعادها بتعلم إجازة قرآنية جديدة، وتقدمت لامتحاناتها في الأردن، ثم عادت لنشاطها في الأقصى كما كانت مع علم جديد، وأطُلق عليها حينها لقب "فراشة الأقصى" في ظل تنقلها الدائم بين حلقات العلم المسؤولة عنها.
ومع حظر مشروع مصاطب العلم واعتبار المرابطات "تنظيما إرهابيا" عام 2015، أدرجت الحلواني مع عشرات النساء على "القائمة السوداء" الممنوعة من دخول المسجد، فحوّلت التسمية إلى القائمة الذهبية وطبعتها على أوشحة ذهبية ارتدتها كافة النساء، مما أغاظ المخابرات أكثر وجعلها عرضة لمزيد من التنكيل.
سطع نجم هنادي الحلواني في هبّتي باب الأسباط صيف عام 2017 وباب الرحمة شتاء عام 2019، وخلال الهبّة الأخيرة وبينما كانت مبعدة عن المسجد اقتحمت قوة كبيرة من المخابرات منزلها واقتادتها للتحقيق في مركز الشرطة.
وقالت "كنتُ خلال الهبّة أنشر بشكل مكثف على المنصات الاجتماعية عن تطورات الوضع وخطورته، وأناشد الأوقاف والملك الأردني، فقال لي المحقق: أنت سافرت إلى إندونيسيا والكويت والبحرين وتركيا وغيرها لتتكلمي عن الاحتلال وتجرين المقابلات الصحفية يوميا للهدف ذاته، لم أرد على كل ما قاله ثم قلت بهدوء لا حاجة لإرسال كل هذه القوة لاعتقالي وأنا مبعدة أصلا عن المسجد".
فردّ الضابط على ذلك بقوله "المرأة الأخطر في مدينة القدس تستدعي منا إرسال كل هذه القوات مع سائقين مدربين على سرعة عالية"، ومنذ ذلك الحين أدركت الحلواني أن الاحتلال يلاحقها ويستهدفها بناء على هذا اللقب الذي أطلقه هو عليها.
بسط حكايتها مع الانتهاكات يطول لكن أقسى ما تذكره منها تعريتها من ملابسها بالكامل في زنزانتها الانفرادية المزودة بكاميرات المراقبة لمدة ربع ساعة في أحد اعتقالاتها، وإجبارها قبل أشهر على حضور إحدى جلسات المحاكمة دون حجابها واضطرت لوضع الكمامة على رقبتها لتغطيتها بينما غطت رأسها بقطعة قطنية صغيرة.
بلغ مجموع اعتقالاتها وجلسات التحقيق معها منذ عام 2011 حتى الآن 62 اعتقالا وتحقيقا، بالإضافة إلى ما مجموعه 7 أعوام من الإبعاد عن المسجد الأقصى، و5 إبعادات أخرى عن البلدة القديمة، واقتحام منزلها وتدمير محتوياته أكثر من 12 مرة.
وعن رسالتها للنساء كامرأة مقدسية في اليوم العالمي للمرأة، ختمت هنادي الحلواني حديثها للجزيرة نت بقولها "بينما تحتفلن بيومنا العالمي يجب أن تعلمن أن نساء القدس مسلوبات من أبسط حقوقهن في وطنهن كحرية الحركة والعبادة ومنح الأمان لأطفالهن، أعيش بمنزل مستباح للاقتحام والتفتيش كل لحظة ويعتقلونني أمام زوجي وأطفالي باستمرار، فعن أي احتفال بيوم المرأة تتحدثون؟".
قبل أن تودعنا قالت الحلواني إنها توجهت مؤخرا لدراسة الماجستير في تخصص الديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة بيرزيت لعلها تتمكن من مساعدة النساء والأسرى ونصرتهم كما كرست حياتها لنصرة المسجد الأقصى منذ عقد من الزمن.
مسيرة هنادي الحلواني حافلة بالألم والتضحيات وعدم الاستقرار، ولا تكاد تدخل الأقصى أياما معدودة حتى يعاد اعتقالها وتحويلها للمحكمة وإبعادها مجددا عن مهوى قلبها المسجد الأقصى
الجزيرة نت - القدس المحتلة
منذ سنوات بات من البديهي أن يصادف كل زائر للمسجد الأقصى المبارك المرابطة والمعلمة في المسجد هنادي الحلواني ترابط على أبوابه وفي أروقته، تقرأ القرآن تارة وتنطلق ببث مباشر لوقائع الأذان من رحابه، وتصلي خارجه قسرا مع بلوغ عدد سنوات إبعادها عنه حتى الآن 7 سنين.
بابتسامة رقيقة، ترد على من يلقي عليها التحية، وتخفي خلفها فصول حكاية طويلة من ألم بعدها عن مهوى قلبها وتحديها وإصرارها على إكمال مسيرتها في نصرة ونشر قضية المسجد الأقصى.
ولدت المقدسية هنادي الحلواني عام 1980، وترعرعت في حي وادي الجوز بمنزل تطل شرفته الخارجية على الأقصى، وبدأ تعلقها بالمكان منذ نعومة أظفارها لمرافقتها الدائمة لجدتها لهذا المكان المقدس، الذي كان يعتبر المكان الأساسي لاجتماع الجيران والأقارب لأداء العبادات والترفيه.
عندما بلغت هنادي سن الثامنة كانت تجلس على الشرفة وتغني، ففوجئت بجدتها تبكي وعندما سألتها عن السبب أجابت الجدة "أتمنى أن أسمع صوتك الجميل هذا يصدح بالقرآن الكريم في المسجد الأقصى يوما".
لازمت هذه العبارة الطفلة حتى غدت شابة، وبعد زواجها التحقت بتخصص الخدمة الاجتماعية والأسرية في جامعة القدس المفتوحة، لكن صدى العبارة ظل يتردد في ذاكرتها خاصة وأن جدتها كانت تقول لها في صغرها إنها تتمنى لو أتيحت لها الفرصة لتعلم القرآن.
رحلة العلم والرباط
عام 2007 قررت الحلواني الالتحاق بدار القرآن في المسجد الأقصى، وكانت حينها حاملا بطفلها الأصغر حمزة الذي أكمل معها منذ ولادته مسيرة تعلم القرآن على مدى الشهور الستة الأولى من حياته.
وعن تلك الفترة قالت "حصلت على الإجازة القرآنية الأولى في ذلك العام، وواظبت على التوجه للأقصى، وقررت أنني بمجرد دخول حمزة للمدرسة سأهب وقتي للرباط في المسجد خلال وجود أبنائي بالدوام المدرسي".
أمنية الرباط في أولى القبلتين تحققت عام 2011 بالفعل مع انطلاق مشروع مصاطب العلم الذي سمعت عنه بالصدفة وقررت الانضمام إليه بأي وسيلة، وتقدمت بطلب للالتحاق به مُدرسة، وحين سُئلت عن سبب التقدم للمشروع في المقابلة قالت "حبي وعشقي للمسجد الأقصى" فتم قبولها مباشرة.
بدأت هنادي بنصاب حصة يوميا، لكنها كانت ترفض مغادرة المسجد وترابط فيه من السابعة صباحا حتى الثالثة عصرا، فشهدت على ولادة المشروع وتوسعه لاحقا بانضمام 600 امرأة لحلقات العلم.
وتحوّلت خلال عام من مدرّسة للقرآن إلى مركّزة مشروع مصاطب العلم في المسجد الأقصى والذي انبثقت عنه مشاريع أخرى كالمخيمات الصيفية التي ضمّت ألف طفل في المسجد خلال تلقي أمهاتهم علوم الدين المختلفة.
هكذا بدأت المخابرات وشرطة الاحتلال الإسرائيلية بملاحقة المرابطة الحلواني، وكانت باكورة الملاحقات تهديدها من ضابط مخابرات داخل المسجد الأقصى، حيث قال لها "أنا هنا لأقول لك إن وظيفتي الحفاظ على الهدوء في مكان للديانات الثلاث وليس للمسلمين وحدهم وأنت تثيرين الشغب فيه".
لم ترضخ لتهديداته ولم يتوقف هو عنها بالمقابل، فوسّع الدائرة بالاتصال بزوجها ووالدها وشقيقها وتهديدهم بضرورة ترك عملها في الأقصى، وعن ذلك قالت "أرهبهم دوري في المسجد من خلال توزيع حلقات العلم في الأماكن الحساسة التي يستهدفها المتطرفون داخل المسجد، ومن خلال حث النساء على الاعتراض على الاقتحامات وعدم الصمت".
في أواخر عام 2012 تم استدعاء الحلواني للتحقيق للمرة الأولى، وهُددت حينها بمنعها من السفر والعلاج، وقال لها الضابط حينها "حرام ابنتك آلاء تتزوج وأنت بعيدة عنها لأننا سننفيك إلى غزة أو تركيا ولن تدخلي القدس مجددا"، تقول الحلواني "وفي العام ذاته سلموني قرارا بالإبعاد شهرين عن الأقصى".
إصرار وثبات
ردّت الحلواني على قرار إبعادها بتعلم إجازة قرآنية جديدة، وتقدمت لامتحاناتها في الأردن، ثم عادت لنشاطها في الأقصى كما كانت مع علم جديد، وأطُلق عليها حينها لقب "فراشة الأقصى" في ظل تنقلها الدائم بين حلقات العلم المسؤولة عنها.
ومع حظر مشروع مصاطب العلم واعتبار المرابطات "تنظيما إرهابيا" عام 2015، أدرجت الحلواني مع عشرات النساء على "القائمة السوداء" الممنوعة من دخول المسجد، فحوّلت التسمية إلى القائمة الذهبية وطبعتها على أوشحة ذهبية ارتدتها كافة النساء، مما أغاظ المخابرات أكثر وجعلها عرضة لمزيد من التنكيل.
سطع نجم هنادي الحلواني في هبّتي باب الأسباط صيف عام 2017 وباب الرحمة شتاء عام 2019، وخلال الهبّة الأخيرة وبينما كانت مبعدة عن المسجد اقتحمت قوة كبيرة من المخابرات منزلها واقتادتها للتحقيق في مركز الشرطة.
وقالت "كنتُ خلال الهبّة أنشر بشكل مكثف على المنصات الاجتماعية عن تطورات الوضع وخطورته، وأناشد الأوقاف والملك الأردني، فقال لي المحقق: أنت سافرت إلى إندونيسيا والكويت والبحرين وتركيا وغيرها لتتكلمي عن الاحتلال وتجرين المقابلات الصحفية يوميا للهدف ذاته، لم أرد على كل ما قاله ثم قلت بهدوء لا حاجة لإرسال كل هذه القوة لاعتقالي وأنا مبعدة أصلا عن المسجد".
فردّ الضابط على ذلك بقوله "المرأة الأخطر في مدينة القدس تستدعي منا إرسال كل هذه القوات مع سائقين مدربين على سرعة عالية"، ومنذ ذلك الحين أدركت الحلواني أن الاحتلال يلاحقها ويستهدفها بناء على هذا اللقب الذي أطلقه هو عليها.
بسط حكايتها مع الانتهاكات يطول لكن أقسى ما تذكره منها تعريتها من ملابسها بالكامل في زنزانتها الانفرادية المزودة بكاميرات المراقبة لمدة ربع ساعة في أحد اعتقالاتها، وإجبارها قبل أشهر على حضور إحدى جلسات المحاكمة دون حجابها واضطرت لوضع الكمامة على رقبتها لتغطيتها بينما غطت رأسها بقطعة قطنية صغيرة.
بلغ مجموع اعتقالاتها وجلسات التحقيق معها منذ عام 2011 حتى الآن 62 اعتقالا وتحقيقا، بالإضافة إلى ما مجموعه 7 أعوام من الإبعاد عن المسجد الأقصى، و5 إبعادات أخرى عن البلدة القديمة، واقتحام منزلها وتدمير محتوياته أكثر من 12 مرة.
وعن رسالتها للنساء كامرأة مقدسية في اليوم العالمي للمرأة، ختمت هنادي الحلواني حديثها للجزيرة نت بقولها "بينما تحتفلن بيومنا العالمي يجب أن تعلمن أن نساء القدس مسلوبات من أبسط حقوقهن في وطنهن كحرية الحركة والعبادة ومنح الأمان لأطفالهن، أعيش بمنزل مستباح للاقتحام والتفتيش كل لحظة ويعتقلونني أمام زوجي وأطفالي باستمرار، فعن أي احتفال بيوم المرأة تتحدثون؟".
قبل أن تودعنا قالت الحلواني إنها توجهت مؤخرا لدراسة الماجستير في تخصص الديمقراطية وحقوق الإنسان في جامعة بيرزيت لعلها تتمكن من مساعدة النساء والأسرى ونصرتهم كما كرست حياتها لنصرة المسجد الأقصى منذ عقد من الزمن.